«رغم الخلاف، سنبقى معاً»: التداعيات السياسية لزيارة غانتس إلى واشنطن ولندن

  • مع أن إدارة بايدن هدفت من وراء دعوة غانتس إلى الضغط على نتنياهو، وإيصال رسالة له أنه لم يعد شريكاً موثوقاً، إلا أن المحصلة كانت ضعيفة؛ فلم تنجح الولايات المتحدة في دفع نتنياهو إلى الاقتراب منها في القضايا الخلافية الثلاث التي تتركز حول التصور السياسي لما بعد الحرب، والتوصل إلى اتفاق تهدئة قبل شهر رمضان، وقضية المساعدات الإنسانية لسكان قطاع غزة. 
  • استغل نتنياهو زيارة غانتس إلى واشنطن ولندن ليعزز مكانته في صفوف اليمين بوصفه زعيماً قادراً على الوقوف أمام الضغوط الدولية، وحتى الأمريكية التي تستعمل كل الوسائل، ومنها دعوة غانتس، من أجل التأثير عليه.
  • أكّدت زيارة غانتس أن حكومة نتنياهو ماضية بسياساتها تجاه قطاع غزة، لذلك تصاعد الخطاب الأمريكي الناقد لإسرائيل فيما يتعلق بالحرب على غزة. 
  • وسّعت زيارة غانتس فجوة الخلاف مع نتنياهو، إلا أن الرجلين سيبقيان معاً في الحكومة، على الأقل حتى اقتراب موعد نهاية الحرب.

 

حملت زيارة بيني غانتس، عضو مجلس الحرب ورئيس حزب «المعسكر الرسمي» في إسرائيل، لواشنطن ولندن، في الفترة 3-6 مارس 2024، دلالات سياسية متعددة على المستوى الإسرائيلي في سياق الحرب في غزة. فقد أثارت دعوة غانتس، ولقاؤه نائبة الرئيس الأمريكي ورئيس الوزراء البريطاني، غضبَ رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي لم يتلقَّ أي دعوة رسمية لزيارة البيت الأبيض منذ توليه منصب رئاسة الحكومة. بيد أن غضب نتنياهو لا ينحصر في هذا الشأن، بل في الدلالات السياسية التي حملتها الدعوة على مكانته الدولية، وعلاقته بالحليفين المركزيين لإسرائيل، الولايات المتحدة وبريطانيا، وتداعياتها على المشهد السياسي الداخلي، والحرب في قطاع غزة.

 

دعوة غانتس إلى واشنطن ولندن

دعت الإدارة الأمريكية بيني غانتس، عضو مجلس الحرب الإسرائيلي، إلى زيارة الولايات المتحدة في الثالث من مارس الجاري من دون تنسيق مع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو. وعلى الرغم من أن البيت الأبيض أعلن أن زيارة غانتس كانت استجابة لطلبه، لكنها ظلت تحمل الأهمية نفسها، بغياب التنسيق مع نتنياهو.

 

أوضح مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية أن غانتس يسافر للولايات المتحدة من دون تصريح من نتنياهو أو تنسيق معه، بما يتناقض مع بروتوكول الحكومة، الذي يُلزم كل وزير الحصول على تصريح للسفر من رئيس الحكومة. وبناءً على ذلك، وجّه نتنياهو أوامره إلى السفارتين الإسرائيليتين في واشنطن ولندن بعدم مساعدة غانتس خلال زيارته للبلدين، بل وأمر نتنياهو السفارة الإسرائيلية في لندن بعدم تأمين زيارة غانتس من الناحية الأمنية، مما دفع رئيس المعارضة لبيد إلى التصريح بأن نتنياهو يُخاطر بحياة غانتس، عضو مجلس الحرب.

 

حظي غانتس خلال زيارته واشنطن باستقبال رسمي من قبل نائبة الرئيس الأمريكي كاميلا هاريس في البيت الأبيض، كما التقى مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، ومسؤولين آخرين في الكونغرس الأمريكي. ومن الواضح أن امتناع الرئيس الأمريكي جو بايدن عن لقاء غانتس مرَدُّهُ عدم حرق الجسور بشكل مطلق مع نتنياهو، وبخاصة أن بايدن لم يلتقِ ولا مرة بنتنياهو في البيت الأبيض. كما أن لقاء غانتس برئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك في لندن حمل مؤشراً سياسياً مهماً في هذا الصدد.

