زيادة الضغط .. أبعاد ومآلات الضربة الجوية على غرب اليمن

شن الجيشان الأمريكي والبريطاني، فجر الثاني عشر من يناير 2024، ضربات صاروخية وجوية ضد أهداف متعددة للحوثيين، ردًا على الاستهداف المتكرر للملاحة البحرية في البحر الأحمر، وقد تكررت هذه الضربات بشكل أقل تركيزًا على العاصمة اليمنية فجر الثالث عشر من يناير، وهو ما ينقل الموقف الميداني والاستراتيجي في منطقة البحر الأحمر إلى مستويات جديدة من احتمالات التصعيد.

تعتبر هذه الضربات – من حيث الشكل – أول ضربات عسكرية أمريكية معروفة في اليمن، منذ مقتل قاسم الريمي زعيم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في يناير 2020، كما تعتبر أول ضربات عسكرية أمريكية مباشرة ضد جماعة أنصار الله “الحوثيين”، منذ الهجوم بالصواريخ الجوالة على ثلاثة مواقع رادار يمنية، في الثالث عشر من أكتوبر 2016.

هجمات متكررة على السفن المدنية في باب المندب والبحر الأحمر

كانت الأجواء التي سبقت هذه الضربات، تنذر بشكل شبه مؤكد بأن موعد تنفيذها يقترب حثيثًا، خاصة بعد أن تكررت هجمات جماعة أنصار الله “الحوثيين” خلال الأسابيع الماضية، والتي بلغت 26 هجوم بحري، تم تنفيذها منذ التاسع عشر من نوفمبر 2023، ضد القطع البحرية المدنية والعسكرية العاملة في نطاق مضيق باب المندب والبحر الأحمر، وتم إحباط معظمها، حيث تمكنت القطع البحرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية، بما في ذلك حاملة الطائرات الأمريكية “إيزنهاور”، والفرقاطة البريطانية “دياموند”، والفرقاطة الفرنسية “LANGUEDOC”، من اعتراض ما مجموعه 79 مسيرة، و15 صاروخ باليستي وبحري وجوال، بجانب تدمير ثلاثة زوارق سريعة.

آخر الهجمات البحرية التي تمت قبيل ضربات أمس وأول أمس الجوية والصاروخية على اليمن، كانت هجوم كبير تم تنفيذه من السواحل اليمنية في العاشر من الشهر الجاري، باستخدام نحو 21 مسيرة وصاروخ جوال، تصدت لها القطع البحرية الأمريكية والبريطانية، وكان هذا الهجوم بمثابة الشرارة التي أطلقت عمليات التمهيد للضربات الصاروخية لغرب اليمن، والتي بدأت بإصدار 12 دولة، هي إيطاليا والبحرين واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا وبلجيكا وكندا والدنمارك وألمانيا وهولندا ونيوزيلاندا والمملكة المتحدة، بيانًا لتحذير الحوثيين من أنهم إذا واصلوا أعمالهم في البحر الأحمر، فسوف “يتحملون العواقب”.

حقيقة الأمر أن الهجمات على السفن التجارية المتوجهة إلى البحر الأحمر عبر مضيق باب المندب، قد تحولت بمرور الوقت إلى نمط شبه ثابت، يتم فيه إجبار سفن الشحن على تحويل مسارها وعدم دخول البحر الأحمر، تحت وطأة التهديد باستهدافها صاروخيًا، وتنفيذ هذا التهديد بشكل فعال في بعض المناسبات، وقد نتج عن هذه الهجمات، عدة تداعيات أمنية واقتصادية إضافية، سواء فتح الباب مرة أخرى أمام عودة أنشطة القرصنة البحرية من الصومال، أو التراجع المتزايد لشركات الشحن العالمية، عن مرور سفنها من مضيق باب المندب نحو البحر الأحمر. 

