شركات النفط والغاز في الشرق الأوسط تتحوط بصناعة البتروكيماويات ضد التوترات الجيوسياسية

فطنت شركات النفط والغاز في الشرق الأوسط إلى ضرورة تنويع أنشطة أعمالها بعيدًا عن سلعتيها الإستراتيجيتين اللتين تتزايد حولهما الضبابية في ظل التوترات الجيوسياسية التي تشهدها عدّة مناطق في العالم، وما ينتُج عنها من اختناق سلاسل الإمدادات العالمية ذات الصلة.

وتبرز صناعة البتروكيماويات البديل المثالي لتلك الشركات في هذه الآونة الحرجة، إذ من المتوقع أن ينمو حجم تلك السوق العالمية من 627.84 مليار دولار في عام 2023 إلى 885.81 مليار دولار بحلول نهاية العقد الحالي (2030)، بمعدل نمو سنوي

مركب يلامس 5.0% خلال مدة التوقعات، وفق تقرير نشرته شركة فورتشن بزنس إنسايتس (Fortune Business Insights)، وطالعته منصة الطاقة المتخصصة.

ويمثّل نمو الطلب على المواد البلاستيكية عامل جذب لتحوّل شركات النفط والغاز في الشرق الأوسط إلى قطاع البتروكيماويات العالمي المسؤول عن إمداد صناعة البلاستيك بالمواد الأولية اللازمة لإنتاج أغلب العناصر المستعملة في الحياة اليومية.

عصب الاقتصاد الصناعي

تُعدّ البتروكيماويات عنصرًا حيويًا للعديد من العمليات الصناعية، ولذا فهي تشكّل العمود الفقري للاقتصاد الصناعي، وتشتمل بعض المنتجات المشتقة من البتروكيماويات على الإطارات والزيوت الصناعية والمنظفات والبلاستيك وغيرها.

ومن المرجّح أن تُلقي شركات النفط والغاز في الشرق الأوسط بكل ثقلها في قطاع البتروكيماويات المنتعش، على غرار شركة بترول أبوظبي الوطنية “أدنوك” (ADNOC) ونظيرتها السعودية الحكومية أرامكو (Aramco)، اللتين يُتوقع أن تُبرما مزيدًا من الصفقات الضخمة في تلك الصناعة خلال العام الجاري (2024)، وفق ما أورده موقع كيميكال أند إنجنيرينغ نيوز (Chemical and Engineering News).

فمع اتجاه سوقَي السيارات ووقود الطائرات للتراجع، ترى شركات النفط والغاز في الشرق الأوسط صناعة البتروكيماويات قطاع نمو جاذبًا للاستثمارات.

صناعة البتروكيماويات العالمية

صفقات أدنوك

أبدت أدنوك اهتمامًا كبيرًا بشراء اثنتين من كبريات الشركات البتروكيماوية في العالم، وفق معلومات جمعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وتخوض الشركة سلسلة من المباحثات لشراء شركة كوفيسترو (Covestro) الألمانية لصناعة البلاستيك والكيماويات، كما أنها تقدمت بعرض مؤخرًا للاستحواذ على حصة التحكم في شركة براسكم (Braskem) البرازيلية لإنتاج المواد البتروكيميائية.

وتتطلع أدنوك لتعزيز محفظتها الاستثمارية المحلية؛ ففي شهر ديسمبر/كانون الأول (2023)، أبرمت الشركة اتفاقية قوامها 3.6 مليار دولار لشراء حصة شركة أو سي آي (OCI) الكاملة في مشروع مشترك لإنتاج النيتروجين مع شركة فيرتيغلوب (Fertiglobe) التي تنشط في الجزائر ومصر ودولة الإمارات العربية المتحدة.

كما تتفاوض الشركة على صفقة دمج بين شركة بورياليس (Borealis) الأوروبية لإنتاج البتروكيماويات التي تستحوذ فيها أدنوك على حصة أسهم نسبتها 25%، وبين مشروع بروج (Borouge) المشترك لإنتاج المواد البتروكيميائية، ومقرّه الإمارات، بين أدنوك وبورياليس.

أرامكو في المشهد

تشتمل الصفقات من العيار الثقيل المُبرمة بوساطة شركات النفط في الشرق الأوسط على اتفاقيات شراء توصلت إليها أرامكو التي تستحوذ على حصص أسهم في الشركات الصينية الناشئة الناشطة في مجال تكرير النفط وتصنيع المواد الكيميائية.

