فرص محدودة: الحوار بين حكومة بغداد وأربيل

رحاب الزيادي

 

أصدرت المحكمة الاتحادية العراقية، في 25 يناير 2023، حكمًا بإلغاء كافة القرارات الحكومية المتعلقة بتحويل الأموال إلى إقليم كردستان، في خطوة تعقد من فرص الحوار بين حكومتي بغداد والإقليم. فقد أثارت قرارات المحكمة انتقادات من جانب “مسعود بارزاني” رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، واعتبر أن المحكمة أضحت سببًا في تعقيد الخلافات بين بغداد والإقليم، خاصة أن هناك بعض الملفات التي ما زالت عالقة بينهما، ومنها الاتفاق حول حصة الإقليم من موازنة الدولة، وحجم النفط الذي يتم تصديره إلى حكومة بغداد، وقانون النفط والغاز. لذلك، قامت وفود من الطرفين بزيارات متبادلة بهدف التشاور بشأن القضايا العالقة، وحرصًا منها على عدم تفكك تحالف إدارة الدولة الذي شكل الحكومة الحالية برئاسة “محمد شياع السوداني”، حيث قام وفد من حكومة الإقليم يضم وزير المالية “آوات جناب”، ووزير الكهرباء والثروات الطبيعية “كمال محمد صالح” ورئيس ديوان مجلس وزراء الإقليم “أوميد صباح” بزيارة إلى بغداد في 11 يناير الماضي لمناقشة القضايا العالقة بينهما من حيث قانون الموازنة وحصة الإقليم في موازنة 2023، وقانون النفط والغاز، والمادة 140 من الدستور، كما قام وفد أمني من الحكومة الاتحادية برئاسة رئيس أركان الجيش الفريق “عبد الأمير رشيد يار الله” ونائب قائد العمليات المشتركة الفريق “قيس خلف المحمداوي” بزيارة أربيل في 12 فبراير 2023، لبحث قضايا أمنية مشتركة فيما يتعلق بانتشار قوات حرس الحدود والبشمركة.

الصراع بين بغداد وأربيل

يدور الخلاف القائم بن الحكومة الاتحادية في بغداد وحكومة إقليم كردستان حول مجموعة من القضايا، وهي تتعلق بطبيعة النظام الفيدرالي في العراق وتتمثل في الخلاف حول سلطة توقيع عقود النفط، والأراضي التي يطالب بها الأكراد كجزء من كردستان، ومخصصات الميزانية، والأموال التي ترسلها الحكومة الاتحادية إلى إقليم كردستان؛ إذ كانت الحكومة السابقة برئاسة الكاظمي ترسل 4 دفعات مالية تشمل الواحدة نحو 205 مليارات دولار كرواتب لموظفي الإقليم ويتم تسويتها بعد إقرار الموازنة، لكن قرار المحكمة الاتحادية في يناير الماضي ألغى كافة القرارات المتعلقة بتحويل الأموال إلى إقليم كردستان.

من ناحية أخرى؛ تتقاسم الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان منذ 2014 مسألة إدارة قطاع الطاقة وفقًا للدستور العراقي المادة 112 والتي تنص على “تقوم الحكومة الاتحادية بإدارة النفط والغاز المستخرج من الحقول الحالية مع حكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة، على أن توزع وارداتها بشكل منصف يتناسب مع التوزيع السكاني في جميع أنحاء البلاد، مع تحديد حصة لمدة محددة للأقاليم المتضررة، والتي حرمت منها بصورة مجحفة من قبل النظام السابق والتي تضررت بعد ذلك، بما يؤمن التنمية المتوازنة للمناطق المختلفة من البلاد وينظم ذلك بقانون، وتقوم الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات المنتجة معًا برسم السياسات الاستراتيجية اللازمة لتطوير ثروة النفط والغاز بما يحقق أعلى منفعة للشعب العراقي معتمدة أحدث تقنيات مبادئ السوق وتشجيع الاستثمار”.

لكنّ هناك تباينًا بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم حول تفسير المادة، مما رتب وجود سياستين مختلفتين في إدارة قطاع الطاقة، والعقود المبرمة والشركات الدولية والمشترين، مما أدى إلى حرمان العراق من تعظيم مكاسبه من مبيعات النفط، أو التعامل بشكل موحد مع شركات النفط الدولية، أو في منظمة أوبك على مدار السنوات الماضية. ونتيجة الخلاف بين الحكومتين تعطل التصديق على مشروع قانون النفط والغاز، مما جعل وزارة الثروات الطبيعة في إقليم كردستان تبرم عقود مشاركة في الإنتاج، مع شركات النفط الدولية وبسبب نقص رأس المال والتكنولوجيا اعتمدت نموذجًا للتعاقد يحول مخاطر الاستثمار إلى الشركات ويكافئها في حال اكتشافها للنفط، لكن الحكومة العراقية اعترضت على مثل هذه التعاقدات التي تجعل من الشركات الأجنبية شريكة في ملكية الحقول، حيث تعتمد وزارة النفط الاتحادية على نموذج عقود الخدمة بدلًا من عقود الشراكة، وكانت الحكومة الاتحادية تدير قطاع النفط وفقًا للقوانين السابقة السائدة قبل 2003.