 

تمحورت لقاءات غانتس مع المسؤولين الأمريكيين خلال الزيارة حول ثلاث قضايا أساسية: التصور السياسي لليوم التالي للحرب، واتفاق التهدئة/الصفقة مع “حماس”، ودخول المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، بما في ذلك تأمين السكان المدنيين خلال عملية عسكرية محتملة في رفح. تُمثل هذه القضايا نقاط خلاف مركزية بين الإدارة الأمريكية ونتنياهو منذ بداية الحرب. وتشير الدعوة إلى أن الإدارة الأمريكية لم تعد ترى في نتنياهو شريكاً للتباحث حولها، وأن دعوة غانتس تمثل محاولةً منها لتعزيز قوته للدفع بهذه القضايا وفق التصور الأمريكي.

 

قضية العلاقة بالحكومة الإسرائيلية

حملت الزيارة نوعاً من التعبير عن الفجوة السياسية بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية بكل ما يتعلق بالحرب في قطاع غزة. يشير الدبلوماسي الإسرائيلي السابق ألون فوكس إلى أن زيارة غانتس تبعث برسالة إلى إسرائيل مفادها أن نتنياهو -وليس إسرائيل- لم يعُد حليفاً. فاللقاءات التي أجراها غانتس في واشنطن -كما يؤكد فوكس- ملائمة لرئيس حكومة وليس لوزير مهما كان رفيعاً في الحكومة، فاللقاء مع نائبة الرئيس الأمريكي، ووزير الخارجية، ومستشار الأمن القومي، ومسؤولين أمريكيين آخرين يجريها عادة رئيس الحكومة في زيارة واحدة، مع الفرق أن اللقاء كان مع نائبة الرئيس وليس مع الرئيس بايدن.

 

كما تدل الزيارة على الصعوبة التي تواجهها الإدارة الأمريكية في تمرير رسالة إلى الحكومة الإسرائيلية حول صعوبة الأوضاع في قطاع غزة، وأهمية التوصل إلى تهدئة وصفقة تبادل في هذه المرحلة. واعتبرت الإدارة الأمريكية أن التصور السياسي الذي عرضه نتنياهو لليوم التالي للحرب (الذي حمل اسم “اليوم التالي ما بعد حماس-مبادئ”)، يدل على أنه منفصل عن الواقع، وأن تأثير بن غفير وسموتريش عليه كبير جداً.

 

يشير فوكس إلى أن نتنياهو رفض أغلب الطلبات الأمريكية منه؛ فمنذ اندلاع الحرب ظهرت نقاط خلافية بين الإدارة الأمريكية ونتنياهو، مثل الطلب الأمريكي ببلورة أهداف سياسية للحرب، ولكن نتنياهو تجاهل ذلك وظل ملتصقاً بالهدف العسكري المتمثل بإطاحة “حماس”. ومع تقبل الولايات المتحدة لهذا الهدف، تجاهلت الحكومة الإسرائيلية الطلب الأمريكي حول كيف ومتى ستنفذ إسرائيل ذلك وتنهي الحرب. كما طالبت الولايات المتحدة بعمليات عسكرية منضبطة وتجاهلت إسرائيل ذلك، وطالبت الولايات المتحدة بهدن إنسانية مؤقتة وتجاهلت إسرائيل ذلك، فضلاً عن رفضها التصور الأمريكي لمسار سياسي يُفضي إلى حل الدولتين مقابل التطبيع مع المملكة العربية السعودية.

 

وذهب وزير المالية بتسلئيل سموتريش إلى أن دعوة غانتس إلى واشنطن، محاولة من الإدارة الأمريكية لزرع “الفتنة” في الحكومة، مُعتبراً أن الإدارة الأمريكية تدرك أن الحكومة الإسرائيلية تعارض الدولة الفلسطينية، لذلك تحاول زرع الخلافات في الحكومة من خلال غانتس، الذي وصفه سموتريش بأنه “الحلقة الأضعف في الحكومة”، حيث تحاول الإدارة الأمريكية الدفع بمشروع الدولة الفلسطينية من خلال غانتس.

