ماذا بعد الانتخابات في الكويت… هل تبقى السياسة تعطل الاقتصاد؟

يشعر عدد كبير من الكويتيين بالملل وعدم الرضى بشأن الأوضاع السياسية في البلاد وتكرار حل مجلس الأمة وإجراء الانتخابات، حيث لا يستمر المجلس لأكثر من ستة شهور، وربما لسنة في أحسن الأحوال. انتهت الآن الانتخابات النيابية، وبلغت نسبة التصويت في المجلس الجديد “أمة 2024” في كل الدوائر 62,1 في المئة، وعدد الذين أدلوا بأصواتهم بلغ 518 ألفا و 365 ناخباً وناخبة. لكن هناك تجاذبات كرسها النظام الانتخابي المعتمد على الصوت الواحد في دوائر خمس تنتخب كل واحدة عشرة أعضاء. أهم التجاذبات ما يتعلق بالسياسات المالية حيث أصبحت الحكومة رهينة للمطالب الشعبوية التي يتبناها الأعضاء المنتخبون، والتي تؤدي إلى هدر كبير في الأموال العامة وتعطل السياسات الإصلاحية.

عندما يطرح الاقتصاديون ورجال الأعمال والعقلانيون من السياسيين طروحات تهدف إلى تنشيط مسار الاقتصاد الكويتي، وتحريره من الفلسفة الريعية، واعتماد نهج مؤسسي لبناء اقتصاد مستدام وقادر على مواجهة العواصف التي قد تحدث في اقتصادات الطاقة في العقود المقبلة، ينادي الساسة الشعبويون بمزيد من الانفاق، وتخصيص المزيد من الموارد المالية للرواتب والأجور والدعم، والمشاريع التي ترضي رغبات الناخبين، بدلاً من الاهتمام بمشاريع البنية التحتية وتحديث المرافق والارتقاء بالخدمات التعليمية والصحية، ومن ثم تحسين نوعية الحياة.

قيادة حازمة

يراهن الإصلاحيون في البلاد على القيادة السياسية المتمثلة بأمير البلاد ورئيس الوزراء اللذين يبعثان الارتياح بالقدرة على الحزم في اتخاذ القرارات المستحقة واختيار المساعدين الاداريين لشغل المناصب الحيوية في الوزارات والمؤسسات العامة. ربما تتحقق الآمال باستقرار الأوضاع السياسية بعد الانتخابات وتشكيل مجلس وزراء جديد. لكن بطبيعة الحال لا بد من التعرف على برنامج الحكومة المقبلة ومدى توافقه مع برامج الإصلاح البنيوي المطروحة منذ زمن بعيد دون تنفيذ.

 

هناك قانون اعتمد قبل سنوات هو القانون الرقم 37 لسنة 2010 والذي يحدد آليات التخصيص، لكن لم يطبق حتى يومنا هذا

 

 

إذا كان هناك من يطمح لتنويع القاعدة الاقتصادية، فلا بد أن يؤكد على أهمية تعزيز دور القطاع الخاص من خلال برامج التخصيص بعد أن ظلت تحت هيمنة الملكية العامة وإدارة الدولة. هناك قانون اعتمد قبل سنوات هو القانون الرقم 37 لسنة 2010 والذي يحدد آليات التخصيص، لكن لم يتم تطبيق القانون حتى يومنا هذا. القانون ليس مثالياً لرجال الأعمال والمستثمرين حيث يمنح الحكومة السهم الذهبي وحق الفيتو عند الاختلاف بشأن الآليات والأدوات. كما أن القانون يؤكد على ضرورة حفظ حقوق العاملين الكويتيين في المؤسسات المنوي تخصيصها.

نص القانون أيضا على احتفاظ الحكومة بنسبة 20 في المئة من أسهم الشركة التي ستؤول لها الأصول المنوي تخصيصها وبنسبة 5 في المئة للعاملين و40 في المئة للاكتتاب العام و35 في المئة تطرح للمزايدة بين الشركات المدرجة في سوق الأوراق المالية. وعلى الرغم من التحفظات الموضوعية بشأن القيود المفروضة كما ورد في المواد من قبل مجتمع الأعمال، لم يتم تطبيق هذا القانون.

الارتقاء بالقطاع الخاص

أبدت حكومة الدكتور محمد سالم الصباح اهتماماً بشأن الأوضاع الاقتصادية وضرورة إنجاز الاصلاحات. لكن التطورات السياسية وحل مجلس الأمة لم يمكن من التعرف على التوجهات العملية حتى الآن. هل يمكن أن نتوقع بأن تكون البلاد مقدمة على تحولات حقيقية في الهيكل الاقتصادي تعزز نزعة الانتاج والكفاءة، وتؤدي إلى تحقيق تنوع نسبي في القاعدة الاقتصادية برفع مساهمة القطاعات غير النفطية في الناتج المحلي الإجمالي، وترتقي بدور القطاع الخاص؟

 

لا يمثل الكويتيون سوى 4,7 في المئة من العدد الإجمالي للعاملين في القطاع الخاص البالغ عددهم 1,5 مليون عامل، أي 95 في المئة من الوافدين

 

 

لا يزال الاقتصاد الكويتي يفتقر لدور العمالة الوطنية حيث لا يعمل في القطاع الخاص سوى 71,4 ألفا من العمالة الوطنية الإجمالية البالغ عددها 447 ألفا، أي بنسبة 16 في المئة منها فقط. لا يمثل الكويتيون سوى 4,7 في المئة من العدد الإجمالي للعاملين في القطاع الخاص البالغ عددهم 1,5 مليون عامل، أي أن 95 في المئة من العاملين في المؤسسات الخاصة من الوافدين. لوحظ في السنوات القليلة الماضية هجرة العمالة الوطنية من القطاع الخاص إلى القطاع العام على الرغم من أن الدولة تصرف دعما للعمالة الوطنية في القطاع الخاص.

