جبهة موازية: تداعيات حرب غزة على الاقتصاد الإسرائيلي

  • تواجه إسرائيل تحديات اقتصادية آنية بسبب الحرب على غزة، إلا أن التحديات الأهم ستكون على المدى المتوسط، من حيث تراجع الاستثمار الأجنبي، وتراجع السياحة وقطاع الهايتك، وزيادة الإنفاق العسكري، وتضعضع ثقة المؤسسات الدولية بالاقتصاد والسياسات الاقتصادية الإسرائيلية.
  • حتى اللحظة يتحمل المجتمع الإسرائيلي التبعات الاقتصادية للحرب، بسبب صدمة السابع من أكتوبر التي وضعت مسألة الأمن الشخصي، والشعور بالخطر الوجودي فوق الاعتبار الاقتصادي، لكن هذا التحمل لن يطول كثيراً مع تأكد صعوبة تحقيق الأهداف العسكرية للحرب في مدة قصيرة نسبياً. 
  • امتداد الحرب في غزة لشهور سوف يُؤدي إلى زيادة الضغط على الحكومة الإسرائيلية من المجتمع والقطاع الصناعي والتجاري لإنهاء الحرب، إذن سيلعب العامل الاقتصادي بعد فترة ليست بالقصيرة عاملاً ضاغطاً على سير العمليات العسكرية.

 

تحمل الحرب على غزة، المتواصلة منذ 7 أكتوبر 2023، تداعيات عميقة على الاقتصاد الإسرائيلي. وقد اندلعت الحرب أصلاً في ظل بداية أزمة اقتصادية كانت تمر بها إسرائيل بسبب التغييرات الدستورية التي باشرت بها الحكومة الإسرائيلية، لذا فإن الحرب الحالية ستُفاقم الأزمة الاقتصادية، والتي سيكون لها تداعيات بعد الحرب مباشرة، وتداعيات متوسطة المدى للسنوات القليلة المقبلة.

 

حرب في ظل أزمة اقتصادية

اندلعت الحرب على غزة في ظل بداية دخول إسرائيل في أزمة اقتصادية، حيث كانت التغييرات الدستورية التي شرعت بها الحكومة الإسرائيلية واحدة من مُسبباتها. وقد ظهرت معالم الأزمة في الاقتصاد الإسرائيلي في أهم قطاع فيه، وهو قطاع الهايتك (التكنولوجيا الفائقة)، الذي تراجعت عائداته هذا العام، لأسباب تتعلق بزيادة حدّة التنافس الدولي على قطاع الهايتك من جهة، والتغييرات الدستورية للحكومة الإسرائيلية التي أدت إلى سحب استثمارات أجنبية في هذا القطاع من جهة ثانية، فضلاً عن نقل شركات مقارها وأموالها إلى خارج إسرائيل.

 

علاوة على ذلك، ظهرت الأزمة المالية في إسرائيل في غياب الرؤية التنموية في موازنة الدولة للعامين 2023 و2024، بسبب سوء السياسات المالية للحكومة ووزير ماليتها بتسلئيل سموتريتش، وتخصيص الأموال لاحتياجات الأحزاب في الحكومة التي تخدم قطاعات داعمة لها، مثل المستوطنين والمتدينين الحريديم، على حساب القطاعات الإنتاجية والتنموية في المجتمع الإسرائيلي.

 

التكلفة الاقتصادية للحرب

تتحدد تكاليف الحرب الإسرائيلية الحالية، بالاعتماد على الحروب السابقة على قطاع غزة، من خلال حساب نفقاتها المباشرة التي تأتي من الحكومة من جهة، والأثمان التي يدفعها السوق الإسرائيلي من جهة ثانية.

