فرص واعدة: تصدير العقار المصري

سيف سرور 

 

مقدمة

تأثرت جمهورية مصر العربية بالازمات العالمية المتعاقبة مثل جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية وتوابعهما، والتي كانت سببا مباشراً في إرتفاع التضخم في مصر وإنخفاض قيمة العملة المحلية. ونتيجة لذلك تحاول الدولة المصرية حالياً البحث عن وسائل لجذب الإستثمارات الخارجية وزيادة حصيلة النقد الأجنبي لتخفيف الضغط على الجنيه المصري وكبح جماح التضخم.

ونظراً لتمتع مصر بثروة عقارية يمكن استغلالها، تسعى الحكومة المصرية بالتعاون مع المطورين العقاريين الوطنيين لإتخاذ مجموعة من الإجراءات بهدف تسويق العقارات المصرية بالخارج مع القيام ببعض التعديلات في الإجراءات لتسهيل عملية تصدير العقار. الأمر الذي سوف يسهم في جذب الإستثمار الأجنبي وزيادة حصيلة الدولة من العملة الصعبة.

تصدير العقار المصري: الفرص المتاحة

يعرف تصدير العقار بأنه القدرة على جذب المستثمر الأجنبي (بمختلف مستوياته) نحو الإستثمار في الأصول العقارية المختلفة داخل الدولة بالعملة الأجنبية، وذلك  نظير حق الإقامة أو الحصول على الجنسية له ولأسرته. ويعد تصدير العقار من أهم المجالات التي تسهم في دخول النقد الأجنبي للدولة وذلكً لما يشكله حجم قطاع العقارات في الناتج القومي للدول. ففي مصر على سبيل المثال يسهم قطاع العقارات بنسبة حوالي 20% من الناتج القومي.

وتحظي مصر بفرصة جيدة للدخول الي مجال تصدير العقارات؛ فهي لديها محفظة عقارية كبيرة ذات امكانيات مبشرة. ففي مصر توجد نوعيات مختلفة من الأنماط العقارية؛ مثل المنتجعات السياحية الساحلية على ساحلي البحريين الأحمر والمتوسط، والمدن الجديدة من الجيل الرابع ذات ناطحات السحاب مثل مدينة العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة، والتي استطاعت ادخال مفهوم جديد من المعمار للسوق المصري، هذا بخلاف التجمعات السكنية والإدارية والتجارية الجديدة في المدن القائمة. وبناءً على ما سبق، فإنه يمكن لمصر تسويق محفظتها العقارية دولياً للإستفادة من تلك المحفظة في جذب الواردات الدولارية.

التحديات الراهنة التي تواجه القطاع العقاري 

بداية من القرارات الإقتصادية في عام 2016 وانخفاض سعر صرف الجنيه المصري وصولاً إلى تخفيض قيمة الجنيه المصري في اوائل 2023، واجه قطاع العقارات المصري العديد من التحديات. فبداية من الإرتفاع الشديد في أسعار مواد البناء مثل الحديد والأسمنت وخلافه، مروراً بالصعوبة في تدبير العملة الاجنبية لإتمام عمليات الإستيراد للمعدات والمواد الخام التي لا تصنع أو تستخرج من داخل مصر، وصولاً إلى إرتفاع الأسعار بشكل كبير وبالتي تعطل المشروعات وزيادة المدة الزمنية للتنفيذ مضيفاً أعباء مالية إضافية على شركات القطاع.

حاولت الدولة المصرية دعم هذا القطاع الحيوي بالعديد من الإجراءات؛ فقامت بإصدار قانون تعويضات عقود المقاولات والتوريدات والخدمات العامة (قانون رقم 184 لسنة 2017) والمختص بتحديد أسس وضوابط ونسب التعويضات عن الأضرار الناشئة عن القرارات الإقتصادية الصادرة في عام 2016، تبعه القانون رقم 173 لسنة 2022 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 184 لسنة 2017 والذي تضمن عدم ربط التعويضات بالقرارات الإقتصادية لسنة 2016، بل لأى فترة توجد بها قرارات قد تؤثر بالسلب على عقود المقاولات.

