انعكاسات فورية: كيف استجاب الاقتصاد العالمي لإعادة افتتاح الصين؟

بسنت جمال

 

قرر ثاني أكبر اقتصاد في العالم تيسير سياساته الخاصة بمواجهة جائحة كورونا أواخر العام الماضي بعد ثلاث سنوات من اتباع ضوابط صارمة تحت ما يُسمى سياسة “صفر كوفيد”، تتمثل في عمليات الإغلاق والحجر الصحي والفحوص الصارمة مع تطبيق قيود للسفر والتنقلات. واعتبارًا من مايو 2022، فرضت الصين قيودًا على المسافرين بإجراء اختبارات تفاعل البوليميراز المتسلسل في غضون 24-48 ساعة من رحلتهم، بالإضافة إلى اختبار الأجسام المضادة، كما يتعين على المسافرين أن يتم تطعيمهم في غضون 14 يومًا من دخولهم البلاد، كما يجب تقديم إثبات لنتائج الاختبارات السلبية وسجلات التطعيم عند الوصول، ويتم فحص الوافدين في المطار مع ضرورة إكمال الحجر الصحي الإلزامي لمدة 14 يومًا على الأقل. وعلاوة على ذلك، تم إجبار الشركات –باستثناء موردي السلع الأساسية والغذائية- على الإغلاق المؤقت حتى تؤكد السلطات المحلية عدم وجود إصابات جديدة في المنطقة.

ومن هنا يحاول المقال الإجابة على التساؤلات المُثارة حول مقدار تأثير إعادة افتتاح الاقتصاد الصيني على الاقتصاد العالمي المتضرر بشدة جراء الحرب الروسية- الأوكرانية وما نجم عنها من أزمات في إمدادات الطاقة والغذاء وارتفاعات قياسية في معدلات التضخم.

تداعيات واسعة النطاق

ترتب على إعلان الصين عن نيتها فتح اقتصادها من جديد تداعيات فورية على نطاق الاقتصاد الصيني والعالمي، حيث توقع صندوق النقد الدولي أن يرتفع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الصيني ليصل إلى 5.2% في عام 2023، إلى جانب ما ستوضحه النقاط الآتية:

• رفع توقعات النمو العالمي: قرر صندوق النقد الدولي رفع توقعاته للنمو الاقتصادي العالمي للمرة الأولى منذ عام ليسجل نموًا قدره 2.9% عام 2023 بارتفاع يبلغ 0.2% عن توقعاته الصادرة في أكتوبر 2022، ويمثل هذا تباطؤ من نمو بنسبة 3.4% في عام 2022، إلا أنه يتوقع أن يصل نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى أدنى مستوياته هذا العام، ليتسارع إلى 3.1% في عام 2024. ويتوقع الصندوق أن تمثل الصين حوالي ثلث النمو العالمي هذا العام، مقارنة مع 10% فقط للولايات المتحدة وأوروبا مجتمعين مما سيعيد الصين إلى حجم الحصة التي كانت تمتلكها على مدار السنوات الخمس التي سبقت وباء كورونا حيث انخفضت حصة الصين من النمو العالمي إلى 16% خلال عام 2022 الذي شهدت الصين خلاله ثاني أبطأ وتيرة للنمو الاقتصادي منذ سبعينيات القرن الماضي عند 3% فقط بضغط من تعثر الإنتاج وتراجع الإنفاق الاستهلاكي في جميع أنحاء البلاد. وتعود التوقعات المتفائلة للاقتصاد العالمي إلى تأثير ازدهار النشاط الاقتصادي في الصين على تحفيز النمو في جميع أنحاء العالم من خلال تخفيف الضغوطات التي تعاني منها سلسلة التوريد منذ بداية انتشار الجائحة.

