حدود القوة الناعمة الروسية في أفريقيا.. ما الذي تبحث عنه موسكو؟

مروة محمد عبد الحليم

 

يبدو أن أفريقيا تحولت إلى ساحة حرب دبلوماسية واقتصادية ومصالح متفرقة، وسط تعاظم الأزمات في العالم، ووقوف روسيا في مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة وأوروبا بعد أن وقعت في المستنقع الأوكراني، وتحاول جاهدة تعميق حضورها في ساحات النفوذ، للبحث عن اتفاقات وعلاقات أمنية مع الدول الإفريقية في ظل انحسار النفوذ الفرنسي والأمريكي في المنطقة.

مسار جديد في السياسة الخارجية تنتهجه موسكو رغم العقوبات الغربية المفروضة عليها منذ غزوها أوكرانيا في 24 فبراير 2022، بالابتعاد عن التعاون مع الغرب والتوجه نحو تطوير العلاقات الروسية مع الدول الآسيوية والإفريقية. فأجرى وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف جولات نشطة في أفريقيا شملت سبع دول في أقل من شهر. الجولة الأولى كانت في 23-26 يناير، قام خلالها بزيارة جنوب إفريقيا وإسواتيني (سوازيلاند سابقًا) وأنجولا وإريتريا. والثانية كانت في 7-9 فبراير إلى مالي وموريتانيا والسودان. جولتا لافروف شملت جميع أنحاء القارة الأفريقية تقريبًا من جنوب وغرب إفريقيا، إلى منطقة الساحل والصحراء، ثم القرن الأفريقي.

أفريقيا التي تحولت لساحة معركة دبلوماسية واقتصادية بين روسيا والقوى الغربية منذ حرب أوكرانيا، يرتكز تنافسها على شقين، الأول: داخل القصور الرئاسية لعدد من قادة الدول الأفريقية، حيث يتم التوصل إلى صفقات ثنائية سياسية وعسكرية واقتصادية. والثاني، داخل الأمم المتحدة، حيث التنافس على الأصوات الأفريقية. ففي مارس الماضي، أجرت الجمعية العامة للأمم المتحدة تصويتًا لإدانة الغزو الروسي، أسفر عن رفض 17 دولة أفريقية إدانة الغزو الروسي، بالإضافة إلى رفض سبع دول أفريقية أخرى التصويت على الإطلاق. وفي سبتمبر الماضي، عقب إجراء روسيا استفتاء لضم أربع مناطق أوكرانية، أجرت الأمم المتحدة تصويتًا لإدانة الضم أسفر عن امتناع 19 دولة أفريقية عن التصويت  بزيادة دولتين عن التصويت الذي تم في مارس.

وعلى الرغم من القراءات التي أشارت إلى تراجع النفوذ الأمريكي في القارة الأفريقية، أعادت القمة الأمريكية الأفريقية التي عقدت في نوفمبر الماضي الزخم إلى العلاقات بعد أن لعبت على وتر دعم التمركز الدولي، وأيد جو بايدن تغييرين مؤسسين طالبت بهما الدول الأفريقية منذ فترة طويلة، أولهما مقعد للقارة في مجموعة العشرين لأغنى الاقتصادات، وثانيهما مقعدان دائمان لأفريقيا في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. وهو ما أيده وزيرا خارجية فرنسا وألمانيا، ورفضته موسكو خوفًا من تغيير توازن مجلس الأمن بشكل جذري، وهو أمر يمكن أن يصبح نقطة شائكة في العلاقات بين إفريقيا وروسيا.

وعلى هذا، فإن جولتي لافروف، والتي تأتي قبل القمة الروسية الأفريقية القادمة المقرر عقدها في الفترة من 26 إلى 29 يوليو في سان بطرسبرج، هي جزء من تمهيد الطريق وجس النبض في الوقت الذي تستعد فيه روسيا لتعزيز وجودها الاقتصادي خلال القمة المقبلة، حيث يشكك العديد من خبراء السياسة الروس في الاتفاقيات الثنائية التي تم توقيعها، والتي ظل الكثير منها دون تنفيذ حتى الآن. فخلال القمة الأفريقية الأولى التي عقدت عام 2019 في منتجع سوتشي وعد بوتين بمضاعفة التجارة مع الدول الأفريقية في غضون خمس سنوات، وسعى لكسب أصدقاء جدد بعروض محطات الطاقة النووية والطائرات المقاتلة. وبعد مرور ثلاث سنوات، لم يتحقق سوى القليل من هذه الوعود، ومع ذلك فإن النفوذ الروسي في القارة ينمو بشكل أسرع من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب الباردة.