استمرار هذا الوضع، تسبب عمليًا في رفع تكاليف الشحن والتأمين على المخاطر، وتقلص أعداد السفن العابرة لقناة السويس، وهذا يظهر بشكل واضح من خلال عدد شركات الشحن العالمية التي اتخذت إجراءات استثنائية حيال المرور في البحر الأحمر، من بينها أكبر شركة شحن بحري في العالم، وهي شركة “إم إس سي” الإيطالية السويسرية، وشركة الشحن الدنماركية “ميرسك”، التي تمثل 15% من سوق شحن الحاويات العالمية، وشركة “هاباج لويد” الألمانية للشحن، التي تسيطر على 7% من سوق الحاويات، وشركة “CMA CGM” الفرنسية، وهي ثالث أكبر شركة شحن بحري في العالم.

بالتبعية أدت المخاطر الأمنية المتزايدة في محيط مضيق باب المندب، إلى زيادة أسعار الشحنات البحرية، وزيادة تكاليف التأمين على المخاطر، حيث ارتفعت أسعار الشحن من آسيا إلى شمال أوروبا لأكثر من الضعف متجاوزة أربعة آلاف دولار لكل حاوية بطول 12 مترًا، وزادت أسعار الشحن البحري من آسيا إلى البحر المتوسط ​​إلى 5175 دولارًا، وقد قامت بعض شركات الشحن بالإعلان عن أسعار تزيد على ستة آلاف دولار لكل حاوية طولها 12 مترًا لشحنات البحر المتوسط، كما أن أسعار الشحن إلى موانئ أمريكا الشمالية الأقل تأثرًا بالأمر ارتفعت هي الأخرى، ويمر ما يصل إلى 30% من البضائع التي تصل إلى الساحل الشرقي للولايات المتحدة عبر قناة السويس، وارتفعت أسعار الشحنات من آسيا إلى الساحل الشرقي لأمريكا الشمالية بنسبة 55% لتصل إلى 3900 دولار لكل حاوية بطول 12 مترًا، في حين قفزت الأسعار بالنسبة للساحل الغربي 63%، متجاوزة 2700 دولار.

 ونتيجة لاستمرار العمليات البحرية للحوثيين في هذا النطاق، باتت تتمركز بشكل دائم في محيط مضيق باب المندب والبحر الأحمر، مجموعة من القطع البحرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية، بجانب تواجد بحري للصين وإيران. عشية بدء العمليات الصاروخية والجوية ضد اليمن، كانت تتمركز في المنطقة حاملة الطائرات “إيزنهاور”، ومجموعة العمليات البحرية التابعة لها، والتي تتكون من أربعة مدمرات صاروخية، والغواصة “أوهايو”، وهي القوة التي تمثل جوهر قوة عملية “حارس الازدهار” الأمريكية، والتي تضم أيضًا مدمرة وفرقاطتين تابعتين للبحرية الإنجليزية، وفرقاطة تابعة للبحرية الهولندية، يتوقع أن تنضم لهم خلال المدى المنظور فرقاطة تابعة للبحرية الدانماركية. هذا عدا التواجد المستقل لقطع بحرية أخرى تنتمي لدول مثل الهند والصين وإيطاليا وفرنسا وكوريا الجنوبية، وهو تواجد بات مهيمنًا كليًا على منطقة باب المندب، بعد تراجع القطع البحرية الإيرانية الثلاث التي كانت تتواجد في محيط المنطقة جنوبًا، وتزايد احتمالات عودتها لإيران.

