تعزيز الحضور: البعد الاقتصادي لزيارة الرئيس الإيراني لسوريا

بسنت جمال

 

زيارة تركزت نتائجها في الجانب الاقتصادي، وقع الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” خلال زيارتفيه لدمشق نحو 15 اتفاقية تعاون طويل الأمد مع نظيره السوري تغطي مجالات الزراعة والنفط والطاقة وإعادة الإعمار وتكنولوجيا الاتصالات والطرق والبنية التحتية إلى جانب تشييد مناطق تجارية بداخل سوريا.  والجدير بالذكر أن زيارة الرئيس الإيراني إلى دمشق هي أول زيارة من نوعها منذ اندلاع الأزمة السورية عام 2011، أي منذ 13 عامًا، ولهذا فإن توقيت إجرائها يحمل العديد من الإشارات السياسية والاقتصادية والتي سيحاول هذا المقال تفكيكها.

دلالات التوقيت

اتخذت زيارة “رئيسي” إلى سوريا الطابع الاقتصادي بشكل صريح إلا إنه لا يُمكن فصلها عن جملة المتغيرات الجيوسياسية التي شهدها العالم في الملف السوري خلال الفترة الماضية، وترتيبًا على ذلك، يُمكن توضيح السياق الممهد لتلك الزيارة على النحو الآتي:

• تهدئة العلاقات الإيرانية مع الدول الخليجية: جاءت الزيارة الإيرانية لدمشق إثر استئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران مارس الماضي ضمن تسوية تم التوصل إليها بوساطة صينية، إلى جانب الاتفاق على تفعيل اتفاقية التعاون الأمني الموقعة عام 2001 التي تتضمن مكافحة الإرهاب ومراقبة الحدود البحرية والمياه الإقليمية بين البلدين، وكذلك الاتفاقية العامة للتعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والتقنية والعلوم والثقافة والرياضة والشباب الموقعة عام 1998 والتي تركز على تيسير الاستثمارات المشتركة بين الدولتين وتبادل زيارات الوفود التجارية، وكذلك إمكانية توقيع اتفاقيات مستقبلية في هذه المجالات. وبالنظر إلى توقيت المصالحة السعودية- الإيرانية، يتضح إنها جاءت في ظل تفاقم الأزمات الاقتصادية التي يشهدها الاقتصاد الإيراني بضغط من انهيار قيمة العملة المحلية إلى حوالي 501.3 ألف ريال مقابل الدولار في فبراير 2023، وارتفاع معدلات التضخم إلى 45.8% خلال الاثني عشر شهرًا المنتهية في مارس الماضي، علاوة على تباطؤ معدل النمو الاقتصادي ونزوح الاستثمارات إلى خارج البلاد، وتأثر الإيرادات النفطية بالعقوبات مما أثر على الموازنة العامة للدولة والميزان التجاري. وإضافة إلى المشكلات الاقتصادية، شهدت إيران احتجاجات متصاعدة بأواخر عام 2022 إثر مقتل “مهسا أميني”.

وبخلاف السعودية، تجري إيران مباحثات مع البحرين لإعادة العلاقات الثنائية، وفقًا لتصريحات وزير الخارجية الإيراني “حسين أمير عبد اللهيان” في مارس 2023، فيما أعادت الإمارات سفيرها إلى طهران بعد ست سنوات من سحبه في أغسطس 2022. ويُمكن القول إن تهدئة العلاقات الإيرانية مع دول الجوار تعطيها فرصة لإعادة بناء صورتها محليًا ودوليًا لجذب الدعم الاقتصادي من خلال زيادة التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بين الجانبين، وكسر العزلة الدولية المفروضة عليها وتخفيف حدة العقوبات الغربية على اقتصادها.