وما زاد الأمر تعقيدًا في ملف الطاقة بين بغداد وأربيل أن حكومة الإقليم وقعت اتفاقًا طويل الأمد مع تركيا، وأقامت خط أنابيب محليًا يرتبط بخط الأنابيب العراقي-التركي، ومنذ 2014 بدأ نفط إقليم كردستان يتدفق إلى الأسواق الدولية عبر ميناء جيهان التركي، لذلك رفعت الحكومة العراقية قضية ضد أنقرة في محكمة التحكيم الدولية لسماحها بتصدير نفط الإقليم عبر أنبوب النفط المشترك دون موافقة بغداد، وطالب العراق تركيا بتعويضات بقيمة 36 مليار دولار، وأصدرت المحكمة الاتحادية العليا في العراق في 15 فبراير 2022 حكمًا يقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز لحكومة إقليم كردستان الصادر في 2007، واعتبار عقود وصادرات النفط التي وقعتها حكومة الإقليم غير قانونية، وينقل قرار المحكمة الاتحادية حقوق تسويق النفط إلى بغداد، ويقضي بوضع كافة عقود تقاسم الإنتاج تحت رقابة السلطة الاتحادية عبر وزارة النفط.

وقررت بغداد وضع أي شركة تعمل في إقليم كردستان العراق على القائمة السوداء، مما أدى إلى تعطيل نشاط بعض الشركات وعدم استفادة العراق من فرص زيادة الإنتاج والاستثمار في قطاع الطاقة، واعتاد إقليم كردستان على بيع النفط بأسعار منخفضة بنحو 15-18 دولار أقل من خام برنت عام 2022 بهدف تسهيل صادراته وتأمين الدعم الخارجي حيث يحصل الإقليم على 40% فقط من قيمة النفط، وتحصل الشركات على نسبة 48% في الوقت الذي يواصل العراق شراء الغاز والكهرباء بأسعار مرتفعة لسد ثلث احتياجاته.

 كما أن إيران حريصة على عدم استقلال العراق في هذا الشأن، فقد سبق وأن استهدفت المليشيات التابعة لها حقل خور مور للغاز وحقول النفط في البصرة، بالرغم من أن للعراق فرصًا عديدة للاستثمار في قطاع الطاقة في سياق الحرب الروسية-الأوكرانية، وتعمل الولايات المتحدة على تشجيع العراق لزيادة إنتاجه من الغاز بهدف تصديره إلى الدول الأوروبية، وفي الوقت ذاته تعمل روسيا على بناء خط أنابيب لتصدير الغاز من كردستان العراق من خلال شركة روسنفت الروسية.

تحديات قائمة

تظل بعض القضايا العالقة بين بغداد وأربيل عائقًا أمام فرص الحوار بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم، ويتم ذكرها على النحو الآتي:

• قانون النفط والغاز: من شأن هذا القانون أن ينظم العلاقة بين الإقليم وحكومة بغداد في قطاع الطاقة، ولم يتمكن البرلمان العراقي من تمرير القانون، ومنذ 2005 هناك نقاش وجدال حول مضمونه، على أن تكون مسئولية إدارة الحقول النفطية من قبل شركة وطنية نفطية، يشرف عليها مجلس اتحادي، بينما تظل هناك خلافات حول إدارة حقول الإقليم النفطية وتتابين رؤى الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم بشأن الإدارة، وهناك اتهامات بعدم إعلان الإقليم عن المبالغ الحقيقية لتصدير النفط وعدم تسليمها إلى بغداد، بينما ترى الحكومة في أربيل أن الحقول النفطية في أراضيها تخضع لإدارتها سواء منح تراخيص الاستكشاف أو إدارة الحقول من حيث الإنتاج أو التصدير، وتفاقم تعقيد الأمور مع حكم المحكمة الاتحادية الصادر في فبراير 2022 بعدم دستورية “قانون النفط والغاز” لحكومة إقليم كردستان الصادر في 2007، وهذا القرار كان من ضمن أسباب الأزمة السياسية وإحدى العقبات التي عرقلت تشكيل الحكومة وقتها، ورفض مجلس القضاء في إقليم كردستان قرار المحكمة، لكن لأهمية ملف الطاقة في الوقت الحالي يتوجب حل الخلافات بين الحكومتين حتى لا ينعكس ذلك سلبًا على الاستثمارات في قطاع النفط، خاصة أن الدستور في المادة 111 ينص على “النفط والغاز ملك كل الشعب العراقي في كل الأقاليم والمحافظات”.