 

بالنسبة للجانب الأول، فإنه يشمل الإنفاق على التسلح، وسلسلة الدعم اللوجستية المختلفة، ودفع رواتب جنود الاحتياط، والإنفاق على الجرحى والعلاج والتعويضات لهم من ميزانية الجيش، علاوة على التعويضات التي تدفعها الدولة للمصالح التجارية، وترميم الأضرار الناتجة عن الحرب للبيوت والمنشآت، والتعويضات والمُخصصات للعاملين والموظفين الذين تضرروا من الحرب أو توقفت أعمالهم، وتحمل نفقات إيواء النازحين من مستعمرات وبلْدات غلاف غزة ومنطقة الجليل.

 

وبالنسبة للمجال الثاني فهو يتحدد من خلال تعطيل المصالح التجارية، وتوقف عجلة الإنتاج بسبب الحرب وحالة الطوارئ من جهة، وخروج مئات الآلاف للتجنّد في الاحتياط من جهة ثانية، وتراجع الاستثمار الخارجي، فضلاً عن انهيار قطاع السياحة.

 

في المواجهات العسكرية السابقة على قطاع غزة، كانت تصل تكلفة الحرب لليوم الواحد ما بين 100 و250 مليون شيكل (29-71 مليون دولار بحساب 3.5 شيكل للدولار). وإذا أخذنا في الاعتبار أن الحرب الحالية ليست مجرد مواجهة محدودة كما في الحروب السابقة، بل هي حرب شاملة وطويلة، فإن الثمن الذي سيدفعه الاقتصاد الإسرائيلي سيكون كبيراً. فعلى سبيل المثال، فقد استدعت إسرائيل 360 ألفاً من جنود الاحتياط للمشاركة في الحرب، مما اضطرهم للخروج من العمل والالْتحاق بالجيش، بالإضافة إلى حالة الطوارئ التي أدت إلى تعطيل مرافق اقتصادية في الدولة، حيث إن 18% من القوى العاملة في إسرائيل لا تعمل بسبب الحرب، أي ما يعادل 760 ألف عامل. وقد أدت الحرب إلى استمرار ضعف قيمة الشيكل بشكل كبير (4 شيكلات مقابل الدولار)، مما اضطر بنك إسرائيل إلى تخصيص 30 مليار دولار من أجل منع تدهور الشيكل في السوق المحلي، وهو مبلغ كبير من احتياط يصل إلى 200 مليار دولار (وصلت قيمة الشيكل بعد تدخل بنك إسرائيل المركزي إلى 3.7 مقابل الدولار).

 

في حساب أوّلي أجْرته وزارة المالية لفحص تكاليف الحرب على خزينة الدولة، قدَّرت الوزارة أن تصل تكاليف الحرب إلى 200 مليار شيكل (ما يعادل 55 مليار دولار)، علماً أن هذا التقدير لا يأخذ في الاعتبار احتمال اندلاع حرب على الجبهة الشمالية. وتشكل هذه التكلفة ما يقارب 10% من الناتج المحلي الإسرائيلي. ومن أجل المقارنة، فإن التكاليف النهائية لحرب لبنان عام 2006، التي استمرت 34 يوماً وصلت إلى 9.5 مليار شيكل، وتكاليف الحرب على غزة عام 2014، التي استمرت 50 يوماً، وصلت إلى نحو 7 مليارات شيكل فقط، في حين أن تكلفة الحرب الحالية تبلغ 10 مليارات شيكل كل أسبوع.

 

ومن أجل التعاطي مع تكاليف الحرب، فإن وزير المالية سموتريتش أعلن أنه ينوي رفع سقف الإنفاق في موازنة 2023 بمبلغ 31 مليار شيكل: 22 مليار مخصصة لميزانية الأمن، و9 مليارات شيكل لشؤون مدنية مثل التعويضات عن الأضرار، مع العلم أن تكاليف التعويض التي من المتوقع أن تدفعها الدولة فقط في التجمعات التي تُعرف بـ “تجمعات المواجهة” ستصل إلى 15 مليار شيكل حتى نهاية 2023 (“ذا ماركر”، 16 نوفمبر 2023). وتجدر الإشارة إلى أن عدد من أُخلوا من بيوتهم في إسرائيل وصل إلى 250 ألفاً، وتتكفل الدولة بتمويل مكان سكنهم (أغلبهم في فنادق)، وتعويضهم عن تعطيل أعمالهم، حيث تصل تكاليف إيوائهم إلى 1.7 مليار شيكل في الشهر.

