لماذا تتنافس شركات الأسلحة الأوروبية على السوق الإفريقية؟

برز اتجاه متصاعد في الآونة الأخيرة، يتلخص في أنّ دول أوروبا تتَّجه نحو تعزيز إنفاقها العسكري، والانخراط في أسواق جديدة لتحفيز إنتاجها وتعزيز قدراتها التصنيعية، فكان من أبرز الأسواق التي سجَّلت اهتمامًا بالغًا بتغريب أنظمتها الدفاعية وتسليحها عبر شراكات وصفقات تسليح مع دول أوروبا الوسطى: السوق الإفريقية التي تشهد حالةً من التنافس الأوروبي والروسي والصيني لتوقيع صفقات تسليح تعزز من التعاون العسكري، ومن ثم تعزيز العلاقات مع دول القارة، وهو ما يطرح تساؤلاً رئيسًا حول الدوافع الرئيسة التي تقف وراء اتجاه دول أوروبا الوسطى لتعزيز علاقاتها العسكرية مع دول القارة، وما مؤشرات هذا الاتجاه؟

في هذا الإطار، تهدف المقالة لاستعراض أبرز المؤشرات الدالة على اتجاه دول أوروبا الوسطى لتعزيز علاقاتها العسكرية مع دول القارة، عبر توقيع عدة صفقات تسليح، بالإضافة إلى مناقشة حزمة من العوامل/ الدوافع التي على إثرها اتجهت أنظار دول أوروبا الوسطى نحو إفريقيا، وذلك على النحو التالي: 

أولًا: مؤشرات على اتجاه شركات الأسلحة الأوروبية للانخراط في السوق الإفريقي

اتجهت أنظار شركات دفاع دول أوروبا الوسطى إلى القارة الإفريقية في الآونة الأخيرة، عقب ورود معلومات مِن قِبَل شركات ومسؤولين حكوميين، تفيد بأن هذه الشركات تتفاوض على صفقات جديدة لبيع المزيد من الأسلحة والمعدات العسكرية لدول إفريقية، في إطار سعيها لجذب مزيد من العملاء الأفارقة الباحثين عن مصادر توريد بديلة عن الشريك الروسي، لا سيما أن تاريخ دول أوروبا الوسطى التي كانت عضوًا سابقًا في حلف وارسو، وجزءًا من الاتحاد السوفييتي، تضمّن عقد صفقات تسليح مع الدول الإفريقية خلال الحقبة الشيوعية، وتمتلك خبرة جيدة في مجال الأسلحة السوفييتية السابقة، والتي يمكن أن تكون مفيدة عند بيع المعدات أو المكونات أو صيانة الأسلحة التي تستخدمها الدول الإفريقية، وهو ما يجعل منها شريكًا مثاليًّا لدول القارة من أجل صيانة أنظمة دفاعها وتسليحها وكذلك تحديثها، مثلما هو الحال في دولة التشيك التي كانت آنذاك جزءًا من تشيكوسلوفاكيا.

وقال نائب الرئيس التنفيذي للمبيعات في شركة صناعة الطائرات التشيكية Aero Vodochody  “فيليب كولسترونك”: “إن الشركة تُجري محادثات لبيع طائرات التدريب والهجوم الخفيف L-39NG لمشترين أفارقة جُدد، بالإضافة إلى توفير ترقيات للإصدارات الأقدم”، مُضيفًا: “نرى اهتمامًا متزايدًا من العملاء المحتملين الجدد، الذين يتطلعون إلى التخلي عن المعدات الروسية أو الصينية، ويرغبون في إضفاء الطابع الغربي على قواتهم المسلحة”، رافضًا تقديم تفاصيل عن الدول التي تُجري محادثات معها([1]).

وفي نوفمبر 2022م، أبدى عدد من بلدان القارة، بما في ذلك نيجيريا والجابون وتوغو، اهتمامًا كبيرًا بمنتجات صناعة الدفاع والأمن التشيكية، عقب مشاركتهم في منتدى قوى المستقبل للتجارة العادلة العسكرية الذي عُقد خلال الفترة (16-21 أكتوبر 2022م) في براغ، وقاموا خلاله بزيارة الشركات التشيكية  AERO Vodochody، وBowenite، وAircraft Industries، وBristell، وČeská zbrojovka، وTatra Trucks، وVOP Šenov u Nové Jičín، وExcalibur Army، وEra، وRetia، ومركز تدريب الطيران، لوم براغ، بريموكو، أومنيبول. وأعربوا عن تقديرهم للمستوى التكنولوجي العالي الذي تتمتع به الصناعة الدفاعية التشيكية([2])، والتي من المهم لدول القارة الاستعانة بها، لا سيما دول منطقة الساحل الإفريقي المليئة بالعديد من المخاطر.