• استفادة الدول المجاورة: تشترك الصين مع جيرانها بمنطقة المحيطين الهندي والهادئ باتفاقية الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة، التي تم التوقيع عليها في نوفمبر 2020 ودخلت حيز النفاذ في يناير 2022، وتنص على تحرير التجارة السلعية بينها وبين الدول الموقعة عليها لتعد أكبر اتفاق للتجارة الحرة الإقليمية من حيث الناتج الاقتصادي العالمي، حيث تمثل الدول المشاركة حوالي ثلث الناتج المحلي الإجمالي العالمي وكذلك ثلث سكان العالم، ولهذا فإن إعادة افتتاح ثاني أكبر اقتصاد في العالم سيؤثر بالضرورة على التجارة الخارجية ومعدلات نمو اقتصاد الدول الشريكة. 

ويدلل على ذلك إعلان رابطة التجارة الدولية الكورية إن إعادة افتتاح الصين سيضيف 0.16% إلى معدل النمو المتوقع لكوريا الجنوبية نظرًا لكون الصين أكبر شريك تجاري لها، كما تعتمد البلاد على بكين في توريد السلع شبه المصنعة في صناعات إنتاج أشباه الموصلات والبطاريات والمعادن الأرضية النادرة والإمدادات الطبية.

إلى جانب الدول الآسيوية، من المرجح أن ينتقل الأثر الإيجابي لافتتاح الصين إلى اقتصادات أمريكا الجنوبية انطلاقًا من ارتفاع التجارة الخارجية بين الجانبين من 12 مليار دولار في عام 2000 إلى 450 مليار دولار في عام 2021، كما تتمتع البرازيل وتشيلي بفوائض تجارية مع الصين التي تستحوذ على 30% من الصادرات البرازيلية وحوالي 40% من الصادرات التشيلية.

ومن ناحية أخرى، سيعزز إعادة افتتاح الصين النمو في قطاع السياحة ببعض البلاد التي تعتمد على السائحين الصينيين فمن شأن إزالة القيود الصينية أن يؤدي إلى انتعاش قطاع السياحة مما سيصب في تعزيز آفاق نمو الاقتصادات السياحية الكبرى، عبر سلسلة من التأثيرات الإيجابية على أسواق العمل المحلية وميزان التجارة الخدمية.

• زيادة الضغوط التضخمية: بالغت التقديرات الاقتصادية بأن إعادة فتح أبواب الصين بعد القيود الوبائية قد يزيد من الضغوط التضخمية العالمية بشكل كبير لكونها أكبر مستورد للنفط والعديد من السلع الأساسية في العالم، حيث قدر بنك “جولدمان ساكس” أن عودة النشاط الاقتصادي بثاني أكبر اقتصاد في العالم يُمكن أن يعزز استهلاك النفط بما يتراوح بين 1.5 مليون برميل يوميًا ومليوني برميل يوميًا، فيما توقعت “أوبك” ارتفاع طلب الصين على النفط بمقدار 600 ألف برميل يوميًا خلال العام الجاري، ورغم ذلك، لم تستجب أسعار النفط لتلك التوقعات بشكل ملموس؛ إذ سجل سعر برميل الخام الأمريكي نحو 76.68 دولارًا في الثاني عشر من مارس، فيما وصل سعر خام برنت إلى 82.78 دولار للبرميل. ويُمكن تفسير هذا بتباطؤ الطلب على النفط في أوروبا والولايات المتحدة، رغم النمو الهائل في آسيا، وهو ما يشكل مصدرًا للقلق في السوق العالمي، وذلك في ظل احتمالات استمرار الاحتياطي الفيدرالي في اتباع سياسة نقدية تشددية تتمثل في رفع الفائدة مما سيؤدي إلى إبطاء النشاط الاقتصادي وتباطؤ الطلب على النفط، وفي هذا الإطار، أكد رئيس الاحتياطي الفيدرالي “جيروم باول” إنه إذا كان مجمل البيانات يشير إلى أن هناك ما يبرر تشديدًا أسرع، فسنكون مستعدين لزيادة وتيرة رفع أسعار الفائدة.

