تداعيات محتملة: ماذا يرتب قرار إنهاء عضوية رئيس البرلمان العراقي محمد الحلبوسي؟

قررت المحكمة الاتحادية العليا في العراق في 14 نوفمبر الجاري إنهاء عضوية رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي، وكذلك إنهاء عضوية النائب ليث مصطفى حمود الدليمي، بناءً على دعوى قدمها الأخير ضد “الحلبوسي”. ويعود ذلك القرار إلى توترات بين الشخصيتين؛ إذ كان “الدليمي” عضوًا في حزب تقدم الذي يرأسه “الحلبوسي”، وفى أبريل 2022 أنهى “الحلبوسي” عضويته لعدم التزامه بضوابط النظام الداخلي للحزب، لكن قدم “الدليمي” دعوى قضائية ضد “الحلبوسي” بدعوى أنه قام بتزوير استقالته من البرلمان.

وفقًا لقرار المحكمة، تبين عدم صحة الأمر النيابي بإنهاء عضوية “الدليمي” بناء على استقالته الصادرة في 15 يناير الماضي، والأمر النيابي الآخر المتعلق بإنهاء العضوية وقبول الاستقالة في 7 مايو الماضي. وكان رد “الحلبوسي” على قرار المحكمة هو اللجوء إلى الإجراءات التي تحفظ الحقوق الدستورية، بينما رحب تحالف العزم برئاسة مثنى السامرائي بالقرار، ودعا خميس خنجر إلى اجتماع لمناقشة تداعيات إنهاء عضوية “الحلبوسي”، ضمن هذا الإطار يناقش التحليل سياق الصراعات السياسية بين الكتل العراقية وتداعيات قرار المحكمة الاتحادية.

أولًا- السياق 

خلال الأشهر الماضية، تصاعدت الخلافات السياسية والمطالب بإقالة محمد الحلبوسي من البرلمان العراقي؛ بهدف إعادة تشكيل المشهد السني والتحالفات السياسية في العراق قبيل الانتخابات المحلية القادمة. وبدا أن هناك توجهًا لإقصاء “الحلبوسي” من المشهد، فكان السياق وتوقيت أزمة النائب ليث مصطفى حمود الدليمي فرصة سانحة للتيارات السياسية لتحقيق الهدف بإبعاد “الحلبوسي” عن المشهد السياسي.

منذ عدة أشهر ماضية؛ تصاعدت توجهات سياسية لإقالة الحلبوسي من البرلمان العراقي، وبدأت تتشكل تحالفات سنية مدعومة من قبل الشيعة للدخول في انتخابات مجالس المحافظات تحت مسمي “تحالف الحسم الوطني” والذي أعلن عنه في 18 يوليو الماضي، ويضم “الحسم” قيادات بارزة منها وزير الدفاع الحالي ثابت العباسي ويتولى أمانته رئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفى، بالإضافة إلى بعض الأعضاء الآخرين وهم وزراء سابقون، منهم: رافع العيساوي، وسلمان الجميلي، ونوري الدليمي، ورئيس حزب الحل جمال الكربولى.

وكان من بين أهداف التحالف دعوة المواطنين إلى دعم جهود مكافحة الفساد، ومواجهة كل قوة خارجة عن القانون من خلال الانتخابات القادمة؛ إذ وجهت اتهامات “للحلبوسي” من حيث سيطرة حكم الحزب الواحد في الأنبار، واستخدامه المال لتعزيز قبضته على المؤسسات، وأن توفير الخدمات والتعيينات في المحافظة مرهون بالدعم السياسي له، بالإضافة إلى بيعه الأراضي العامة واختلاس الأموال المخصصة للمتقاعدين والشهداء، فضلًا عن الاتهامات بسيطرته على مشروعات لصندوق الإعمار في بعض المناطق، وعدم قيامه بالارتقاء بالوضع الخدمي للمحافظات السنية.