المسير نحو رفع مستوى المواجهة مع الحوثيين

بدأت مؤشرات تنفيذ الولايات المتحدة لضربة جوية ضد اليمن في التصاعد بشكل مطرد خلال الأسبوعين الماضيين، اللذان شهدا ارتفاعًا كبيرًا في التحركات الجوية لطائرات النقل الأمريكية نحو جيبوتي، انطلاقًا من القواعد الأمريكية في الأردن وقطر والكويت. لكن على المستوى العملي، بدأت عمليات التجهيز للضربات الصاروخية والجوية للأهداف الحوثية في اليمن، من السادس من يناير- 2024 بواسطة طائرات الاستطلاع بدون طيار “RQ-4” من قاعدة “سيجونيلا” الإيطالية، ومن ثم تم قبيل تنفيذ الضربات الصاروخية والجوية، بساعات قليلة الدفع بطائرة الاستطلاع الإلكتروني “RC-135″، التابعة لسلاح الجو الأمريكي، انطلاقًا من قاعدة العيديد في قطر، لقيادة أعمال القتال والضربات الجوية وتوفير الدعم الاستخباري. ولابد من الإشارة هنا إلى أن مسار تحليق هذه الطائرة، كان مؤشرًا واضحًا على قرب تنفيذ ضربات جوية في غرب اليمن.

في فجر الثاني عشر من الشهر الجاري، تم تنفيذ غارات جوية وصاروخية على القطاع الغربي من اليمن، حيث تم استهداف مواقع عسكرية وبنى تحتية خاصة بالدفاع الجوي والصواريخ الباليستية والمطارات، في العاصمة صنعاء ومدن الحديدة وصعدة وحجة وذمار وتعز، بواقع 60 هدف في 28 موقع مختلف، وقد شملت الغارات التالي:

  • محافظة تعز: المعسكرات الموجودة في محيط مطار تعز، خاصة معسكر “الجند” ومعسكر لواء المشاة الثاني والعشرين.
  • العاصمة صنعاء: قاعدة الدليمي الجوية قرب مطار صنعاء، بجانب مناطق جنوبي العاصمة، وهي منطقة فج عطان، ومعسكر لواء الصواريخ الثامن في منطقة “وعلان”.
  • محافظة حجة: محيط مطار عبس، بجانب مواقع أخرى.
  • محافظة الحديدة: معسكر القوات البحرية بمنطقة الكثيب، ومحيط مطار الحديدة ومواقع في ضواحي منطقتي زبيد والزيدية.
  • محافظة صعدة: معسكر “كهلان” العسكري شرق المحافظة.
  • مواقع مختلفة في محافظة ذمار.

على المستوى اللوجستي، تم تنفيذ هذه الهجمات بتشكيلة من القوات البحرية والجوية، فعلى المستوى الجوي، شاركت القوات الجوية البريطانية بأربعة مقاتلات من نوع “تايفون”، نفذت عملياتها انطلاقًا من قاعدة “أكروتيري” الجوية البريطانية في قبرص، واستهدفت مواقع في محافظتي صعدة وحجة، خاصة مطار عبس، الذي قالت لندن أنه موقع لإطلاق المسيرات والصواريخ الحوثية نحو البحر الأحمر، وقد دعمت هذه المقاتلات طائرات تزويد بالوقود من نوع “فوياجر”، واستخدمت في هذه الضربات قنابل موجهة من نوع “Paveway IV”، علمًا أن البحرية البريطانية تتواجد في نطاق مضيق باب المندب عبر المدمرة “دياموند”.

الثقل الأساسي لهذه الضربة الجوية تمثل فيما مجموعه 22 مقاتلة أمريكية من نوع “أف-18″، بنسختيها المخصصة للقصف الجوي وعمليات الحرب الإلكترونية، أقلعت من حاملة الطائرات الأمريكية “إيزنهاور”، مدعومة بطائرات الإنذار المبكر “E2C”، نحو أهدافها في الحديدة وصنعاء وتعز وذمار. يضاف إلى ذلك، بعض الجهود الجوية المساعدة، وتتألف من مشاركة طائرات التزويد بالوقود “KC-135″، وطائرات الدورية البحرية “PA-8A” وطائرات الاستخبارات الإلكترونية “RC-135″، والتي انطلقت جميعها، من قاعدتي الشيخ عيسى “البحرين” وقاعدة العديد “قطر.

