كيف جاءت مراجعة استراتيجية مكافحة الإرهاب البريطانية؟

محمد فوزي

 

أشارت مراجعة قدمها وليام شوكروس الذي عينته الحكومة البريطانية في يناير 2021 كمراقب مستقل على برنامج “بريفنت” (Prevent) -الذي يعد أحد البرامج الرئيسة في إطار استراتيجية بريطانيا لمكافحة الإرهاب- إلى أن هذا البرنامج يحتاج إلى مراجعة لأولويات عمله، خصوصًا على مستوى الحاجة إلى التركيز على “التهديد الإسلاموي” الذي مثل التهديد الأكبر لبريطانيا في الـ 20 عامًا الماضية، وفقًا للمراجعة التي قام بها المراقب البريطاني، وقدمها للحكومة البريطانية في الثامن من الشهر الجاري. لتضاف هذه المراجعة إلى سلسلة التحذيرات الأخيرة في بريطانيا من خطر التهديد الإرهابي القادم من المسلمين المتطرفين المقيمين هناك، حيث حذر كين مكالوم رئيس جهاز الاستخبارات البريطاني “إم آي5” في نوفمبر الماضي من أن “المتشددين الإسلاميين” ما زالوا مصدر قلق كبير بالنسبة لبريطانيا.

برنامج يستهدف منع خلق الإرهابيين

تُشير البيانات الرسمية الخاصة بالحكومة البريطانية إلى أن برنامج “بريفنت” الذي تم تدشينه لأول مرة منذ 2003 هو أحد البرامج الرئيسة التي تشتمل عليها استراتيجية مكافحة الإرهاب في البلاد، ويستهدف البرنامج -الذي تقوده الحكومة البريطانية مع عدد من الوكالات والشركاء- “منع الأفراد من أن يُصبحوا إرهابيين”، من خلال التعامل مع البيئات المحفزة لتكوين شخصيات إرهابية، ما يقتضي التنسيق مع كافة الوزارات المعنية مع وزارة الداخلية، فضلًا عن الشركاء من المجتمع المدني.

ويركز البرنامج على الفئات الأكثر عرضة لأن “تكون شخصيات إرهابية” والتي تصفهم الحكومة البريطانية بـ “الضعفاء”. وبالإضافة إلى هذا الهدف، يسعى هذا البرنامج أيضًا إلى تحييد بعض الأشخاص الذين تبنوا بالفعل أفكارًا متطرفة عن هذه الأفكار، وفك الارتباط بالتطرف. وقد تم تطوير وتعديل البرنامج أكثر من مرة في أعوام 2006 و2007 و2011، وصولًا إلى المطالبات الحالية بمراجعته.

وأصبح برنامج “بريفنت” أحد البرامج الرئيسة في إطار استراتيجية وزارة الداخلية البريطانية لمكافحة الإرهاب، بعد العام 2001، الذي وقعت فيه هجمات الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، وأعلنت الحكومة حينها أن هذه الاستراتيجية تهدف إلى وقف التطرف والحيلولة دون الاستمرار في ارتكاب أعمال عنف. وتعمل وزارة الداخلية البريطانية على الاستراتيجية بالشراكة مع ما يُعرف في بريطانيا بـ “الشبكة الاستشارية لمكافحة الإرهاب” (CTAN)، وهي هيئة وطنية تشكلت من قبل مكافحة الإرهاب بالشرطة البريطانية عام 2017، وتحظى هذه الشبكة برئاسة مستقلة مستقلة عن وزارة الداخلية ولكنها تعمل بالتعاون معها، ومع الفاعلين المجتمعيين الآخرين.

وتتكون هذه الشبكة في عضويتها من ناجين من الإرهاب، وأكاديميين وباحثين، وقادة دينيين، وقيادات المجتمع المدني المعنية بهذا الملف. ومنذ تأسيس برنامج “بريفنت” لاحقته العديد من الانتقادات التي تمحورت من جانب حول اتهامات بالفشل في التعامل مع ملفي التطرف “غير العنيف” والإرهاب، ومن جانب آخر حول اتهامات له بأنه برنامج تجسس على السكان المسلمين.