• التطلع للعب دور ملموس في إعادة إعمار سوريا: تسعى إيران بزيارتها لدمشق إلى لعب دور محوري في إعادة إعمار سوريا، وهو ما أكد عليه عضو مجلس إدارة غرفة التجارة الإيرانية “كيوان كاشفي” بأن طهران تحاول التوصل لآلية مناسبة تمكنها من المساعدة في إعادة إعمار الدولة السورية التي تُقدر تكلفتها بمئات المليارات من الدولارات وهي الفاتورة الأكبر في التاريخ الحديث لإعادة اعمار دولة مدمرة، وفقًا لما أعلنه الأمين العام للجامعة العربية “أحمد أبو الغيط”. وفي هذا الإطار، تسعى إيران لتعويض التكاليف التي تكبدتها جراء انخراطها في الأزمة إلى جانب الحكومة السورية، حيث أنفقت وحدها أكثر من 16 مليار دولار في سوريا بين عامي 2012 و2020 وفقًا لتقرير نشرته وزارة الخارجية الأمريكية.

• عودة سوريا لجامعة الدول العربية: تزامن توقيت انتهاء زيارة “رئيسي” لدمشق مع قرار مجلس وزراء الخارجية العرب في السابع من مايو الجاري، بعودة سوريا إلى جامعة الدول العربية، ومشاركتها في القمة العربية التي سوف تعقد في الرياض بالنصف الثاني من نفس الشهر، ومن الممكن إرجاع ذلك إلى الرغبة الإيرانية في التأكيد على أن التقارب العربي –السوري لن يؤثر على نفوذها في البلاد، خاصة في ظل زيارة وزير الخارجية السوري إلى الرياض أبريل الماضي، كما استضافت عمّان اجتماعًا تشاوريًا بمشاركة وزراء خارجية كلّ من سوريا والأردن والسعودية والعراق ومصر، بحث خلاله الوزراء سُبل عودة اللاجئين السوريين من دول الجوار وبسط الدولة السورية سيطرتها على أراضيها. وهكذا، فقد أثارت تلك الخطوات المتسارعة بعد قطيعة دامت لأكثر من عقد، المخاوف الإيرانية من حدوث تقارب عربي-سوري من شأنه أن يحدث تباعدًا بين الحليفين الاستراتيجيين، ويلحق الضرر بالحسابات الإيرانية في الملف السوري.

انعكاسات ثنائية الاتجاه

عكس حجم الوفد الاقتصادي الذي رافق الرئيس الإيراني أهمية الملفات الاقتصادية خلال مباحثات الرئيسين خلال الزيارة، وهو ما قد يترتب عليه الانعكاسات الآتية:

• التعاون في تخفيف حدة العقوبات الغربية: يُمكن تفسير الاتفاقيات الثنائية التي وقعتها سوريا وإيران بهدف تجاوز العقوبات الغربية المفروضة عليهما والتخفيف من حدة تداعياتها، خاصة في ظل اعتبارهما ثاني وثالث أكبر دول مُعاقبة حول العالم عقب روسيا، حيث تعاني إيران من 4453 عقوبة، فيها تشهد سوريا نحو 2660 عقوبة حتى أبريل 2023، وذلك وفقًا لموقع “Castellum.Al”، ولهذا أكد المسؤولون خلال الزيارة على أن تعاون الدولتين من الناحية الاقتصادية من الممكن أن يكون خطوة استراتيجية لمواجهة تأثير العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة والدول الغربية. وربما تساعد إيران سوريا في اتخاذ خطوات ملموسة في مواجهة الهيمنة الدولارية على الاقتصاد العالمي خاصة في ظل الدعوة السورية بالتخلي عن الدولار الأمريكي في التعاملات العالمية مع حث دول البريكس على قيادة تلك المساعي، والتأكيد على أهمية اعتماد اليوان الصيني للتسويات الدولية، وهو ما يتسق مع الجهود الإيرانية في هذا الشأن، حيث اقترحت رسميًا يونيو الماضي على أعضاء منظمة شنغهاي للتعاون اعتماد عملة موحّدة لتسهيل التبادل التجاري بين الدول الأعضاء بما يتسق مع التحولات والمتغيرات الدولية والإقليمية الأخيرة.

