القمة السابعة من منتدى الدول المصدرة للغاز: قمة التحديات والحلول

يتطلب الاستثمار في موارد الغاز الطبيعي مشاركة عالية لرأس المال، لذلك كان من الضروري إجراء حوار فعال ومستمر بين منتجي ومستهلكي الغاز الطبيعي؛ وذلك بهدف بناء رؤية استشرافية مشتركة تقر بالدور المتنامي للغاز الطبيعي في مزيج الطاقة العالمي، وذلك باعتباره مصدرًا تنافسيًا، يضمن الأمن الطاقي شريطة وجود تثمين أفضل وعادل للجميع.

ولذلك جاءت القمة السابعة لمنتدى الدول المصدرة للغاز لتشهد إجماعًا عالميًا على دعم الحقوق السيادية للدول الأعضاء على مواردها الغازية، والمساهمة في التنمية المستدامة وكذلك أمن الطاقة. وتختتم القمة أعمالها اليوم في الجزائر (والتي تم انعقادها في الفترة من 29 فبراير وحتى 2 مارس).

مدخل

يُشكل منتدى الدول المصدرة للغاز تجمعًا لأكبر الدول المصدرة للغاز في العالم، إذ يسعى إلى بناء آلية لحوار فعال بين منتجي الغاز ومستهلكيه، وذلك لضمان خلق حالة من الاستقرار والأمن في عاملي العرض والطلب في أسواق الغاز الطبيعي العالمية.

ويُمثل المنتدى فرصة حقيقية من أجل تبادل المعلومات والخبرات بين الدول الأعضاء المشاركة، فيما يخص كل ما يتعلق بصناعة الغاز الطبيعي، حاضرها ومستقبلها، بالإضافةإلى مناقشة أبرز التحديات التي تواجه القطاع الأكثر تأثرًا بالصراعات الحالية والتي يمر بها العالم، لا سيما في ظل التوترات الجيوسياسة المتنامية والتي تنعكس بشكل رئيس على إمدادات الطاقة وبالأخص الغاز الطبيعي، لا سيما بالنظر إلى التوترات في البحر الأحمر وما تحمله من سيناريوهات متعددة خلال العام الجاري.

مكانة منتدى الدول المُصدرة للغاز

بشكل عام، يسعى المنتدى -الذي تأسس رسميًا في عام 2001– إلى بناء آلية لحوار هادف بين منتجي الغاز ومستهلكيه؛ وذلك من أجل تحسين استقرار وأمن العرض والطلب في أسواق الغاز العالمية بشكل عام. حيث تتبلور رؤية المنتدى في 4 أهداف استراتيجية وهي كالتالي:

  • توسيع دور الغاز الطبيعي في التنمية المستدامة.
  • تعزيز القيمة العادلة للغاز الطبيعي.
  • تطوير التقنيات الحديثة في صناعة الغاز.
  • تعزيز المكانة الدولية لمنتدى الدول المصدرة للغاز بصفته منصة عالمية للحوار في شؤون الطاقة.

وعليه، يحتل منتدى الدول المصدرة للغاز GECF  مكانة كبيرة ومهيمنة في أسواق الطاقة العالمية؛ إذ تمثل الدول الأعضاء نسبة حوالي 72% من احتياطيات الغاز العالمية المؤكدة، أو ما يُعادل حوالي 144.7 تريليون متر مكعب في عام 2023، وحوالي 42% من الإنتاج المسوق، ما يوازي حوالي 1.74 تريليون متر مكعب في العام الماضي، كما يوضح الشكل التالي كبار مصدري الغاز في العالم.

واستكمالًا لما سبق، يضم المنتدى أكثر 3 دول امتلاكًا لاحتياطيات الغاز عالميًا، وهي: روسيا بنحو حوالي 47.59 تريليون متر مكعب بنهاية عام 2023، تليها إيران، ثم قطر، بنحو حوالي 33.98 و23.83 تريليون متر مكعب على التوالي.

وكذا تُشكل دول المنتدى حوالي 55% من الصادرات عبر خطوط الأنابيب (367.8 مليار متر مكعب عام 2023)، وحوالي 50% من صادرات الغاز الطبيعي المسال حول العالم (272.2 مليار متر مكعب عام 2023)،كما يوضح الشكل التالي أهمية منتدى الدول المصدرة للغاز.

محاور قمة منتدى الدول المصدرة للغاز السابعة

ركزت قمة منتدى الدول المصدرة للغاز السابعة اهتمامها على مجموعة من المحاور الأساسية، إذ تضمن جدول الأعمال بحث آليات التعاون بين الدول الأعضاء لضمان الأمن الطاقي العالمي، وأهمية تحقيق التوازن بين العرض والطلب تحت مبدأ عام، هو خدمة المصلحة المشتركة، وتعزيز إسهام الدول المستوردة والمستهلكة للغاز، من خلال الاستثمار وتمويل المشروعات المستقبلية.

