“قندهار”: “عدسة هوليود” والمواجهة الأمريكية الإيرانية

  • تقى النجار 
  • مها علام 
  • نوران عوضين

 

شهدت العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران فترات طويلة من التأزم منذ قيام الثورة الإسلامية في 1979، وفي خضم ذلك عمدت واشنطن إلى استخدام أدوات متنوعة في تعاملها مع طهران، ومنها “هوليود”. فقد اعتبر “جوزيف ناي” أن الولايات المتحدة “لا تحتفظ فقط بموارد القوة الصلبة التقليدية أكثر من أي بلد آخر، وإنما لديها أيضًا الموارد الأيديولوجية والمؤسسية الناعمة”، ويتمثل أحدها بلا شك في “هوليود”، التي تعد مؤسسة قوة ناعمة متشابكة أيديولوجيًا وماليًا مع “البنتاجون”. لذلك، من المتوقع أن تتبنى وتتخذ منحى أيديولوجيًا عندما تروي أحداثًا سياسية مهمة. وهو الأمر الذي انعكس -في أكثر من مناسبة- على الشكل والمضمون الذي تقدمه “هوليود” عندما يتعلق الأمر بإيران. ومن ثم يثير عرض الفيلم الأمريكي “قندهارkandahar ” مؤخرًا العديد من التساؤلات حول الدلالات والرسائل التي يحملها إطلاق هذا الفيلم في الوقت الحالي.

التوظيف السياسي لـــ”هوليود”

تنامى الوعي بشكل متزايد لدى العديد من الدول، لا سيما الولايات المتحدة، بأهمية السينما كأداة دعائية جماهيرية لصالح خدمة السياسة وصنع القرار، ولتحسين صورة الدولة خارجيًا، وذلك لما تمتلكه من قدرة كبيرة على التأثير على قطاعات واسعة من الجماهير. فضلًا عن كونها أداة بديلة غير رسمية يمكن للدولة استخدامها لإيصال رسائل معينة لقيادات وشعوب دول أخرى؛ فما يصعب التعبير عنه دبلوماسيًا، يمكن للخيال السينمائي نسجه داخل قصة جاذبة.

وهي المسألة التي ترتبط –بشكل واضح– بالتطورات التي شهدها مفهوم القوة؛ فقد ربط “هانز مورجنثاو” القوة بفكرة التأثير أو التحكم في المكاسب، لذا فقد عرف القوة باعتبارها “القدرة على التأثير في سلوك الآخرين”، علاوة على ذلك فقد قدم “جوزيف ناي” مفهومًا للقوة أكثر تعقيدًا قائمًا على ربطها بعناصر القوة غير المادية، مثل الثقافة والقيم، وظهور ما يسمى بــ”القوة الناعمة”، والتي تعني حصول الدولة على ما تريد بالاعتماد على التأثير بدلًا من الإكراه.

واستنادًا إلى ذلك، فقد اتجه مكتب التحقيقات الفيدرالي، في ثلاثينيات القرن الماضي، إلى تأسيس قسم متخصص في صناعة الترفيه، وفي عام 1947 تم تأسيس هذا القسم في وزارة الدفاع “البنتاجون”، فيما أسست وكالة المخابرات المركزية هذا القسم عام 1996. ولفهم مدى تأثير السياسات الخارجية للولايات المتحدة على طبيعة أفلام “هوليود” يمكن النظر إلى فترتين رئيسيتين:

  • خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وتحديدًا عام 1943-1945، تم تقديم مواطني الاتحاد السوفيتي كأبطال. على سبيل المثال، أظهر فيلم “Mission to Moscow” العلاقة الودية بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة.
  • فيما أظهرت السينما الأمريكية خلال فترة الحرب الباردة (1946-1991) الاتحاد السوفيتي على أنه شر العالم. وخير مثال على هذه الأفلام سلسلة أفلام “Rambo” التي كانت من أسلحة الحرب الباردة.