 

في هذا الصدد، يشير تقرير أصدره اتحاد الأعمال الصناعية الإسرائيلية إلى أن السوق الإسرائيلي خسر حتى منتصف أكتوبر (أسبوع واحد بعد الحرب) ما يعادل 4.6 مليار شيكل (نحو مليار و100 مليون دولار)، وهذه الخسارة ناتجة فقط عن عدم وجود الموظفين في العمل، وتراجع الإنتاج في السوق، وقد قُدّم 60 ألف إسرائيل طلبات للحصول على مخصصات البطالة بعد الحرب، بسبب خروجهم من العمل أو توقف أعمالهم.

 

وفي أعقاب تفاقم الوضع الاقتصادي، قرر الجيش بعد أربعين يوماً من الحرب تسريح جزء من قوات الاحتياط، وبخاصة ممن لا يشتركون في العملية العسكرية داخل القطاع، وذلك بهدف المساهمة في تنشيط عجلة الإنتاج وعودة قسم من المصالح التجارية المُعطلة إلى عملها، ولما يحمل إبقاءهم من عبء اقتصادي على الجيش نفسه الذي قرر زيادة مخصصات جنود الاحتياط.

 

يتضح من المعطيات السابقة أن الموازنة العامة للدولة ستدخل في عجز مالي كبير، فضلاً عن الخسائر التي يتكبدها الاقتصاد الإسرائيلي جراء الحرب، وهي كلها حسابات تنطلق من تقييم متفائل لسير الحرب ونتائجها وانحصارها على الجبهة الجنوبية.

 

الخروج من الأزمة الاقتصادية

يُجمِع الخبراء في إسرائيل، وفي مقدمتهم بنك إسرائيل المركزي، أن المفتاح الأساسي لمواجهة تداعيات الحرب على وضع إسرائيل المالي والاقتصادي يكون من خلال تقليص الإنفاق الحكومي وترشيد الصرف في الموازنة للعامين 2023 و2024، ولا شك في أن هذا الحل هو الحل السريع للتداعيات على المدى القريب فقط، من أجل بناء أرضية مالية متزنة لتجاوز تداعيات الحرب الاقتصادية على المدى المتوسط.

 

وفي هذا الشأن، يُشير البروفيسور مانويل تراختنبرغ، وهو عالم اقتصاد ورئيس معهد دراسات الأمن القومي، إلى أنه يتعيَّن على الحكومة إلغاء الموازنة العامة للدولة للعام 2024، وبناء موازنة جديدة، فالموازنة الحالية سوف تسهم في ارتفاع العجز المالي لأن الحكومة قدمت موازنة سيئة في الأصل، ولا تستطيع هذه الموازنة التكيّف مع الواقع الاقتصادي بعد الحرب. ويتفق مع هذا التوجه يعقوب فرنكل، الذي شغل منصب محافظ بنك إسرائيل، والذي اقترح تغييراً عميقاً في سلم الأولويات في موازنة الدولة، وتحديداً إلغاء “الأموال الائتلافية” التي قررت الحكومة توزيعها على أحزاب الحكومة لصرفها على قضايا ذات أهمية لها، وهي قضايا ذات طابع قطاعي وجهوي، والتي تصل إلى مليارات الدولارات من ميزانية الدولة. وتشير ورقة صادرة عن معهد دراسات الأمن القومي إلى أن العودة إلى حالة التوازن في الاقتصاد الإسرائيلي، وكسب ثقة الشركات الائتمانية العالمية تتطلب إجراءات جادة مثل تغيير سلم الأولويات للحكومة، وتقليص الوزارات الحكومية التي لا حاجة لها، وفتح من جديد ملف موازنة 2024، بحيث تتلاءم مع التغييرات الاقتصادية الناشئة بعد الحرب.