ووفقًا لما سبق، من مكانة منتدى الدول المصدرة للغاز، تهدف القمة الحالية إلى تفعيل تأثير الدول الأعضاء باستقرار السوق الغازية، ولذلك تطرق الاجتماعات بشكل دوري إلى الأسس الأولى لتنظيم منتجي ومصدري الغاز على غرار تلك المعمول بها في منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك، لتجسيد تأثيرها في السوق الغازية العالمية، ومواجهة التحديات التي تواجهها، لاسيما في مجال تنظيم وتحديد الأسعار.

وقد شهدت أسواق الغاز الطبيعي العالمية تحولات جوهرية، مدفوعة بالعديد من الصدمات المتتالية خلال السنوات الـ4 الماضية؛ إذ أدت جائحة كورونا في بداية عام 2020 إلى انخفاض الأسعار بشكل حاد، وكذلك تراجع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي، ثم بعد ذلك التعافي الاقتصادي في 2021، والتوترات الجيوسياسية في 2022، وبداية الحرب الروسية الأوكرانية؛ ما أسفر عن ارتفاع قياسي لأسعاره.

التحديات التي تواجه القمة السابعة

تأتي القمة السابعة من منتدى الدول المصدرة للغاز في وقت تشهد فيه أسواق الغاز العالمية توترًا إقليميًا ودوليًا حادًا، لا سيما في أعقاب توترات البحرالأحمر، وذلك بسبب الهجمات التي نفذها الحوثيون ضد السفن التجارية العابرة للمنطقة احتجاجًا على العدوان الإسرائيلي على غزة.

وبسبب التوترات في البحر الأحمر والهجمات المستمرة، علقت قطر إمدادات الغاز الطبيعي المسال عبر البحر الأحمر، وهو الظرف الذي قد يكون له تداعيات خطيرة على وجه الخصوص على السوق الأوروبية خلال العام الجاري.

وبالإضافة إلى الأمن والاستقرار الإقليميين، فإن هجمات الحوثيين التي بدأت في نهاية نوفمبر من العام الماضي تسببت في ارتفاع أسعار الطاقة (النفط الخام والغاز الطبيعي)، وأكثر المتضررين من التصعيد هي الدول الأوروبية، وبشكلرئيس تلك المطلة على البحر الأبيض المتوسط.

وعليه، يمكن القول إن القمة السابعة لمنتدى البلدان المصدرة للغاز، تكتسي أهمية بالغة، في ظل الأوضاع الجيوسياسية الراهنة، بالإضافةإلى الدور الحيوي الذي تلعبه الجزائر حاليًا كمصدر رئيس وموثوق للغاز الطبيعي وكبلد رائد في أسواق الطاقة العالمية.

استكمالًا لما سبق، سجلت تجارة الغاز الطبيعي المسال العام الماضي رقمًا قياسيًا، حيث بلغت حوالي 399 مليون طن بنسبة نمو حوالي 6.8%، فيما بلغت قدرة تسييل الغاز عالميًا حوالي 478.4 مليون طن سنويًا بنسبة نمو حوالي 4.3% خلال العام الماضي، حيث يوضح الشكل التالي واردات الغاز المسال وذلك طبقًا لبلد المنبع.

حيث تتضمنت قائمة أكبر الموردين للغاز الطبيعي عبر خطوط الأنابيب بعد روسيا كلًا من النرويج بنسبة حوالي 22% والجزائر بنسبة حوالي 9%، بينما تلبي واردات الغاز المسال بنسبة حوالي 18% من احتياجات الاتحاد، وتأتي في الغالب من الولايات المتحدة الأمريكية وقطر ومصر.

فقد كان الغاز المسال بمثابة طوق النجاة الذي أنقذ الدول الأوروبية من أسوأ أزمة طاقة في تاريخها، والذي من دونه كان سينتهي المطاف بأوروبا بلا إمدادات كافية من الطاقة، وبالأخص الغاز الطبيعي، وهو ما يعني أنها كانت مهددة بمواجهة سيناريو أقل ما يمكن وصفه بالكارثي، حيث يوضح الشكل التالي صادرات الغاز المسال من الولايات المتحدة وأستراليا وقطر.

أكدت الدول الأعضاء في منتدى الدول المصدرة للغاز (القمة السابعة) على أن الطلب على الغاز يسجل تناميًا، بالرغم من سياسات بعض الدول المناهضة للوقود الأحفوري، وزيادة الإنتاج من الطاقات النظيفة.

وعليه، يتوقع منتدى الدول المصدرة للغاز زيادة مستدامة في استهلاك الطاقة الأولية على مدى العقود الـ3 المقبلة، إذ يرتكز النمو على ارتفاع عدد سكان العالم وتضاعف حجم الاقتصاد العالمي بحلول عام 2050. حيث تشير التوقعات إلى زيادة في استهلاك الغاز الطبيعي بنسبة حوالي 34%، إذ سيسهم الغاز الطبيعي في مزيج الطاقة العالمي بنسبة  حوالي 23% إلى 26% بحلول عام 2050.

