محاربة التطرف في أوروبا ـ أزمة الهوية، الأسباب والمعالجات

مازال الشباب في دول أوروبا والغرب يعيش “أزمة الهوية”، وهذا مايدفع العديد من الشباب نحو التطرف والتطرف العنيف، المشكلة تكمن بـ “ضياع” الشباب مابين هوية الأم الأصلية اي البلد الأصلي ومابين البلد الأوروبي الذي يعيشه فيه. وهذا لا يعني خسارة الشاب الذي يعيش في دول أوروبا قيمه الثقافية أبداً بقدر ما يعني انه يعيش بسلام وتعايش مع بقية مكونات المجتمع، أي أن يتقبل الاخرين ويحترم ثقافاتهم ويحترم الدستور والمواطنة للبلد الذي يعيش فيه. إن مشكلة “أزمة الهوية”  لا تكمن في الجيل الأول من المهاجرين بل الجيل الثاني والثالث والرابع. وهنا تتحمل الأسرة أيضاً جزء كبير من مسؤوليتها بتعزيز هوية الأبناء، إلى جانب المدارس والمناهج وحتى البلديات المحلية من خلال التواصل المجتمعي.

يعد التهميش والفقر والبطالة هو أحد الأسباب القوية لأزمة الهوية التي تؤثرعلى العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي من الدنمارك إلى إيطاليا والنمسا وفرنسا وهولندا. وتستغل الجماعات المتطرفة والإسلاموية أزمة “الهوية” في تجنيد واستقطاب الشباب الذي يتجه إلى التطرف العنيف.

ما مفهوم الهوية الأوربية؟

يقول “باسكال دلفيت” أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الحرة بروكسل  على مستوى الاتحاد الأوربي، هناك عدد من الأشخاص الذين يروجون، لفكرة الهوية والمواطنة الأوربية سواء عبر الاتحاد أو داخل الدول الأعضاء، ومع ذلك، هذا لا يعني أن المواطنة الأوروبية ينبغي أن تسود، ولكنها قد تكون موازية للحصول على حق المواطنة. وهناك أيضا محاولات لبناء المواطنة الاجتماعية. لذلك، فبالإمكان المضي قدماً في طريق من التعايش بين هويات مختلفة، وهذه حقيقة بل واقع ملموس، وأيضاً المواطنة الأوروبية، المواطنة الوطنية، المواطنة الإقليمية. وبالنسبة للمواطنين، تعتبر المواطنة البلدية، والإنتماء إلى البلدية أو لقرية الإقامة أمر هام جداً بالنسبة للمواطنين.

وفيما يلي أبرز العوامل التى تؤدي إلى أزمة الهوية في دول أوروبا:

تهميش بعض الأحياء في أوروبا

يُعتبر حي “مولنبيك” خاصاً بالمهاجرين ويعد منذ عام 2015 معقلاً للجهاد الأوروبي، ولم تنجح المنطقة في التخلص من هذه السمعة السيئة بعد، وسط توسّع الجرائم المرتبطة بالمخدرات في “مولنبيك”، تتصاعد المخاوف في 20 يوليو 2022أن  تستمر الأسباب الأصلية الكامنة وراء التطرف الإسلاموي، أي التهميش الاجتماعي الذي دفع بعض الشبان في “مولنبيك” إلى التطرف. ويشهد هذا الحي مداهمات متقطعة من جانب الشرطة بسبب ارتباطه بالاعتداءات المتطرفة. فهناك العديد من العوامل المحلية والعالمية هي التي حوّلت هذا الحي إلى أرض خصبة للجماعات الإرهابية، بما في ذلك تنظيم “داعش”. على المستوى المحلي، لطالما سجّل هذا الحي نسبة مرتفعة من البطالة والفقر مقابل تراجع فرص التعليم. عوامل الجهاد و التطرف العنيف في أوروبا… البحث عن الهوية!