وفي شهر يوليو/تموز (2023)، استحوذت أرامكو على حصة أسهم نسبتها 10% في شركة رونغشينغ للبتروكيماويات (Rongsheng Petrochemical)، إحدى أكبر شركات إنتاج البتروكيماويات الخاصة في الصين، نظير 3.4 مليار دولار.

وفي إطار الصفقة، ستتولى أرامكو مهمة توريد النفط إلى شركة تشجيانغ للبترول والكيماويات (ZPC)، والتابعة لشركة رونغشينج Rongsheng للبتروكيماويات التي تدير مجمعًا ضخمًا للتكرير والبتروكيماويات.

كما تتفاوض أرامكو لشراء حصة من الأسهم نسبتها 10% في شركة شاندونغ يولونغ للبتروكيماويات (Shandong Yulong Petrochemical) الصينية، التي تبني مصفاة كبيرة ومجمعًا للبتروكيماويات في الصين.

وتخوض أرامكو سلسلة من المفاوضات لشراء حصة مماثلة في مجموعة جيانغسو شينغهونغ لصناعة البتروكيماويات (Jiangsu Shenghong Petrochemical Industry Group)، وهي شركة أخرى تنشط في قطاع التكرير والكيماويات، ومن الممكن أن تتضمن هاتان الصفقتان اتفاقيات لتوريد النفط الخام.

عامل في منشأة نفطية تابعة لشركة أرامكو
عامل في منشأة نفطية تابعة لشركة أرامكو – الصورة من موقع الشركة

المصافي الصينية

يُطلَق على المصافي التي تديرها شركات الكيماويات الصينية تلك “منشآت تحويل الخام إلى مواد كيميائية” التي تُنتِج نسبة أكبر من المواد الكيميائية -المواد العطرية بشكل رئيس، مثل البنزين والتولوين والزيلين- مقارنة بالمصافي التقليدية.

فعلى سبيل المثال، تشكّل المواد الكيميائية قرابة 40% من إنتاج شركة تشجيانغ للبترول والكيماويات.

وإذا أصبحت أرامكو مورّد النفط الوحيد إلى المصانع الـ3 السابقة، ستمدّها الشركة بنحو 10% من إنتاجها، وفق تقرير طالعته منصة الطاقة المتخصصة.

وقال نائب رئيس قسم التكرير والكيماويات وأسواق النفط في شركة أبحاث الطاقة وود ماكنزي (Wood Mackenzie)، آلان غيلدر، إن إبرام الصفقات بوساطة أرامكو وأدنوك له علاقة بالآفاق طويلة المدى للنفط الذي تنتجه السعودية والإمارات.

تزايد الطلب على البتروكيماويات

يؤدّي التحول بعيدًا عن الوقود الأحفوري، الذي يُعزى جزئيًا إلى استعمال السيارات الكهربائية وظهور وقود الطيران المستدام، إلى تقليص الطلب على النفط؛ ما يدفع شركات النفط في الشرق الأوسط إلى مزاولة أعمال جديدة.

وفي هذا الصدد، قال غلدر، إن أرامكو تمضي قدمًا في تحقيق التكامل الرأسي من آبار النفط، في حين تتمثل إستراتيجية أدنوك -إلى حدّ كبير- في التنويع الجغرافي والتوسع في المواد الخام المتخصصة.

وأشار إلى أن النمو السكاني، والتحضر، ونمو الطبقة المتوسطة، في جميع أنحاء العالم، كلها عوامل تدل على زيادة الطلب على البتروكيماويات، في تصريحات تابعتها منصة الطاقة المتخصصة.

وتابع: “إذا كنت مُنتِجًا رئيسًا للنفط، وتريد أن تكون واثقًا من أنه سيكون هناك طلب مستمر على الهيدروكربونات التي تنتِجها، فأنت ترغب في التأكد من قدرتك على سدّ الطلب المتزايد على البتروكيماويات”.

موضوعات متعلقة..

 

المصدر : https://attaqa.net/2024/01/25/%d8%b4%d8%b1%d9%83%d8%a7%d8%aa-%d8%a7%d9%84%d9%86%d9%81%d8%b7-%d9%88%d8%a7%d9%84%d8%ba%d8%a7%d8%b2-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%a3%d9%88%d8%b3%d8%b7-%d8%aa%d8%aa%d8%ad/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M