وفي أعقاب أحداث 11 سبتمبر 2001، نظرت الحكومة الأمريكية إلى السينما كأداة مكملة ومفسرة وداعمة لسياساتها وتحركاتها العسكرية خارج حدود الولايات المتحدة. ونتيجة لذلك، اجتمع “كارل روف”، مستشار الرئيس الأمريكي الأسبق “جورج بوش”، في نوفمبر 2001، مع المنتجين وكتاب السيناريو بـــ”هوليود” لطلب دعمهم لصالح نشر بعض الأفكار، والتي تمثلت في:

  • التوضيح بأن محاربة الإرهاب ليست قتالًا ضد الإسلام، وأن أمريكا تحترم جميع الأديان.
  •  الحاجة للتجنيد العسكري، ومساعدة عائلات الجنود.
  • اعتبار هجمات الحادي عشر من سبتمبر هجومًا عالميًا يتطلب ردًا عالميًا.
  • التأكيد على أن هذه الحرب ضد الشر، وضد أناس عازمين بشكل مطلق على تقويض أسس الأمة الأمريكية، وعلى نشر الرعب في جميع أنحاء العالم.
  •  إقناع المجتمع الأمريكي بأنهم يعيشون بأمان.

وبناءً على ما تقدم، تمثل الهدف الرئيسي لفيلم “American Sniper“، على سبيل المثال، في الترويج لحرب العراق عام 2003. وفي الداخل، اعتمدت الحكومة الأمريكية على الإسهام الخيالي الإبداعي لأفلام “هوليود” ومهاراتهم في الإقناع للمساعدة في المجهود الحربي، وذلك عبر تصوير الأفلام لمدى التضحية التي يقدمها الجندي الأمريكي، ومن ثم فقد تناول فيلما “Saving Private Ryan“، و”Pearl Harbor” هذه المسألة بما يسهم في تنمية الحس والانتماء الوطني والثقة في قرارات الحكومة الأمريكية.

ولجذب المزيد من الاهتمام نحو هذه النوعية من الأفلام، تشير بعض التحليلات إلى توجه “هوليود” نحو “تسييس” جوائز الأكاديمية الأمريكية “أوسكار”. فعلى سبيل المثال: تم ترشيح فيلم “Mission to Moscow” في عام 1944، وفيلم “Rocky” عام 1976. فيما كان عام 2013 هو أكثر أعوام “هوليود” تسييسًا، حينما تم ترشيح أفلام تحمل موضوعات سياسية كأفلام: Lincoln““، Argo“”، ” Zero Dark Thirty“.

عطفًا على ما سبق، يبدو أن واشنطن تستغل السينما كأداة للتأكيد على قدرتها على رسم المستقبل والتحكم فيه، وذلك بالاستناد إلى كونها القوة العظمى التي تحتل رأس النظام الدولي. لذا، تكرر بعض أفلام “هوليود” الرسائل الخاصة بكون الولايات المتحدة هي القوة العظمى التي تتحمل مسئولية حماية أمن العالم. وهو الأمر الذي قد يدفع الشعوب لتقبل الفكرة الخاصة بدور واشنطن كمحرك للأحداث، كما يجعل المشاهدين في بعض الدول أكثر تقبلًا لفكرة التبعية الأمريكية بوصفها أمرًا واقعًا لا مفر منه. ومن الأمثلة على ذلك: الرسائل التي حملتها بعض الأفلام كــ”يوم الاستقلال” و”هرمجدون” والتي تركز على أن الولايات المتحدة هي مركز الكون، وتدميرها يعني تدمير العالم.

إيران بعدسة “هوليود”.. نماذج متعددة

سلطت السينما الأمريكية الضوء على العديد من الجوانب المتعلقة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، إذ ركزت على المجتمع الإيراني من ناحية، وتناولت النظام السياسي من ناحية أخرى، فضلًا عن استعراضها العلاقات الأمريكية الإيرانية من ناحية ثالثة. وبالتالي، يبدو من الضروري النظر في كيفية إدارة واشنطن لمواجهتها مع طهران عبر سلاح “هوليود” من خلال استعراض 3 نماذج:

سيريانا: تم عرض الفيلم في عام 2005، للنجم “جورج كلوني” الذي لعب دور ضابط عمليات في وكالة الاستخبارات الأمريكية. يركز الفيلم على عالم صناعة النفط والمصالح السياسية وكواليسها الاستخبارية وتأثيراتها على السياسة العالمية، ويروي الفيلم عددًا من القصص المترابطة لأشخاص ترتبط حياتهم وتحددها الصناعات البترولية الأمريكية في الشرق الأوسط.