 

وتشير تقديرات بنك إسرائيل، وتقديرات مؤسسات مالية عالمية أيضاً، إلى أنه من دون تغيير سلم الأولويات في موازنة الحكومة للعام 2024، فإن العجز المالي سيصل في أفضل الحالات إلى 3% من الناتج القومي، في حين تتوقع شركة “ستاندرد آند بوز” للتصنيف الائتماني أن يصل العجز إلى 5.25%، في حين تتوقع شركة “موديز” أن يصل العجز المالي عام 2024 إلى 6.8%. وبناء على ذلك، فمن دون تغيير سلم أولويات الموازنة لعام 2024 على الأقل، فإن إسرائيل تخاطر بتراجع درجة الائتمان لديها من طرف شركات الائتمان الدولية، وهذا سيؤدي إلى رفع تكاليف التمويل للقطاعين الحكومي والخاص، وزيادة غلاء المعيشة، وتراجع النمو الاقتصادي الإسرائيلي فضلاً عن تراجع الاستثمار الأجنبي، وضرب كل القطاعات الاجتماعية والخدماتية في إسرائيل. ويتوقع بنك إسرائيل أن يتراجع النمو الاقتصادي في العام 2024 إلى 2.8%، في حين أن تقييم الشركات العالمية، مثل “موديز”، أن يكون النمو 1.4%، مما يعني تراجع مستوى المعيشة في إسرائيل.

 

ويقترح بنك إسرائيل أن تُجري الحكومة تقليصات في موازنة 2024، بمبلغ يصل إلى 10 مليارات شيكل، وذلك بدلاً من زيادة العجز المالي من أجل تمويل تكاليف الحرب، والحفاظ على نوع من الاستقرار المالي لإسرائيل، الذي يُمكّن الحكومة من إدارة الأزمة المالية المقبلة. ويحذر البنك من أن امتناع الحكومة عن تقليص الأموال الائتلافية في موازنة عام 2023 سيصعب عليها تقليصها في بنود ميزانية عام 2024، لأنها متراكمة وتتعلق بمشاريع إذا بدأت فلا يمكن وقفها، لذلك يطالب البنك بتقليصها الآن وتخصصها للإنفاق على أثمان الحرب، العسكرية والمدنية.

 

ويعتقد بنك إسرائيل أن قرار الحكومة تقليص 4 مليارات شيكل من موازنة عام 2023 للتعاطي مع الحرب، غير كافٍ، وفي المقابل فإن زيادة الإنفاق كما تقترح وزارة المالية (22 مليار شيكل للأمن، و10 مليارات شيكل للقضايا المدنية) ستزيد من عجز الموازنة العامة للدولة، فضلاً عن أن جزءاً من هذه الزيادة غير واضحة المصدر، سيّما أن بنك إسرائيل يتوقع تراجع عائدات الضرائب في العام 2023 بسبب الوضع الاقتصادي ومحدودية العمل في السوق خلال فترة الحرب.

 

وكانت صحيفة “فايننشال تايمز” قد أشارت إلى أن إسرائيل اقترضت 6 مليارات دولار بفائدة عالية من أجل تمويل الحرب على قطاع غزة، وبحسب الصحيفة فإن إسرائيل عرضت أوراقها المالية للبيع لجهات خاصة وليس عبر تداولها في السوق، إلا أننا لم نجد أي تصريح أو إقرار إسرائيلي بهذا الأمر حتى الآن.