الجماعات الإسلاموية المتطرفة ـ استغلال “أزمة الهوية”

ترصد الجماعات المتطرفة حالات أزمة “الهوية” من داخل أوروبا وبالتحديد من داخل المجتمعات المغلقة و “المحميات” بالتقرب من الشباب واستقطابهم الى أفكارهم المتطرفة، من خلال زرع فكرة الكراهية والعداء إلى المجتمعات الأوروبية، ثم النزوح نحو التطرف والتطرف العنيف والإرهاب. أظهرت العمليات الإرهابية للجماعات الإسلاموية المتطرفة، الكثير من هذه الحالات، بعد أن تستغل مشكلة الأزمات النفسية والأجتماعية وعامل الأدمان على المخدرات، وكشفت موجات الإرهاب في أوروبا خلال عام 2015 وما بعدها الكثير من هذه الحالات والتي تستوجب المراجعة والدراسة من قبل الأسرة والبلديات ومنظمات المجتمع البلدي والحكومات.

الخطاب المتطرف العنصري

يستخدم المتطرفون اليمينيون التمييز والأفكار العنصرية لحماية الهوية التي يعتبرها مهددة من قبل الأجانب واللاجئين. وفي هذا الإطار يتبنى أفكاراً متطرفة تحض على كراهية الأجانب في 22 أغسطس 2022. تزامن صعود الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا، مع تصاعد العداء للمسلمين، وهو ما بات يعرف بـ”الإسلاموفوبيا”، وهي ظاهرة فكرية تستند إلى تنميط للمسلمين المهاجرين، وتروج لفكرة أنهم غير مندمجين في مجتمعاتهم، وأنهم يشكلون بؤراً للإرهاب، ويثير صعود تلك الأحزاب اليمينية المتطرفة،على مدار الأعوام القليلة الماضية، مخاوف الجاليات المسلمة في أوروبا، في ظل ما يصدر عنها من دعوات ضد المهاجرين بشكل عام، وضد المهاجرين المسلمين على وجه الخصوص في 18 أبريل 2021.

أفاد استطلاع آراء أجراه معهد (CSA )الفرنسي في 5 أغسطس 2022  أن أكثر من (9 ) من كل (10) فرنسيين أنه من الضروري طرد الدعاة الأجانب الذين يلقون خطابات  تحض على النطرف. ومن بين الذين تقل أعمارهم عن (35) عاماً، عارض (22% )هذا القرار فيما جاءت نسبة المعارضة (28% ) بين الشباب عمرهم (18) إلى (24) سنة. وأيد (98%) ممن تزيد أعمارهم عن (65) عاماً طرد  تلك الأئمة. من حيث التوجه السياسي، فإن أنصار اليمين واليمين المتطرف والوسط هم الأكثر تفضيلاً لطرد الدعاة الأجانب (97%) ممن هم قريبون من حزب الرئيس إيمانويل ماكرون و(100%) في أوساط حزب الجمهوريين و(99%) للتجمع الوطني اليميني المتطرف و(96٪) من أنصار حزب إريك زيمور “استعادة فرنسا”. لكن المفاجئ كانت النسب المرتفعة للغاية في أوساط اليسار والمؤيدة للطرد، حيث وافق (96%) من المقربين من حزب الخضر و(92% )بين مؤيدي الحزب الاشتراكي و(715) بين ناخبي حركة “فرنسا العصية”.

يستمر التطرف والتجنيد في السجون بينما يستمر التطرف اليميني العنيف في جذب المجندين الأصغر سنًا ، بما في ذلك عبر منصات الألعاب. أدى الجمع بين العزلة الاجتماعية والمزيد من الوقت الذي يقضيه الإنترنت على سبيل المثال خلال جائحة COVID-19 إلى تفاقم المخاطر التي تشكلها الدعاية المتطرفة العنيفة والمحتوى الإرهابي على الإنترنت، لا سيما بين الشباب في 17 نوفمبر 2021. ملف التطرف في أوروبا ـ مخاطر الخطاب المتطرف