• إيرادات الإقليم من الموازنة: ما زالت هذه القضية محل خلاف بين الحكومتين، إذ ترى حكومة الإقليم أن النسبة المخصصة لها غير كافة لتغطية نفقاتها والتزاماتها، وتنص المادة 121 من الدستور العراقي على “تخصص للأقاليم والمحافظات حصة عادلة من الإيرادات المحصلة اتحاديًا، تكفي للقيام بأعبائها ومسئولياتها، مع الأخذ بعين الاعتبار مواردها وحاجاتها ونسبة السكان فيها”. وتقدر هذه الإيرادات بنحو 17% من الموازنة، إلا أن الخلاف يثار بين حين وآخر نتيجة حصول الحكومة الاتحادية على حقوق تصدير النفط من الإقليم، وسبق أن توصل الطرفان في ديسمبر 2014 إلى اتفاق يقضي بتسليم إقليم كردستان ما لا يقل عن 250 ألف برميل يوميًا للحكومة الاتحادية بهدف تصديرهم، وذلك مقابل الـ 17% نسبتها من الموازنة الاتحادية، إلى جانب تخصيص نسبة من الموازنة لقوات البيشمركة الكردية، إلا أن الإقليم لم يلتزم بهذا الاتفاق، وأوقف تصدير هذه الحصة إلى الحكومة الاتحادية في يونيو 2015، وأبرم اتفاقات بشكل فردي مع تركيا على تصدير النفط، وبعد استفتاء استقلال الإقليم في 2017 وسيطرة القوات الأمنية على كركوك، خفضت الحكومة الاتحادية حصة الإقليم في الموازنة في عام 2018 لتصل إلى 12.6 % استنادًا إلى بيانات السكان، ومع موازنة 2023 أثير الخلاف مجددًا رغبة من حكومة الإقليم في تعديل النسبة المخصصة قبل إقرار الموازنة في مجلس النواب العراقي.

المادة 140 من الدستور: يستمر الخلاف بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم حول تطبيق المادة 140 من الدستور على مدار رئاسة الحكومات السابقة وتنص المادة على إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية وإجراء تطبيع (بمعنى معالجة التغييرات التي طرأت على التركيبة السكانية في كركوك والمناطق المتنازع عليها) وإجراء إحصاء ثم استفتاء في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها في مدة أقصاها 31 ديسمبر 2007، لكن لم يتم تطبيق هذا النص نظرًا لعموميته وعدم تحديد المناطق المتنازع عليها، ومطالبة كردستان بضم العديد من المناطق المجاورة مثل سنجار وزمار ومخمور، لكن هذه المناطق شهدت تغير ديموغرافي على مدار السنوات الماضية، وهي مناطق غنية بالنفط وانضمامها إلى الإقليم يضفي مزيدًا من التعقيد والتشابك مع ملف النفط والغاز بين بغداد وأربيل.

خلاف كردي – كردي: هناك تنافس كردي-كردي حول إدارة قطاع الطاقة وإيراداته بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، فعندما أعلن رئيس الوزراء في حكومة الإقليم “مسرور بارزاني” في منتصف عام 2022 إمكانية تزويد الأوروبيين بالغاز نتيجة الأزمة التي أحدثتها الحرب الروسية-الأوكرانية، لم يبدِ أي من المستثمرين اهتماما بذلك، لأن الجزء الأكبر من حقول الغاز الطبيعي يقع في المناطق التي يسيطر عليها الاتحاد الوطني الكردستاني، ومنذ أكتوبر 2022 قاطع الاتحاد الوطني الكردستاني اجتماعات مجلس وزراء إقليم كردستان، ومن ثم يؤثر الخلاف بين الحزبين على موقف الإقليم بشأن إدارة قطاع الطاقة، كما أن تأخر المدفوعات المالية أثر على علاقة الإقليم مع شركات النفط الدولية، مما جعل شركة “ترافيجورا” لتجارة النفط تخرج من الإقليم.

يُضاف إلى ذلك، الخلاف بين الأكراد حول قانون الانتخابات داخل الإقليم، لذلك تم تأجيل الانتخابات التي كانت مقررة في أكتوبر 2022، وأثرت هذه الخلافات على جلسات الحكومة، وامتنع نائب رئيس الحكومة “قوباد طالباني” عن حضورها وأعلن وزراء الاتحاد الوطني الكردستاني تعليق حضور الجلسات منذ 11 ديسمبر 2022، علاوة على أن هناك اتهامات متبادلة بين الحزبين بشأن مقتل العقيد في جهاز مكافحة الإرهاب “هاوكار الجاف” في أكتوبر 2022، وعليه يؤثر الخلاف بينهما على فرص الحوار بين الحكومة في بغداد وحكومة إقليم كردستان.

ختامًا، تظل القضايا التي تمت الإشارة إليها تحديًا قائمًا في المفاوضات بين حكومة بغداد وأربيل، كما أن قرار المحكمة الاتحادية الأخير يمثل حرجًا لحكومة محمد شياع السوداني والتي تشكلت بعد ائتلاف إدارة الدولة الذي يضم الأحزاب الكردية والقوى الشيعية وبعض القوى السنية، لذلك من المرجح أن يتم تجميد أو تحييد قرارات المحكمة خلال هذه الفترة حتى لا تعرقل عمل الحكومة الحالية، خاصة أن القوى الشيعية ستكون حريصة على عدم تفكك تحالف إدارة الدولة أو الإطاحة بالسوداني في الوقت الحالي، لا سيما أنها شُكلت بعد صراع حاد وخلاف مع التيار الصدري الذي انسحب من العملية السياسية.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/32995/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M