تجاوز المستنقع الدبلوماسي.. انضمام السويد لحلف الناتو

في تصويت تاريخي، وبعد أشهر من المفاوضات التي اتسمت بكونها شبه مستحيلة، تم التصديق بالموافقة التي طال انتظارها على طلب “السويد” من قبل المجر بالانضمام لحلف شمال الأطلسي، لتصبح الدولة الـ 32 التي تدخل تحت راية الحلف. وبهذا الانضمام ستتم إثارة العديد من التحديات في ظل استمرار الحرب الروسية الأوكرانية التي كان أهم أسباب قيامها هو رفض الرئيس الروسي نمو هذا الحلف والتهديد بتقويضه مهما كلف الأمر.

“المجر” مفتاح دخول السويد لحلف شمال الأطلسي

بعد 19 شهرًا من المفاوضات والوعود والخطابات العدائية، وبين انفراجات وتضييقات خيمت على مطالب ستوكهولم بالانضمام لحلف شمال الأطلسي، صدقت المجر التي كانت بمثابة العقبة المتبقية في طريق السويد -بعد تركيا- على انضمام السويد للحلف، بأغلبية 188 صوتًا من البرلمان مقابل 6.

وذلك بالرغم من سرعة موافقتها على طلب فنلندا في مارس العام الماضي، الأمر الذي فتح تساؤلات عدة حول جدوى التباطؤ من اتخاذ القرار إذا كانت النهاية ستكون بالموافقة، وهذا ما يجعلنا نسلط الضوء أكثر على أسباب الرفض بالأساس.

برزت أسباب رفض المجر لانضمام السويد في عدة محافل، تكاد تكون تقريبًا في كل مرة يتم التلميح إلى طلب الانضمام في الاجتماعات الخاصة بالحلف، وقد صرح رئيس الوزراء المجري “فيكتور أوربان” أن بلاده ترفض رفضًا قاطعًا مسألة الانضمام بسبب تفسيرات رآها المراقبون مبالغًا فيها، خاصة هجوم المعارضة السويدية على الحكومة المجرية وتحديدًا حزب “فيدس” الحزب الذي يمثله “أوربان”، والذي ترى فيه أنه يتسبب بحالة من التراجع الديمقراطي بالبلاد،د.

هذا بجانب الشكاوى المتعلقة بالإشارة إلى المجر بشكل غير لائق في الكتب الدراسية في المدارس السويدية، بالإضافة  إلى أمر آخر يعتبره “أوربان” ثأرًا شخصيًا، وذلك في عام 2019، عندما وجه “أولاف كريسترسون”، رئيس وزراء السويد، ضربة مهينة “لأوربان” من خلال دعم الدعوات لطرد “حزب فيدس” من كتلة المشرعين الوسطيين في البرلمان الأوروبي، الأمر الذي قابله “أوربان” بانسحاب الحزب تجنبًا لإذلال الطرد.

ولكن بالنظر إلى المشهد السياسي الذي تحكمه المصالح في أغلب الأوقات، استخلص المراقبون أن سبب الرفض يدور وراء إما وجود صفقة سرية بين “أوربان” والرئيس الروسي فلاديمير بوتين –الذي تجمعه به صداقة قوية، هذا بجانب موقفه من الحرب الروسية الأوكرانية المائل للصالح الروسي- لعرقلة توسع الحلف، أو رغبة “أوربان” في تسليط الضوء على بلاده البالغ عدد سكانها 10 ملايين نسمة وتمثل نحو 1% فقط من الناتج الاقتصادي للاتحاد الأوروبي، أو أن تكون هناك رغبة من قبل المجر في أن تقوم السويد بتقديم شيء في المقابل كبادرة على حسن النية.

وبالفعل تغيرت لغة الهجوم والرفض عندما قدمت السويد طائرات مقاتلة إضافية من طراز “جريبن” إلى المجر، وإعلان شركة “ساب” المصنعة للطائرات بأنها ستفتتح مركز أبحاث للذكاء الاصطناعي في المجر.

وهي الصفقة التي لاقت ترحيبًا من قبل “أوربان”، معلنًا بعدها لأول مرة أن السويد ستكون حليفًا قويًا وموثوقًا ومن شأنها تعزيز مصالح المجر في أمن أوروبا، بالرغم من أن هذه الصفقة كان يعد لها قبل أشهر، ولم يكن لها علاقة معلنة بعضوية السويد في التحالف الغربي، ولكنها في النهاية أصبحت مرتبطة بقضية الناتو كنوع من التبرير المجري لسياسة العرقلة التي تنتهجها.