أما على الجانب البحري الصاروخي، فقد نفذت كل من الغواصة “فلوريدا” والمدمرات “ماسون” – “جرافلي” – “فيلبين سي”، ضربات صاروخية على الأهداف اليمنية، شملت إطلاق نحو 80 صاروخ جوال من نوع “توماهوك”. وعلى الرغم من صدور بيان مشترك من حكومات أستراليا والبحرين وكندا والدنمارك وألمانيا وهولندا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية وبريطانيا والولايات المتحدة بشأن هذه الضربات الصاروخية والجوية، وحديث القيادة المركزية الأمريكية عن تقديم كل من أستراليا وكندا وهولندا والبحرين، دعمًا مباشرًا لهذه الضربات، ألا أن الثقل الكلي للعمليات العسكرية كان منصبًا على بريطانيا والولايات المتحدة، مع تواجد لضباط من هولندا وكندا وأستراليا والبحرين، في القاعدة الأساسية لعملية “حارس الازدهار”، التي حرصت الولايات المتحدة على وضع هذه الضربات في إطار أنشطتها.

حتى وقت كتابة هذه السطور، اقتصر رد الفعل الميداني من جانب الحوثيين على هذه الضربات، على محاولة استهداف سفينة شحن مدنية أمس، بصاروخ باليستي انفجر بالقرب منها، على بعد 90 ميل بحري شرق ميناء عدن اليمني، واللافت هنا أن هذا الهجوم أدى إلى تكرر الضربات الجوية الأمريكية على غرب اليمن فجر اليوم – الثالث عشر من يناير – لكن بنطاق محدود جدًا، حيث استهدفت المقاتلات الأمريكية انطلاقًا من حاملة الطائرات “ايزنهاور”، مواقع في قاعدة “الديلمي” الجوية في العاصمة صنعاء، تتواجد بها محطات رادار وأنظمة دفاع صاروخي. جدير بالذكر هنا، أنه عقب ضربات فجر أمس، أعلن فصيل “المقاومة الإسلامية في العراق”، عن تنفيذ ثلاثة هجمات صاروخية، استهدف الأول موقعًا قرب حديقة نهر الأردن في فلسطين، والثاني استهدف مدينة إيلات، أما الثالث استهدف القاعدة الأمريكية في حقل “كونيكو” النفطي شرقي الفرات في سوريا.

تحول لافت في التكتيك الأمريكي في البحر الأحمر

على المستوى العام، يمكن القول إن هذا التحرك الغربي ضد الحوثيين يحمل تحولًا لافتًا على مستوى التعامل مع تهديداتهم المتنامية بالتزامن مع استمرار تداعيات الحرب على قطاع غزة، بما ينذر بتحول الولايات المتحدة وحلفاؤها من مستوى “الردع” إلى مستوى “الحرب” فيما يتعلق بالتعامل مع الحوثيين، وهو ما يمكن تناوله على النحو التالي:

بالنسبة لردود الأفعال الدولية والفاعلين في المشهد الإقليمي على هذه التطورات، سوف نجد أن ردود الأفعال تراوحت بين دعم هذه الهجمات وبين رفضها فضلًا عن تحفظ دول كالصين والسعودية والأردن على حالة التوتر بشكل عام، فعلى مستوى الدعم أعلنت اليابان وأستراليا وفرنسا والدنمارك وألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة عن دعمها لهذه الهجمات، محملين الحوثيين مسؤولية هذا التصعيد، فيما أعربت روسيا (التي دعت لجلسة لمجلس الأمن بهذا الخصوص) وإيران والعراق عن إدانتهم لهذه الهجمات، كذلك أعلن حزب الله اللبناني وحركتي حماس والجهاد الإسلامي وحزب الله العراقي وحركة النجباء العراقية، عن رفضهم لهذه الهجمات، معتبرين أنها “عدوان على السيادة اليمنية”.

