محددات السياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل منذ “2014” إثيوبيا نموذجاً

العلاقات المصرية الاثيوبية

اعداد :

  • مايسة خليل حسن – باحثة دكتوراة في العلوم السياسية
  • إشراف: أ. د  عبد العال الديربي – وكيل كلية السياسة والاقتصاد لشئون الدراسات العليا والبحوث_ جامعة السويس.

 

المقدمة :

واجهت السياسة الخارجية المصرية العديد من التقلبات المتعاقبة في علاقاتها مع دول القارة الأفريقية, خاصة مع دول حوض النيل منذ تسعينيات القرن الماضي حتى ما قبل2014, وبالرغم من أنها وصفت بالمتذبذبة بفعل عوامل ومؤثرات داخلية وخارجية, أدت بالضرورة الى انعكاس ذلك التأرجح على التفاعلات والمصالح التي تربط مصر بدول حوض النيل.

تشهد مصر تطورا وصف بالإيجابي نحو تدعيم الشراكات والعلاقات مع دول حوض النيل منذ 2014 بصورة لافتة, حيث كثفت مصر من جهودها لتعزيز تواجدها الإفريقي عموما, وفي دول حوض النيل بصفة خاصة, وذلك بهدف استعادة بعضا من النفوذ والقيادة التي تمتعت بها في فترة الستينيات إبان فترة حكم الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر, وتزامنت تلك الصحوة في توجهات السياسة الخارجية المصرية نحو دول حوض النيل منذ 2015 مع التطورات المستمرة في قضية مياه النيل, ونهج الدولة الإثيوبية في استكمال بناء السد دون التوصل لاتفاق قانوني يلزم جميع الأطراف بما يحقق مصالحهم دون الإضرار بحصصهم المائية, وهو ما شكل تهديدا مباشرا لمصالح مصر الحيوية في إفريقيا.

رسخ الدستور المصري لعام 2014 أسساً قانونية تؤكد البعد الإفريقي للهوية المصرية مما شكل دعما قانونياً لتوجهات السياسة الخارجية المصرية تجاه أفريقيا عموما ودول حوض النيل خاصة بعد2014, واستخدمت الدولة المصرية العديد من الآليات التنفيذية ضمن رؤية طويلة المدى لتحسين نمط واتجاهات العلاقات المصرية الإفريقية, مدعومة بتوجه رئاسي خاص تم التعبير عنها منذ الفترة الأولى لتوليه الحكم بزيارات مكثفة لإفريقيا بلغت 30% من الزيارات الخارجية للرئيس المصري منذ 2014, وعقد 112 لقاء مع قادة أفارقة بمصر, بالإضافة إلى توجه الخطاب الرئاسي داخليا وخارجيا نحو التأكيد المستمر على الأهمية التاريخية والاستراتيجية لعلاقات مصر الإفريقية, واعتزازها بالانتماء الإفريقي.

بالرغم من اتباع مصر مباديء التعاون الإقليمي  وتبني دوراً فعالاً في مجالات التنمية مع دول حوض النيل بصفة خاصة والقارة الإفريقية بصفة عامة, إلا ان تعدد وتنوع التحديات التي تواجه انسيابية العلاقات المصرية مع دول حوض النيل تشكل عائقا وتحديا كبيرا نحو تحقيق أهداف السياسة الخارجية المصرية الجديدة, وسط اضطرابات إقليمية ودولية هائلة تتطلب معالجات دؤوبة للحفاظ على استمرار توجهات السياسة الخارجية المصرية نحو إفريقيا عموما ودول حوض النيل خاصة  نحو الدولة الإثيوبية بالصورة التي تعزز النتائج المرجوة.

الإشكالية البحثية:

تتجه السياسة الخارجية المصرية نحو دول حوض النيل منذ 2014 نحو تدعيم وتعزيز التواجد المصري, انطلاقا من محورية قضية مياه النيل التي تشكل أحد أهم الأبعاد الرئيسية للتقارب المصري مع دول حوض النيل, حيث تعتمد مصر على مياه النيل في توفير ما يقارب 97% من احتياجاتها المائية, ومع الزيادة المتنامية لعدد السكان في مصر والتوسع الهائل في خطط التنمية, تستمر الدولة الإثيوبية في نهج حجز مياه النيل الذي قد يصل إلى 18,5 مليار متر مكعب لتحقيق الملء الثالث بحسب تصريحات الدولة الإثيوبية, مما سيؤدي حتما بانعكاسات سلبية على دولتي المصب ( مصر, السودان), حيث يتوقع أن تخسر مصر نحو 2 مليون فدان من الأراضي المزروعة, كما ستنخفض القدرة التوليدية لانتاج الطاقة الكهربائية من السد العالي وخزان أسوان بنسبة تتراوح من 20% إلى 40%, مما يشكل خطورة بالغة على الأمن القومي المائي المصري, مما استدعى بالضرورة أن تتبنى مصر منهجا للسياسة الخارجية نحو دول حوض النيل تضمن الحفاظ على مواردها المائية أمام تحديات التوغل الإسرائيلي بالقارة الأفريقية, التي تعتبر من أولويات الحركة الصهيونية; للتأثير على الأمن المائي العربي، حيث نهر النيل وأهميته الاستراتيجية لمصر والسودان ودول أخرى, بالإضافة إلى تهديد الملاحة العربية في البحر الأحمر، ومنع تحويله إلى بحيرة عربية، وإضعاف التأييد الأفريقي للقضايا العربية.

يدور التساؤل الرئيسي للدراسة حول الآتي:

  • ما هي توجهات السياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل منذ 2014؟
  • كيف انعكست تلك التوجهات على العلاقات المصرية الإثيوبية؟

يمكن الإجابة على التساؤل الرئيس للدراسة من خلال التساؤلات الفرعية التالية:

  1. ما هي المحاور التي تنطلق منها محددات السياسة الخارجية المصرية نحو دول حوض النيل منذ 2014؟
  2. ما هي الآليات التنفيذية لتوجهات السياسة الخارجية المصرية نحو دول حوض النيل منذ 2014؟
  3. ما هي أبرز التحديات المقابلة لتوجهات السياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل منذ 2014؟
  4. ما هي محددات ومرتكزات السياسة الخارجية المصرية تجاه إثيوبيا منذ 2014؟

أهمية الدراسة:

لا تنبع أهمية الدراسة فقط نحو الاهتمام العلمي والأكاديمي اللازم لتحليل أبعاد السلوك المصري نحو دول حوض النيل المتمثل في توجهات السياسة الخارجية التي تتبناها الدولة المصرية منذ 2014, بل في أهمية تتبع أثر التحديات التي تعرقل تنفيذ تلك التوجهات من الناحية العملية, خاصة قضية التعامل مع الدولة الإثيوبية التي تتقابل مع قضية الأمن القومي المائي المصري, بالإضافة إلى الأمن الإقليمي, وهو ما يستدعي ان تركز عليه الدراسات العلمية للحيلولة دون وقوع ضرر إنساني.

أهداف الدراسة.

  1. تهدف الدراسة إلى التركيز على منطلقات المحددات الرئيسية في السياسة الخارجية المصرية نحو دول حوض النيل منذ 2014.
  2. الوقوف على الآليات التنفيذية لتوجهات السياسة الخارجية المصرية نحو دول حوض النيل منذ 2014.
  3. عرض أبرز التحديات التي تواجه تعزيز نمط التوجهات الجديدة للسياسة الخارجية المصرية نحو دول حوض النيل.
  4. دراسة محددات التوجه المصري ومرتكزات السياسة الخارجية المصرية نحو الدولة الإثيوبية منذ 2014, وانعكاسات تلك التوجهات على قضية الأمن المائي المصرى.

المدى الزماني والمكاني:

تركز الدراسة على بحث السياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل , بعد تولي الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الحكم في ظل دستور 2014.

بالإضافة إلى التركيز على دراسة توجهات السياسة الخارجية للدولة المصرية نحو دولة إثيوبيا منذ 2014.

منهج الدراسة.