أبرز ما جاء في تقرير مراجعة “بريفنت”

بدأ المراقب البريطاني وليام شوكروس العمل على هذه المراجعة منذ تكليفه من وزارة الداخلية البريطانية في 26 يناير 2021، للقيام بها، واستندت إلى مئات المقابلات والاجتماعات التي تم إجراؤها مع مسؤولي وخبراء ملف مكافحة الإرهاب في بريطانيا، بالإضافة إلى الاطلاع على نحو 650 مصدرًا مكتوبًا خاصًا بهذا الملف. ويمكن إجمال ما تناولته المراجعة التي قدمها وليام شوكروس، والمكونة من 192 صفحة، للحكومة البريطانية بخصوص برنامج “بريفنت”، وذلك على النحو التالي:

● أكد “شوكروس” في مقدمة مراجعته أن الإرهاب بشكل عام هو التهديد الأكبر الذي يواجه الدولة البريطانية وديمقراطيتها، وأن الهدف الذي أُنشئ من أجله برنامج “بريفنت” هو هدف إنساني مهم من حيث السعي لمنع الناس من التحول إلى “إرهابيين”، مشيرًا إلى أن الحكومة البريطانية نجحت بشكل نسبي في تحقيق العديد من النجاحات على هذا المستوى، لكن هذا لا يمنع الحاجة إلى مراجعة البرنامج وتطويره وإعادة صياغة أولوياته، كجزء من المراجعة الدورية التي يجب أن تتم لاستراتيجية مكافحة الإرهاب بشكل عام.

● أكد التقرير أن الأولوية في بريطانيا يجب أن تكون لبرامج الوقاية من الإرهاب، بالتزامن مع التحركات المكثفة لمنع الأنشطة الإرهابية، لكن وضع استراتيجيات وقائية من الإرهاب يحتاج إلى فهم دقيق للأيديولوجيات نفسها، ولكيفية قيام تنظيمات العنف والإرهاب باجتذاب الأفراد واستقطابهم.

● أشار التقرير إلى أن التهديدات الإرهابية الخاصة باليمين المتطرف تمثل خطرًا كبيرًا بالنسبة لبريطانيا، لكنه لفت إلى أن التهديد الأكبر يظل متمثلًا في الإرهاب الذي مصدره ما وصفها بـ “الإسلاموية”، مشيرًا إلى أن هذا التهديد قائم ومستمر، ويمثل التهديد الأبرز لبريطانيا في الـ 20 عامًا الماضية. وأشار التقرير إلى أن البرنامج ومنذ إطلاقه في 2019، شهدت الدولة البريطانية نحو 6 عمليات إرهابية كبيرة، وأن هذه الهجمات كانت ذات طابع إسلامي، في محاولة منه للتأكيد على فرضيته القائلة بأن التهديد “الإسلاموي” هو الأكثر أولوية بالنسبة لبريطانيا، لكن التقرير أكد على أن أي استراتيجية تستهدف منع المواطنين من التحول لإرهابيين يجب أن تتعامل مع الأيديولوجيات وترتب أولويتها وفقًا لحجم الخطر المترتب عليها، وقد لفت التقرير في هذا الصدد إلى أنه في الوقت الحاضر فإن 80% من التحقيقات المباشرة لشرطة مكافحة الإرهاب في قضايا الإرهاب هي ذات طابع إسلامي، وأن نسبة التحقيقات الخاصة بإرهاب اليمين المتطرف لا تتجاوز الـ 10%، أما النسبة الباقية فترتبط باعتبارات أخرى.

● لكن المراقب البريطاني فرق في تقريره بين الإسلام كدين وبين الإسلاموية كأيديولوجيا متطرفة تستهدف فرض نسق أيديولوجي متطرف، وتحقيق أهداف بعينها، مشيرًا في هذا الصدد إلى أن أغلب ضحايا الإرهاب في مساحات واسعة من العالم هم من المسلمين، وبالتالي فالهدف وفقًا للتقرير ليس التضييق على المسلمين، وإنما منع انضمامهم إلى تنظيمات مثل القاعدة وداعش وبوكو حرام، “والانجرار عبر الإنترنت إلى جحيم الحروب التي تقودها هذه التنظيمات” وفقًا للتقرير.

● أشار التقرير إلى ضرورة التفرقة بين الأشخاص الذي يمثلون تهديدًا أمنيًا محتملًا وبين أولئك الذي يمثلون “عناصر قابلة للاستقطاب”، وهي محاولة للتفرقة بين نمطين من الأشخاص: النمط الأول يتمثل في أولئك الذين اعتنقوا بالفعل أفكارًا متطرفة قد يتم ترجمتها في أي لحظة إلى فعل إرهابي، والنمط الثاني يتمثل في أولئك الذين لم يعتنقوا هذه الأفكار بعد، لكن احتمالية اعتناقها بالنسبة لهم واردة في ضوء “حماسهم الأيديولوجي” وفق تعبير التقرير.