فقد نجحت روسيا في إبراز نفسها كوسيط أمني لمواجهة الإجماع الغربي وتصدير نفسها في صورة المدافع عن أفريقيا، معتمدة في ذلك على انخراطها السابق في شؤون القارة الإفريقية. حيث دعم الاتحاد السوفيتي إعلان الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي أكد استقلال الدول المستعمرة في عام 1960، وساعد في تمويل حركات التحرير في جنوب إفريقيا وأنغولا وموزمبيق ودولًا أخرى. بيد أن هذا الدعم الروسي أخذ في التضاؤل مع انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، لكن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حاول على مدار العقدين الماضيين، إحياء الروابط مع أفريقيا التي تعود لحقبة الاستقلال بل وعمد إلى إحباط ما يروج له بالسياسات الاستعمارية الغربية في إفريقيا.

حدود القوة الناعمة الروسية في أفريقيا

القضايا التي ناقشها لافروف مع قادة الدول الأفريقية خلال جولته الأولى والثانية، لا تقل أهمية عن القضايا التي طرحتها جولته السابقة إلى القارة في يوليو 2022 وشملت مصر والكونغو وأوغندا وإثيوبيا، فقد أشاد لافروف في مقال نشر في صحف الدول الأربعة التي شملتها الجولة، بأفريقيا لمقاومتها ما وصفه بمحاولات الغرب لفرض نظام عالمي أحادي القطب. وكتب يقول “نقدر الموقف الأفريقي المدروس بخصوص الوضع في أوكرانيا وما حولها”، مضيفا أن الدول الأفريقية تعرضت لضغوط غربية “لم يسبق لها مثيل” للانضمام إلى العقوبات. وركز في مقاله على المشاكل الأفريقية من: الغذاء وأمن الطاقة، والعمليات التكاملية في القارة، ومشاريع البنية التحتية التي تشارك فيها روسيا.

وبعد عام من الحرب الروسية الأوكرانية، سلطت جولات لافروف الأفريقية هذا العام الضوء على التعاون الأمني والتقني، ففي جنوب إفريقيا، وهي من الدول القيادية في مجموعة بريكس، والعلاقات معها مهمة بالنسبة لروسيا. ناقش البلدان المناورات العسكرية الروسية- الإفريقية- الصينية المشتركة، التي انطلقت حاليًا بالقرب من سواحل جنوب إفريقيا في الفترة من 17 إلى 27 فبراير الجاري. بمشاركة الفرقاطة الروسية الأدميرال غورشكوف المسلحة بصاروخ زركون الذي تفوق سرعته سرعة الصوت: “سلاح عجيب”، كما يحب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الإشارة إليه. وكذا تمت مناقشة تعزيز التعاون التجاري الثنائي، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 1.139 مليار دولار في عام 2021، ومناقشة أطر التعاون في استخدام الفضاء السلمي، والتكنولوجيات عالية الدقة، فضلًا عن الطاقة النووية وبناء مدن ذكية.

وفي إسواتيني، وهي الدولة المرتبطة برغبة روسيا بإيصال الأسمدة إليها، خاصة أن روسيا أعلنت مؤخرًا أنها ستورد الأسمدة إلى هناك مجانًا. تم الاتفاق مع القادة العسكريين على تعزيز التعاون في مجال الأمن، وسترسل روسيا وإسواتيني طلبًا إلى الأمين العام للأمم المتحدة لإيجاد حل سريع لضمان إمدادات مجانية من الأسمدة الروسية المحجوزة في موانئ الاتحاد الأوروبي. وأشار لافروف إلى أنه يجب الإفراج عن 280 ألف طن من الأسمدة المحتجزة في موانئ الاتحاد الأوروبي وتسليمها إلى الدول الأكثر فقرًا.