  • يعد المنهج الواقعي من أبرز المدارس الفكرية التي يتلائم معها تحقيق أهداف الدراسة وذلك مم خلال العناصر التالية:
  • الدولة كفاعل أساسي وعقلاني: فالدولة في السياسة الدولية هي الفاعل الأساسي بسبب امتلاكها وسائل العنف المنظم, خاصة وان الدول تتجه إلى فهم بيئتها الدولية وليس الداخلية بحسب H Kissinger حينما قال:” تبدأ السياسة الخارجية حينما تنتهي الساسة الداخلية.([1])
  • الأمن: حيث يعد الأمن الإقليمي والمائي هو الهدف والغاية الأساسية التي تصبو إليها مصر عبر توجهات السياسة الخارجية نحودول حوض النيل, وهو ما حددته الواقعية الجديدة عبر تنظيرها للعلاقات الدولية بعيدا عن الكلاسيكيين الذين يسعون نحو القوة ولا شيء غير القوة_ حيث يعتبر البعد الأمني ضمن الاتجاه الأخلاقي ضمن الاتجاه الواقعي للعلاقات الدولية.([2])
  • المصلحة القومية: وهي الهدف الرئيس والنهائي المستمر لسياسة الدولة الخارجية, ومن ثم السياسة القومية هي محور الارتكاز أو القوة الرئيسية المحركة للسياسة الخارجية لأي دولة.([3])

اقتراب دراسة الحالة

  • يهدف اقتراب دراسة الحالة بالنسبة لدولة إثيوبيا إلى تناول الموقف الكلي، مع الاهتمام والتركيز على الجزئيات ومعالجتها، وتناول العلاقات التي تجمعها مع مصر، وتجمعها بالموقف الكلي الذي تشكل جزءًا منه؛ بالنظر في المعلومات التاريخية، ذلك من أجل تحديد عوامل الخطر التي ربما تكون قد ساهمت في ظهور الظاهرة محل الدراسة, ويتم ذلك من خلال الرسائل العلمية والمقالات الصحفية والسجلات الإدارية وما إلى ذلك.([4])

تقسيم الدراسة.

تنقسم الدراسة إلى ثلاثة محاور:

  • أولا: محددات السياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل منذ 2014.
  • ثانيا: آليات تنفيذ توجهات السياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل منذ 2014.
  • ثالثا: التحديات التي تعرقل تعزيز السياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل.
  • رابعاً: السياسة الخارجية المصرية تجاه الدولة الإثيوبية منذ 2014, وانعكاساتها على الأمن المائي المصري.

أولا: محددات السياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل منذ 2014.

تتحدد الأهداف القومية المصرية تجاه تعزيز علاقاتها مع دول حوض النيل باعتبارها مصدر الاستراتيجية القومية الشاملة, وهو ما استدعى ضرورة تدعيم الرؤية المصرية منذ 2014; للعمل على تأمين المصادر المائية لنهر النيل وضمان استمرار تدفقه والحصول على نصيبها العادل من مياه النيل ، حيث ظلت مصر وإثيوبيا والسودان تتفاوض للوصول إلى اتفاق بشأن سد النهضة على مدار 10 سنوات,  وهو السد الأكبر في إفريقيا، الذي سيولد 6.45 جيجاوات من الكهرباء عند اكتمال أعمال تنفيذه التي ستساعد إثيوبيا على تعزيز تنميتها الاقتصادية, غير أن دولتي المصب( مصر والسودان)، قلقتان من أن عدم وجود اتفاقية ملزمة قانونًا بشأن سد النهضة من شأنه أن يغير وضع النيل كممر مائي دولي، بالإضافة إلى المخاوف من حدوث جفاف يعود بالضرر العام على الحياة لشعوب البلدين.

اتجهت مصر إلى تحسين أداء وفعالية المسار الدبلوماسي لدعم تنفيذ توجهات السياسة الخارجية المصرية نحو دول حوض النيل من خلال إعطاءها الأولوية المتقدمة في أهداف الدولة المصرية, حيث اهتمت مصر بتطوير استراتيجية خاصة بالنيل تنطلق من خلال التوافق الكامل مع السودان, بالإضافة إلى تطوير شبكة من التحالفات الاقتصادية والعسكرية في وسط وشرق إفريقيا والقرن الإفريقي وحوض النيل, مما يعظم من قدرة وفعالية مصر على امتلاك أدوات الضغط الجيوسياسي , وإظهار القوة والنفوذ في منطقة حوض النيل بالتوازي مع سعي مصر المستمر عبر المسار الدبلوماسي للتوصل إلى اتفاق ملزم مع إثيوبيا بشأن سد النهضة, وعند دراسة المحددات التي تنطلق منها السياسة الخارجية لأي دولة, يبرز ثلاثة محددات رئيسية ثؤثر على شكل ونهج السياسة الخارجية على المستوى الدولي, المستوى الوطني, المستوى المؤسسي.

  • مستوى النظام الدولي: يأتي هذا المستوى ليتحدث عن ترتيب مواقع الفواعل أو الدول في النظام الدولي وكيفية توزيع القوة داخل النظام الدولي.
  • المستوى الوطني: وهو أكثر مستويات التحليل أهمية في السياسة الخارجية; وذلك لأن الدولة هي الوحدة الرئيسية في تحليل النظام الدولي.
  • المستوى المؤسسي: حيث تندمج الدول وتنخرط على المستوى الدولي من خلال المؤسسات الدولية, التي تستخدم فيها الدول كل ما تملكه من قوى للتأثير على السياسة الخارجية للدول عن طريق تلك المؤسسات.([5])

ويمكن فهم المحددات الرئيسية للسياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل من خلال المحورين التاليين.

  1. أزمة سد النهضة والأمن المائي المصري.

سعت مصر تاريخياً إلى تنظيم علاقتها بدول حوض النيل والاتصال الدائم بها بالاتفاق على الأسلوب الأمثل لاستغلال مياه نهر النيل بما يعود بالنفع على كل دول الحوض مع الحفاظ على حق مصر التاريخي فى مياه نهر النيل، وبالفعل نجحت مصر فى ذلك من خلال عقد العديد من الاتفاقيات سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي، ويصل عددها إلى أكثر من 15 اتفاقية تم توقيع بعضها أبان فترات الاستعمار، وكان لها تأثير على العلاقات الحالية بين مصر ودول الحوض.

تتفهم الدولة المصرية منذ 2014 نهج الدولة الإثيوبية المستمر في سياسة فرض الامر الواقع في بناء سد النهضة بالمخالفة للقوانين والأعراف الدولية ذات الصلة ولاتفاق إعلان المباديء الموقع بين دولتي المصب مصر والسودان وبين إثيوبيا, بحسب تصريحات المسئولين المصريين والسودانيين على السواء.

استطاعت إثيوبيا من الحصول على الدعم  الكامل  من دول حوض النيل عند انطلاق تنفيذ مشروع سد النهضة في أبريل 2011 أثناء غياب الدولة المصرية, وذلك عقب الاتفاقية الإطارية لإعادة تقسيم مياه النيل( عنتيبي) عام 2010, بدون دولتي المصب, وحاول الجانب الأثيوبي توضيح مزايا السد الكبرى من عمليات التنمية وتوفير الطاقة الكهربائية ليس للدولة الأثيوبية وحدها بل لها ولكافة دول الجوار، إلا أن جانب كبير من الخبراء والباحثين في الموارد المائية يؤكدون أن السد سيمثل كارثة كبرى لمصر من حيث انخفاض الحصة المائية للمياه في مصر والذي بدوره سيؤدى إلى الكثير من المشاكل والعقبات من قلة المساحة المزروعة، وعدم تحقيق الأمن الغذائي ، وارتفاع معدل البطالة ، و غيرها من الأزمات والعقبات , بالإضافة إلى احتمالية غرق أجزاء كبيرة من دولتي المصب (مصر والسودان) عند انهيار السد حسب دراسات معامل الأمان، حيث أكد بعض الخبراء على عدم ملائمة الأراضي الأثيوبية إلى مشروع عملاق مثل مشروع السد النهضة من حيث الحجم والمساحة التخزينية ، وغيرها من الأمور المتعلقة بالمشروع .([6])

تبنت الدولة المصرية إدارة ونهجا جديد لملف سد النهضة منذ 2014, حيث أعلن الرئيس المصري في كلمته التي ألقاها أمام البرلمان الإثيوبي ان مصر تتجه في علاقتها مع الدولة الإثيوبية من خلال تبني حق الشعب المصري والإثيوبي في التنمية والرخاء, حيث بدأت انطلاقة آليات المفاوضات الثلاثية بين مصر والسودان وإثيوبيا حول الترتيبات الفنية لسد النهضة.([7])

خرجت وثيقة إعلان مباديء سد النهضة في مارس 2015, التي وقعتها الدول الثلاث بصيغة قائمة على عشرة مباديء لتزم بها الدول الموقعة , حيث أشارت الوثيقة على أن الغرض الرئيسي من بناء سد النهضة هو توليد الطاقة والمساهمة في التنمية الاقتصادية, إلا أن الاعلان لم يات بجديد فى اطار القواعد القانونية الدولية المتعارف عليها، فنص على التعاون بين الدول الثلاثة على اساس المساواة فى السيادة، و المنفعة المشتركة، وحسن النوايا، وتقديم كافة المعلومات والبيانات التى تحتاجها الدول الثلاثة، .([8])

وبالرغم من التحفظات الشعبية ونداءات الخبراء والفنيين من ناحية, والدولة المصرية من ناحية أخرى بضرورة مراجعة الآثار السلبية المتوقعة من استكمال بناء السد التي تعتمد سياسة الملء الذي تتبعه إثيوبيا, استمرت إثيوبيا في تشغيل سد النهضة بشكل أحادي بعد تدشين المرحلة الأولى من توليد الكهرباء من سد النهضة  في فبراير 2022 دون التوصل لاتفاق قانوني ملزم يحقق مصالح الدول الثلاث, وهو ما يعد خرقا لإعلان المباديء الموقع عام 2015, بعد مفاوضات طويلة وضعت دولتي المصب أمام مأزق خطير بشأن نهر النيل، وعلى الرغم مما يعتقده المجتمع الدولي، فإن خطر المواجهة العسكرية بين الدول الثلاث ليس مستبعدًا على الإطلاق, وهو ما سيزيد التوتر على المستوى الإقليمي.([9])

انطلاقا من تكشف التراجع للدور المصري في أفريقيا الذي برز أثناء تعامل مصر مع أزمة سد النهضة, تأكدت حتمية العودة للقارة ودول حوض النيل من أجل تأمين مصادر المياه, واتباع وسائل التفاعل الإيجابي المبنية على الثقة المتبادلة والمصالح المشتركة مع دول الحوض, وذلك من خلال استمالة مواقف دول حوض النيل وشرح المخاوف المصرية من التداعيات السلبية لاستمرار تلك الممارسات من جانب الدولة الإثيوبية التي قد تحرم مصر من تحقيق خططها التنموية مع التزايد في عدد السكان.