يرتبط أولها بعميل الاستخبارات الذي يكلف بمهمة في بيروت ويفشل فيها ويفقد مركزه بالوكالة؛ وينصرف ثانيها إلى محلل شئون الطاقة الذي تعرض لمأساة شخصية بعد فقد طفله؛ ويتصل ثالثها بأمير خليجي يقطع علاقة بلاده بشركة نفط أمريكية ويتعاون مع أخرى صينية بما يعيق المصالح الأمريكية؛ ويدور رابعها حول محامي شركات يستهدف دمج شركتين عملاقتين للنفط.

وعلى الرغم من أن الفيلم لم يتحدث عن العلاقات الأمريكية الإيرانية بصورة مباشرة، إلا أنه حمل العديد من الدلالات السلبية تجاه إيران، إذ قدم صورة ترصد الأنشطة الخبيثة والقنوات الخلفية للجمهورية الإسلامية الإيرانية التي تستند فيها إلى الشبكات الإرهابية. كما سلط الضوء أيضًا على أن مسألة العقوبات يمكن أن تكون وسيلة فاعلة لتغيير النظام في إيران، وفرض حكومة موالية للغرب تخدم المصالح الأمريكية.

رجم ثريا: جرى عرض الفيلم في عام 2008، وهو من بطولة “شهرة أغداشلو”، ويدور الفيلم حول قصة حقيقية لامرأة في قرية “كوباي” الإيرانية تدعى “ثريا” تم رجمها ظلمًا على خلفية اتهام زوجها لها بالزنا. فقد بدأ الفيلم بمشهد لسيدة تدعى “زهرة” تدفن مجموعة من العظام البشرية، وفي تلك الأثناء تقابل صحفيًا فرنسيًا تعطلت سيارته بالقرب من القرية، حيث تروي عليه قصة “ثريا”.

وقد بدأت مأساة ثريا مع رغبة زوجها في الزواج عليها من طفلة يبلغ عمرها 14 عامًا طمعًا في مال والدها، غير أنها ترفض وتطلب الطلاق، ومن ثم يقرر الزوج التخلص منها، لأنها إذا ماتت لن يكون مطالبًا بدفع النفقة لها، وبالتالي اتهمها بالزنا ووقعت عقوبة الرجم عليها حتى أزهقت روحها.

وقد حمل الفيلم العديد من المؤشرات السلبية المتعلقة بالمجتمع الإيراني، إذ عكس البنية الأبوية للمجتمع الإيراني، ناهيك عن إشارته إلى وجود كراهية شديدة داخل هذا المجتمع للنساء، مما يعكس حجم التدهور المجتمعي والأخلاقي الذي حرص الفيلم على إبرازه وبلورته.

آرجو: عُرض الفيلم في عام 2012، من بطولة “بن أفليك”، الذي لعب دور عميل في وكالة الاستخبارات الأمريكية. تدور قصة الفيلم في عام 1979 حول اقتحام السفارة الأمريكية في إيران من قبل الثوار الإيرانيين، وتم احتجاز عدد من الأمريكيين كرهائن، وعدت هذه الحادثة بمثابة ضربة كبيرة لمكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى، وشكلت نهاية العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

وقد نجح ستة من الرهائن الأمريكية في الفرار إلى مقر السفير الكندي “كين تيلور”، وعليه جاءت الأوامر للمخابرات الأمريكية بالعمل على إخراجهم من إيران، حيث عهدت للعميل “توني منديز” بهذه المهمة، فوضع خطة تقوم على تصوير فيلم مزيف في إيران تحت اسم “آرجو” بهدف تهريب الأمريكيين خارج إيران على خلفية كونهم جزءًا من طاقم الإنتاج. وفي الوقت الذي تقترب فيه السلطات الإيرانية من كشف ملامح الخطة ينجح العميل الاستخباراتي في إيصال الرهائن إلى بلادهم سالمين.