 

قضية الحرب على غزة

بالإضافة إلى المعاني التي تحملها الزيارة على مستوى العلاقة بين الإدارة الأمريكية والحكومة الإسرائيلية، فإنها تناولت موضوع الحرب على غزة، وتحديداً العملية العسكرية في رفح، وفي هذه النقطة لم يكن غانتس مغايراً عن موقف نتنياهو منها. خلال اللقاء، عبّر غانتس عن تأييده لعملية عسكرية في رفح، واتضح من اللقاء عمق الخلاف بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل. وبحسب تقديرات أمريكية، فحتى هذه الزيارة لم تستطع أن تحسّنها؛ فالإدارة الأمريكية غير راضية عن الخطة العسكرية الإسرائيلية لمنطقة رفح، فضلاً عن أن الفجوة بين الطرفين عميقة فيما يتعلق بدخول المساعدات الإنسانية للقطاع، حيث يشير السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، مارتين إنديك، إلى أن صبر الولايات المتحدة وصل حده الأقصى فيما يتعلق بالسياسات الإسرائيلية في قطاع غزة، وفي الجانب الإنساني تحديداً. وفي هذا الصدد يمكن القول إن اعلان الرئيس الأمريكي عن بناء الرصيف البحري المؤقت في غزة، جاء بعد زيارة غانتس لنقاش الترتيبات الأمنية مع إسرائيل في هذا الشأن، حيث إن الموضوع نُسِّقَ مع غانتس، ومع وزير الدفاع يوآف غالانت، اللذين يَظهران كمعارضين لنتنياهو في الحكومة، وفي ظل غياب أي تعقيب لنتنياهو على هذا الموضوع تحديداً.

 

تعتقد الإدارة الأمريكية أن بتسلئيل سموتريش، وإيتمار بن غفير يسيطران على نتنياهو فيما يتعلق بالحرب على غزة، وبخاصة في القضايا التي تهم الولايات المتحدة مثل المساعدات الإنسانية، والتصور السياسي للحرب، ودور السلطة الفلسطينية، لذلك فإن الإدارة الأمريكية مَعنيّة بفك هذه التبعية من خلال دعوة غانتس إلى واشنطن وتجاهل نتنياهو، لعله يدرك أن دخوله للبيت الأبيض يكون من خلال فك هذه التبعية. وقد صعّد بايدن موقفه إزاء نتنياهو حينما قال لاحقاً إن نتنياهو “يُضر بالمصالح الإسرائيلية أكثر مما يخدمها”.

 

مع أن زيارة غانتس لواشنطن ولندن وسّعت فجوة الخلاف مع نتنياهو، لكن الرجلين سيبقيان معاً في الحكومة (AFP)

 

التداعيات على السياسة الإسرائيلية الداخلية

تدرك الإدارة الأمريكية جيداً تأثير دعوة غانتس على المشهد السياسي في إسرائيل؛ فلم يحدث سابقاً أن التقى سياسي إسرائيلي بهذا المستوى من المسؤولين الأمريكيين، غير رئيس الحكومة أو رئيس المعارضة، لاسيّما إذا تم الأمر دون تنسيق مع رئيس الحكومة. لذلك تحمل هذه الدعوة دعماً أمريكياً لقيادة غانتس للحكومة الإسرائيلية في المرحلة المقبلة، وتحاول الإدارة الأمريكية أن تعزز قيادته على المستوى الإسرائيلي، ويدخل هذا الأمر في سياق السردية التي سوّقها نتنياهو في السنوات السابقة بأنه قائد دولي وليس إسرائيلياً فقط، وكانت شعاراته الانتخابية ترفع لافتة “قائد من درجة أخرى”، بمعنى أنه القائد العالمي لإسرائيل، وغيره أقل درجة منه.