  1. الأهمية الجيواستراتيجية لدول حوض النيل.

ترتبط دول حوض النيل حول ثروة مشتركة لها خصوصية تتعلق بالحياة نفسها ألا وهي نهر النيل, وكفلت الاتفاقيات الدولية تنظيم العلاقات بين دول حوض النيل انطلاقا من حساسية وأهمية الاشتراك في تلك الثروة الوجودية الحتمية للبقاء, لكن مع استمرار موجات الجفاف بمناطق كثيرة لدول الحوض, أصبحت مشكلة العجز المائي وانذار بالخطر الداهم الذي يمكن أن تنشب بسببه العديد من الصراعات الثنائية أو الإقليمية, كما ترتبط عناصر الأمن القومي الاستراتيجية بالعناصر الجيوبولوتيكية التي تركز على مطالب الدول حيث المجال الحيوي لدول حوض النيل من أجل البقاء.

ومن منظور الجغرافيا السياسية لدول حوض النيل واشتراكها من خلال 11 دولة مستقلة ذات كيانات سياسية مرتبطة بالظروف المناخية الطبيعية والجغرافية تتأثر بمياه النيل  الذي يعتبر أطول أنهار العالم حيث يبلغ طوله من أقصى منابعه عند بحيرة فيكتوريا حتى مدينة رشيد على ساحل البحر المتوسط حوالى 6825 كم, ويمتد حوض النهر بين دائرتي عرض( 4ْجنوباً-32ْشمالاً), بمساحه حوالي 3.4 مليون م3, ولم يبلغ إيراد النهر السنوي ما بين(42مليار م3 -105مليار م3), وتبلغ حصة دول المصب 84مليار متر مكعب ويتم فقد 10مليار متر مكعب نتيجة التبخير وطبقاً لإتفاقية الإنتفاع الكامل لمياه نهر النيل الموقعة 8 نوفمبر1959 مع السودان وهي الإتفاقية الثنائية الوحيدة بين دولتين من دول حوض نهر النيل والتي بموجب الجزء الأول من المادة4 تنص على أنه وبعد تشغيل السد العالي يكون نصيب مصر من صافي إيراد النيل 55.5مليار متر مكعب, وإيراد السودان 18.5 مليار متر مكعب وفي حالة زيادة متوسط إيراد مياه النيل تقسم الزيادة بالمناصفة بين مصر والسودان, ويمر النهر على طول حدود إحدى عشرة دولة وهي ( مصر, السودان, جنوب السودان, إثيوبيا, أيتريا, أوغندا, كينيا, تنزانيا, جمهورية الكنغو الديمقراطية, بوروندي, رواندا), ويستمد النيل مواردة من ثلاث مصادر رئيسية, وتكمن الأهمية الجيوبولوتيكية لدول حوض النيل التي تحتل حوالي 2,9 مليون كم مربع أي بما يعادل 10% من مساحة القارة الإفريقية.([10])

يمثل حوض النيل أحد الاتجاهات الاستراتيجية لمتطلبات الأمن الإقليمي لدول الحوض كافة, وكذا الأمن القومي لكل دولة داخلة في الحوض, وتتداخل تلك الأهمية مع الاهتمامات الأمنية الأخرى التي تهم دول الحوض وتحقق حاجاتها, بالإضافة إلى تقاطع حدود مصالحها المتبادلة, ومواقفها من الصراعات والقضايا الإقليمية.([11])

ثانيا: آليات تنفيذ توجهات السياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل منذ 2015.

تبنت الدولة المصرية مفهوم المصالح المشتركة ومتطلباتها سواء على مستوى العلاقات البينية أو الخارجية تجاه دول حوض النيل منذ 2014, ويدور جوهر هذا المضمون حول العلاقات التعاونية بين مصر ودول حوض النيل, حيث اهتمت مصر بالدفع نحو تفعيل العديد من الآليات التي تحقق الضوابط والمعايير المختلفة التي تعمل على تدعيم التوجهات الاستراتيجية للسياسة الخارجية المصرية من خلال العديد من الأدوات التي تتفق مع طبيعة المرحلة التي تتداخل فيها العديد من التفاعلات, وذلك عبر المجالات التالية:

  1. مجال التنمية الاقتصادية.

ارتكزت السياسة الخارجية المصرية على محور بناء شراكات اقتصادية مع دول حوض النيل منذ 2014 كآلية للاندماج مع دول الحوض, وذلك بهدف مواجهة التحديات الاقتصادية حيث استحوذت مصر على استثمارات ضخمة بقيمة أكبر من 12 مليار دولار منذ 2014, وتم الإعلان عن انشاء صندوق للاستثمارات في البنية التحتية المعلوماتية اتطوير أفريقيا ودول حوض النيل في عام 2018, بهدف دعم التطور التكنولوجي والتحول الرقمي في دول حوض النيل من خلال شراكات في مجالات الحوكمة ومحاربة الفساد, بالإضافة إلى تبادل الخبرات والتدريب والتأهيل للأجهزة المعنية.([12])

اهتمت مصر باستضافة منتديات الاستثمار لأعوام 2016, 2017, 2018, 2019 تحت رعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي, بهدف المساهمة الفعالة لتحسين فرص الاستثمارات المتبادلة بين دول الحوض, كما يمثل مشروع” الممر الملاحي” بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط أحد أهم نماذج التعاون الإقليمي الذي يضمن تحويل نهر النيل إلى شريان تنموي حيوي يربط بين دول الحوض وباقي دول العالم, حيث يتضمن المشروع اقامة ممرا ملاحيا وطريق بري وخط للسكك الحديدية وربط كهربائي وكابل معلوماتي, مما يعد فرصة لدعم امكانيات الدول الحبيسة في منطقة الحوض من خلال توفير فرصة التصال مع الموانيء العالمية والبحار, بالإضافة إلى خلق فرص عمل ضخمة وتنشيط حركة السفر والسياحة وحركة التبادل التجاري بين دول الحوض.([13])

كما اتفقت مصر مع السودان على انشاء خط سكة حديد عابر للحدود بين البلدين بقيمة 1,19 مليار دولار, بالإضافة إلى انشاء منطقة صناعية مشتركة في الخرطوم لتعزيز التكامل الصناعي والتجاري بين البلدين, كماشاركت مصر في مؤتمر دولي لدعم السودان أثناء عملية الانتقال السلمي للسلطة, متعهدة بالمساعدة في تخفيف ديون السودان باستخدام حصة مصر في صندوق النقد الدولي للتعامل مع الديون المشكوك في تحصيلها وتلك الخطوات تعد خطوات تحفيزية تحتاج إلى جهود أكبر لمواصلة تعميق العلاقات المصرية بدول حوض النيل لحشد التأييد وإحداث التأثير النابع من نفوذ مصر الذي تطمح في العودة إليه.([14])

  1. المجال السياسي وآليات الدبلوماسية.

وضعت مصر استراتيجية متكاملة تضمن إعاد هيكلة للسياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل منذ 2014, وانطلقت الاستراتيجية بانفتاح على دول الحوض دون الارتكاز على محور ملف مياه النيل وحده, وإنما على مختلف المحاور والمجالات.