سياسات معادية للمهاجرين

بدأ “فيكتور أوربان” رئيس الوزراء المجري مع موجة اللاجئين لعام 2015  حملته المعادية للمهاجرين. وبالنظر بشكل أعمق لإدارته لملف الهجرة منذ ترؤسه الحكومة في العام 2010، شهدت القوانين المتعلقة بالهجرة تغييرات عدة أدت إلى حرمان طالبي اللجوء من الوصول إلى حقوقهم. في مارس عام 2017، أصدرت الحكومة تشريعات جديدة أكثر قسوة، تقضي بترحيل أي شخص توقفه السلطات داخل الأراضي الهنغارية. عمدت الحكومة الهنغارية إلى تقليص الخيارات القانونية المتاحة أمام طالبي اللجوء الوافدين إلى هنغاريا. في مايو 2020، وتذرعا بالأزمة الصحية المرتبطة بفيروس كورونا، قدمت حكومة هنغاريا أحكاما تشريعية تنص على أن الأشخاص الذين يسعون للحصول على الحماية الدولية، عليهم التعبير أولاً عن نيتهم ​​في طلب اللجوء في السفارة الهنغارية في الدول المجاورة غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قبل أن يتمكنوا من الدخول إلى البلاد والوصول إلى إجراءات اللجوء في هنغاريا في 8 أبريل 2022. اللجوء والهجرة ـ هل نجحت سياسات الاندماج في ألمانيا؟

صعوبات التعليم

يواجه الأطفال اللاجئون في 19 أبريل 2021 في اليونان تحديات تعيق تسجيلهم في المدارس العامة، كذلك الأمر بالنسبة إلى طالبي اللجوء الذين لا يتسنى لهم فرصة التعلم في المخيمات أو مراكز الاستقبال المؤقتة. وتُظهر الإحصاءات الرسمية المتاحة انخفاضاً ملحوظاً في تسجيل الأطفال اللاجئين في المدارس العامة على مدار عامي 2019-2020، من (12,867 ) في يونيو 2019 إلى (8,637) في مارس 2021. الظروف المعيشية غير المستقرة تؤدي إلى عرقلة العملية التعليمية. المشاكل في تنفيذ الخطة التي وضعتها الحكومة في 2016، مثل فشل إنشاء فصول دراسية وتزويدها بالموظفين، وعدم توفر أو كفاية خدمات النقل. ويوضح التقرير “الأثر السلبي لإجراءات اللجوء ونظام الاستقبال في البلاد، في الوصول إلى التعليم”، مشيرا إلى أن الظروف المعيشية غير المستقرة تؤدي إلى عرقلة العملية التعليمية.

البطالة والأزمات الاقتصادية

كشفت إحصائية للوكالة الاتحادية للتشغيل في 14 يوليو 2021 أن نسبة المهاجرين السوريين المعتمدين على معونات البطالة في ألمانيا تزيد عن الثلثين، متجاوزة بكثير نسبة باقي اللاجئين من دول أخرى. انخفضت نسبة المستفيدين من الدعم الحكومي بين السوريين في سن العمل مقارنة بنفس في عام 2020، حيث كانت تبلغ نسبتهم في ذلك الحين نحو (70%). يقول “أشار بوتفارا” عضو المجلس الاستشاري للاندماج والهجرة إلى أنه “يمكن القول بوجه عام إن معدل البطالة بين اللاجئين مرتفع للغاية دائماً في السنوات الأولى من الإقامة”. وذكر “بوتفار” أن ضآلة نسبة العاملين بين اللاجئين السوريين مقارنة بجنسيات أخرى قد يكون لها علاقة بهذا، وكذلك بنسبة النساء المرتفعة في هذه المجموعة، مشيراً إلى أن العديد من النساء السوريات لحقن بعائلاتهن في إطار لمّ الشمل، وبالتالي لم يمضين فترة طويلة في ألمانيا بعد، مضيفا أنهن كثيرا ما يكن غير متاحات لسوق العمل بسبب رعايتهن لأطفال صغار، وكذلك لأسباب ثقافية.