لذلك كان تصعيد هذه الملفات ضد “الحلبوسي” وتوظيف فكرة أن أغلب أعضاء تحالف “الحسم” شخصيات غير فاسدة، وتحظى قيادات التحالف ومنهم رافع العيساوي بشعبية كبيرة في الأنبار، وله إنجازات تذكر مثل بناء المستشفيات والجسور في فترة توليه منصب نائب رئيس الوزراء، ووزير للمالية في الفترة من 2006-2012؛ ومن ثم التعويل على دورها خاصة أن المحافظات السنية تعاني من الفساد. وتدعم تحالف “الحسم” قوى شيعية تهدف إلى تأجيج الخلافات بين القوى السنية، وإتاحة مزيد من السيطرة على المشهد العراقي؛ إذ إن التحالفات السنية تستند إلى اعتبارات تتعلق بالمنصب والإمكانيات المالية والعلاقة مع القوى الشيعية التي تحظى بدعمها.

في ذات السياق؛ بدأت خطوات تمهيدية لإضعاف نفوذ “الحلبوسي”؛ إذ أجريت اعتقالات في يونيو 2023 من قبل رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ضد شخصيات مقربة من “الحلبوسي” منها رئيس صندوق إعمار المحافظات محمد العاني، ورئيس دائرة التقاعد أنس ياسين. بالإضافة إلى خلافات بين “الحلبوسي” و”السوداني” حول قرارات الأخير بشأن توزيع عدد من المناصب الحكومية، ومناقشة الموازنة العامة الاتحادية؛  إذ رغب “السودانى” في أن تكون مدة الموازنة العامة لثلاث سنوات، بينما كان يرفض “الحلبوسي” ذلك لأنها تحد من إمكانية الضغط على الحكومة ومساومتها، وفضل الموازنة السنوية.

تضاف إلى ذلك توترات أخرى حول “أرض الوفاء” في محافظة الأنبار، وتوجيه اتهامات تتعلق بالاستيلاء على أراضٍ تابعة للدولة، وبيعها للمواطنين في المحافظة، وأن هذه العمليات تمت برعاية “الحلبوسي” فكان إصرار “السودانى” على استمرار التحقيقات في هذه القضية، لذلك أوقفت هيئة النزاهة المتهمين وتم التحقيق مع محافظ الأنبار.

في سياق متصل؛ هناك الصراعات بين الكتل السنية والانشقاقات في التكتل السني “السيادة” الذي كان يضم تحالفي “العزم وتقدم”؛ ونتيجة لها قرر كل منهما الدخول بقوائم منفصلة في الانتخابات القادمة. وقد وقع تحالف “السيادة” برئاسة خميس الخنجر و”العزم” برئاسة مثنى السامرائي في 20 يوليو 2023 على وثيقة لإقالة “الحلبوسي” بدعم من رئيس ائتلاف “دولة القانون” نوري المالكي الذي قال إن نسبة 50+1 من أصوات السنة محققة لهدف إقالة “الحلبوسي” من رئاسة البرلمان، وساندهم في ذلك نواب من حزب تقدم الذي يتزعمه “الحلبوسي”.

ثانيًا-تداعيات محتملة

لا شك في أن إنهاء عضوية “الحلبوسي” من البرلمان العراقي ستقود إلى تغيير خريطة التحالفات ومعادلة توازنات القوى السياسية في انتخابات مجالس المحافظات العراقية المقرر عقدها في 18 ديسمبر 2023، بما يعزز فرص خصومه في هذه الانتخابات، وفيما يلي يتم توضيح بعض التداعيات المحتملة لقرار المحكمة الاتحادية على النحو التالي: 

1-انتخاب بديل للحلبوسي: تشير الثوابت القانونية والدستورية العراقية إلى أن قرار إنهاء العضوية ملزم لكل الأطراف، وأن الخطوة التالية هو اختيار بديل “للحلبوسي”. وفقًا للمادة 12 قانون مجلس النواب رقم 13 لسنة 2018، تنتهي نيابة العضو في عدة حالات منها؛ الوفاة، والاستقالة، وفقدان أحد شروط النيابة المنصوص عليها في الدستور والقانون، وتبوء النائب منصب في رئاسة الجمهورية أو مجلس الوزراء أو منصب رسمي آخر، وصدور حكم قضائي بحقه عن جناية أو جنحة تكون عقوبتها سالبة للحرية لمدة تستغرق المتبقي من مدة الدورة الانتخابية، واصابته بمرض عضال أو عوق أو عجز يمنعه من أداء مهامه في المجلس استنادًا إلى قرار من لجنة طبية رسمية، وفى حال موافقة المجلس بأغلبية ثلثي النواب على الاعتراض المقدم على صحة النيابة، بالإضافة إلى موافقة المجلس على إقالة النائب نتيجة تجاوز غياباته بدون عذر مشروع لأكثر من ثلث جلسات المجلس من مجموع جلسات الفصل التشريعي الواحد، أو الإخلال الجسيم بقواعد السلوك النيابي (تحقير المجلس أو الاعتداء على الرئيس أو أحد نائبيه أو أحد النواب). ووفقا للمادة 94 من الدستور قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة.