ولكن تجدر الإشارة إلى أن المجر لم تستخدم هذه السياسة فقط مع الحالة السويدية، فلسنوات عدة كانت علاقة المجر بالاتحاد الأوروبي –وما زالت- تتسم بتحدي الرأي السائد للاتحاد والتأكيد على السيادة المجرية، ولعل أبرز معالم هذه السياسة تأتي من موقف السويد من أوكرانيا في حربها مع روسيا، فنجد أن المجر دائمًا ما تعرقل أو تعترض على حزم المساعدات المالية المقدمة لكييف كنوع من أنواع الضغط لتحقيق مطالب شخصية من الاتحاد، كالإفراج مثلًا عن مليارات الدولارات من التمويل المجمد لبودابست.

أما تركيا، فكما ذكرنا أنها كانت العقبة ما قبل الأخيرة في طريق الانضمام السويدي للحلف، وكانت أسباب الرفض تتمحور حول أسباب دينية بسبب تساهل القانون السويدي مع إهانة القرآن الكريم والسماح بتوغل ظاهرة “الإسلاموفوبيا”، هذا بجانب إيواء السويد للمنشقين الأتراك الذين تعتبرهم تركيا إرهابيين، وهذان الأمران اللذان كانت تركيا تستخدمهما كورقة ضغط بجانب الضغط على الولايات المتحدة لتمرير صفقة الطائرات “F-16” لإسطنبول.

ذلك حتى صدر قانون جديد بتجريم إهانة المقدسات الإسلامية من قبل البرلمان السويدي، واتخذت السويد خطوات نحو تعديل الدستور للسماح بقوانين أكثر صرامة لمكافحة الإرهاب، وتعهدت إدارة “بايدن” بضمان موافقة الكونجرس الأمريكي على صفقة الطائرات المقاتلة بقيمة 23 مليار دولار، وعليه صوت البرلمان التركي بأغلبية 287 صوتًا بالموافقة مقابل 55 صوتًا وامتنع 4 أعضاء من التصويت في المجلس المؤلف من 600 عضو.

ومن هنا يمكن استخلاص أن المعارضة التركية والمجرية لعضوية السويد قد سلطت الضوء على أمر مهم يراه الكثيرون بمثابة الصدع الأكبر داخل حلف شمال الأطلسي، ألا وهو عدم نظر الدول الأعضاء إلى روسيا باعتبارها تهديدًا أمنيًا رئيسًا، وإنما تحولت محددات العضوية والانضمام للتحالف إلى قضايا ومصالح داخلية أوسع نطاقًا تجدر حلها للموافقة على الانضمام، حتى لو كانت هذه القضايا تشغل بال مصالح الأقليات داخل هذه الدول، وباستمرار انتهاج هذه السياسة، قد نشهد عرقلة ممتدة المدى لعضوية أوكرانيا وجورجيا المعلقتين حتى الآن.

ماذا تضيف السويد إلى ترسانة الناتو العسكرية؟

تأسس الناتو في الرابع من أبريل عام 1949 كنوع من الرد على آثار الحرب العالمية الثانية، وتم تشكيله من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وكندا و10 دول أوروبية، ويلتزم الحلف بالدفاع عن كل دولة في العضو ضد الهجمات التي تشنها أطراف ثالثة، وفقًا للمادة الخامسة التي تنص على أن “الهجوم على إحدى الدول الأعضاء يعتبر هجومًا عليها جميعا”، سواء كان الهجوم من قبل دول أو منظمات إرهابية، ويقع المقر الرئيس لحلف شمال الأطلسي في بروكسل ببلجيكا، وتقوم الدول الأعضاء بتمويل جهود الناتو من خلال نسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي الوطني.

وقد أعادت الحرب الروسية الأوكرانية التي دخلت عامها الثالث هذا الشهر الحاجة إلى تشكيل التحالف العسكري، خاصة وأن الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” قد استشهد بانتشار الحلف شرقًا كسبب رئيس لغزو أوكرانيا، وبالرغم من أن هذه الحرب قد أثرت بالسلب على القارة الأوروبية بشكل كبير، فإنها قد أعادت تحفيز التحالف من جديد.