● أكد التقرير أن برنامج “بريفنت” واستراتيجية مكافحة الإرهاب البريطانية بشكل عام لم تحقق نجاحات كبيرة على مستوى الهدف الرئيس لها والمتمثل في التعامل مع الأسباب الرئيسة للإرهاب، والمتمثلة في البعد الأيديولوجي، وهو الجانب الذي اعتبر تقرير المراجعة أن الاستراتيجية لم تعمل عليه بشكل كاف، مشيرًا في هذا الصدد إلى ضرورة التركيز على ما وصفه بـ “التطرف الإسلاموي غير العنيف”، وهو الذي لم يصل بعد إلى مرحلة الإرهاب، لكنه يخلق بيئة تُفضي إلى الإرهاب. وذكر التقرير في هذا الصدد أن هناك حاجة إلى التعامل مع هذه النقطة على مستوى أكبر، وعدم الاكتفاء بحظر بعض المنظمات الإسلامية، وفرض قيود على الأشخاص الذين يتم تصنيفهم على أنهم “متطرفون”.

● ادعى التقرير أن القيود المفروضة من الحكومة البريطانية على مستوى التعامل مع التهديدات “الإسلاموية” أقل بكثير من تلك المفروضة على التهديدات الخاصة باليمين المتطرف؛ إذ تتجاهل الحكومة وفقًا للتقرير الأشخاص المتطرفين وشبكات الإرهاب الإسلاموية غير العنيفة وفق وصفه، لافتًا إلى ضرورة وضع معايير واضحة خاصة بتصنيف الأشخاص المتطرفين الإسلامويين الذين لم يصلوا بعد إلى مرحلة العنف.

● لفت التقرير إلى أن هناك بعض الإشكالات المتعلقة بمسارات التعاون بين برنامج “بريفنت” وبعض منظمات المجتمع المدني، هذه الإشكالات تتمحور وفقًا للتقرير، حول بعدين أساسيين: الأول يرتبط بطبيعة المشروعات التي يتم تنفيذها والتي تركز في غالبية الوقت على مشاريع عامة لمناهضة خطاب الكراهية، ولا تتعاطى بشكل كبير مع الأيديولوجيات المتطرفة، والبعد الثاني يتمثل في طبيعة الجهات التي تتعاون معها الحكومة البريطانية في هذا الصدد، حيث ذكر التقرير أن بعضها يتحالف مع الإرهابيين، مستدلًا بتعاطف بعض هذه المنظمات مع حركة طالبان.

● أشار التقرير إلى انتشار “معاداة السامية” بشكل كبير في بريطانيا، وأن استراتيجية مكافحة الإرهاب وبرنامج “بريفنت” تتغافل بشكل كبير عن هذا الجانب، حيث ذكر التقرير أن الكثير من الفئات التي تم التحقيق معها عبر البرنامج كانت تحمل “معتقدات متعصبة تجاه اليهود”، وفي هذا الصدد حث التقرير الحكومة البريطانية على العمل بشكل أفضل على ملف مكافحة “معاداة السامية”، وضرورة تحرك الحكومة البريطانية لرصد كافة الشبكات والمنظمات الموجودة في بريطانيا والتي تدعم تنظيمات تستهدف صراحة اليهود، فضلًا عن مطالبته بضرورة بناء قاعدة بيانات خاصة بما وصفه بـ “المكون المعادي لليهود في الأيديولوجيا الإسلاموية واليمينية المتطرفة”.

● أشار التقرير بشكل واضح إلى أن الجماعات الإسلامية الموجودة في بريطانيا تُمثل أحد التحديات الرئيسة بالنسبة لاستراتيجية مكافحة الإرهاب، خصوصًا وأن هذه الجماعات تتبنى حملات إعلامية مكثفة مناهضة لبرنامج “بريفنت” واستراتيجية مكافحة الإرهاب البريطانية، وتدعو المسلمين في المجتمع البريطاني إلى عدم التعاون مع الأجهزة الأمنية، وتتبنى كذلك وفقًا للتقرير، حملات تُثير حالة من عدم الثقة بين المسلمين والمجتمع البريطاني بشكل عام، وغير المسلمين في بريطانيا، حتى أن التقرير أشار إلى أن المسلمين العاملين في برنامج “بريفنت” تعرضوا للترهيب ولتهديدات بالقتل.

وفي الختام أوصت المراجعة بضرورة التركيز على معالجة أسباب التطرف خصوصًا على مستوى التعامل مع البعد الأيديولوجي، وحماية الأشخاص الأكثر عرضةً للتطرف عبر آلية “التدخل المبكر”، وتفعيل آلية “فك الارتباط” مع أولئك الذين انخرطوا بالفعل في جرائم إرهابية، في إشارة إلى ضرورة إعادة تأهيلهم، وهي آلية أشبه بنظام “المراجعات” الذي تم تبنيه في بعض الدول العربية كمصر والجزائر.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/75474/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M