الجنيه الرقمي: قراءة اقتصادية للتطورات والتحديات

في عصر التكنولوجيا الحديث، يُظهر تحول الدول إلى النظام الرقمي أهمية كبيرة في تحقيق التقدم الاقتصادي والاجتماعي. يعكس هذا التحول تبني التكنولوجيا والابتكار كمحركين لتحسين جودة الحياة وتعزيز الشمول المالي. يساهم النظام الرقمي في تيسير حياة الناس من خلال جعل الخدمات المالية والحكومية أكثر إتاحة وفاعلية، تعزز هذه التطورات الشمول المالي من خلال تقديم حلول رقمية تمكن الأفراد من الوصول إلى الخدمات المالية بسهولة، سواء كان ذلك من خلال الحسابات الرقمية أو وسائل الدفع الإلكترونية.

ويسهم هذا التوجه في تحقيق التمويل للشرائح السكانية غير المصرفية، مما يدعم تحقيق التنمية المستدامة. بالإضافة إلى ذلك، يعزز التحول إلى النظام الرقمي التشفير وحماية البيانات، مما يعزز الأمان المالي ويقلل من فرص الاحتيال. يتيح هذا للمجتمعات تجربة أنظمة مالية أكثر فعالية وثقة. باختصار، يعد تحول الدول إلى النظام الرقمي وتعزيز الشمول المالي ليس فقط إجراءً فنيًا، بل يمثل ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة وتحسين مستوى حياة المجتمعات على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي.

يتطلع البنك المركزي المصري إلى إصدار “الجنيه الرقمي”، بالتعاون مع صندوق النقد والبنك الدوليين، ويعد هذا جزءًا من جهود الدولة لتعزيز التحول الرقمي في الاقتصاد. ويمكن للجنيه الرقمي أن يقدم فوائد مثل زيادة الكفاءة في التحويلات المالية، وتحسين الشمول المالي، وتعزيز مراقبة السلطات المالية. ويجري العديد من البنوك المركزية حول العالم تجارب ودراسات حول إمكانية وجدوى إصدار CBDCs. ومع أن بعض الدول قد أطلقت بالفعل نسخًا من العملات الرقمية الوطنية، إلا أن التطبيقات والاستخدامات تختلف من بلد إلى آخر.

والعملات الرقمية الرسمية هي نسخ رقمية من النقود تصدرها البنوك المركزية وتنظم العمل بها، وبالتالي فإنها ليست متقلبة مثل العملات المشفرة، وعلى عكس العملات المشفرة تتسم العملات الرقمية بدرجة أعلى من الاستقرار والأمان، ويعد الفرق الوحيد بين “الجنيه الرقمي” والجنيه العادي هو التداول الإلكتروني، حيث سيستخدم “الجنيه الرقمي” في المعاملات والمدفوعات الإلكترونية، كما أن الجنيه الرقمي لا يمكن أن يتحول إلى عملة ورقية، ولكن يمتلك قيمة مماثلة لقيمة الجنيه الورقي، وتلك القيمة ستتوفر في حساب العميل ليستخدمها في معاملاته الإلكترونية.

ويُطرح هنا سؤال مهم، وهو: كيف سيتم استخدام “الجنيه الرقمي”؟ سيتوفر استخدام “الجنيه الرقمي” عن طريق التطبيقات الإلكترونية على أجهزة الهاتف المحمول مثل “إنستا باي”، ويتيح استخدامه في التحويلات والتجارة وتبادل الأموال بين الأفراد والمؤسسات، مما يجعل التعاملات المصرفية والمالية أكثر سهولة، وهذا ما تم إثباته خلال العام الحالي بعد إطلاق تطبيق “إنستا باي” الذي قفز عدد عملائه إلى 71% خلال آخر 5 أشهر ووصل إلى 6.5 ملايين عميل في نوفمبر الجاري، كما بلغ حجم المعاملات المالية 650 مليار جنيه، ومن المتوقع وصولها إلى 800 مليار جنيه بنهاية ديسمبر الجاري.

تكمن أهمية العملات الرقمية للبنوك المركزية في توفير تكلفة التحويلات المالية عبر الحدود وتعزيز مرونة وكفاءة أنظمة الدفع، مما دفع صندوق النقد الدولي لتطوير منصة عالمية للعملات الرقمية بين البنوك المركزية عبر الحدود لمواجهة المخاطر المرتبطة بالتحول الرقمي، وفقًا لمديرة صندوق النقد الدولي، وحذرت من التباطؤ عن ملاحقة ركب العملات المشفرة من خلال البنوك المركزية مما يتسبب في فقدان فرص مالية عظيمة، بالإضافة إلى مخاطر أكبر على مستقبل الدول وبنوكها المركزية وعملاتها الوطنية بسبب تخلفهم عن ركب التقدم.