اهتمت الرئاسة المصرية بصفة خاصة منذ 2014 بحضور أغلب القمم الإفريقية الدولية والإقليمية, من أهمها: قمة الهند_ إفريقيا 2015, منتدى الصين_ أفريقيا(2015, 2018, 2019), قمة ألمانيا أفريقيا ( 2017, 2018, 2019), قمة أوروبا إفريقيا 2018, القمة اليابانية الإفريقية 2019, القمة الروسية الإفريقية 2019, كما حظيت لقاءات واجتماعات الرئيس المصري بالقادة الافارقة بأولوية في تبني البعد الإفريقي والتأصيل المستمر للهوية الإفريقية, حيث وصلت الزيارات الرسمية إلى أكثر من 150 زيارة متبادلة مع دول الحوض منذ 2015.([15])

وعلى المستوى الوزاري أجرى وزيري الخارجية والموارد المائية المصريين العديد من الجولات المكثفة إلى دول حوض النيل منذ 2015, خاصة غلى كينيا, بوروندي, رواندا, الكونغو اليموقراطية, جنوب السودان; بهدف استعادة الحضور المصري في منطقة الحوض وإعاد ضبط المفاهيم نحوالعالقات المشتركة مع دول الحوض, بالإضافة غلى خلق مساحة من التفاهم والتواصل المستمر بين مصر ودول الحوض; للتصدي للتحديات المشتركة مما يصب في مصلحة بناء نظام إقليمي فعال يضم كافة دول الحوض.([16])

  1. مجال تنمية الموارد المائية والطاقة الكهربية.

اهتمت الدولة المصرية بتوسيع مجالات التعاون الثنائي في مجال الموارد المائية مع دول الحوض من خلال التوغل داخل منطقة حوض النيل بمشاريع استراتيجية وحيوية, حيث قامت بإنشاء العديد من سدود حصاد مياه الامطار ومحطات الشرب الجوفية لتوفير مياه الشرب النقية في المناطق النائية لدول الحوض, باستخدام التكنولوجيا النظيفة, كما اقتحمت مصر مجال الانشاءات الضخمة للسدود بدولة أوغندا تصل إلى (7)سدود وحفر (180) بئر جوفي في كينيا, وما لا يقل عن (75) بئر جوفي في أوغندا, بالإضافة إلى حفر آبار في تنزانيا والسودان وجنوب السودان, فضلا عن  تنفيذ مشروع سد جوليوس نيريري التنزاني بتكلفة تبلغ حوالي 3 مليار دولار وهو بمثابة المشروع القومي الأكبر في دولة  تنزانيا تنفذه مصر بنسبة 100%.([17])

كما قدمت مصر الدعم الفني لانشاء معامل الأبحاث الهيدرولوكية بالعاصمة الإثيوبية, بالإضافة إلى تأهيل وتجديد المحطات الرئيسية, لرصد قياسات وتصريفات الأنهار بدولة جنوب السودان, التي تتيح توفير البيانات الهيدرولوجية اللازمة لمشروعات التنمية, فضلا عن انشاء مركز للتنبؤ بالفياضانات بدولة الكونغو الديمقراطية, بالإضافة إلى  استكمال تنفيذ المشروع المصري الأوغندي لمقاومة الحشائش المائية بالبحيرات العظمى, مع الاهتمام المستمر بإعداد وتنفيذ العديد من الدورات التدريبية تبعا لرغبات واحتياجات كل دولة في مجالات الإدارة المتكاملة للموارد المائية ونظم المعلومات الجغرافية واعداد التقارير الفنية وغيرها.([18])

كما أقامت الدولة المصرية العديد من المشاريع في مجال الطاقة الكهربية والربط الكهربي مع السودان الذي سيصبح نواة وممر لنقل الكهرباء من إفريقيا إلى أوروبا, فضلا عن تنفيذ مشاريع الربط الكهربي مع الكونغو اليموقراطية( إنجا_ أسوان), كما قدم قطاع الكهرباء العديد من الدورات التدريبية لمتدربين من دول حوض النيل في إطار المنحة المقدمة من خلال مشروع” التعاون مع الدول الإفريقية) لعام 2019 وتلك المشاريع لها من الثقل في إحداث التأثير والنفوذ المصري نحو قضاياها المشركة مع كافة دول حوض النيل.([19])

  1. في مجال التعاون العسكري والاستخباراتي.

تحرص مصر منذ 2014 على أن يكون هناك تعاونا عسكريا فعالا مع دول حوض النيل لاستمرار ضمان تدعيم الدور المصري بالإقليم بصورة أكثر فعالية, في خطوة تهدف بالأساس إلى حماية الأمن القومي والمائي المصري, في ظل بيئة أمنية مركبة, فحرصت مصر على المشاركة في تدريبات عسكرية مشتركة مع السودانتحت اسم” نسور النيل”, بمشاركة القوات البرية والبحرية والجوية لكلا البلدين, من أجل تعزيز التعاون وتبادل الخبرات العسكرية وتوحيد أساليب العمل للتصدي للتهديدات المتوقعة للبلدين, كما شاركت مصر في مناورات عسكرية مع السودان تحت اسم” نسور النيل 1,2″ بمشاركة القوات الجوية والصاعقة المصرية والسودانية.([20])

شهد التعاون الأمني لمصر نشاطا مكثفا تجلى في الجولات الإفريقية لرئيس أركان الجيش المصري ورئيس جهاز المخابرات العامة المصرية; بهدف تعزيز أوجه التعون الأمني والعسكري في مجالات التدريب والتأهيل ونقل الخبرات, بالإضافة إلى التنسيق حول الملفات الأمنية المخابراتية, الذي تعزز بتوقيع مصر عدة اتفاقيات للتعاون العسكري والأمني والمخابراتي والدفاعي مع كل من بوروندي, كينيا, جنوب السودان, تنزانيا, أوغندا, السودان.([21])

ثالثا: التحديات التي تعرقل تعزيز السياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل.

تمثل التحديات المتنامية في منطقة حوض النيل عائقا شديد التعقيد أمام احراز تقدم فعال لتوجهات السياسة الخارجية المصرية تجاه دول حوض النيل, بسبب تراجع الدور المصري في التسعينيات وضعف الدولة المصرية ومؤسساتها عقب ثورة 2011, حتى تبلورت الملامح الجديدة لمفاهيم توجهات السياسة الخارجية المصرية تجاه دول الحوض منذ 2014, بالإضافة إلى عقبة الصراعات الداخلية لدول حوض النيل والسيولة السياسية المستمرة لدول الحوض, التي أدت بالضرورة إلى استغلال عمليات انتقال السلطة والانقسامات الإثنية والدينية من جانب قوى إقليمية ودولية للتأثير على شئون دول حوض النيل الداخلية, ومع تصاعد تلك التدخلات وتشابك أبعادها وتفاعلاتها, تشكلت خطورة مباشرة على المصالح الحيوية لمصر داخل منطقة حوض النيل.

تعد حيوية الموقع الجغرافي والاستراتيجي لإقليم حوض النيل من أبرز عوامل تنامي تلك التحديات, حيث تطل المنطقة على ممرات مائية هامة, بالإضافة إلى المساحات الواسعة من الأراضي عالية الخصوبة والتنوع الجغرافي الذي يرتبط بالتنوع في الثروة الحيوانية والموارد الغذائية, ويمكن تلخيص التحديات المقابلة لإحراز تقدم توجهات السياسة الخارجية المصرية نحو دول حوض النيل في العناصر التالية.

  1. تحديات سياسية وأمنية.

يعكس التواجد الأمريكي والأوروبي المكثف داخل منطقة حوض النيل تأثيرا سلبيا على عودة الدور المصري في المنطقة, بل ويمثل تحديا متناميا لدعم السياسة الخارجية المصرية في المنطقة, حيث تتبنى الولايات المتحدة استراتيجية قائمة على التوسع الخارجي عبر كافة المجالات في كل دول العالم لتحقيق مفهوم الامن القومي الأمريكي بأبعاده واستراتيجياته.

تشكل منطقة حوض النيل هدفا استراتيجيا في توجهات الولايات المتحدة الأمريكية; نظرا لامتلاك القارة الإفريقية بصفة عامة احتياطيات نفطية ضخمة تصل إلى 8%, مما دعا الولايات المتحدة إلى تعزيز تواجدها العسكري والأمني والمخابراتي والاقتصادي المتعدد الأوجه في القارة الإفريقية بصفة عامة ومنطقة حوض النيل بصفة خاصة; لاستقطاب دول الحوض ثقافيا واقتصاديا وسياسيا والعمل على إحداث تغييرات سياسية واقتصادية تخدم تنفيذ الاستراتيجية والمشروع الأمريكي.