وعلى الرغم من التأثير الإيجابي للقانون المذكور على صناعة التشييد والبناء المصرية، إلا انه إقتصر فقط على العقود التي تكون الدولة طرفاً فيها. وبالتالي فإن القطاع الخاص مازالت لديه إشكالية في تقلب الأسعار. فالمطور العقاري لم يعد يستطيع تسعير وحداته طبقاً للأسعار الحالية  فيضطر إما إلى التحوط والقيام بالتسعير بسعر مرتفع عن القيمة العادلة في وقت التعاقد، أو يلجأ إلى وضع بنود في العقد لربط قيمة الوحدة العقارية بالعملة الأجنبية ومطالبة العملاء بفروق الأسعار عند زيادة سعر الصرف.  والسبب في قيامهم بإتخاذ تلك الإجراءات هو تأمين قدرتهم على إستكمال المشروعات في حالة التقلبات الشديدة في الأسعار وحتى لا يتعثر المشروع ويتوقف تماماً.

تصدير العقار: نماذج دولية 

تشجع العديد من الدول عمليات تصدير العقارات لما في ذلك أثر على الدخل القومي. فعلى سبيل المثال فإن بعض الدول في الإتحاد الأوروبي تقدم برنامج يسمى “التأشيرة الذهبية”، وهي عبارة عن منح أى شخص يقرر شراء عقار في الدولة بسعر لا يقل عن قيمة محددة حق الإقامة المؤقتة، هو وأسرته، والحق في العمل ثم الوصول إلى الإقامة الدائمة والتجنس. فدولة اليونان (إحدى دول الإتحاد الأوروبي وعضو منطقة الشنجن) على سبيل المثال تقدم برنامج التأشيرة الذهبية لكل شخص يستثمر في العقار بحد ادنى 250,000 يورو (سيتم زيادتهم إلى 500,000 يورو في الأول من مايو 2023) ويتم منح المستثمر إقامة لمدة 5 سنوات تجدد طالما العقار في حوزته، وإن كان البرنامج اليوناني لا يمنح الأحقية بالعمل بإستثناء الإستثمار وإنشاء الشركات. فيما تقوم دولة اسبانيا بمنح التأشيرة الذهبية الخاصة بها بعد شراء المستثمر لعقار لا يقل ثمنه عن 500,000 يورو، فيما يمكن الحصول على الجنسية بعد 10 أعوام من تاريخ تملك العقار، وتسمح تلك التأشيرة بالعمل بدون أية قيود.

وبالنظر إلى النموذج اليوناني، نجد أن الإستثمار الخارجي في العقار اليوناني في عام 2022 بلغ 1.9 مليار يورو بزيادة 68% عن عام 2021 طبقاً لحصائيات البنك اليوناني (انظر مرفق رقم 1)، وذلك في دولة تعداد سكانها في حدود 10.5 مليون نسمة.  وتتربع الصين على قمة الدول المستثمرة في العقار اليوناني، تليها سويسرا، والولايات المتحدة. وتأتي مصر ايضاً ضمن أهم 20 دولة تستثمر في العقار اليوناني، حيث توجد شركات لتسويق العقارات اليونانية تعمل بالفعل داخل مصر.

تصدير العقار: الإجراءات المصرية 

تستهدف مصر من خلال منظومة تصدير العقار إيرادات تتراوح ما بين 2 إلى 3 مليار دولار سنوياً. وعليه، فقد قامت الدولة بإتخاذ بعض الإجراءات لتيسير تصدير العقارات إلى الخارج؛ فصدر قرار وزير الداخلية رقم (828 لسنة 2017) بمنح الإقامة المؤقتة لمدة 3 سنوات لكل أجنبي يقوم بشراء عقار بقيمة 200 ألف دولار، و5 سنوات لمن يقوم بشراء عقار بقيمة 400 ألف دولار قابلة للتجديد طالما ظل العقار بحوزته، ثم أتبعه قرار وزير الداخية بتاريخ 15 ديسمبر 2018 بمنح الترخيص للإقامة لمدة عام لكل أجنبي يتملك عقار قيمته لا تقل عن 100 الف دولار، وثلاث سنوات لمن يتملك عقار لا تقل قيمته عن 200 ألف دولار، وخمس سنوات لمن يتملك عقار الذي لا تقل قيمته عن 400 ألف دولار.