وقالت شركة التصنيع الدفاعية والمدنية الخاصة تشيكوسلوفاك جروب -أكبر شركة دفاع تشيكية-: إن قدرتها على صيانة وتحديث المركبات المدرعة باستخدام معايير الحقبة السوفييتية، ساعدتها على الفوز بأعمال تجارية في إفريقيا. وقال المتحدث أندريه سيرتيك: “تتمتع CSG بقدرة استثنائية على صيانة وتحديث الأنظمة البرية العسكرية ذات المنشأ الشرقي؛ حتى لا يحتاج العملاء الأفارقة إلى الاعتماد على الموردين الروس”([3])، وهو ما يجعل من السوق الإفريقية سوقًا مثاليّة لتوريد الأسلحة التشيكية؛ حيث أوضح تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام في تقرير له صادر في مارس 2023م، أن موسكو تُعتبر المورد الرئيسي للأسلحة في إفريقيا بعدما ارتفعت حصتها في السوق الإفريقي خلال الفترة (2018- 2022م): 26%([4])، بل وترتفع هذه النسبة إلى 40% في حال ضمّ المغرب العربي، وذلك مقارنة بـ21% خلال الفترة السابقة([5]).

ولقد قامت بعثة تجارية تشيكية في نوفمبر 2023م بإجراء جولة خارجية إفريقية شملت زيارة كلّ من إثيوبيا وكينيا وغانا وساحل العاج، كان الهدف الرئيس منها هو تعزيز الفرص المتاحة لصناعة الدفاع التشيكية؛ مثلما ورد على لسان رئيس الوزراء التشيكي. في حين صرح مستشار الأمن القومي التشيكي توماس بوجار بأن الصفقات الدفاعية التي كانت قيد المناقشة خلال الجولة الخارجية تبلغ قيمتها مليارات الكرونات، وأن المحادثات مع الجانب الإثيوبي دارت حول تحديث طائراتها وتحديث التكنولوجيا السوفييتية، وأن البلاد ترمي خلال هذه الجولة إلى إعادة فتح وتعزيز العلاقات مع شركائها التقليديين في إفريقيا من خلال التزامها بتوفير ما تحتاجه دول القارة من أنظمة ومعدات دفاعية متعددة([6]).

وخلال العام 2022م، صدّرت جمهورية التشيك ذخيرة وبنادق وطائرات وإمدادات عسكرية أخرى بقيمة حوالي 32 مليون يورو إلى 10 دول في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، يعتمد الكثير منها على أسلحة تعود إلى الحقبة السوفييتية مُصنَّعة بمعايير وعيارات مختلفة عن تلك المستخدمة في الغرب، وكان هذا أعلى من أقل بقليل من 2 مليون يورو في العام 2011م(([7].

يُضاف إلى ذلك، قال سيباستيان شواليك، الرئيس التنفيذي لشركة PGZ المملوكة للدولة في بولندا –والتي تسيطر على عشرات الشركات التي تصنع الأسلحة والذخيرة والناقلات المدرعة والأنظمة الجوية بدون طيار وغيرها من المعدات-، في نوفمبر 2023م: إن الشركة على مدى الأشهر الـ12 الماضية، كثفت المحادثات للاستفادة من الأسواق الإفريقية. كما شهدت شركة التكنولوجيا العسكرية البولندية WB Group -التي تشمل منتجاتها طائرات بدون طيار وأنظمة صواريخ- زيادة طفيفة في الاهتمام بالعملاء الأفارقة المحتملين خلال العام 2022م. وقال المتحدث باسم مجموعة البنك الدولي ريميجيوس ويلك: “لقد حضرنا معرضًا تجاريًّا عُقد مؤخرًا في بولندا… حيث زارت منصتنا العديد من الوفود من الدول الإفريقية التي ظهرت هنا للمرة الأولى”.([8])

ثانيًا: دوافع اتجاه شركات الأسلحة الأوروبية للسوق الإفريقية

تتعدد الدوافع التي تجهل من السوق الإفريقية سوقًا مثالية لانخراط شركات الأسلحة والدفاع الأوروبية، يُمكن مناقشتها كالتالي:

1- تغريب المنتجات السوفييتية للدول الإفريقية

يُسيطر التسليح الروسي على أنظمة الدفاع والتسليح الإفريقية، ولكون دول أوروبا الوسطى كانت في السابق جزءًا من الاتحاد السوفييتي، وتمتلك أنظمة دفاع وتسليح روسي، إلا أنها تمكنت من تطوير أنظمة دفاعها وتسليحها، بل وتفوقت في إطار ما يُعرَف بـ”تغريب التسليح السوفييتي”، وهو ما يمنح للدول الإفريقية ذات التسليح الروسي فرصة لتعزيز شراكاتها مع دول أوروبا الوسطى التي لديها خبرة طويلة وممتدة في التسليح الروسي، ولديها القدرة على تطوير أنظمتها وتسليحها عبر مصدر بديل لموسكو، بل ومنح تسليح دول القارة صبغة غربية، وهو ما ينعكس في تصريح رئيس ومدير مجموعة التجارة الصناعية رابطة صناعة الدفاع والأمن في جمهورية التشيك “جيري هاينك” قائلًا: “أفضل الأسواق الجديدة هي الأسواق الإفريقية؛ لأنها لا تزال تستخدم معدات تعود إلى الحقبة السوفييتية، لكنها تريد الآن إضافة التكنولوجيا الغربية إليها”، “نحن نسميها تغريب المنتجات السوفييتية”([9]).

2- احتمال تأثر صفقات الأسلحة الروسية في إفريقيا بالحرب الأوكرانية وتداعياتها

تُعد موسكو أكبر مورد للأسلحة لدول إفريقيا خلال السنوات الخمس الماضية، على الرغم من العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من قبل واشنطن وحلفائها، والتي لم تقف عائقًا بينها وبين توقيعها صفقات تسليح مع دول القارة؛ حيث ظل الطلب الإفريقي على التسليح عند مستوى 50-55 مليار دولار، كما وقَّعت شركة روس أوبورون إكسبورت للأسلحة الروسية ‏ في أغسطس 2023م، عدة عقود لتصدير الأسلحة بقيمة حوالي 600 مليون دولار في المنتدى العسكري التقني الدولي للقوات المسلحة 2023م([10]).

ولقد تجاوزت القيمة الإجمالية للإنتاج الروسي المرخَّص للأسلحة والمعدات العسكرية مع الدول الإفريقية 50 مليار روبل (554.2 مليون دولار)، كما بلغ عدد الدول الإفريقية المتعاونة مع شركة روس أوبورون إكسبورت نحو 44 من أصل 54 دولة إفريقية، مثلما ورد على لسان الرئيس التنفيذي لشركة روس أوبورون إكسبورت الروسية “ألكسندر ميخيف”([11]).

لكن على الرغم مما حققته موسكو من خطوات في سبيل الحفاظ على مكانتها بين دول القارة كأكبر مورد أسلحة لإفريقيا، إلا أن ما تخضع له موسكو من عقوبات وتواجهه من ضغوط في خضم الحرب الأوكرانية([12])؛ قد يحول بين موسكو وبين الحفاظ على السوق الإفريقية لعقد مزيد من صفقات التسلح الروسية، في خضم تصاعُد المنافسة الأوروبية على تسليح القارة، ورغبة إفريقية لتنويع مصادر توريد وتحديث أسلحتها.

ولقد أشار بيتر ويزمان الباحث في برنامج الدفاع في معهد ستوكهولم للسلام الدولي، إلى أنه من المتوقع أن تنخفض صادرات الأسلحة الروسية إلى العالم، بما في ذلك إفريقيا اعتبارًا من عام 2023م فصاعدًا؛ بسبب الحرب الأوكرانية، لكنَّ هذا لا يعني تراجُع صفقات التسليح الروسي لمربع الصفر؛ حيث إنه من المؤكد أن تحرص موسكو على الحفاظ على مخزونات صغيرة من الأسلحة للدول الإفريقية من أجل إرضاء هذه الدول وضمان بقائها على الحياد في مجلس الأمن الدولي أو المحافل الدولية الأخرى”.([13])