وعلى الرغم من أن الفيلم لم يعكس المواجهة العسكرية المباشرة بين الطرفين الأمريكي والإيراني، إلا أنه لم يخل من التأكيد على صراع الحضارات؛ إذ عمل على إبراز التفوق الثقافي والسياسي والأيديولوجي الأمريكي، في مقابل إرسال عدد من الرسائل مفادها وصم إيران ثقافيًا وأيديولوجيًا.

فيلم قندهار.. الرسائل والدلالات

تدور أحداث فيلم “قندهار” حول “توم هاريس” –الذي يقوم بدوره الممثل “جيرارد باتلر”- عميل سري لدى وكالة الاستخبارات الأمريكية، والذي يجد نفسه عالقًا في قندهار، بعدما تم الكشف عن هويته السرية، ويقاتل للبقاء على قيد الحياة مع مترجمه الأفغاني في وسط صحراء أفغانستان. تم الإعلان لأول مرة عن الفيلم في مهرجان كان السينمائي عام 2020، فيما جرى تصويره خلال الفترة من أواخر نوفمبر 2021 حتى أوائل فبراير 2022، وطُرح للعرض السينمائي في مايو 2023. الفيلم من تأليف “ميتشيل لافورتون” Mitchell LaFortune، ضابط المخابرات السابق، والذي اعتمد على تجاربه الاستخباراتية في أفغانستان في كتابة سيناريو الفيلم. هذا، ويعد الفيلم من أوائل الأفلام الأمريكية التي تم تصوير معظم مشاهدها داخل مدن سعودية، حيث جرى التصوير داخل مدينتي العُلا وجدة. لا تنحصر المشاركة السعودية بالفيلم عند مسألة السماح بالتصوير داخل أراضيها، حيث تبرز شبكة قنوات MBC السعودية كشريك في الإنتاج إلى جانب شركتي Thunder Road FilmsوGroup Capstone. وبحسب الرئيس التنفيذي لشركة “كابستون” المسئولة عن المبيعات الدولية الخاصة بالفيلم، حظي “قندهار” بدعم من هيئة الأفلام السعودية عبر إقرارها خصمًا نقديًا بنسبة 40% للمنتجين المحليين والدوليين. وفيما يلي يمكن بلورة أبرز الرسائل والدلالات المرتبطة بالفيلم:

دلالة التوقيت

يبدو أن توقيت عرض الفعل لم يجرِ بشكل عشوائي، إذ تتعالى التكهنات والتوقعات بشأن اندلاع حرب ضد إيران. وهو الأمر الذي انعكس في عدد من المؤشرات لعل أبرزها ما استعرضه موقع The Intercept من قيام الجيش الأمريكي بتخصيص إنفاق لعمليات طوارئ سرية تتعلق بخطة لحرب إيران. موضحًا أنه تم تمويل خطة الطوارئ، التي تحمل الاسم الرمزي “Support Sentry”، في عامي 2018 و2019. لافتًا إلى أنه يمكن استقراء الدلالات المهمة التي يحملها هذا الإجراء قياسًا بما جرى في هايتي، ففي يونيو 1994، تم وضع خطة طوارئ للعمليات العسكرية هناك، وبحلول يوليو غزت القوات الأمريكية وعزلت رئيس هايتي المنتخب ديمقراطيًا.

ومن ناحية أخرى، يبدو من الصعب الجزم بأن توقيت العرض يحمل رسالة بالضربة العسكرية، وإنما قد يحمل رسالة موازية بالردع وإجبار إيران على القبول بشروط تفاوضية معينة. وهو ما يحمل مؤشرات لإعادة تفعيل المسار التفاوضي. فقد جرى على خلفية انعقاد الجلسة التاسعة للجنة التشاور الاستراتيجي بين سلطنة عمان وإيران، في مارس الماضي، الحديث عن جهود إيرانية لتنشيط قنوات التواصل مع الولايات المتحدة لعودة المفاوضات غير المباشرة، وهو ما ارتبط به الحديث عن اتفاق لتبادل السجناء.