حذت دول الاتحاد الأوروبي حذو الولايات المتحدة بالتدخل العسكري والسياسي والأمني والدفاعي, بالرغم من عدم وجود سياسة أوروبية موحدة تجاه دول الحوض إلا أن التوغل الأوروبي يشكل ضغطا آخر لايقل عن حجم التوغل الأمريكي بالمنطقة.([22])

يؤثر الحضور الخليجي في منطقة دول حوض النيل من خلال ضخ استثمارات تمويلية ضخمة لمشلريع زراعية وتجارية واقتصادية على الأزمة بين دولتي المصبى( مصر والسودان) ودول حوض النيل, مما ينعكس على نمط التفاعلات في المنطقة بوجهيها التعاوني أوالصراعي في إحراز تقدم فعال لتوجهات السياسة الخارجية المصرية نحو دول حوض النيل.([23])

تسعى اسرائيل إلى التوغل داخل القارة الإفريقية عموما ومنطقة دول حوض النيل بصفة خاصة, عبر استراتيجية شاملة مستغلة تراجع الدور المصري داخل القارة  ومنطقة دول حوض النيل بصفة خاصة,مما شكل ضغطا هائلا على التحركات المصرية وتوجهات السياسة الخارجية نحو دول الحوض, فقامت بتقديم مساعدات عسكرية واقتصادية هائلة إلى دول الحوض  وأقامت علاقات قوية معها دعما لأمن اسرائيل القومي.([24])

كما عقدت اسرائيل تحالفات قوية مع السودان ورواندا وبوروندي واريتريا وإثيوبيا, وتشكل إثيوبيا أهمية استثنائية لدى اسرائيل من الناحية الجيواستراتيجية, فعززت اسرائيل تواجدها وتكثيف تحالفها مع إثيوبيا للسيطرة على المنابع الإثيوبية, من خلال تقديم الدعم الفني والمادي للمشروعات المائية الإثيوبية, كما تلعب اسرائيل دورا تحريضيا ضد مصر والسودان بزعم استهلاكهما كميات كبيرة من المياه فاستطاعت الشركات الاسرائيلية السيطرة على معظم المشاريع الإثيوبية, وتولت الابحاث العلمية الخاصة بموارد المياه, فأنشأت (3) سدود مائية كجزء من برنامج طويل المدى يهدف إلى انشاء (26) سد على النيل الأزرق, فضلا عن تقديم الدعم العسكري والتعاون الأمني والمخابراتي القائم على ارتباط استراتيجي متعدد الأوجه.([25])

شكلت اتفاقية التطبيع بين اسرائيل والسودان  عام 2021 منحى له تأثيرا سلبيا على التواجد المصري في منطقة حوض النيل, فقد تفتح تلك الاتفاقية المجال لعلاقات عسكرية واستخباراتية متبادلة بين البلدين في ضوء الاستراتيجية الأمنية لاسرائيل عبر تطويق مصر وتهديد حدودها وعمقها الاستراتيجي, مما دعا مصر إلى إعادة استمالة الموقف السوداني وتعزيز التقارب بين البلدين انطلاقا من مبدأ المصير المشترك, إلا أن الخطر لا يزال قائما مع السيولة السياسية التي يمر بها السودان منذ الإطاحة بالبشير في 2019.([26])

لا يمكن إغفال التواجد الآسيوي بصفة عامة في منطقة حوض النيل والحضور الصيني القوي بصفة خاصة,  بالإضافة إلى تنامي الدور الإيراني في منطقة الحوض وانشاء علاقات ممتدة في المجالات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية والدينية, لكن لم تحقق دولة آسيوية مثلما حققت الصين في منطقة حوض النيل    , إذ تسعى الصين إلى التركيز على تحقيق التنمية السلمية لقوتها، ومن ثم فإن الجهود التي تبذلها في القارة الأفريقية تعزز من مصداقية هذا التوجه العام، فضلاً عن حصولها على مزايا دبلوماسية من خلال الدعم الأفريقي لها, فاستطاعت تحقيق أهدافها بنجاح محققة عوائد ضخمة, مع وجود استرتيجية معلنة من جانب الصين قائمة على مبدأ عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول وقد اكتسب هذا المبدأ موضع تقدير من جانب الحكومات الأفريقية  ودول حوض النيل الذي تبادلته  هي الأخرى مع الصين أيضاً.(([27]

  1. تحديات بيئية وديموغرافية.

من المتوقع أن يتضاعف عدد سكان دول حوض النيل في العقدين القادمين, وستشهد تلك المنطقة استنزافاً حاداً للموارد المائية العذبة, التي هي بالأساس موارد شحيحة, بالإضافة إلى التحديات البيئية السلبية الناجمة عن مشاكل التصحر والجفاف والانبعاثات الضارة والتقلبات المناخية الغير مسبوقة, بالإضافة إلى مشاكل التلوث الناتج عن الصرف في مياه الأنهار, مما يشكل تهديدا مستمرا على الأمن المائي في المنطقة.([28])

دعت مصر إلى تبني قضية تغير المناخ باعتبارها أولوية استراتيجة للمرحلة المقبلة, حيث تستعد مصر لاستضافة قمة المناخ( كوب 27), كما انشأت مصر” المجلس الوطني للتغيرات المناخية”, والتحرك ضمن خمسة مسارات رئيسية حددتها الاستراتيجية الوطنية للتغييرات المناخية 2050 التي من الممكن أن تصبح إحدى أدوات التأثير في منطقة حوض النيل نظرا للتداعيات السلبية المتسارعة والمستمرة جراء التقلبات المناخية في العقد الأخير.([29])

رابعاًالسياسة الخارجية المصرية تجاه إثيوبيا منذ 2014, وانعكاساتها على الأمن المائي المصري.

وجدت مصر نفسها بعد 2014 أمام تراجع كبير للنفوذ والهيمنة في دول حوض النيل, في مقابل نجاح إثيوبيا افى سد النهضة واتفاقية عنتيبى(2010)  اللذين كانا بمثابة كسر للإرادة السياسية المصرية التى ظلت لفترة طويلة تتعامل مع اثيوبيا بنظرة فوقية دون اهتمام منذ تسعينيات من القرن الماضي، وأصبح  مشروع سد النهضة هو الملهم والأمل للإثيوبيين الذى لا يمكن التراجع عنه حسبما تروج له الحكومة الفيدرالية الإثيوبية، بالرغم من  الدعم القانوني والسياسي والأخلاقي الذي كفلته الاتفاقيات الدولية والقواعد والأعراف الدولية لصالح مصر في حماية مصدر المياه الرئيسي لشعب قوامه أكثر من 110 مليون نسمة يعتمد عل مياه النيل للحصول على 90% من المياه العذبة، والتى لا يمكن انكارها باى طريقة او وسيلة، وعليه تتحرك مصر وفق خطتها الاستراتيجية الشاملة لإداة ملف مياه النيل ضمن الأطر التعاونية مع دول حوض النيل بصف عامة, وإثيوبيا بصفة خاصة حسب محددات حاكمة تنطلق منها لحماية أمنها القومي في بيئة إقليمية متشابكة المصالح ومتناقضة الأهداف ومتصارعة في نفس الوقت, وكل تلك التحركات ترتكز على مسارين للسياسة الخارجية المصرية للتعامل في قضية مياه النيل مع إثيوبيا.

  • المحددات الحاكمة للعلاقات المصرية الإثيوبية، والتحديات التي تواجهها.
  • مرتكزات تحركات السياسة الخارجية المصرية.

أ‌-المحددات الحاكمة للعلاقات المصرية الإثيوبية، والتحديات التي تواجهها.

المحدد المائي.

يعد نهر النيل بالنسبة لمصر شريان الحياة وهو أصل وجودها وقامت على ضفافه الحضارات المختلفة، ومن الطبيعي أن تسعى مصر بشتى الطرق والوسائل إلى الحفاظ على مياهه وتأمين وصولها من منابعها حتى المصب عندها فبدون ذلك المجرى لن يكون هناك حياة على أرض مصر، وقد اتسمت رؤيتها على مر العصور بمدى أهمية النيل وضرورة الحفاظ على منابعه باعتبارها قضية أمن قومي بالنسبة لها، وقد اتضح ذلك من خلال رؤيتها للصراع في النيل لأنها أكثر الدول تأثرًا بالتوتر الذي يحدث بين دول الحوض لاعتمادها الأساسي على مياه النيل، ولذلك فقد اتجهت إلى اتباع سياسة التنسيق مع الدول الأخرى منذ بداية الثمانينات, خاصة بعد فترة الخلاف الشديد بينها وبين إثيوبيا عقب التهديد الذي أطلقه الرئيس الراحل أنور السادات بشن حرب على إثيوبيا في حالة قيامها بأعمال من شأنها تقليل المياه أو التأثير على حصة مصر من مياه النيل, وقد وضع هذا التنسيق من خلال المشروعات المشتركة بينها وبين باقي الدول لكن تواترت العلاقات معها ماب ين التعاون والصراع، ويمكن ملاحظة الرؤية المصرية من خلال موقفها من الاتفاقيات السابقة وذلك من خلال ما استندت إليه من مبادئ القانون الدولي.([30])