 

لا تشمل التقديرات الإسرائيلية متغير الدعم الأمريكي لإسرائيل الذي سيصل إلى نحو 14 مليار دولار، في حال وافق مجلس الشيوخ الأمريكي هذا الدعم الذي أقرّه مجلس النواب في إثر طلب الرئيس بايدن، ويعود ذلك إلى عدم تأثيره الكبير على الحالة الاقتصادية التي ستنتجها الحرب، إذ إن أغلب هذا الدعم سيذهب إلى تعزيز قدرات الدفاع الجوي الإسرائيلي من حيث إضافة بطاريات الدفاع الجوي، سيّما القبة الحديدية ومقلاع داود، وملء المخزون من الصواريخ للدفاعات الجوية؛ فقد شمل قرار المساعدات لإسرائيل تخصيص 4.4 مليار دولار لتجديد مخزون السلاح الأمريكي المرُسل إلى إسرائيل، و4 مليارات دولار من أجل منظومات القبة الحديدية ومقلاع داوود، و3.5 مليار لشراء أسلحة من شركات أمريكية، و850 مليون دولار لشراء أسلحة وذخيرة لإسرائيل.

 

يخفف هذا الدعم من الإنفاق العسكري الإسرائيلي على الدفاعات الجوية خلال الحرب وبعدها من موازنتها العامة، ولكنه لن يكون عاملاً حاسماً في قدرة إسرائيل على تجاوز أزمتها الاقتصادية، التي تتمحور أساساً في تداعيات الحرب على الاستثمار، والحركة التجارية، والإنفاق المدني.

 

تداعيات الحرب على المدى المتوسط

سيكون للحرب على غزة تداعيات عديدة على الاقتصاد الإسرائيلي على المدى المتوسط، ويمكن الإشارة إلى أهمها:

 

أولاً، انتعاش الاقتصاد الإسرائيلي سيكون بطيئاً، وهذا تقدير تفاؤلي لبنك إسرائيل والشركات المالية العالمية؛ فسوف يحتاج الاقتصاد الإسرائيلي إلى سنوات ليعود إلى حيويته الاقتصادية على الأقل كما كان قبل الحرب. وللمقارنة فقد كلفت جائحة كورونا الاقتصاد الإسرائيلي نحو 160 مليار شيكل، وأدت إلى تراجع الاقتصاد، مع العلم أن هذه التكاليف امتدت على عامين، وليس لفترة الحرب الحالية.

 

ثانياً، تراجُع الاستثمار في إسرائيل بسبب غياب الاستقرار الأمني في إسرائيل، مما يجعل الكثير من المستثمرين يختارون الانتظار لفترة ليست بالقليلة للتأكد من وجود أرضية آمنة للاستثمار في إسرائيل، حيث سيسهم استمرار الوضع الأمني في ردع الاستثمار الخارجي، وتراجُع جاذبية إسرائيل للاستثمار الأجنبي.

 

ثالثاً، تراجُع قطاع السياحة لإسرائيل، فهذا القطاع سيحتاج إلى سنوات ليعود إلى ما كان عليه قبل الحرب، وذلك بسبب التوتر الأمني الذي سيبقى مخيّماً على إسرائيل، لاسيّما في المناطق الجاذبة للسواح، مثل الشمال (الجليل)، والجنوب (النقب).

 

رابعاً، زيادة الإنفاق العسكري، حيث وصلت ميزانية الأمن في إسرائيل قبل الحرب إلى 80 مليار شيكل، ولا شك في أن الحرب سوف تزيد من الإنفاق العسكري على ميزانية الأمن في السنوات المقبلة، من أجل الاستعداد وتحضير الجيش لمواجهة قادمة، وملء المخزون العسكري الذي استنفد خلال الحرب الحالية، فزيادة ميزانية الأمن في ظل تراجع النمو الاقتصادي والعجز المالي سوف تزيد من الأزمة المالية، الأمر الذي سينعكس على الاقتصاد الإسرائيلي في السنوات المقبلة.

 

خامساً، انخفاض مستوى المعيشة في إسرائيل وتراجع القوة الشرائية، مما يقلل من العائدات الضريبية على خزينة الدولة، وارتفاع الإنفاق على المخصصات الاجتماعية، إذ إن خزينة الدولة تعتمد بشكل كبير على العائدات الضريبية.