ووفقا للنظام الداخلي لمجلس النواب العراقي، عند خلو منصب رئيس المجلس لأي سبب ينتخب المجلس بالأغلبية المطلقة خلفًا له في أول جلسة يعقدها لسد الشاغر وفقًا لضوابط التوازنات السياسية بين الكتل. الجدير بالإشارة هنا أنه أثناء شغور مقعد رئيس البرلمان بعد استقالة رئيسه محمود المشهداني في ديسمبر 2008، تولى آنذاك النائب الأول له، حتى انتخاب “إياد السامرائي” في أبريل 2009 كبديل “للمشهدانى”. ومن ثم قد يدير جلسات البرلمان الحالية النائب الأول “للحلبوسي” محسن المندلاوي لحين اختيار رئيس للبرلمان.

2-تفاقم الصراعات السياسية: سوف يرتب إنهاء عضوية “الحلبوسي” توترات سياسية داخل العراق من حيث الصراع السني – السني حول رئاسة البرلمان، بالإضافة إلى تغيير خريطة التحالفات في انتخابات مجالس المحليات بين السنة والشيعة والأكراد في ظل رفض التيار الصدري المشاركة، بالإضافة إلى التشرذم داخل السنة؟ كذلك يؤثر القرار على نفوذ “الحلبوسي” في الانتخابات القادمة.

وقد بدأت مؤشرات أزمة تتضح مع استقالة عدد من الوزراء في الحكومة الاتحادية في 14 نوفمبر الجاري على خلفية قرار المحكمة الاتحادية بإنهاء عضوية “الحلبوسي” وهم أعضاء في حزب “تقدم” الذي يرأسه “الحلبوسي”، وهم: وزير التخطيط محمد على تميم، ووزير الثقافة والسياحة والآثار أحمد فكاك البدراني، ووزير الصناعة والمعادن خالد بتال النجم. وكذلك استقال ممثلو حزب “تقدم” من رئاسة ونواب رؤساء اللجان النيابية، وأعلن نواب الحزب مقاطعة جلسات مجلس النواب، وأعلن الحزب مقاطعة جلسات ائتلاف “إدارة الدولة” المشكل لحكومة “السودانى” بما قد يفاقم حالة عدم الاستقرار في العراق.

3-تشرذم السنة: في ظل الانشقاقات والتوترات بين الكتل السنية فإن ذلك يضعف من نفوذها كتكلة لصالح القوى السياسية الأخرى؛ إذ تتنافس في الساحة السنية حاليًا أربعة تحالفات، هي: “الحسم الوطني” بقيادة ثابت العباسي، و”العزم” برئاسة مثنى السامرائي، و”السيادة” بزعامة خميس خنجر، و”تقدم” برئاسة محمد الحلبوسي، وسوف يسهم قرار المحكمة في إضعاف نفوذ “الحلبوسي” فى انتخابات مجالس المحليات لصالح آخرين منهم خميس خنجر ورئيس حزب الحل جمال الكربولى والقوى الشيعية والكردية المتحالفة معهم.

في الختام؛ يُضفي قرار إنهاء عضوية “الحلبوسي” من البرلمان العراقي مزيدًا من التعقيد على المشهد السياسي الذي سوف تتضح ملامحه في الفترة القادمة، ومن ثم قد تؤول رئاسة البرلمان إلى التكتلات السنية الأخرى بما يفاقم الصراع السني- السني ومنها “السيادة” برئاسة خميس خنجر أو “عزم” برئاسة مثنى السامرائي، أو اختيار شخصية سنية توافقية، ومن بين الأسماء المطروحة: خالد العبيدي، وزياد الجنابي، وعيسى العيساوي.

المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/79882/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M