تعد الحقوق التاريخية المكتسبة لمصر فى نهر النيل التي رسختها اتفاقية أديس أبابا الموقعة فى 1902، بين بريطانيا ممثلة لمصر وأثيوبيا حيث تعهد فيها الامبراطور منيليك الثاني، ملك أثيوبيا بعدم إقامة أو السماح بإقامة أى منشآت على النيل الأزرق أو بحيرة تانا أو نهر السوباط من شأنها أن تعترض سريان مياه النيل, وإتفاق لندن – 1906 الذى تضمن تأكيدا على مبدأ عدم نقصان المياه الواردة لمصر من هضبة الحبشة ؛ بل أن أثيوبيا – وهذه سياستها الثابتة – لم تحترم الإتفاق الإطارى الذى وقعته مع مصر فى الأول من يوليو 1993، حيث تعهدتا رسميا بتوقيع “مبارك وزيناوي” ، بعدم المساس بمصالح كل منهما فيما يتعلق بمياه نهر النيل، كما تضمن تأكيد كل منهما على إلتزامهما بمواثيق الأمم المتحدة ومنظمة الإتحاد الإفريقى ومباديء القانون الدولى وخطة لاجوس، وتأكيد الإستخدام المنصف والعادل لمياه النيل وإقرارهما بعدم إحداث ضرر لأى طرف .([31])

وتجدر الإشارة إلى أهمية المادة 11 من إتفاقية فيينا 1978 الخاصة بالتوارث الدولى للمعاهدات والإتفاقيات التى أكدت الحقوق التاريخية المكتسبة لمصر فى نهر النيل الذى يحظر المساس بحصتها فيه، فهذه الإتفاقيات تأخذ حكم معاهدات الحدود بالنسبة لإلتزام الخلف بما إرتبط به السلف، ولا يجوز الدفع بالنسبة لها بأنها إتفاقيات إستعمارية ، وقد أخذت بذلك محكمة العدل الدولية عام 1997، فى نزاع بين المجر وسلوفاكيا, وقد طبقت هيئات التحكيم قاعدة إحترام الحقوق المكتسبة فى كثير من المنازعات التى عرضت أمام هذه الهيئات، ومن بينها هيئة التحكيم المشكلة سنة 1941 للفصل فى النزاع بين ولايتى السند والبنجاب, وهو ما تستند إليه مصر لتعزيز موقفها القانوني إذا ما احتكمت إلى أحدى الوسائل القانونية للفصل في النزاع حول تهديد حصتها من مياه النيل.([32])

تعد الهضبة الإثيوبية أحد أهم منابع النيل الذي يمده بحوالى 71 مليار م3 أي 85% من متوسط الوارد المائي السنوي, وتتدفق المياه إلى مجرى الرئيسي عبر ثلاث روافد تنبع من منطفة طفوح بركانية, وهي النيل الأزرق الذي يبلغ متوسط تصريفه السنوي 50 مليار م3 أو ما يشكل 60% من إيراد النهر, نهر السوباط بمتوسط تصريف سنوي 13.5 مليار م3, ونهر عطبرة بمتوسط تصريف سنوي 10.5 مليار م3.

كما تبدأ منابع حوض بحر الغزال من جنوب السودان عند الحدود مع جمهورية الكونغو الديمقراطية وجمهورية إفريقيا الوسطى من المرتفعات المجاورة, إذ تنبع مجموعة من الأنهار الصغيرة التي تبلغ متوسط إيرادها السنوى حوالى 15 مليار م3, إلا أنها تغذي نهر النيل الأزرق بحوالي 500مليون م3 حيث تفقد الجزء الأعظم من مياهها في منطقة مستنقعات.

تلتقي أنهار بحر الغزال, وبحر الزراف, وبحر العرب, وبحر الجبل, ونهر السوباط بنهر النيل الأبيض في جنوب مدينة ملكال جنوب السودان مكونة المجرى الرئيسي للنهر, كما يلتقي النيل الأزرق والنيل الأبيض عند مدينة الخرطوم إلى الشمال من العاصمة السودانية مروراً بالأراضي المصرية وحتي فرعي دمياط ورشيد.([33])

تتعامل مصر بشكل تعاوني جدي منذ توقيع اتفاق المباديء 2015  مع إثيوبيا الذي أكد التعاون على أساس التفاهم المشترك، والمنفعة المشتركة، وحسن النوايا، والمكاسب للجميع، ومبادئ القانون الدولى، والتعاون فى تفهم الاحتياجات المائية لدول المنبع والمصب بمختلف مناحيها، مشيرة إلى أن الغرض من سد النهضة هو توليد الطاقة، المساهمة فى التنمية الاقتصادية، والترويج للتعاون عبر الحدود والتكامل الإقليمى من خلال توليد طاقة نظيفة ومستدامة يعتمد عليها، وتوفر كل من مصر وإثيوبيا والسودان البيانات والمعلومات اللازمة لإجراء الدراسات المشتركة للجنة الخبراء الوطنيين، وذلك بروح حسن النية وفى التوقيت الملائم, إلا أن إثيوبيا لم تقم خلال عشر سنوات من التفاوض إلا بالمناورة وتشغيل السد بما يتعارض مع مصالح دولتي المصب, ودخول المفاوضات إلى نفق مسدود في2021 ثم تأزمت الأمور أكثر في فبراير 2022 عند إعلان إثيوبيا تدشين المرحلة الأولى من توليد الكهرباء من السد دون التوصل لاتفاق قانوني ملزم يضمن حقوق دولتي المصب وعدم الإضرار بحتصها في مياه النيل.([34])

ترتكز إثيوبيا في علاقاتها إلى إعلان توجهات السياسة الخارجية الإثيوبية الصادر في عام 2002 الذي اعتبر مصر منافسا يرقى إلى درجة العدو فيما يخص قضية مياه النيل, وهو ما يعكس مردود التفاوض الذي لا يفضي إلى شيء خلال عشر سنوات, بالتزامن مع استمرار إثيوبيا تشغيل السد دون التوصل لاتفاق قانوني ملزم بشأن تشغيل السد, وترتهن آفاق العلاقة بين مصر والدولة الإثيوبية بمدى الإضرار بالأمن المائي المصري أو تهديد الأمن الإنساني المترتب على الإخلال بالأمن المائي في مصر والسودان, دون أن يضر ذلك بحق الدولة الإثيوبية في التنمية من خلال التعاون الذي يتماشى مع أجندة الاتحاد الإفريقي 2015_ 2063, للمساهمة في دعم مستوى الرفاه للشعوب الإفريقية وتقليل حجم النزاعات التي تستنزف القارة.([35])

المحدادت السياسية والتحديات المناهضة.

تشترك مصر وإثيوبيا بتاريخ طويل من العلاقات  الدبلوماسية التي تتضمن العديد من العوامل المشتركة والمتباينة ضمن العامل الجغرافي للبلدين وتطور الواقع السياسي المحلي والإقليمي، حيث تدفع هذه العوامل بحكم  توازنات معينة إلى تقارب وتباعد، هذا إلى جانب إرث التعايش إلانساني  التاريخي للحضارتين الفرعونية والحبشية, وصولا إلى إنشاء أول قنصلية مصرية في إثيوبيا عام 1923 , حتى تراجعت العلاقات المصرية الإثيوبية على المستوى السياسي منذ عهد الرئيس المصري الأسبق أنور السادات عند إهمال الكتلة الإفريقية في اتفاقية كامب ديفيد, ثم تدهورت العلاقات المصرية الإثيوبية بصورة أكبر في عهد الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك,  فاستغلت اسرائيل ذلك الوضع توغلا في إثيوبيا, لاستعادة دور بارز ومؤثر في إفريقيا على مدار عقود, مما أثر بالتحديد على طبيعة العلاقات المصرية الإثيوبية, من خلال التموضع الإسرائيلي في أزمة سد النهضة،  انطلاقا من الرغبة الإسرائيلية في الهيمنة على نسبة من مياه النيل، بالإضافة إلى توسيع نفوذها والهيمنة على مصادر الطاقة التي يعد نهر النيل أبرزها، ما سيعزز موقفها السياسي في الشرق الأوسط والقارة الأفريقية,  لكي تصبح أثيوبيا ممراً لاسرائيل باتجاه أفريقيا، ومنفذاً استراتيجياً يخول لاسرائيل فتح قنوات سياسية وأمنية وعسكرية في القرن الأفريقي, تخلق مجالا داعما  في الصراع المستمر في المنطقة, حيث خلقت اسرائيل تعاونا من نوع خاص مع  أثيوبيا وأرتيريا وجيبوتي كفل لاسرائيل موطيء قدم  ذلك في توازنات القوة داخل منطقة البحر الأحمر الذي ينعكس بصورة مباشرة على مصر وأمنها الإقليمي والمائي.([36])