2- امتلاك التشيك سُمعة جيدة في مجال الصناعات الدفاعية

تمتلك دولة التشيك سمعة جيدة ومرموقة في أوروبا في مجال التسليح، برزت بشكل واضح في ما تقدّمه من دعم عسكري لأوكرانيا من ذخائر ومعدات عسكرية وأسلحة منذ بدء الحرب الأوكرانية في فبراير 2022م، وهو ما تطلَّب من التشيك تعزيز الإنتاج وتوسيع خطوط الإمداد، وهو ما أتاح لها فرصة الاتجاه نحو السوق الإفريقية، التي لا تزال تستخدم معدات على الطراز السوفييتي، دعمها في ذلك ما تتمتع به التشيك من سمعة جيدة في صناعة الدفاع، كما أن بعض دول القارة قد تجد في تنويع مصادر توريد أسلحتها خيارًا جيدًا، لا سيما البلدان التي بدأت تنظر إلى روسيا كمورد مثير للمشاكل([14]).

3- فتح دول أوروبا سوقًا جديدة لتعزيز قدراتها التصنيعية  

قبل اندلاع الحرب الأوكرانية، كانت دول أوروبا تعتمد بشكل كبير على التسليح الأمريكي في إطار ما يُعرف بـ”برنامج المبيعات العسكرية الأجنبية الأمريكي” (FMS)- وهو النظام الذي يقوم فيه البنتاجون بالدور الأكبر في تأمين مبيعات الأسلحة باستخدام القوة الصناعية الأمريكية([15])، إلا أنه عقب اندلاع الحرب الأوكرانية وتصاعد الطلب على صفقات التسليح، عززت دول الاتحاد الأوروبي إنفاقها العسكري بشكل كبير، لكن استحوذ مقاولو الدفاع الأمريكي على صفقات الأسلحة المثيرة على حساب الشركات الأوروبية نفسها([16])، وهو ما دفع دول الاتحاد الأوروبي للعمل على تعزيز المبيعات العسكرية الأوروبية الأوروبية، بل والبحث عن شركاء خارجيين كدول القارة الإفريقية.

في هذا السياق، دعا الرئيسان التنفيذيان لشركتي إيرباص وساب –وهما من أكبر شركات الدفاع في أوروبا– الحكومات الأوروبية إلى تقليل اعتمادها على الأسلحة الأمريكية([17])؛ من أجل ضمان عدم ارتهان الصناعات الدفاعية الأوروبية بصفقة المشتريات الأمريكية.

يُضاف إلى ذلك، أن المقاولين الأوروبيين يتمتعون بقدرات إنتاجية محدودة استنادًا إلى الطلب المحلي، ولا يوجد سوى قدر ضئيل من تجميع الموارد وقدرات البحث والتطوير، ومن ثم ليست صناعة الدفاع الأوروبية قادرة على الاستجابة بشكل سريع وفعال للأزمات الأمنية.

ومن أجل تعزيز دول أوروبا قدراتها التصنيعية الدفاعية -كأحد الحلول- هناك حاجة لتغيير نهجها بشكل جذري في التعامل مع الإنفاق الدفاعي من خلال الاستثمار في طلبات قوية وطويلة الأجل لمنح مقاولي الدفاع القدرة والحافز المالي لرفع مستوى قدراتهم التصنيعية([18])، وهو ما يجعل من السوق الإفريقي الواسع أحد الخيارات المثالية لدول أوروبا، خاصةً في ظل ما تشهده دول إفريقيا جنوب الصحراء، لا سيما منطقة الساحل الإفريقي من اضطرابات أمنية، تجعل منها سوقة متعطشة بشكل دائم ومستمرّ لصفقات التسليح.  

في النهاية، باتت دول إفريقيا محل اهتمام واسع مِن قِبَل العديد من القوى الدولية والإقليمية، لا سيما منذ اندلاع الحرب الأوكرانية، وتصاعد حالة التنافس على تعزيز العلاقات مع دول القارة، والحفاظ على موطئ قدم لها، انطلاقًا من عدة اعتبارات من بينها أن إفريقيا تُعدّ سوقًا واسعة ومهمة للمنتجات الأوروبية، وعلى رأسها السلاح الأوروبي الذي يضمن الانخراط فيه تعزيز عجلة الإنتاج، وضخّ خزائن الدول الأوروبية بالمزيد من الأموال، وهو ما يبدو أن دول أوروبا الوسطى أدركته مؤخرًا.

المصدر :https://qiraatafrican.com/16189/?fbclid=IwAR318_gRYcnUS7kJh-4H0TDNdqnZOvUHXhXs_Iz6azoPpibiJpBvmq_15tw

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M