إقرأ أيضا: الاقتصاد الكويتي وموسم سياسي جديد

ويبدو أن مغريات العمل في القطاع العام تظل جاذبة. كذلك فإن 84 في المئة من العمالة الوطنية يعملون في القطاع العام. يعاني القطاع العام من تفشي البطالة المقنعة حيث تتزايد أعداد العاملين في الدوائر والمؤسسات الحكومية بما يفيض عن الحاجات الفعلية للعمل. وتقدر الحكومة بأن نحو 100 ألف مواطن سيتدفقون إلى سوق العمل خلال السنوات الأربع المقبلة، بما يمثل تحدياً للحكومة الجديدة واختباراً لمجلس الأمة في كيفية التعامل مع سياسات التوظيف وتوفير فرص العمل.

معضلة التمويل

ستواجه الحكومة الجديدة مسألة توفير الأموال اللازمة والكافية لبنود الإنفاق الجارية والرأسمالية. سبق لوزارة المالية أن أعلنت مشروع موازنة 2024/2025 بمصروفات إجمالية بلغت 24,5 مليار دينار (79,6 مليار دولار)، وبإيرادات تقديرية تبلغ 18,7  مليار دينار (60,8 مليار دولار)، أي بعجز متوقع 5,8 مليارات دينار أو 18,9 مليار دولار.

Shutterstock Shutterstock

تعتمد الكويت على إيرادات النفط كمصدر  أساسي أو رئيسي يمثل 94,3 في المئة من إيرادات الخزينة العامة، في حين لا تمثل الإيرادات غير النفطية سوى 5,7 في المئة.

السياسة تعطل الاقتصاد

وتعتمد الإيرادات النفطية التي احتسبت على أساس 70 دولاراً للبرميل، على معدل إنتاج نفطي يوازي 2,4 مليون برميل يومياً بموجب قرارات “أوبك بلس”، والمعتمدة بالتوافق بين الدول المنتجة للنفط من أجل تماسك الأسعار والحد من الفائض من الامدادات. كما هو معلوم، تملك الكويت طاقة إنتاجية تقدر بـ2,9 مليون برميل، وهناك خطط لرفعها إلى 3,1 مليون برميل يومياً خلال أربع سنوات. غير أن هذه الخطط، لا بد أن تأخذ في الاعتبار الاستثمارات اللازمة وأوضاع سوق النفط العالمية في المستقبل المنظور. علما أن شركة “أرامكو” السعودية قررت وقف الاستثمار في الاستكشاف والانتاج في ضوء المتغيرات الجارية في اقتصادات الطاقة.

 

يتوجب على مجلس الوزراء التحلي بالتصميم على إنجاز برامج التنمية الاقتصادية ومواجهة الاعتراضات واقناع المترددين بالإصلاح

 

 

 لطالما اعتبرت الحياة السياسية في الكويت أهم معطل للتنمية الاقتصادية حيث الشلل في صناعة القرار، والتدخلات التي تعرقل تنفيذ المشاريع والقوانين غير المواتية لبيئة الأعمال، أو التي تدعم تنفيذها من جهة اخرى لأسباب شعبوية من دون النظر في مصلحة الأعمال. يتوجب على مجلس الوزراء التحلي بالتصميم على إنجاز برامج التنمية الاقتصادية ومواجهة الاعتراضات واقناع المترددين بأهمية السير قدماً من أجل إصلاح البنية التحتية والمنظومة الصحية وأوضاع التعليم وبرامج التأهيل المهني بما يصحح بنية سوق العمل. يضاف إلى ذلك، ضرورة رفع كفاءة الأجهزة الحكومية لإصلاح المرافق والطرق والموانىء والمطار، بما يمكن الكويت من مضاهاة الدول المجاورة.

خصصت الموازنة 2,3 مليار دينار أو 7,5 مليارات دولار للإنفاق الرأسمالي، إنخفاضا عن مستوى الموازنة السابقة الذي بلغ 2,5 مليار دينار أو 8,1 مليارات دولار. لكن الانفاق الرأسمالي الفعلي يقل عن المخصص، فقد سجل في الشهور التسعة الأولى من السنة المالية التي انتهت في نهاية مارس/آذار، 763 مليون دينار فقط أو نحو 2,5 مليار دولار. ينتج ذلك بسبب ضعف القدرات التنفيذية وتعطل القرارات وبطء الدورة المستندية وعدم كفاءة الشركات المنفذة.

هل ستكون القضايا  أولية على جدول أعمال مجلس الوزراء القادم ومجلس الأمة الجديد، وكيف سيتم التعامل مع مسائل الاصلاح والتنمية؟ تظل الأمور غير واضحة في الوقت الحاضر ونأمل أن ترى النور في نهاية النفق!

 

المصدر : https://www.majalla.com/node/314316/%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF-%D9%88%D8%A3%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%84/%D9%85%D8%A7%D8%B0%D8%A7-%D8%A8%D8%B9%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%86%D8%AA%D8%AE%D8%A7%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D9%83%D9%88%D9%8A%D8%AA-%D9%87%D9%84-%D8%AA%D8%A8%D9%82%D9%89-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%B3%D8%A9-%D8%AA%D8%B9%D8%B7%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D8%AF%D8%9F

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M