وقد صرح سابقا رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أمام.”  نتنياهو، أمام البرلمان الأثيوبي في يوليو عام 2016 وذلك خلال زيارته إلى إثيوبيا “سندعم أثيوبيا تكنولوجياً لتستفيد من مواردها المائية” كلام نتنياهو بالتزامن مع افتتاح السلطات الأثيوبية المرحلة الأولى من السد على مياه النيل الأزرق في الشهر ذاته, بالإضافة إلى العديد من المعطيات التي تؤكد عمليا التدخل الاسرائيلي على خط أزمة سد النهضة حيث ارتكزت إثيوبيا إلى آلية تفاوضية مع مصر أسسها فريق تفاوضي في الخارجية الإسرائيلية ومسئولين في المخابرات الإسرائيلية , فضلا عن قيام الحكومة الإسرائيلية بافتتاح “اكتتاب شعبي”، في البنك المركزي الإسرائيلي لجمع التبرعات الموجهة إلى السندات والأذون لخدمة مشروع “سد النهضة”، وصولاً إلى قيام الحكومة الأثيوبية باستقدام العديد من الخبراء والفنيين الإسرائيلين للعمل في مراحل التجريب والتنفيذ طوال المرحلة الثانية. في وقتٍ كشف فيه وكيل وزارة الري السودانية الأسبق حيدر يوسف، عن وجود طابق كامل في وزارة المياه الأثيوبية مخصص لخبراء المياه الإسرائيليين.([37])

تعكس التدخلات الاسرائيلية في ملف مياه النيل استراتيجة مفادها إجهاد مصر من خلال الضغوط القصوى, لضمان دفع مصر سياسياً واقتصادياً نحو العودة إلى مشاريع نقل مياه النيل باتجاه المستوطنات والمدن المحتلة في فلسطين حسبما تشير إليها العديد من الدراسات التي تؤكد حاجة المستوطنات الاسرائيلية للموارد المائية, كما تسعى اسرائيل إلى الدفع باتجاه الاعتراف بها كـدولة لها تأثير ونفوذ يجب مراعاته في الشرق الأوسط، بالإضافة لكونها طرف معني بمياه نهر النيل، وبينما يوفر نهر النيل 90% من مياه الشرب والري التي تحتاج إليها مصر، يظهر بشكلٍ واضح أن الأطماع الإسرائيلية تصطدم بمصالح الأمن القومي المصري، وتؤثر على تماسك دول حوض النيل، باعتبار أن إثيوبيا هي الأخرى تقول إن الكهرباء المتوقع توليدها من سد النهضة الذي تبنيه على النيل، لها أهمية حيوية من أجل الدفع بمشاريع تنمية البلد.([38])

المحدد الديني والثقافي.

ارتبطت مصر وإثيوبيا تاريخيا باالعلاقة الدينية المشتركة بين كنيسة الإسكندرية والكنيسة الإثيوبية ، وتلك التي بين الأزهر الشريف ومسلمى إثيوبيا، حيث استمدت الكنيسة الإثيوبية عقيدتها الأرثوذكسية وثقافتها من الكنيسة القبطية المصرية, وظلت كنيسة الأسكندرية الأم لكنيسة الحبشة منذ نشأتها في بداية القرن الرابع الميلادي وإلى حين استقلالها في عام 1958م , بالإضافة إلى دور مصر الثقافي والحضاري ضمن حقب التاريخ المختلفة علي مسار الديانة الإسلامية.(([39]

استقلت الكنيسة الإثيوبية عن الكنيسة المصرية دون انقطاع للعلاقات, حيث ظلت الكنيستان و شعباهما يتعاملان باعتبارهما كنيسة واحدة رغم الإستقلال بعد انتهاء الاحتلال الإيطالي في 1941م, حين رفض “هيلاسلاسي”عودة المطران القبطي لإثيوبيا وطلب من القاهرة بأن يكون المطران الجديد من الأساقفة الإثيوبيين و إلا فسوف يقطع العلاقات تماما مع الكنيسة القبطية, ثم تم ترسيم الأنبا “باسيليوس” في 1950م ليكون أول مطران إثيوبي بناء علي اتفاقية بين الكنيستين لتصبح الكنيسة الإثيوبية مستقلة لكنها تابعة روحيا و عقائديا للكنيسة المصرية.([40])

تعمق التبادل العلمي والثقافي عندما بدأ الإمبراطور (منليك الثاني) إنشاء المدارس فى إثيوبيا على النظام الحديث، ومنها مدرسة (منليك الثاني) فى 1907 , حيث طلب مساعدة مصر بإرسال مدرسين للعمل فيها، فأرسلت إليه ستة أساتذة برئاسة الأستاذ (حنا صليب) الذى أصبح بمثابة مستشار الإمبراطور فى الشئون التعليمية، وظل التدريس فيها على أيدى المصريين إلى الاحتلال الإيطالى للبلاد فى 1936، وتخرج على أيدى المدرسين المصريين معظم رجال الدولة من وزراء سياسيين., ظلت إثيوبيا تستعين بالقدرات المصرية في مجال التعليم والبحوث حتى عقد الستينيات من القرن الماضي.([41])

تجددت العلاقات الإثيوبية المصرية منذ 2015, عند قيام الأنبا متياس الأول بطريرك إثيوبيا إلى مصر في  بالزيارة الأولى التي يقوم بها بطريرك إثيوبيا خارج بلاده، منذ جلوسه على كرسي الكنيسة في مارس 2013، حيث تعتبر هذه الزيارة أحد أهم الخطوات في تقوية العلاقات بين الكنيسة المصرية والإثيوبية.

المحدد الإقليمي.

نجح  رئيس الوزراء الأسبق زيناوي في بلورة مشروع دستوري يعترف بالتعددية للقوميات الإثيوبية ويعطيها حق تقرير المصير,  مما  ساهم في توجيه إثيوبيا لامكاناتها الخارجية وتحقيق مركزا متقدما ووزنا في التأثير والنفوذ في القارة الأفريقية بشكل عام، وفي محيطها الإقليمي ومنطقة حوض النيل بصفة خاصة, لكن مع استمرار التفاعلات السياسية في بيئة إقليم شرق إفريقيا تراوحت العلاقات الإثيوبية الإريتريىة بين العداوة والسلام, حيث يرجع تاريخ العلاقة مع إريتريا إلى عقود من التاريخ الدموي, وخاضت إثيوبيا واريتريا حروبا عديدة كان آخرها في عام 1998, التي أودت بحياة 80 ألف شخص قبل الوصول إلى طريق مسدود, على مدى 20 عاما، بقي البلدان في حالة عداوة فيما فصلت قوات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة بينهما.( ([42]

كانت التحركات المصرية تعكس اعتراف مصر بإريتريا ككيان مستقل عن اثيوبيا و كان لمصر اهتمام ملحوظ بالقضية الاريترية و تمثل ذلك في كون القاهرة مقرا لجبهة التحرير الإريترية، واستقبلت مصر الطلاب الإريتريين قبل الثورة،  كمااستقبلت بعض اللاجئين الإريترين، افتتحت إذاعة لقادة الثورة في إريتريا بالقاهرة في 1954, بالإضافة إلى تأسيس اول اتحاد طلاب إريتريا 1952م في مصر، و فى يوليو 1960م تم تأسيس مقر جبهة التحرير الإريترية في القاهرة، وفي 1964 أنشئ النادي الإريترى بالقاهرة, وساهم ذلك الدعم المصري للقضية الإريترية في تدهور العلاقات المصرية الإثيوبية حتى السبعينيات من القرن الماضي, ثم تغيرت النظرة المصرية نحو حل القضية الإريترية الإثيوبية بسبب انشغال مصر بحرب اكتوبر 1973وتركيزها على طرد اسرائيل من الأراضي المصرية المحتلة، مما جعل مصر تخفض من دعمها للثورة الإريترية، وفضلت مصر حل الصراع سلميا من خلال حصول اريتريا على نوع من الحكم الذاتي في اطار اتحاد فيدرالي مع اثيوبيا، و قد اتبعت مصر في هذه الفترة الدبلوماسية الهادئة من حيث عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول و رفض التورط العسكري في أي من دول القارة و ايضا لرغبة مصر في استراتيجيتها بالحفاظ على علاقات ودية مع اثيوبيا و دول حوض النيل، فأخذت مصر موقف متحفظ من القضية الاريترية.([43])

أقام رئيس الوزراء الإثيوبي أبيي أحمد سلاما مع نظيره الإريتري أسياس أفورقي عام 2018, ونال رئيس وزراء إثيوبيا الجديد على إثر ذلك جائزة نوبل للسلام, تغيرت معه العلاقات الإثيوبية الإريترية نحو عهد من التحالفات الجديدة التي تداخلت وتشابكت فيما بعد داخل الصراع بين الحكومة الإثيوبية وإقليم التيجراي.([44])

تصاعدت التوترات السياسية والعسكرية مع صعود آبيي أحمد إلى سدة الحكم  بين الحكومة الفدرالية من جهة، وميكيلي – عاصمة إقليم تيجراي من جهة أخرى؛ حيث عمل آبيي أحمد على تطبيق سلسلة من الإجراءات الهادفة إلى تطهير مؤسسات الدولة الفدرالية من أعضاء الائتلاف الحاكم السابق وهي الجبهة الديمقراطية الثورية التي كان يقودها ضباط ومسؤولون ينحدر أكثرهم من إقليم تيجراي, فتم اعتقال العديد من القيادات ولا سيما العسكرية والأمنية.