وأثناء وجوده في أنجولا، وهي دولة ذات وزن اقتصادي كبير، خاصة أنها تنتج النفط وتحتفظ بعلاقات اقتصادية طويلة وتاريخية مع روسيا منذ عصر الاتحاد السوفيتي، بالإضافة إلى مشروعات وأعمال روسية متواجدة هناك بشكل أكبر من الدول المجاورة لها، وأشار لافروف إلى الإطلاق الناجح بقيادة روسيا للقمر الصناعي الأنجولي Angosat-2 في أكتوبر الماضي. وأعرب عن سعادته بالاهتمام المتزايد باللغة الروسية، وناقش مبادرة إنشاء عملة موحدة لمجموعة بريكس (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا) ودول أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي. وأكد على أن أنجولا، مثيرة لاهتمام شركات النفط الروسية وشركات التعدين، إلى جانب وجود خبرة في التعاون خلال حقبة الاتحاد السوفيتي، بما في ذلك توريد الأسلحة والمشاريع الاقتصادية المشتركة.

وفي إريتريا، وهي من الدول القليلة التي اختارت الوقوف إلى جانب روسيا خلال التصويت الأول حول أوكرانيا في الأمم المتحدة، فقد جاءت الزيارة لتعزيز العلاقات بين البلدين، وصرح لافروف بأن موسكو مستعدة لمساعدة البلاد في الحفاظ على قدرتها الدفاعية، مشيرًا إلى التعاون في مجال التكنولوجيا العسكرية، وإلى المفاوضات حول إنشاء قاعدة بحرية روسية في البحر الأحمر، بهدف إرسال رسالة إلى الولايات المتحدة وحلفائها بأن لروسيا تمددًا وجوديًا بالقرب من باب المندب الذي يقع في المدخل الجنوبي للبحر الأحمر، وهي المنطقة التي تمثل أهمية استراتيجية بالغة لمصالح الغرب، سواء تجاريًا أو اقتصاديًا أو عسكريًا.

وفي مالي، أجرى لافروف محادثات مع رئيس مالي الانتقالي العقيد أسيمي غويتا ووزير الخارجية عبد الله ديوب، وتهدف روسيا إلى رفع مكانتها الاقتصادية، ومتابعة تعاونها العسكري التقني والوصول إلى استغلال الموارد الطبيعية في المنطقة. وشدد وزير خارجية مالي على أن أي دولة تسعى إلى التعاون مع بلاده يجب أن تلتزم بالضرورة بمبدأ سيادة مالي، وتحترم حقها في اختيار الشريك الذي تحتاجه، وأكدت روسيا مجددًا على تقديم مزيد من المساعدة لمالي لتعزيز القدرة القتالية لقواتها المسلحة، وتلبية طلباتهم على أساس منهجي. فقد تم نشر مئات المستشارين العسكريين الروس في مطلع يناير، وأعلن الجيش في مالي أنه طلب من عناصر مجموعة فاجنر شبه العسكرية الروسية للجدل المساعدة في تدريب قواتها الأمنية.

وفي موريتانيا، تعد زيارة لافروف تاريخية لأنها الأولى لوزير خارجية روسي إلى البلاد. فموريتانيا أصبحت لها مكانتها الرئيسة في مجموعة دول الساحل الخمس “G5″، وعضو فاعل في ملف إقليم الصحراء المتنازع عليه بين المغرب وجبهة البوليساريو. وهذه الأهمية تصاعدت مع اكتشاف الغاز الطبيعي بكميات معتبرة، واستعدادها إلى أن تصبح دولة مصدرة للغاز لأول مرة في تاريخها. وقد ناقش البلدان نقل التكنولوجيا الروسية والتعاون في مجال الرعاية الصحية، بما في ذلك تعليم الموريتانيين في كليات الطب الروسية وتوظيف أطباء من روسيا في الدولة الأفريقية. ودعا لافروف للبحث عن مجالات أخرى لتطوير التعاون بين البلدين سواء كان في البنية التحتية، أو إنتاج البضائع على الأراضي الموريتانية، أو استخراج الثروات الباطنية. ولمح إلى احتمال عقد لقاء بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والموريتاني محمد ولد الغزواني، على هامش انعقاد القمة الإفريقية الروسية في يوليو المقبل.