وعلى الرغم من أن الحلف لا يقدم مساعدات عسكرية مباشرة لأوكرانيا، فإن دول الناتو، بقيادة الولايات المتحدة، أكبر مانح بشكل عام، أرسلت معدات بقيمة عشرات المليارات من الدولارات، كما  تناقش جميع الدول الأعضاء في الناتو المساعدات العسكرية لأوكرانيا في اجتماعات شهرية، هذا بجانب المساعدة في تنسيق طلبات أوكرانيا للمساعدات الإنسانية، وقد وصلت قيمة ما قدمه الحلف لأوكرانيا منذ بداية الحرب وحتى الآن حوالي 175 مليار دولار.

وبانضمام السويد ومن قبلها فنلندا، واللتين لطالما تبنتا موقف عدم الانحياز من الصراعات العسكرية هذا بجانب علاقتهما الممتدة مع روسيا، نجد أن الأمر من شأنه التأثير أولًا على السياسة الخارجية للبلدين، وإرسال رسالة لروسيا مفادها عدم الموافقة على غزو أوكرانيا.

أما على الصعيد الداخلي للحلف، فنجد أن البيئة الأمنية للحلف في شمال أوروبا والقطب الشمالي قد تغيرت، إذ توسع التزام الناتو بالدفاع الجماعي عن 830 ميلًا إضافية من الحدود المشتركة مع روسيا، لنجد أن الحلف بتشكيله الجديد قد رسم “مشنقة” حول بحر البلطيق، أو يمكن أن نطلق عليها الآن “بحر الناتو”، وعليه فنحن أمام فوائد سياسية لانضمام السويد يكمن أبرزها في:

  • رمزية سياسية شديدة ورسالة للدول التي لم تعلن موقفها من الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى إعادة ترتيب حسابات الكرملين، خاصة وأن السويد وفنلندا تخلتا عن الحياد المتبع لعقود.
  • زيادة هيمنة حلف شمال الأطلسي على البحر الأسود، ما يعني “ضمان الإنتاجية اللوجستية عبر شبه الجزيرة الإسكندنافية”، خاصة وأن السويد لديها من الخبرة لكيفية مواجهة الرغبة الروسية في السيطرة على جيرانها.
  • الموقع الجغرافي للسويد يجعلها جزءًا أساسيًا من أي خطط دفاعية لحلف شمال الأطلسي؛إذ إنها يمكن أن تكون بمثابة طريق عبور بري لتعزيز كل من النرويج وفنلندا، بينما تسمح أيضًا للحلف بالسيطرة إلى حد كبير على بحر البلطيق في أي صراع محتمل مع روسيا، وهذا يوفر خيار تعزيز بحري بديل لدول البلطيق بخلاف الخيار البري “الضعيف” بين بولندا وليتوانيا، وهي الحدود الواقعة بمنطقة كالينينجراد التي تخضع للسيطرة الروسية والبلاروسية، والتي تم تحويلها لواحدة من أكثر المناطق عسكرة في أوروبا بها صواريخ ذات قوة نووية.

أما عن قدرات الجيش السويدي العسكرية وما يمكن أن يضيفه لقدرات الناتو العسكرية، نجد أننا أمام:

  • قوات مسلحة تتكون من حوالي 24 ألف فرد نشط بجانب 11.4 ألف احتياطي، و21 ألف من الحرس الداخلي، وبحلول عام 2025، تخطط ستوكهولم لتجنيد 8 آلاف مجند احتياطي سنويًا، بدلًا من 6 آلاف مجند في الوضع الحالي.
  • قوات عسكرية ذات قدرة عالية مع قدر كبير من التكنولوجيا المتطورة، إذ يتم دعم وحدات المشاة السويدية بحوالي 500 مركبة مشاة قتالية مدرعة، بما في ذلك CV-90 الحديثة، وقد أرسلت ستوكهولم 51 طائرة من طراز CV-90 إلى أوكرانيا في عام 2023 لتستخدمها القوات الأوكرانية، وأرسلت 120 دبابة قتال ألمانية الصنع من طراز “ليوبارد 2″، وسط تأكيدات أن ما لا يقل عن “عُشر” هذه الدبابات تم التبرع بها أيضًا لأوكرانيا.
  • يمكن للقوات السويدية استدعاء 26 نظام مدفعية “آرتشر” ذاتية الدفع عيار 155 ملم، مصممة لتكون عالية الحركة لتجنب نيران البطاريات المضادة، كما يمكن لمشغليها أيضًا تعديل زاوية النار وعدد الشحنات لجعل القذائف الثلاث تهبط في وقت واحد، وقد تبرعت السويد بثمانية منها لأوكرانيا.
  • يمكن للقذائف الأطول مدى” M982 Excalibur” الموجهة أمريكية الصنع، والتي تمتلكها السويد أن تصل إلى أهداف تصل إلى مسافة تصل إلى 31 ميلًا.
  • لا يمكن إغفال القوات الجوية والبحرية الهائلة التي تمتلكها السويد، فهي مصممة لتغطية ساحلها البالغ طوله 2000 ميل، بجانب بحر البلطيق، بالإضافة إلى المجال الجوي الممتد إلى منطقة القطب الشمالي.
  • تمتلك السويد حوالي 100 طائرة مقاتلة من طراز “Saab JAS 39 Gripen”، والتي تعد واحدة من أكثر المنصات تنوعًا في العالم الغربي، مع العلم أن هذه الطائرة تحديدًا لا تزال قيد الدراسة لإرسالها إلى أوكرانيا، كون تصميمها يراعي في الاعتبار القدرات الروسية المتقدمة، خاصة صواريخ “أرض-جو” والطائرات السريعة.
  • تمتلك السويد أيضًا أربع طائرات استطلاع: طائرتان من طراز “Gulfstream G-IV” مجهزتان لاستخدام استخبارات الإشارات، وطائرتان من طراز “Saab 340 AEW&C” للإنذار المبكر وقدرات التحكم المحمولة جوًا، وكل ما سبق دفاعًا عن الجو.
  • فيما يخص الدفاع عن الأرض، تمتلك السويد أربع بطاريات من أنظمة “باتريوت” أرض-جو أمريكية الصنع مع صواريخ اعتراضية من طراز “PAC-3” يصل مداها إلى حوالي 75 ميلًا، ويمكنها معالجة التهديدات قصيرة المدى من خلال استخدام منصات “IRIS-T SLS” و”RBS 23″ و”RBS 70″.
  • أما فيما يتعلق بالدفاع البحري، فسوف تلعب السويد دورًا رئيسًا في سيطرة الناتو على بحر البلطيق الذي يخدم الموانئ الروسية الحيوية في سان بطرسبرج وكالينينجراد، وستكون الغواصات السويدية ذات أهمية خاصة في هذه الحالة؛ إذ تمتلك السويد حاليًا أربع سفن، ثلاث سفن من طراز “جوتلاند” وغواصة واحدة تعمل بالديزل والكهرباء من طراز “سودرمانلاند”، ومن المتوقع أن يتم تعزيزهما بغواصتين هجوميتين جديدتين من طراز “A26” التي من المقرر إطلاقها في عامي 2027-2028.
  • الغواصات السويدية مصممة للعمل في مياه بحر البلطيق الضحلة، مقارنة بغواصات الدول الأعضاء الأكبر في حلف شمال الأطلسي المستخدمة في المياه العميقة في أماكن أخرى، وهذا سيساعد التحالف في سعيه لتتبع السفن الروسية ومنع التطورات في قاع البحر مثل تخريب خطوط أنابيب نورد ستريم والتدخل في كابلات الاتصالات الحيوية تحت البحر.
  • تشمل السفن السويدية الأخرى سبعة طرادات من طراز “Visby”، والتي توفر قدرات دفاع جوي كبيرة قصيرة المدى، بجانب ثماني كاسحات ألغام وسفينة دورية كبيرة وأكثر من اثنتي عشرة سفينة دورية أصغر.
  • تعمل السويد على زيادة الإنفاق العسكري، ومن المتوقع أن تمنح الناتو حوالي 2% من ناتجها المحلي لهذا العام.

وإجمالًا، يمكن القول إن انضمام السويد لحلف شمال الأطلسي يأتي في وقت حرج بالنسبة للحلف ولأوكرانيا بشكل خاص، في ظل جاهزية القوات الروسية في موقع الهجوم، واحتمالية بدئه في أي وقت، هذا بجانب تأخر المساعدات العسكرية من قبل أكبر مانح –الولايات المتحدة- بسبب التورط في سياسة الانتخابات الأمريكية، والتي بالمناسبة قد تغير الموازين بشكل مفاجئ حال عودة ترامب، خاصة وأن الرئيس السابق قد لوح بتهديداته أنه سيسمح لروسيا أن تقترب من الدول الأعضاء في الناتو التي لا تلتزم بالإنفاق العسكري للحلف، الأمر الذي يثير مخاوف عدة من أن الولايات المتحدة قد تتخلى فعليًا عن القارة، إلى جانب أوكرانيا وحلف شمال الأطلسي، وتضرب مصداقية الناتو بعرض الحائط.

 

المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/80986/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M