 

سادساً، زيادة المديونية الإسرائيلية وتراجع احتياط النقد الأجنبي، وهو أمر قد يؤدي إلى تراجع النمو الاقتصادي والاستثمار الأجنبي.

 

استنتاجات

تواجه إسرائيل تحديات اقتصادية بسبب الحرب على غزة، ولا يتمثل التحدي في الإنفاق على الحرب وتوابعها المدنية فقط، وإنما في عدم وضوح الأفق الزمني والعملي للحرب، مما يجعل التقييمات لتكاليف وتداعيات الحرب تقديرية، مما يُعقِّد التخطيط الاقتصادي ووضع استراتيجية للخروج من الأزمة الاقتصادية، فقد تطول الحرب لشهور، وقد تستدعي المكوث في قطاع غزة وتمويل هذا البقاء، وقد تتوسع الحرب إلى جبهات أخرى، مما يعني تخطي كل تلك التقديرات الأولية.

 

تنحصر الخطوة الأولى للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية في تقليص النفقات في موازنة الدولة في العام 2024، وتحديداً إلغاء تخصيص الأموال الائتلافية، وهذا الأمر سيكون وارداً فقط في حال إسقاط حكومة نتنياهو، في حين إذا استمرت الحكومة فإنه سيجري تقليص تلك المخصصات لا إلغاؤها، وذلك بُغية الحفاظ على تماسُك الحكومة. وفي المقابل فإن هذه الخطوة مساعدة للاقتصاد الإسرائيلي على المدى القريب، في حين أن تداعيات الحرب اقتصادياً ستكون على المدى المتوسط، من حيث تراجع الاستثمار الأجنبي، وتراجع السياحة وقطاع الهايتك، وزيادة الإنفاق العسكري، وتضعضع ثقة المؤسسات الدولية بالاقتصاد والسياسات الاقتصادية الإسرائيلية، وذلك بسبب أن الحالة الأمنية غير المستقرة ستبقى قائمة لسنوات مقبلة.

 

يُشكل العامل الاقتصادي مُتغيراً مهماً في اعتبارات الحرب، من حيث قدرة المجتمع الإسرائيلي على تحمل تبعات الحرب الاقتصادية، المتمثلة في زيادة معدلات البطالة، وتفاقم أزمات المصالح التجارية، ونقل ربع مليون مواطن من أماكن سكناهم وما يترتب على ذلك من تبعات اقتصادية عليهم وعلى الدولة، فضلاً عن القلق من تفاقم الأزمة الاقتصادية مع الإعلان السياسي أن الحرب ستطول وقد تستمر لشهور.

 

حتى اللحظة يتحمَّل المجتمع الإسرائيلي التبعات الاقتصادية للحرب، بسبب صدمة السابع من أكتوبر التي وضعت مسألة الأمن الشخصي، والشعور بالخطر الوجودي فوق الاعتبار الاقتصادي، ولكن هذا التحمُّل لن يطول كثيراً مع تأكد صعوبة تحقيق الأهداف العسكرية للحرب في مدة قصيرة نسبياً، والحاجة إلى شهور عديدة من أجل تحقيق ذلك. وعليه، فإن امتداد الحرب لشهور سوف يُؤدي إلى زيادة الضغط على الحكومة من المجتمع والقطاع الصناعي والتجاري لإنهاء الحرب، إذ إن الحركة التجارية في الشمال والجنوب معطلة نسبياً، ويتعرض المركز لضغوط كبيرة بسبب استهداف تل أبيب بالصواريخ بشكل دائم تقريباً، وسيلعب العامل الاقتصادي بعد فترة ليست بالقصيرة عاملاً ضاغطاً على سير العمليات العسكرية.

المصدر : https://epc.ae/ar/details/featured/jabha-muazia-tadaeiat-harb-gaza-ala-alaiqtisad-al-israyiyli

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M