وشهد العالم إطلاق أول عملة رقمية رسمية قبل ما يقرب من ثلاثة عقود في عام 1993، والتي أطلقها بنك فنلندا المركزي تحت اسم بطاقات «أفانت» الذكية، وينضم الجنيه بذلك إلى أكثر من 100 عملة رقمية صادرة عن بنوك مركزية تمر بمرحلة البحث أو التطوير، اثنتان صدرتا بشكل كامل، وهما eNaira في نيجيريا، التي أُصدرت في أكتوبر 2021، و”ساند دولار” في جزر البهاما، الذي ظهر لأول مرة في أكتوبر 2020، بحسب بيانات صندوق النقد الدولي. وخلال العام الجاري، أعلنت الإمارات عن استراتيجية لإطلاق عملتها الرقمية، وتعاقدت مع شركتين لتقديم خدمات البنية التحتية والتكنولوجية للمشروع.

برزت العملات الرقمية كقوة تحويلية في المشهد المالي، حيث تتحدى المفاهيم التقليدية للمال وتُحدث ثورة في الطريقة التي نتعامل بها. يوفر تحليل SWOT (نقاط القوة والضعف والفرص والتهديدات) إطارًا شاملًا لتقييم العوامل الداخلية والخارجية التي تشكل مشهد العملات الرقمية. يهدف هذا التحليل إلى التعمق في الجوانب الرئيسية التي تحدد الوضع الحالي والآفاق المستقبلية للعملات الرقمية.

الكفاءة في المعاملات: يمكن أن يؤدي استخدام الجنيه الرقمي المصري إلى تبسيط المعاملات، مما يجعلها أسرع وأكثر كفاءة، خاصة في العصر الرقمي.

تقليل عمليات التزوير: غالبًا ما تأتي العملات الرقمية بميزات أمان متقدمة، مما يقلل من مخاطر التزييف مقارنة بالعملة المادية.

الشمول المالي: يمكن للعملة الرقمية أن تعزز الشمول المالي من خلال توفير القدرة على الوصول إلى الخدمات المصرفية للأشخاص الذين لم تكن لديهم حسابات مصرفية في السابق.

الاعتماد على التكنولوجيا: نجاح العملة الرقمية يعتمد بشكل كبير على البنية التحتية التكنولوجية. في المناطق التي تعاني من ضعف الاتصال بالإنترنت أو التكنولوجيا القديمة، قد يواجه التبني تحديات.

المخاوف الأمنية: الطبيعة الرقمية للعملة تجعلها عرضة للتهديدات السيبرانية والقرصنة. يعد ضمان اتخاذ تدابير قوية للأمن السيبراني أمرًا بالغ الأهمية لمنع الوصول غير المصرح به والاحتيال المالي.

مقاومة التغيير: قد يقاوم الناس التحول من العملة المادية إلى العملة الرقمية بسبب مخاوف بشأن الخصوصية أو الأمان، أو ببساطة تفضيل الأشكال التقليدية من المال.

الابتكار المالي: يؤدي إدخال الجنيه الرقمي المصري إلى فتح السبل أمام الابتكار المالي، مثل تطوير أنظمة الدفع الجديدة والتطبيقات وحلول التكنولوجيا المالية.

المعاملات عبر الحدود: العملات الرقمية تسهل المعاملات عبر الحدود، مما قد يؤدي إلى تحسين التجارة الدولية والتعاون الاقتصادي.

تنفيذ السياسة النقدية: يمكن للبنوك المركزية أن تتمتع بقدر أكبر من السيطرة المباشرة على المعروض النقدي وتنفيذ السياسات النقدية بفعالية باستخدام العملة الرقمية.

مخاطر الأمن السيبراني: الطبيعة الرقمية للعملة تعرضها لتهديدات الأمن السيبراني، بما في ذلك القرصنة والتصيد وغيرها من الأنشطة الضارة التي يمكن أن تعرض النظام المالي للخطر.

غياب التنظيم: قد يؤدي عدم وجود أطر تنظيمية ومبادئ توجيهية واضحة إلى شكوك قانونية واحتمال إساءة استخدام العملة الرقمية.الاضطرابات الاقتصادية: إن التبني السريع دون التخطيط والإعداد المناسب قد يؤدي إلى اضطرابات اقتصادية تؤثر على مختلف القطاعات وتتسبب في عدم الاستقرار.

المصدر : https://ecss.com.eg/38963/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M