إقناع الداخل الأمريكي

قد يأتي ضمن الأهداف التي تسعى واشنطن لتحقيقها عبر إطلاق هذا الفيلم، التأثير على رأي الشارع الأمريكي، الذي يبدو أنه لا يميل –بشكل كبير- لمسألة استخدام العنف ضد إيران. فقد أوضح مسح أجراه مجلس “شيكاغو للشئون العالمية“، في الفترة من 15 يوليو إلى 1 أغسطس 2022، أن غالبية الأمريكيين (59%) يؤيدون العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، بينما تعارض أغلبية واضحة من الأمريكيين (74%) قبول إيران مسلحة نوويًا. كما أن غالبية الأمريكيين (53%) يعتبرون البرنامج النووي الإيراني تهديدًا خطيرًا للولايات المتحدة، انخفاضًا من (57%) في عام 2021. وأخيرًا، ستؤيد أقلية من الأمريكيين استخدام القوة لتدمير المنشآت النووية الإيرانية إذا استأنفت تطوير سلاح نووي: (46%) سيدعمون الضربات الجوية و(38%) سيدعمون نشر القوات الأمريكية.

بينما أوضح الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة “أوراسيا جروب” أن (78.8%) من المستطلعين، بزيادة عن العام الماضي، يعتقدون أن على واشنطن أن تواصل متابعة المحادثات لمنع إيران من الحصول على سلاح نووي في المستقبل القريب. ومن ثم يمكن أن يعيد هذا الفيلم توجيه الرأي العام الأمريكي بما يتوافق مع رؤية الإدارة الأمريكية، وهو ما يمكن استقراؤه في نتائج إحدى الدراسات التي كشفت عن تأثير فيلمي “Argo” و”Zero Dark Thirty”، فقد أظهر 22% من المشاركين في العينة عن تحسن في آرائهم حول اتجاه الدولة بعد مشاهدة أحد الفيلمين.

تجنب المواجهة المباشرة

على الرغم من التأكيدات الأمريكية المتكررة حول مسألة استمرار القيادة العالمية للولايات المتحدة، وما يحمله ذلك من قيام واشنطن بدور “شرطي العالم” الذي عليه مواجهة التهديدات وحماية الأمن والسلم العالميين، وهو ما انعكس في الفيلم في قيام الولايات المتحدة بشن عملية ناجحة لتدمير أحد المواقع النووية الإيرانية، والتخطيط لشن عملية أوسع لاستهداف كافة المواقع النووية داخل إيران من أجل القضاء تمامًا على التهديد النووي الإيراني. إلا أنه يظل من الملفت للنظر أن الفيلم لم يتناول عمليًا مواجهة مباشرة بين واشنطن وطهران، لكنه ركز على مواجهة غير مباشرة عبر القيام بعمليات نوعية مغطاة، وهو ما قد يعكس رغبة أمريكية في حلحلة الأزمة الإيرانية ولكن بدون الدخول في تصعيد كبير غير محسوب قد يحمل نتائج كارثية على المنطقة ويهدد بشكل كبير المصالح الأمريكية.

التأكيد على الثوابت السعودية

تحمل المشاركة السعودية في إنتاج الفيلم، وسماحها بتصوير أغلب مشاهده داخل أراضيها، رغبة سعودية في إرسال رسالة مفادها عدم تغير ثوابتها إزاء البرنامج النووي الإيراني. ويأتي عرض الفيلم بعد أسابيع قليلة من توصل الرياض مع طهران، برعاية صينية، إلى اتفاق لاستئناف علاقتهما الدبلوماسية، بعد سنوات من القطيعة والعداء. إلا أن مسار الاتفاق لا يتنافى مع ما قدمه فيلم “قندهار” من رفض سعودي إزاء حيازة إيران لسلاح نووي من شأنه تهديد السلم والأمن الإقليمي والدولي، إذ لا تنفي السعودية حق إيران في الاستخدام السلمي للطاقة الذرية طالما يتم تنفيذه تحت مظلة ورقابة الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ووفقًا لما ورد بمعاهدة عدم الانتشار النووي.