• رفع مستوى العلاقات الثنائية: قد تساهم الاتفاقيات الموقعة بين سوريا وإيران إلى جانب تشكيل لجنة مشتركة عليا في تعزيز العلاقات الاقتصادية الثنائية وتقويتها، لاسيما في ظل الهدف الإيراني برفع معدلات التبادل التجاري مع سوريا إلى 1.5 مليار دولار في غضون السنوات الثلاث المقبلة، ولهذا اتفق الطرفان على إنشاء مركز إيراني تجاري في دمشق وتأسيس شركة نقل مشتركة بين إيران والعراق وسوريا تعمل على نقل البضائع الإيرانية من إيران إلى سوريا. وتأتي تلك الاتفاقيات في وقت يعاني فيه كلا الاقتصادين من أزمات عميقة ومتشعبة بسبب العقوبات الغربية والعزلة الدولية وسوء الإدارة مما تسبب في ارتفاعات قياسية لمعدل التضخم وانهيارًا في قيمة العملة المحلية وتآكل القوة الشرائية للمواطنين. والجدير بالذكر أن تلك الاتفاقات جاءت عقب إعلان وزير الطرق والتنمية الحضرية الإيراني “رستم قاسمي” العام الماضي الاتفاق مع الجانب السوري على إطلاق مصرف مشترك بهدف التوصل لقناة تُستخدم في تحويل الأموال بشكل مباشر إلى سوريا دون التعرض للعقوبات الأمريكية لاسيما في ظل خضوع المصارف الإيرانية والسورية لعقوبات تحد من تعاملاتها الخارجية.

• تعزيز دبلوماسية الطرق: تتسق زيارة “رئيسي” إلى سوريا مع جهود إيران لتعزيز ما يُعرف بـ “دبلوماسية الطرق”، وذلك من خلال حث دمشق على إكمال مشروع الربط السككي بين إيران والعراق وسوريا التي تعود فكرته إلى أكثر من عشر سنوات، إلا أن المدير التنفيذي للشركة الإيرانية لإنشاء وتطوير البنى التحتية “خير الله خادمي” أكد مايو الجاري على اكتمال عمليات الربط السككي حتى 20 يوليو المقبل، وذلك بهدف إيجاد ممر بري آمن يربط الحدود العراقية والسورية بالحدود الإيرانية. وربما تهدف طهران بالمشروع إلى هدف جيواستراتيجي بعيد المدى، وهو تعزيز موقعها الجغرافي في مشروع طريق الحرير الصيني.

• دعم النفوذ الإيراني على قطاع الفوسفات السوري: كان لافتًا ظهور وثائق سرية مسربة مايو الجاري، أي عقب انتهاء الزيارة بعدة أيام، تشير إلى طلب منظمة الطاقة الذرية الإيرانية لشراء 800 ألف طن سنويًا من الفوسفات السوري المستخرج من منجم خنيفيس، الذي يتضمن مستويات عالية من اليورانيوم، مما يؤكد على استمرار المساعي الإيرانية لبسط نفوذها على قطاع الفوسفات السوري الذي لا يُعد أمرًا محوريًا في ملفها النووي ، بل يساعدها في دعم قطاعها الزراعي الذي يعاني من عدة مشكلات أساسية من أبرزها؛ سوء أحوال التربة، وتراجع جودة البذور، ونقص المزارعين المهرة، وقلة توافر المدخلات الزراعية، وضآلة الاستثمار الأجنبي في القطاع الزراعي، إلى جانب تحويل الأراضي الصالحة للزراعة إلى استخدامات غير زراعية، وعلاوة على ذلك، الاستخدام المفرط للمواد الكيمائية والمبيدات الحشرية، وعدم الكفاءة في شبكة توزيع المياه، والاعتماد على تقنيات زراعية قديمة وتقادم الآلات في ظل اهتمام الحكومات المتعاقبة بقطاع الطاقة المدر للعائدات على حساب قطاع الزراعة والغذاء.

ختامًا، يتبين من التحليل السابق، أنه على الرغم من أن زيارة الرئيس الإيراني الأولى من نوعها منذ حوالي عقد زمني حملت طابعًا اقتصاديًا بالأساس، إلا إنها جاءت في سياق سياسي محتدم يتمثل في الهدوء النسبي في العلاقات الإيرانية والسورية مع دول الخليج والدول العربية الذي قد يكون دفع إيران للتأكيد على نفوذها السياسي والاقتصادي في سوريا.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/34208/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M