الكويت: عهد جديد وتفاؤل بـ«تصحيح المسار»

  • مع دخول دولة الكويت عهداً جديداً، تتطلع الإمارة إلى جملة إصلاحات ضرورية، خصوصاً على صُعد الاقتصاد والإدارة العامة والخدمات وتطوير البنى التحتية؛ لتحقيق أعلى درجة ممكنة من الاستدامة والتنافسية للعقود المقبلة.
  • لأنّ أمير الكويت الجديد يتبنى مقاربة “تصحيح المسار” فقد قدَّم الفرصة للشيخ محمد السالم الصباح، لقيادة حكومة مختلفة؛ تضم فريقاً وزارياً ديناميكياً ومتجانساً ليتسنَّى لها في ظل رئيس وزراء حازم وكفؤ معالجة اختلالات الاقتصاد الكويتي الأساسية بعيداً عن المطالب الشعبوية. 
  • يُدرك الكويتيون أن بلادهم تواجه جملة من التحديات المهمة، خصوصاً في ما يتعلق بالملفات الحدودية مع العراق (اتفاقية خور عبدالله)، وإيران (حقل الدرة)، الأمر الذي يتطلب رئيساً للوزراء وقائداً للدبلوماسية يُعيد رسم السياسة الخارجية للبلاد.

 

من سمات الحياة السياسية في دولة الكويت أن المواطنين الكويتيين يتفاءلون كثيراً في البدايات، ويُعوّلون على الديناميات الجديدة التي تحملها تلك البدايات، من قبيل اختيار أمير أو ولي عهد أو رئيس وزراء جديد. ويبدو أن تفاؤل الكويتيين قد ازداد درجات هذه المرة مع تكليف أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الصباح، رئيس وزراء جديد، هو الشيخ الدكتور محمد السالم الصباح، ليقود حكومة جديدة مختلفة في معايير اختيار أعضائها؛ لأن المهمات أمامها ثقيلة، والرهانات عليها كبيرة.

 

مسوّغات التفاؤل

إنّ التفاؤل الكويتي بالشيخ الدكتور محمد السالم الصباح يغدو مُستَّحَقَّاً؛ بالنظر إلى ما يتوافر عليه الشيخ من سمعة طيبة، وخبرة دبلوماسية واقتصادية وإدارية عميقة وممتدة، وما يحمله من برنامج يقوم على تقديم قِيم الكفاءة والمهارة على المحاصصة والتنفيع والاستقطابات. هذا البرنامج منسجم بشدّة مع مقاربة “تصحيح المسار” -الحكومي والبرلماني- التي يدعو إليها أمير الكويت الجديد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، الأمر الذي ظهر بجلاء في خطاب أداء القسم الدستوري بمجلس الأمة (البرلمان) الكويتي، الشهر الماضي، وفيه أكد الأمير أن “السلطتين التشريعية والتنفيذية تعاونتا واجتمعت كلمتهما على الإضرار بمصالح البلاد والعباد ولم نلمس (منهما) أيَّ تغيير أو تصحيح للمسار”.

 

ومما يزيد من تفاؤل الكويتيين برئيس الحكومة الجديد أنه حين كان وزيراً للخارجية استمر في الحكومة لمدة عشرة أعوام (2001 – 2011)، لم تلحقه فيها شبهة تجاوز على المال العام. هذه الاستمرارية تكتسب قيمة خاصة؛ ذلك أنه مع تشكيل 24 حكومة كويتية منذ العام 2006، كان متوسط عمر الحكومة الواحدة لا يتجاوز الـ 10 أشهر.

 

والكويت، كما يذكر الكويتيون أنفسهم، لا تعاني أزمة اقتصادية معقّدة أو مركَّبة، فليس هناك أزمة موارد في ظل وجود النفط، ولا انفجاراً سكانياً يتحول إلى عبء على الاقتصاد والنمو، أو دَيناً عاماً أجنبياً يستنزف الإيرادات ويثبّط المشاريع وسوق العمل، إنما الخلل في إدارتها العامة التنفيذية والتشريعية.