قامت الدولة أيضا بتقديم تسهيلات للحصول على الجنسية المصرية للمستثمر العقاري، فأصدر السيد رئيس مجلس الوزراء القرار رقم 3099 لسنة 2019 والذي ينص على منح الجنسية المصرية لكل شخص يقوم بشراء عقار مملوك للدولة أو شخصية اعتبارية عامة بقيمة لا تقل عن 500 ألف دولار، ثم تعديله بقرار رقم 876 لسنة 2023، والذي نص على تخفيض مبلغ سعر الوحدة المشتراه إلى ما لا يقل عن 300 ألف دولار أمريكي.

كما تقوم الدولة المصرية من خلال وزارة الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية بعمل ترويج لمشروعاتها القومية والعقارية بالخارج من خلال المشاركة في المعارض العقارية العالمية لتسويق، فضلا عن تشجيع شركات القطاع الخاص للمشاركة في تلك المعارض لعرض مشروعاتهم الإستثمارية بمصر سواء كانت بالمشروعات القومية أم مشروعات خاصة.

تصدير العقار: الإشكاليات والحلول

على الرغم من أن تصدير العقار المصري يشكل فرصة ذهبية لزيادة الإستثمار الاجنبي وزيادة حصيلة الدولة من النقد الأجنبي، إلا انه توجد بعض التحديات. أبرزها المنافسة مع الدول الأوروبية وبالأخص دول حوض المتوسط في مجال تصدير العقار، حيث تطرح تلك الدول برامج منافسة ومتكاملة  لتصدير العقار بداية من الحصول على الإقامة للمشتري وأسرته وصولاً إلى منح الجنسية للمستثمر في بعض الدول. وبالتالي فإن مصر تواجه منافسة من تلك الدول نظراً لتقارب الحد الأدنى لمبلغ الاستثمار العقاري والذي قد يكون عاملاً مؤثراً عند المقارنة ما بين مصر وتلك الدول المنافسة، وذلك نظراً للمميزات والبنية التحتية التي توفرها دول الإتحاد الأوروبي وغيرها.

كما أن تسهيلات الحصول على الجنسية المصرية طبقاً القرار رقم 876 لسنة 2023 والخاص بمنح الجنسية مقترنة بمباني واراضي محددة يحددها رئيس مجلس الوزراء بناءً على عرض السيد وزير الإسكان والجهة صاحبة الولاية على الأرض، وبالتالي فإن هذا النوع من الإستثمار سيكون محدداً وسيؤدي إلى محدودية المعروض للفئة الراغبة في الحصول الفوري على الجنسية، مما قد يجعله ينظر في أسواق أخرى منافسة.  ختاماً؛ فإنه يجب على جمهورية مصر العربية العمل بقوة على منح تسهيلات أكثر أو خفض الحد الادنى أو زيادة مدد الإقامات حتى تصبح قادرة على جذب المواطنين الراغبين في الإستثمار خارج دولتهم، كما إنه يمكن العمل على فكرة الإيجار نظير الإقامة على أن تكون مدد محددة وتحول بالعملة الأجنبية من الخارج (تطبق جمهورية مالطا بالإتحاد الأوروبي هذا النظام). كما يجب يجب دعم الصناعات الوطنية في صناعة مكونات التشييد والبناءً محلياً لتخفيض تكلفة الإستيراد وبالتالي خفض أسعار الوحدات العقارية وتشجيع المستثمرين على الإستثمار في مصر.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/34204/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M