 

تُعزز زيارة غانتس مكانة الأخير القيادية على المستوى الإسرائيلي، وبخاصة أنه سيكون قادراً على تشكيل حكومة في حال أجريت انتخابات في إسرائيل، وربما تحمل دعوته رسالة مفادها أن الإدارة الأمريكية ترى في غانتس رئيس حكومة متعاوناً وحليفاً للولايات المتحدة. والمعروف في تاريخ السياسة الإسرائيلية أن الموقف الأمريكي كان عاملاً مهماً في نمط التصويت لدى المجتمع الإسرائيلي، وإن تراجع تأثيره بعد تشكل كتلة يمين متماسكة في العقد الأخير.

 

وقد صرح إيتمار بن غفير في أعقاب دعوة غانتس أن لحظة الحسم لدى نتنياهو قد اقتربت، فعليه “أن يختار بيننا وبين غانتس”. فالأخير، بحسب بن غفير، سافر إلى الولايات المتحدة وهو يمثل أجندته السياسية وليس أجندة حكومة اليمين في إسرائيل، لذلك على نتنياهو أن يحسم موقفه من غانتس قريباً. وكان بن غفير قد طرح مراراً ضرورة تفكيك مجلس الحرب، ونقل إدارة الحرب بشكل كامل إلى المجلس الوزاري المصغر، واعتبر أن غانتس يمثل المؤسسة الأمنية والعسكرية التي تنفّذ سياسات تتناقض مع سياسة اليمين.

 

التداعيات على مستقبل الحكومة، والعلاقة مع إدارة بايدن

يمكن الإشارة إلى تداعيات هذه الزيارة على محورين مركزيين: العلاقة بين الإدارة الأمريكية ونتنياهو، ومستقبل العلاقة بين غانتس ونتنياهو.

 

أولاً، العلاقة بين بايدن ونتنياهو

صعّد الرئيس بايدن خطابه ضد نتنياهو بشكل علني كما سلفت الإشارة، ولكنه في الوقت نفسه أكد أن لا وجود لخطوط حمر تتعلق بالدعم العسكري الأمريكي لإسرائيل. أثبتت الزيارة أن غانتس لن يستطيع إحداث حراك يؤدي إلى تغيير الحكومة الإسرائيلية، وذلك على الرغم مما جاء في التقرير التقييمي لمجمع وكالات الاستخبارات الأمريكية من أن حكومة نتنياهو ستنتهي قريباً، بسبب غياب ثقة الجمهور به. وأشار التقرير أيضاً إلى أن إسرائيل ستواجه قوات “حماس” المسلحة لسنوات، وهذا يعني أن التقديرات الأمريكية تتناقض مع تصريحات نتنياهو الأخيرة التي تؤكد أن “النصر بات وشيكاً”. لذلك ترى الولايات المتحدة أن سياسة نتنياهو لن تُفضي إلى أفق سياسي سوى استمرار الحرب، وبقاء الأخير في السلطة.

 

لذلك سوف تتجه الولايات المتحدة إلى اتخاذ خطوات نحو تعزيز تصورها السياسي، من خلال الصدام مع سياسات نتنياهو، وأهمها تعزيز دخول المساعدات الإنسانية إلى القطاع التي يعارضها اليمين المتطرف في الحكومة، ومحاولة ضبط عمليات إسرائيل العسكرية من خلال تقليص تزويدها بالسلاح دون قطعه نهائياً، واستمرار معارضتها لعملية عسكرية في رفح بغياب خطة تؤمّن السكان هناك، وعلى ما يبدو ليس هناك خطة مُرضية للإدارة الأمريكية حتى الآن، كما يصرح المسؤولون الأمريكيين مراراً.

 

تتخوف الإدارة الأمريكية من أن سياسات نتنياهو سوف تؤدي إلى عزل إسرائيل دولياً، مما يُهدد مكانتها وحتى أمنها القومي كما جاء في تقرير الاستخبارات الأمريكية، لذلك فإن الولايات المتحدة لن تتردد في اتخاذ سياسات تحاول فرضها على إسرائيل عبر المؤسسة العسكرية وممثليها في الحكومة، أمثال غانتس وغالانت، وربما اتخاذ خطوات أحادية الجانب في مجلس الأمن على نحو إصدار قرار بوقف الحرب مؤقتاً لدواع إنسانية. وقد تشمل الخطوات الأمريكية اتخاذ قرارات أخرى متعلقة بالاستيطان والمستوطنين في الضفة الغربية، مثل توسيع قائمة أسماء المستوطنين التي فرضت عليهم عقوبات اقتصادية، فضلاً عن تصعيد خطابها الناقد لسياسات الاستيطان في الضفة الغربية.