 استغلال سيولة الساحة الأفغانية

استعرض الفيلم شدة التوتر الراهن وحالة عدم الاستقرار داخل الساحة الأفغانية من حيث كونها منطقة شد وجذب وتصفية للحسابات بين أطراف عدة، بين الولايات المتحدة وإيران، وبين باكستان وإيران، وبين الولايات المتحدة وباكستان، وبين حركة طالبان وباكستان. فمن ناحية، يشير انتقال المواجهة الأمريكية الإيرانية إلى أفغانستان –وفقًا للفيلم– إلى احتمال أن تكون الأخيرة ساحة مواجهة محتملة بين الجانبين في حال عدم التوصل إلى اتفاق. ومن ناحية أخرى، سلط الفيلم الضوء على وجود حالة من التنافس وتعارض المصالح وعدم التنسيق بين إيران وباكستان. فعلى الرغم مما يبدو من استقرار في علاقات البلدين، والمنعكس في تنامي تعاونهما الاقتصادي والأمني والسياسي، أظهر الفيلم المدى الذي قد يصل إليه التنافس الإيراني الباكستاني. فعلى أرض الواقع، تتعدد مساحات تضارب المصالح بينهما، لا سيما بعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان، وسيطرة حركة طالبان على السلطة، وتقارب إيران الاقتصادي مع الهند، ورغبة الحرس الثوري الإيراني في توسيع نشاطاته شمال المحيط الهندي، فضلًا عن تجنيد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري لعناصر من الشيعة الباكستانيين ضمن مليشيا “زينبيون” الناشطة بشكل رئيسي داخل سوريا.

واتصالًا بذلك، فقد عكس الفيلم، في بلورته للعلاقات بين باكستان وطالبان، الدور المزدوج لباكستان في اصطفافها إلى جوار الولايات المتحدة في “الحرب ضد الإرهاب”. فعلى الرغم من تقديمها المساعدة أحيانًا في تعقب واعتقال قادة تنظيم القاعدة وحركة طالبان، إلا أن المسئولين في الجيش الباكستاني وأجهزة المخابرات قد احتفظوا بصلات مع الحركة، تحولت إلى دعم مادي ولوجيستي كبير، قدمت إسلام أباد في إطارها الملاذ والتمويل والتدريب طوال الوقت لأفراد الحركة.

غياب الدور الإسرائيلي

من الملامح الملفتة في الفيلم هو تجنبه الإشارة المباشرة إلى الدور الإسرائيلي في أي مواجهة محتملة مع إيران. وذلك على الرغم من تعدد وتنوع المؤشرات المرتبطة بالتصعيد الإسرائيلي. ويأتي في مقدمتها إعلان إسرائيل تبني استراتيجية “الأخطبوط” ردًا على الاستراتيجية الإيرانية المسماة بــ”خيوط العنكبوت”. وتقوم الاستراتيجية الإسرائيلية الجديدة على ضرب رأس الأخطبوط وليس أطرافه، من خلال استهداف الداخل الإيراني؛ وهو ما جرى عبر عمليات اغتيال لعلماء ومهندسين مشاركين في البرنامج النووي، وكذا استهداف منشآت نووية بطائرات مسيرة، وهجمات سيبرانية ضد منشآت إيرانية حيوية. وكذا إجراء الولايات المتحدة وإسرائيل أكبر مناورة عسكرية مشتركة بينهما في التاريخ “جونيبر أوك“. بجانب الحرب الكلامية التي تشنها إسرائيل بشكل متواصل ضد إيران، والتي تنصرف في جزء منها إلى رفض المسار التفاوضي مع إيران بسبب عجزه –أي المسار التفاوضي– عن فرض ضغوط حقيقية على إيران أو ثنيها عن سلوكها المزعزع للاستقرار. وهي المسألة التي قد يمكن تفسيرها في ضوء الرغبة الأمريكية في تحويل إيران من مجرد تهديد إقليمي موجه ضد إسرائيل إلى تهديد يواجه العالم بأسره.

ختامًا، يمكن القول إن اعتماد واشنطن على توظيف “هوليود” سياسيًا قد سمح لها بتوظيفها -أي “هوليود”- كساحة موازية لإبراز مدى قدرتها من جانب، بل وسمح باختبار تحركاتها المستقبلية وتفاعل الأطراف المعنية مع الرسائل الموجهة من جانب آخر. وفي ضوء هذه المعطيات، يظل المستقبل هو العنصر الحاسم في تحديد إمكانية انعكاس رسائل ودلالات فيلم “قندهار” على المواجهة الأمريكية الإيرانية في أرض الواقع. 

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/34843/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M