وبالنظر إلى قبول عضوية السنغال وموريتانيا، نجد أناكتشافات الغاز الطبيعي في كل من موريتانيا (صفة عضو دائم) والسنغال (صفة مراقب)، ستعطي قوة أكبر لقارة أفريقيا، فيما يتعلق بتعزيز صادراتها من الغاز مستقبلًا، بالإضافة إلى زيادة في حجم الدور الذي يلعبه منتدى الدول المصدرة للغاز وفرض حالة من الهيمنة على الأسواق المرتبطة بالغاز الطبيعي خلال السنوات المقبلة، كما يوضح الشكل التالي مكانة الدول العربية في صناعة الغاز الطبيعي.

واستكمالًا لما سبق، تم تدشين معهد أبحاث الغاز التابع لمنتدى الدول المصدرة للغاز بالعاصمة الجزائرية، والذي يأتي نتاج اتفاق دول المنتدى على توسيع تعاونها على المستوى الاستراتيجي والتكنولوجي؛ إذ إن للمعهد المقترح 4 أهداف رئيسة، وهي تتلخص في النقاط التالية:

  • توفير إطار للتعاون العلمي والتكنولوجي بين الدول الأعضاء.
  • تشجيع استعمال التكنولوجيا والتطوير على طول سلسلة قيمة الغاز لتحسين التنافسية بالسوق العالمية.
  • إجراء برنامج بحثي حول التكنولوجيات المتعلقة بالغاز الطبيعي.
  • توفير التدريب التقني للعاملين في مجال الغاز بالدول الأعضاء.

وعليه، سيشكل المعهد التابع لمنتدى الدول المصدرة للغاز أداة تهدف إلى تحفيز تعاون علمي مشترك بين الدول الأعضاء في ميادين البحث والابتكار التكنولوجي المختلفة، وذلك من أجل تطوير صناعة الغاز الطبيعي، لا سيما من خلال المشاريع ذات الأولوية المشتركة التي تهدف إلى بناء أنظمة طاقية مرنة ومستدامة.

وأمام ما تقدم،ألقى المهندس طارق الملا وزير البترول والثروة المعدنية كلمة مصر خلال فعاليات القمة السابعة لرؤساء دول وحكومات منتدى الدول المصدرة للغاز بالجزائر والتى بدأت باجتماع وزارى استثنائي، حيث جاءت الكلمة تأكيدًا على الدور المهم للغاز الطبيعي ضمن مزيج الطاقة العالمي كوقود نظيف في تحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، وتلبية الاحتياجات العالمية المتزايدة من الطاقة وتأمين حصول الجميع على مصادر موثوقة ومستدامة وبأسعار معقولة للجميع.

وأكدت كلمة مصر كذلك أهمية جهود منتدى الدول المصدرة للغاز في تعزيز دور الغاز الطبيعي لتسهيل التحول الطاقي التدريجي وخفض الانبعاثات؛ إذيُشكل المنتدى منصة مهمة ونموذجًا رائدًا للتعاون والحوار بشأن صناعة الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى أهمية مواصلة العمل المشترك لتحقيق أهدافنا المناخية المشتركة بالتوازي مع تأمين الطاقة التي يحتاجها العالم لدفع التقدم والازدهار لمختلف الدول.

وفي ظل التقدم الذي يشهده قطاع الطاقة في مصر، أكدت الكلمة أن مصر تواصل الإصلاحات الاقتصادية بالإضافة إلى العمل على تحسين مناخ الاستثمار في البلاد، ودعم القطاع الخاص، ودفع جهود البلاد نحو الطاقة الخضراء، وتشجيع مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة.

مجمل القول، الغاز الطبيعي هو مصدر طاقة متعدد الاستخدامات ومتداخل بشكل رئيس في كل الصناعات الاستراتيجية، ومن المتوقع أن يظل لا غنى عنه لعقود قادمة، وذلك باعتباره شريكًا استراتيجيًا لمصادر الطاقة المتجددة، وعليه يمكن القول، بأن الغاز الطبيعي يستعد للعب دور مركزي ورئيس في تعزيز التحول العادل للطاقة. فضلًا عن أن استخدام الغاز الطبيعي، كمادة أنظف، يقدم العديد من المزايا، إذ يسهم في الحد بشكل كبير من الانبعاثات، وفي الواقع، ليس من قبيل الصدفة أن يُشكل الغاز الطبيعي عنصرًا أساسيًا في العديد من الصناعات.

وفي الأخير، سيظل دور الغاز الطبيعي محوريًا ورئيسًا فيما يتعلق بمزيج الطاقة وفرص زيادة مساهمته سواء على المدى القصير أو المتوسط أو الطويل، كأحد الحلول المتاحة والمطروحة دائمًا على طاولة الحوار بشكل دائم، وذلك بهدف الوصول إلى التوازن بين المتطلبات البيئية والآمال المتعلقة على الغاز الطبيعي لدفع معدلات النمو الاقتصادي، بالإضافة إلى تسهيل عمليات التحول الطاقي.

ولذلك فإن القمة تُمثل فرصة حقيقية لإرساء رؤية استشرافية حول إنتاج وتسويق الغاز الطبيعي تمتد إلى آفاق عام 2050.

 

المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/80976/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M