 

ثانياً، العلاقة بين غانتس ونتنياهو

عمَّقت زيارة غانتس لواشنطن ولندن توتر العلاقة بينه وبين نتنياهو. وينتظر كل منهما أن يتخذ الآخر الخطوة لتفكيك حكومة الطوارئ من أجل اتهامه بذلك. بالنسبة لنتنياهو، فإن غانتس تحول إلى معارض فاعل داخل الحكومة، ومُتحدٍّ لمعظم سياساته، وقد توقف الرجلان عن الظهور في مؤتمرات صحيفة مشتركة، حتى لا تتضح فجوة الخلاف بينهما، والتي تفاقمت مع مسألة تجنيد الحريديم للجيش. وظهرت تداعيات الزيارة في تفكك كتلة “المعسكر الرسمي” البرلمانية، حيث أعلن الوزير جدعون ساعر، رئيس حزب “أمل جديد”، عن خروجه من الكتلة النيابية، وتشكيل قائمة منفصلة في الكنيست “أمل إسرائيل- اليمين الرسمي”، وهذا لضمان بقائه في الحكومة حتى لو أعلن غانتس انسحابه منها، وطالب أن يكون لكتلته تمثيلٌ في مجلس الحرب، لأن غانتس لا يعبّر عن مواقفه اليمينية.

 

كان يمكن لزيارة غانتس لواشنطن ولندن أن تكون ذريعة كافية لدى نتنياهو لإقالة غانتس، ولكن هذا كان ممكناً في الأيام العادية، أما في سياق الحرب على غزة، فنتنياهو لن يتخذ هذه الخطوة، ويفضل أن يستقيل غانتس بمحض إراداته، وقد اتخذ نتنياهو مجموعة من الخطوات التي تتناقض مع توجهات غانتس، مثل إقرار موازنة الدولة لسنة 2024 بخلاف موقف المعسكر الرسمي، وموقفه من تجنيد المتدينين، وعلاقته بالولايات المتحدة المتوترة، وتهجمه على المؤسسة الأمنية والعسكرية، وكان يأمل أن يستقيل غانتس. يخشى نتنياهو من أن إقالة غانتس، كما يطالب أطراف في اليمين، ستضعه أمام مواجهة مع المجتمع الإسرائيلي من جهة، وأمام العالم من جهة أخرى، الذي يرى في غانتس الصوت المعتدل في الحكومة، والكابح لجماح سياسات اليمين المتطرف، والذي يمنح شرعية لحكومة نتنياهو داخلياً وخارجياً.

 

بدوره، يخشى غانتس من الإعلان عن خروجه من الحكومة، لمجموعة من الأسباب، أهمها تخوفه من أن تستمر الحكومة من دونه، فليس هناك ضمانة بأن خروجه سيعني تفكيك الحكومة. بل على العكس، سيعزز خروجه قوة اليمين وتماسك الحكومة، في حين أن اليمين المتطرف يطالب نتنياهو بإقالة غانتس، فبعد خمسة شهور من الحرب استطاع نتنياهو تجميع حكومته وإرضاء مركباتها، وبنا مصير مشترك معهم، فسقوطها سيعني خسارة اليمين للحكم لسنوات قادمة، مما يوقف مشاريعه السياسية المختلفة. علاوة على ذلك، يدرك غانتس أن شعبيته الأخيرة، وحصول حزبه على 40 مقعداً في أغلب الاستطلاعات، جاء جزء كبير منها لوجوده في الحكومة ومشاركته إدارة الحرب، وتعاليه عن “السياسة الصغيرة” لصالح مصالح الدولة الكبرى، في حين أن خروجه من الحكومة وانتصار إسرائيل في الحرب سوف يسجله نتنياهو لنفسه فقط.