وأخيرًا، في السودان، وحول ملف القاعدة الروسية، ذكر لافروف أن بلاده في انتظار موافقة المؤسسات التشريعية في السودان على إنشاء القاعدة البحرية. ولكن تصريح لافروف المقتضب يعكس حقيقة أن الأمر لا يزال معلقا دون حدوث اختراق على الجانب السوداني. لذلك فمهمة لافروف في السودان لم تكن سهلة، في ظل تعاظم النفوذ الغربي في البلاد، لكن ضغوط الغرب على المجلس العسكري واستمرار العقوبات من شأنها دفع الخرطوم إلى الاحتماء بالمظلة الروسية مجددا، وموازنة علاقتها مع الطرفين. وهو ما أشار إليه لافروف، عندما قال إن موسكو والخرطوم متفقتان على “التوجه نحو عالم متعدد الأقطاب”. واقتصاديًا، وأشار لافروف إلى أن “التعاون الاقتصادي والتجاري جيد مع السودان”، مشيدا “بدور السلطات السودانية في تسهيل عمل الشركات الروسية وجذب مزيد من الاستثمارات الروسية للسودان”.

ركائز الاهتمام

تستند جولات وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الأفريقية إلى عدد من الركائز وهي: 

1- التأكيد على أن روسيا لا تزال قوة عظمى قادرة على التنافس مع الولايات المتحدة أو الصين عبر الجنوب العالمي. وأن موسكو لا تزال تمتلك ما يكفي من التقنيات المتطورة والقوة العسكرية لإثارة اهتمام شركائها. وتعول في ذلك على عدم وجود تاريخ استعماري لروسيا في أفريقيا، وعدم التدخل في الشأن الداخلي الأفريقي. في حين أن الرواية الأوروبية ترى أن هذه الصورة بعيدة كل البعد عن الواقع، فوفقًا لاستطلاعات الرأي لا يزال الناس في إفريقيا يعتقدون أن القوى الاستعمارية السابقة تمارس تأثيرًا إيجابيًا على القارة أكثر من روسيا، وتعارض الغزو الروسي لأوكرانيا.

2- سد الطريق على الغرب للخروج من أزمة الطاقة، بعد الغزو الروسي لأوكرانيا بدأ الغرب يتحسس مشاكله الاقتصادية خاصة المرتبطة بالغاز، وبدأ يبحث عن بديل قريب جغرافيًا، وكان البديل هو الغاز في دول شمال أفريقيا لتعويض العجز. وعلى هذا، كثفت روسيا من زياراتها إلى عواصم بلدان شمال أفريقيا من القاهرة مرورا بطرابلس والجزائر ثم المغرب وصولا إلى نواكشوط، إذ تقع هذه الدول في موقع استراتيجي بالقارة الأفريقية، وفي خاصرة أوروبا التي تخوض موسكو منافسة جيو سياسية شرسة معها ومع الولايات المتحدة الأمريكية.

3- تحدي الولايات المتحدة: تتولى جنوب إفريقيا الآن رئاسة مجموعة البريكس، ويرى بعض الخبراء أن تجمع البريكس، لا سيما في العالم الجيوسياسي الجديد الناشئ، يلقي بالعديد من التحديات على الولايات المتحدة وهياكل الحوكمة العالمية التي تقودها أوروبا. في أغسطس 2023، ستستضيف جنوب إفريقيا قمة البريكس. وفي هذا السياق، تمتلك جنوب إفريقيا القليل من التجارة مع روسيا ولكنها تدعم وجهة نظر عالمية -تفضلها الصين وروسيا- تسعى إلى التراجع عن الهيمنة الأمريكية المتصورة لصالح عالم “متعدد الأقطاب” تكون فيه القوة الجيوسياسية أكثر انتشارًا. لذلك، دعت وزيرة الخارجية ناليدي باندور إلى تعاون اقتصادي أكبر بين جنوب إفريقيا وروسيا في بداية اجتماعها مع لافروف. وقالت “تشترك بلادنا في علاقات ثنائية اقتصادية متنامية من حيث التجارة والاستثمارات. أرى أن كلا البلدين يمكن بل ويتعين عليهما بذل المزيد من الجهود لتطوير الفرص والاستفادة منها لزيادة تعاوننا في المجال الاقتصادي”.