كذلك وفي إطار ردود الفعل الرافضة لهذه الهجمات أفادت وكالة “بلومبرج” للأنباء في تقرير لها اليوم الجمعة بأن بعض الدوائر داخل الحزب الديمقراطي الأمريكي بدأت في انتقاد هذه الهجمات والتعبير عن رفضها لها، واستشهدت الوكالة بما أعربت عنه النائبة الديمقراطية رشيدة طليب من “كون هذه الهجمات تشكل انتهاكًا للمادة الأولى من الدستور الأمريكي حيث شن بايدن هذه الهجمات دون موافقة الكونجرس”، وبدوره رأى النائب مارك بوكان، وهو من الحزب الديمقراطي أيضًا، أنّ الولايات المتحدة الأمريكية “لا يمكن أن تخاطر بالتورط في صراع آخر يستمر لعقود من الزمن، من دون إذن الكونجرس”، وعلى نفس المنوال انتقد النواب عن الحزب الديمقراطي براميلا جايبال وسمر لي وكوري بوش ورو خانا وفاليري هويل هذه الهجمات.

باستقراء هذا التحرك من “حارس الازدهار” ضد الحوثيين، نجد أن الدول الغربية وخصوصًا الولايات المتحدة وبريطانيا والدول المتحالفة معها في إطار هذا الهيكل الأمني الذي تشكل في 19 ديسمبر 2023 قد بدأت في الانتقال من مربع “الردع” للحوثيين إلى مرحلة “المواجهة والحرب”، بمعنى أن الولايات المتحدة وحلفاؤها انتقلوا من مرحلة صد هجمات الحوثيين  سواء بواسطة الطائرات من دون طيار أو بواسطة الصواريخ الباليستية، إلى مرحلة توجيه ضربات استباقية تجاه البنية التحتية القتالية للحوثيين، في مسعى لتحقيق هدفين رئيسين، الأول، هو ردع الحوثيين عن استهداف الملاحة في البحر الأحمر بإظهار التكلفة الكبيرة التي سيتحملها التنظيم نتيجة هذه الهجمات، والثاني، يتمثل في تدمير البنى التحتية للحوثيين، بما يحول دون قدرتهم على تنفيذ هذه الهجمات في البحر الأحمر، لكن الاعتبار الأهم في هذا الصدد تمثل في الرسالة التي تم إيصالها اليوم بأن الهدف الرئيس لتحالف “حارس الازدهار” لن يقتصر على صد الهجمات التي تشنها الجماعة الحوثية، وإنما سيمتد ليشمل توجيه ضربات استباقية.

يظل التساؤل الرئيس حاليًا مرتبطًا بشكل رئيس بحدود رد الفعل الحوثي ومن خلفه إيران على هذا التصعيد من قبل الولايات المتحدة وحلفاؤها، ويبدو أن رد الفعل الحوثي والإيراني سوف يتخذ طابع “التصعيد التدريجي”، بمعنى إيعاز إيران لبعض الميليشيات التي تدور في فلكها في المنطقة خصوصًا في العراق وسوريا ولبنان بتوجيه ضربات متنامية ضد الأهداف الأمريكية والإسرائيلية على هذه الأراضي، بما يساهم من جانب في زيادة تكلفة انخراط المحور الغربي في الحرب الجارية، ومن جانب آخر في تخفيف وطأة التصعيد عن الحوثيين، مع حفاظ الحوثيين على وتيرة التصعيد الجارية أو تصعيدها بشكل نسبي، في محاولة لممارسة أقصى الضغوط على “حارس الازدهار” والدول المنخرطة فيه.

بالنظر لما تقدم، ولحقيقة أن الاتحاد الأوروبي قد شرع رسميًا في بحث مهمة إرسال أسطول بحري إلى البحر الأحمر، لحماية السفن التجارية من هجمات الحوثيين، يمكن القول إن السيناريوهات المتوقعة لمستقبل الوضع في منطقة البحر الأحمر، يتراوح بين ثلاثة سيناريوهات:

1- توجيه ردود فعل محدودة نحو السفن العابرة لمضيق باب المندب:

قد يلجا الحوثيون إلى تكثيف عمليات استهداف السفن المدنية العابرة لمضيق باب المندب، من زاوية التأكيد على استمرار امتلاكهم القدرات الصاروخية واللوجستية اللازمة للقيام بذلك، وكدليل على عدم تأثير الضربات الأمريكية على هذه القدرات وعلى إمكانية تنفيذ هذه الهجمات، وفي هذه الحالة ربما يحاول الحوثيون تنفيذ هجوم على إحدى القطع البحرية التي شاركت في الضربات على اليمن، سواء عبر مسيرات بحرية أو صواريخ باليستية مضادة للسفن.