 

بناءً على ذلك، يُفضل غانتس البقاء في الحكومة، رغم الخلاف الشديد مع نتنياهو، ويفضل أن يقيله نتنياهو ليسهّل عليه مهاجمته بأنه لا يفكر إلا بمصالحه الشخصية. كما أن خيارات نتنياهو قليلة في هذا الشأن، فهو لن يُقيله إلا إذا شعر أن الانتصار في الحرب بات قريب التحقق.

 

لذلك يُتوقَّع أنه على رغم الخلاف بين الرجلين، الذي وسّعته زيارة غانتس لواشنطن، فإنهما سيبقيان معاً في الحكومة، وسيكون خيار نتنياهو إقالة غانتس مع اقتراب موعد نهاية الحرب، أما خيار غانتس للخروج من الحكومة فسيكون فقط إذا شعر أن شعبيته تتضاءل في الشارع الإسرائيلي، وأن بقاءه في الحكومة هو العامل الأساسي لذلك، وبخاصة إذا استمر نتنياهو في تهميش دوره.

 

استنتاجات

حملت زيارة غانتس إلى واشنطن ولندن رسالةً سياسية إلى نتنياهو بأنه لم يعد الشخص الحليف للولايات المتحدة، وأن إمكانية التعاون معه معقدة. ولكن لابد من القول إن دلالة الزيارة لم تخرج عن الإطار الرمزي لهذه الرسالة، وعن كونها وسيلة ضغط ضعيفة على نتنياهو؛ إذ لم تنجح الولايات المتحدة في تمرير اتفاق تهدئة/صفقة تبادل قبل شهر رمضان كما كانت تريد، ولم يقم نتنياهو بإقالة غانتس بسبب زيارته للولايات المتحدة، كما أن غانتس لم يَستقِل بعد هذه الزيارة، ولكن الزيارة عمَّقت حالةَ عدم الثقة بين الرجلين، وينتظر كل منهما أن يتخذ الآخر الخطوة السياسية لتفكيك حكومة الطوارئ.

 

يُواجه نتنياهو حالياً معارضة كبيرة في حكومته يمثلها غانتس وغادي آيزنكوت، ووزير الدفاع غالانت الذي طالب بتجنيد المتدينين باتفاق جميع مكونات الحكومة، ويمثل هؤلاء المؤسسة العسكرية والأمنية في الحكومة، في حين يمثل نتنياهو توجهات مكونات الحكومة اليمينية والدينية. لم تؤثر زيارة غانتس إلى واشنطن ولندن في نتنياهو، من حيث توجهه نحو فك الارتباط مع اليمين المتطرف، بل على العكس من ذلك، فقد استغل نتنياهو هذه الزيارة ليعزز مكانته في صفوف اليمين على أنه زعيم قادر على الوقوف أمام الضغوط الدولية، وحتى الأمريكية، التي تستعمل كل الوسائل (ومنها دعوة غانتس) من أجل التأثير عليه.

 

أكّدت زيارة غانتس أن إسرائيل ماضية بسياساتها تجاه قطاع غزة، لذلك تصاعد الخطاب الأمريكي الناقد لإسرائيل فيما يتعلق بالحرب، وأدركت الولايات المتحدة أن الحل هو المبادرة إلى خطوات لتنفيذ سياستها، كما ظهر في عمليات الإنزال الجوي للمساعدات الإنسانية على قطاع غزة، والإعلان عن بناء الرصيف البحري المؤقت في قطاع غزة.

 

ويبدو أن زيارة غانتس أوضحت تأثير نتنياهو والمكونات اليمينية في حكومته على السياسات الإسرائيلية تجاه قطاع غزة، عسكرياً وسياسياً وإنسانياً، وأن قدرة غانتس على التأثير على سياسات الحكومة ليس كبيراً، أو على الأقل ليس كما كان مع بداية الحرب حينما كان نتنياهو يحتاج إلى غانتس، والآن لم يعد بحاجة إليه.

 

المصدر : https://epc.ae/ar/details/brief/altadaeiat-alsiyasia-liziarat-ghants-eila-washintun-walandan

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M