التقييم

أثرت الأزمات الاقتصادية بشكل كبير على التطورات السياسية في أوروبا. وأثبتت أنها مفيدة للجماعات المتطرفة  التي شهدت عمومًا زيادة نفوذها في عملية استقطاب وتجنيد الشباب واللاجئين في أوروبا. لكن الأزمة الاقتصادية ليست العامل الوحيد الذي يجب أخذه في الاعتبار عند تحليل ظاهرة التطرف، مثل العوامل الأخرى كالتهميش والعنصرية والفقر.

تستغل التنظيمات المتطرف “أزمة الهوية” بالتحريض على الكراهية والنزوح نحو التطرف داخل أوروبا، ويكون الأمر أخطر، عند تنقل الشاب ما بين بلد الأم الأصلي، دول خارج التكتل الأوروبي مثل أفريقيا والشرق الأوسط ومابين البلد الأوروبي وذلك من خلال ارتباط الأفراد والمجموعات بالتنظيمات المتطرفة في بلد الأم وتكون أكثر تعقيداً عندما تكون هناك تنظيمات متطرفة ـ في البلد الأم ـ حينها يخضع الى التدريب والخبرات والنزوح نحو الإرهاب، لتنفيذ عمليت إرهابية في أوروبا. وهنا تبرز أهمية التعاون  استخبارياً ما بين البلد الأوروبي الذي يعيش به الشاب والبلد الأم، من أجل رصد ومتابعات النزوح نحو التطرف والإرهاب وهنا ايضا يبرز دور الأسرة والمدرسة.

يعد التهميش والعنصرية بين الأجانب والفقر في أوروبا و تفشي البطالة بين فئات اللاجئين واعتمادهم على المعونات الاجتماعية  أحد العوامل في خلق أزمة هوية ووراء نمو التيارات المتطرفة داخل التكتل واتساع شريحة أنصارهم.

تعد سياسات بعض دول أوروبا من العوامل الرئيسية التي تخلق أزمة هوية بين الشباب  في أوروبا والتي تؤدى لاعتناق الفكر المتطرف و الانعزال داخل المجتمع،  فعلى سبيل المثال سياسات التعامل المتشددة مع المهاجرين والأجانب واعتبارهم دائماً مواطنين من الدرجة الثانية ونقص الخدمات  والبنى التحتية في بعض الأحياء الأوروبية.

لذلك ينبغي محاربة التطرف في أوروبا بكافة أشكالة ومعالجة السباب الحقيقية للتطرف، بتحسين الظروف الاقتصادية و الاجتماعية وإصلاح سياسات الهجرة واللجوء في أوروبا وتهيئة برامج اجتماعية لإدماج ومساعدة المتطرفين.

الهوامش

ما مفهوم الهوية الأوربية؟
https://bit.ly/3e1uIs5

استطلاع: 91% من الفرنسيين يؤيد طرد الأئمة المسلمين الأجانب المناهضين للجمهورية وقيمها
https://bit.ly/3QOOuFZ

Can This Brussels Neighborhood Shake Its Jihadi Reputation?
https://bit.ly/3csWU71

The EU’s work to tackle terrorism
https://bit.ly/3KoIst8

لماذا يرى اليمين المتطرف في أوروبا المسلمين سببا لمشكلات في بلاده؟
https://bbc.in/3pHsa5a

فوز أوربان في الانتخابات.. استمرار سياسة الهجرة المتشددة في هنغاريا؟
https://bit.ly/3RbstRm

نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات

 

.

رابط المصدر:

https://www.europarabct.com/%d9%85%d8%ad%d8%a7%d8%b1%d8%a8%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b7%d8%b1%d9%81-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%88%d8%b1%d9%88%d8%a8%d8%a7-%d9%80-%d8%a3%d8%b2%d9%85%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%87%d9%88%d9%8a%d8%a9%d8%8c/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M