4- الاهتمام بالاجتماعات الدورية: لتشكيل العلاقات المستقبلية بين روسيا وإفريقيا، اتفقت وزارة الخارجية الروسية ومجلس الدوما على عقد المؤتمر البرلماني الدولي القادم “روسيا – إفريقيا” في مارس 2023، ويعد هذا المؤتمر مرحلة مهمة وجزء لا يتجزأ من التحضير للقمة الروسية الأفريقية المزمع عقدها في أواخر يوليو. وجدير بالذكر أن عُقد أول مؤتمر برلماني روسي أفريقي ومنتدى أعمال خاص حول موضوع “روسيا – إفريقيا: آفاق التعاون” في يونيو 2010، ولكن لم يخرج هذا المؤتمر عن نتائج ولم يتحقق شيء بعده. وتم عقد نسخة ثانية من هذا المؤتمر في عام 2019 تمهيدًا للقمة الروسية الأفريقية الأولى التي عقدت في نفس العام.

5- تعزيز الاستثمار: في الوقت الذي أصبحت فيه روسيا معزولة عن أوروبا والولايات المتحدة، كان توسيع العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع الدول الصديقة في إفريقيا عاملًا أساسيًا في رواية الكرملين بأن موسكو لديها “بدائل”. فبلغت قيمة التجارة الروسية مع إفريقيا في عام 2021، حوالي 15.6 مليار دولار ومع ذلك، لا تزال موسكو تفتقر إلى القوة الاقتصادية للمنافسة وجهًا لوجه مع الصين أو الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي. ووفقًا لبيانات البنك الدولي فالاقتصاد الروسي أصغر تسع مرات من اقتصاد الصين وأكبر قليلًا من اقتصاد إسبانيا. وتتفاوض موسكو مع عديد من الدول الأفريقية بشأن التجارة بالعملات الوطنية، من أجل إعادة ترتيب آلية التعاون في ظل العقوبات الغربية، وتوسيع الشراكات الاقتصادية وتدويل العملة الروسية.

6- التعاون العسكري: تمتلك روسيا بصمة في مجال الأمن والتعاون العسكري في أفريقيا. وخلال العقدين الماضيين، قامت بإبرام اتفاقيات في مجال الطاقة النووية وتصدير الأسلحة لتصبح روسيا في الوقت الحالي أكبر مصدر للأسلحة إلى القارة الأفريقية. وقد أشار إلى ذلك التقرير السنوي الصادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (سيبري) عام 2020 إذ ذكر أن الصادرات العسكرية الروسية لأفريقيا مثلت 18٪ من إجمالي صادرات روسيا من الأسلحة في الفترة ما بين عامي 2016 و2020. استطاعت روسيا أن تُظهر نفسها كحليف للعديد من الدول الأفريقية التي كانت تحارب حركات تمرد خاصة في مالي والنيجر وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا حيث ناشدت هذه الدول موسكو عام 2018 مساعدتها في قتال تنظيمي “داعش” والقاعدة. ولم تتوقف مساعي روسيا في تعزيز تواجدها في أفريقيا على الجانب العسكري، بل سعت إلى بيع التكنولوجيا النووية لعدد من البلدان الأفريقية مثل زامبيا ورواندا وإثيوبيا ومصر ونيجيريا حيث تبنى موسكو محطات للطاقة النووية.

ختامًا، أصبحت أفريقيا ساحة معركة للروايات المصطنعة. يتظاهر الكرملين بأنه يخلق “جبهة ثانية” ويتحدى النظام القائم على القواعد، في حين يتظاهر الغرب بالقلق إزاء عواقب تصرفات روسيا الفوضوية، وهو يعلم جيدا أن التهديد الرئيس لمصالحه في المنطقة تشكله الصين والولايات المتحدة. لكن هذا التدافع لحشد الدعم وضع البلدان الأفريقية الفردية في مواقف صعبة، حيث تسعى لتعظيم الفرص السياسية المتاحة بينما تستعد لليوم الذي يلي انتهاء الحرب ويتبدد الاهتمام. بناءً على هذه الخلفية، أدركت القارة أنها مفتوحة على جميع الفاعلين من الدول، وأنها جزء من نزعة لتشكيل عالم متعدد الأقطاب والاستفادة من جميع العلاقات المرتبطة بمصالحها، دون التحيز لطرف بشكل مباشر على حساب الآخر اعتمادًا على مبدأ “المصلحة أولا”.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/75640/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M