2- ضربات صاروخية محدودة على قواعد أو دول:

من الجائز أن يلجأ الحوثيون إلى تنفيذ وتيرة أكبر من الضربات الصاروخية ضد إسرائيل، أو ضد بعض الدول التي يعتبر الحوثيون أنها شاركت في الضربات الأمريكية على اليمن، سواء عبر السماح بعبور الطائرات لأجوائها، أو عبر التواجد البحري ضمن عملية “حارس الازدهار”، وهو تصرف يحتاج إلى قرار إيراني بالتصعيد الميداني، لا يبدو أن الظروف الحالية تسمح به. قد تشمل هذه الضربات قواعد جوية شاركت في الضربات الأمريكية، وتحديدًا القواعد الجوية في قطر والأردن، وإن كان هذا الاحتمال أضعف نظرًا لبعد المسافة عن اليمن.

٣- ضربات صاروخية متوسطة أو واسعة للقواعد الأمريكية في المنطقة:

يتطلب هذا السيناريو توسيع أكبر لهامش المواجهة في المنطقة، ويتطلب بالطبع قرارًا إيرانيًا بالدخول في مواجهة مفتوحة مع الولايات المتحدة الأمريكية، مع الانتباه إلى وجود بعض المحاذير المتعلقة بالعلاقات الإيرانية القطرية “فيما يتعلق بقاعدة العيديد”، وكذلك مسار التهدئة الحالي بين طهران والمملكة العربية السعودية “فيما يتعلق بالقواعد الأمريكية”. هنا لابد من الإشارة إلى أن القواعد الجوية التي من الممكن استهدافها من جانب الحوثيين في المنطقة هي:

  • قاعدة “عصب” الجوية في إريتريا، والتي تتمركز فيها 12 مقاتلة فرنسية من نوع “ميراج-2000”.
  • قاعدة “عيسى” الجوية في البحرين، وتتمركز فيها طائرتي دورية بحرية من نوع “P-8A”، تابعتين للبحرية الأمريكية.
  • قاعدة “العيديد” في قطر، وتتمركز فيها طائرات الاستخبارات الإلكترونية “RC-135” وطائرات الاستطلاع بدون طيار “RQ-4B”.
  • قاعدتي “شيبيلي” و”أمبولي” في جيبوتي، وتتمركز فيهما ما مجموعه ستة عشر مقاتلة فرنسية من نوع “ميراج-2000”.
  • القواعد الجوية السعودية “الأمير سلطان – الملك عبد العزيز – أم الملح”، وتتمركز فيها 12 مقاتلة أمريكية من نوع “أف-16″، وطائرات بدون طيار من نوع “أم كيو-سي1”.

في الختام، يمكن القول إن التصعيد الأمريكي البريطاني الأخير ضد الحوثيين، يُنذر بتداعيات سلبية في ضوء المؤشرات الراهنة عن سعي الحوثيين للرد على هذه الهجمات، وما سيتبع ذلك من توترات في منطقة البحر الأحمر وباب المندب، الأمر الذي قد يحمل تداعيات سلبية على ملف التجارة والملاحة في منطقة البحر الأحمر، واحتمالات أكبر لتوسيع نطاق المواجهة في هذه المنطقة البحرية المهمة، وهو الأمر الذي سيحدد نطاقه ومداه، بناء على سلوك الحوثيين على المستوى البحري والجوي خلال المدى المنظور.

المصدر : https://marsad.ecss.com.eg/80513/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M