عهد جديد، وإصلاحات ضرورية لتخطي الشعبوية

يمكن للمراقب أن يستنتج بسهولة، من خلال متابعة نقاشات أهل الكويت ونخبها في الصحف والإعلام الاجتماعي والمنصات المختلفة، أنه مع دخول دولة الكويت عهداً جديداً، تتطلع الإمارة إلى جملة اصلاحات ضرورية، خصوصاً على صُعد الاقتصاد والإدارة العامة والخدمات وتطوير البنى التحتية؛ لتحقيق أعلى درجة ممكنة من الاستدامة والتنافسية للعقود المقبلة؛ مع مراجعة السياسات التي أدت إلى تأخر كويتي في اللحاق بالديناميات المتسارعة التي يشهدها المحيط الخليجي على مستويات التنمية والدبلوماسية الإقليمية والاستعداد لما بعد النفط.

 

ويتداول الكويتيون في المنتديات والدواوين الحديث عن «الحزم»، بوصفة سياسة عامة منتظرة للدولة في الفترة المقبلة، كما يقول اقتصاديون كويتيون، نبّهوا إلى أنّ “من المهمّ للكويت أن يكون الحزم سياسة حكومية تتصدى فيها جهات الدولة الفنية، [مثل] وزارة المالية والبنك المركزي ومؤسسة التأمينات الاجتماعية للمطالبات المالية الشعبوية المرهقة للخزانة العامة ببيانات وأرقام تعطي الرأي العام صورة عن توقعات المستقبل ومخاطر الشعبوية، لا أن تتوارى هذه الجهات عندما يحين دورها في إطلاع المجتمع على التوقعات والتصورات المستقبلية لهذه المقرحات”.

وإذْ يحمل الشيخ محمد السالم الصباح، درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة هارفارد العريقة، وسبق له أن شغل منصب نائب رئيس مجلس إدارة الشركة الكويتية للاستثمارات الخارجية لسنوات عدة، كما تقلّد منصب وزير المالية ووزير التخطيط بالوكالة، فإنه مؤهل لإدارة واحد من أهم الملفات والتحديات أمام الكويت؛ وهو دفعها بقوة وثقة باتجاه الانتقال المدروس والسريع نحو تنويع مصادر الدخل وتقليص الاعتماد على الموارد النفطية، باعتبار أن الكويت ما تزال “تعيش على مصدر الدخل الواحد (النفط)، وأن الرواتب والدعومات تستهلك أكثر من 90% من ميزانيتها، ما أعجز حكومات سابقة عن البدء حتى في معالجة مكمن هذا الخلل الخطير، لغياب روح المبادرة في الجوانب الاقتصادية”.

 

وعلى مستوى السياسة الخارجية، يُدرك الكويتيون أن بلادهم تواجه جملة من التحديات المهمة، خصوصاً في ما يتعلق بالملفات الحدودية مع العراق (اتفاقية خور عبدالله)، وإيران (حقل الدرة)، الأمر الذي يتطلب رئيساً للوزراء وقائداً للدبلوماسية يُعيد رسم السياسة الخارجية للبلاد، واستعادة الدور الفعّال في النشاط الدبلوماسي الإقليمي والدولي، للبحث عن حلول للصراعات والتحديات في الإقليم، وبما يسمح في تجنُّب المنطقة دفع المزيد من الأثمان الباهظة إنسانياً واقتصادياً.

 

الخلاصة

عندما طُرح في وسائل الإعلام اسم الشيخ محمد السالم الصباح، بصفته مرشحاً محتملاً لرئاسة الوزراء، في يوليو 2022، قيل إن ما حال دون تسميته، حينذاك، وجود خلافات بشأن تمسُّكه بتغيير قواعد التعيين في المناصب الوزارية القائمة على الترضيات والمحاصصة بين مختلف الأطراف الفاعلة، وأنَّه اشترط أن يكون المسؤول الأول عن الحكومة وتركيبتها.

 

ولأنّ أمير الكويت الجديد يتبنى مقاربة “تصحيح المسار” فقد قدَّم الفرصة للشيخ محمد السالم، وهو مؤهل لقيادة حكومة مختلفة؛ فالكويت تحتاج فريقاً وزارياً ديناميكياً ومتجانساً ليتسنَّى لها في ظل رئيس وزراء حازم وكفؤ معالجة اختلالات الاقتصاد الكويتي الأساسية بعيداً عن المطالب الشعبوية، ما يعني الاستعداد لمستقبل غير نفطي، صديق للبيئة، ويحتضن التكنولوجيا والابتكار، ويستثمر في الكفاءة.. وفي قوة الكويت الناعمة.

المصدر : https://epc.ae/ar/details/brief/alkuayt-ahd-jadid-watafawul-bitashih-almasar

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M