• تعزيز نتائج أعمال الشركات: أثرت السياسات التشددية والتقييدية الصينية على ممارسة الأعمال التجارية في البلاد، كما ألقت بظلالها على إنتاجية الشركات، وفاقمت من صعوبات الحصول على القوى العاملة اللازمة لتسيير الأعمال، وكذلك صعوبات تأمين الإمدادات اللازمة للإنتاج نظرًا لاضطرابات قطاع النقل واللوجستيات مما رفع التكلفة غير المباشرة للإنتاج، مما أسفر عن حدوث حالة من عدم اليقين بين المستثمرين الأجانب حيث أبرز الوباء حقيقة مفادها أنه لا يُمكن الاعتماد على مركز تصنيعي واحد فقط، مما أسفر عن نزوح كبريات الشركات من السوق الصيني إلى الهند والفلبين وتايلاند. كما ترتب على سياسة “صفر كوفيد”، انكماش النشاط التصنيعي والخدمي بالصين ليبلغ مؤشر مديري المشتريات التصنيعي والخدمي خلال ديسمبر 47 نقطة، و41.6 نقطة على الترتيب، وهي القراءة الأدنى في ثلاث سنوات.

إلا أنه بعد استئناف أعمال الشركات في البلاد، ارتفع مؤشر مديري المشتريات التصنيعي في الصين إلى 52.6 نقطة خلال فبراير، وكذلك مؤشر مديري المشتريات الخدمي إلى 56.3 نقطة، وهي مستويات أعلى من الخط الفاصل البالغ 50 نقطة ويدلل على انتعاش إيجابي للقطاع الصناعي والخدمي في الصين، ويرجع ذلك إلى ارتفاع استهلاك الأسر التي زادت مدخراتها بقوة خلال فترة الجائحة.

• انتعاش قطاع السفر العالمي: ساهم إعلان بكين عن إمكانية استئناف رحلات الشركات السياحية إلى عشرين دولة أخرى في دعم تعافي السياحة العالمية وانتعاش السفر الجوي؛ إذ ارتفعت حجوزات السفر إلى الخارج خلال عطلة رأس السنة القمرية الجديدة –التي تقع خلال الفترة 21 يناير إلى 27 يناير- بنسبة 540% مقارنة بالعام الماضي تركيزًا على منطقة آسيا والمحيط الهادئ بما في ذلك أستراليا وتايلاند واليابان وهونج كونج، إلى جانب المملكة المتحدة والولايات المتحدة، كما ارتفع عدد الرحلات الداخلية بالصين خلال فبراير وحده بنحو 17.2% على أساس سنوي. وعلاوة على ما سبق، أظهرت البيانات الصادرة عن منصة السفر “Trip.com” ارتفاع الرحلات الجوية التي تم حجزها عبر المنصة وعمليات البحث عن الفنادق إلى أعلى مستوياتها في ثلاث سنوات عقب الإعلان عن إزالة قيود الحجر الصحي بيوم واحد، وكذلك قفزت حجوزات الطيران ليوم رأس السنة الجديدة وعيد الربيع بنسبة 145% و260% على التوالي.

ترتيبًا على ما سبق، يُنظر إلى إعادة افتتاح الاقتصاد الصيني باعتباره المحرك الرئيسي لتعزيز نمو الناتج المحلي الإجمالي العالمي لعام 2023 مدفوعًا بزيادة الطلب المحلي على السلع والخدمات، وعودة حركة التجارة وسلاسل التوريد إلى طبيعتها، وانتعاش قطاع السفر والسياحة، إلا أن الصين لا تزال تواجه تحديات اقتصادية متمثلة في انكماش قطاع العقارات، وتقلص عدد السكان وفقدان ميزة العائد الديموغرافي لصالح منافستها الآسيوية الهند، فضلًا عن استمرار الحرب التكنولوجية والتجارية مع الولايات المتحدة.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/33355/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M