كشف الصراع الإثيوبي منذ اندلاعه في نوفمبر 2020 عن نية آبي أحمد في التخلص نهائياً من جبهة تحرير تيجراي بوصفها خصماً عنيداً يمكنه عرقلة طموحاته السياسية، بما في ذلك تنفيذ مشروعه السياسي الداخلي، وهو إلغاء الفيدرالية واستبدال النظام المركزي الذي يمنحه سلطات أوسع على جميع الأقاليم الإثيوبية مكانها، كما أن الجبهة تعد منافساً له في المشهد السياسي الإثيوبي, وقد استطاع آبي أحمد حشد المزيد من الحلفاء على المستوى الداخلي، على رأسهم ميليشيات قومية أمهرة، والقوات الخاصة لبعض الولايات الإقليمية التي أعلنت مشاركة القوات الحكومية في الصراع، فضلاً عن عملية الحشد والتعبئة التي أعلنتها الحكومة أكثر من مرة خلال الشهور الأخيرة بهدف تسليح المدنيين للانخراط في الصراع، كما أشارت بعض التقارير إلى استدعاء آبي أحمد عدداً من القوات الإثيوبية الموجودة في الصومال خارج نطاق بعثة الاتحاد الأفريقي (أميصوم)، بالإضافة إلى انخراط بعض القوات الصومالية في الصراع الإثيوبي إلى جانب القوات الحكومية كما زعمت بعض التقارير الصومالية.([45])

تصاعد القلق الدولي بعد اندلاع الحرب في التيجراي منذ 2020 إزاء الملامح العامة التي قد تتحدد لحرب إقليمية قادمة تتورط فيها أطراف خارجية محتملة, وقد تصل إلى بؤرة التوتر المتصاعدة على الحدود السودانية – الإثيوبية المستمرة،  وكذلك أزمة سد النهضة الإثيوبي التي قد تؤدي إلى نقطة انطلاق توتر إقليمي مخيف, مما يتطلب من مصر تقييم الديناميات والمصالح المتقلبة والتوازنات في مراكز التوتر في إقليم شرق إفريقيا وحوض النيل, تحسبا من اندلاع حرب إقليمية كنتيجة محتملة لتطور الأحدث الحالية إذا زادت حدتها ونمط تشابكاتها.)[46])

يعد التعاون التركي والاسرائيلي بشكل خاص مع إثيوبيا من أهم عوامل نمو القدرة العسكرية الإثيوبية وتمددها إقليميًا, و يتضح ذلك في مساهمة إثيوبيا بصورة كبيرة في قوة الاتحاد الأفريقي بالصومال بالرغم من المبدأ المتعارف عليه في الاتحاد بعدم استقدام قوات من دولة جارة لعملية حفظ سلام في دولة ما، لاسيما أن الصومال تعد منطقة نفوذ عسكري تركي- قطري, وعبرت تركيا رسميًا عن استعدادها لاتخاذ خطوات فعلية لتقديم دعم عسكري كبير لإثيوبيا لاسيما في مجال تطوير البحرية الإثيوبية الذي تسعى إليه لإنجازه بقوة لضمان وجودها العسكري في البحر الأحمر, ضمن عمل النظام التركي بقوة على تعزيز التعاون العسكري من أجل تحجيم دور مصر، وفرض الأجندات التركية والإثيوبية السياسية والاقتصادية عليها، فيما توازن إثيوبيا تعاونها التقليدي مع إسرائيل, للسيطرة على القرن الأفريقي بالنظر لأهميته الكبيرة لإسرائيل.( ([47]

تبحث إثيوبياعن موطئ قدم لها على البحر الأحمر  كونها دولة حبيسة تسعى إلى توسيع نفوذها الإقليمي، فقامت باستضافة والمشاركة في مفاوضات جرت بين حكومة الصومال ونظيرتها في صوماليلاند, للاتفاق على شكل العلاقة بين هذين الكيانين بعد سنوات من الاقتتال الداخلي ومعاناة السكان هناك من الأعمال الإرهابية التي تنفذها حركة الشباب، وجاءت المشاركة الإثيوبية قبل تولي آبي أحمد لسلطاته، لكنه ساهم في تكثيف دور بلاده في هذا الملف مستفيداً من صورته كراعي للسلام في المنطقة، إلا أن تعثر المفاوضات بالأخص بعد اندلاع الأزمة الخليجية عام 2017 باعتبار أن دول الخليج إلى جانب تركيا كانت تساهم في رعاية هذه المفاوضات، دفعت اثيوبيا إلى اتباع سياسة براجماتية, نتج عنها استملاك حصة في ميناء بربرة في أرض الصومال (صوماليلاند) بنسبة 19٪ مقابل 51٪ لصالح شركة موانئ دبي العالمية، و30٪ لحكومة أرض الصومال.([48])

تجدر الإشارة إلى أن الطموحات الإثيوبية للوصول إلى المنافذ المائية عبر جيبوتي أو الصومال بالشكل العسكري أو الاقتصادي، يواجهه حراك دبلوماسي نشط تقوده مصر على المستوى الدولي والأفريقي,  حيث عقدت مصر اتفاقيات عسكرية لتبادل المعلومات والتعاون الأمني مع كل من أوغندا وبوروندي، حتى أن المصالح الإثيوبية في جيبوتي من المستبعد أن تتم بالمرونة التي تتخيلها دون أن تقوم مصرة بمنح جزء من هذه المرونة، ودلالات ذلك تجلت في  زيارة الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، إلى جيبوتي في 2020 لكسب الموقف هناك حول الحقوق المصرية والسودانية في مياه النيل، وسبقت الزيارة إرسال القاهرة لكميات كبيرة من المساعدات الغذائية والطبية إليها، وتم الرد على هذه الزيارة  بزيارة رئيس هيئة الأركان الإثيوبية إلى جيبوتي للتركيز على الشراكة الاقتصادية والأمنية بين البلدين في تحد للتحركات المصرية.( ([49]

مع تصعيد الجانب الإثيوبي نحو تأزيم الموقف بينه وبين مصر في تصريح آبيي أحمد عام2021  أثناء حضوره لمراسم إطلاق المرحلة الأولى من طريق أداما- أواش السريع الذي يهدف إلى تعزيز الربط الاقتصادي مع جيبوتي, حيث أشار إلى نية بلاده بناء أكثر من 100 سد في الفترة القادمة، ليرد الجانب المصري بالاستنكار الشديد واتهام إثيوبيا بضرب قواعد القانون الدولي وهو أمر شديد الميوعة نحو ذلك التصريح المعلن.

المحدد الاقتصادي.

شهدت العلاقات الاقتصادية بين مصر وإثيوبيا تحسنًا نسبيا منذ 2014 لكنا ليس على المستوى المطلوب، وتسعى مصر لاستثمار التحسن النسبي فى تطور العلاقات الاقتصادية بينها وبين إثيوبيا, حيث يبلغ إجمالى عدد المشروعات المصرية التى حصلت على تصاريح حكومية فى إثيوبيا منذ عام 1992 حتى الآن، نحو 58 مشروعًا، باستثمارات تصل إلى نحو 35 مليار دولار، وتتمثل أبرز المشروعات المصرية فى إثيوبيا فى مشروعات لصناعة كابلات الكهرباء صناعة موتورات الرى مواسير المياه, بينما يبلغ حجم التبادل التجارى بين مصر وإثيوبيا نحو المليار دولار سنويًا فى المتوسط، كما ارتفعت الصادرات الإثيوبية لمصر، إلى نحو 400 مليون دولار، وتتمثل أبرز الصادرات الإثيوبية إلى مصر فى اللحوم الإثيوبية المبردة، إضافة إلى استيراد الأبقار الحية، لكنها جميعها ليست على المستوى المطلوب لتحقيق تأثيرا ونفوذا يدعم مصر في قضيتها الإنسانية مع إثيوبيا.([50])

ب_مرتكزات تحركات السياسة الخارجية المصرية تجاه إثيوبيا منذ. 2014

تتقاطع التحركات المصرية على المستويين الإٍقليمي والدولي  في محاولات إعادة هيكلة للسياسة الخارجية المصرية في منطقة حوض النيل، بالرغم من وجود العديد  من التحديات التي تعكس حجم ما تواجهه مصر من  مقومات جاذبة، وبين ضغوط ومحاصرة إقليمية ودولية, وترتكز السياسة الخارجية المصرية إلى مجموعة من الثوابت المهمة التي تتمثل في دعم الدولة القومية من ناحية، وعدم الانزلاق في حروب أهلية طائفية وأيديولوجية من ناحية ثانية، ورفض الأحلاف العسكرية الدولية من ناحية ثالثة، والحرص على عدم التدخل في الشئون الداخلية للدول من ناحية رابعة، وضبط النفس عند الأزمات من ناحية خامسة، فضلا عن تدعيم العلاقات التعاونية على المستويين الإٍقليمي والدول, لكن مع أهمية هذه الثوابت إلا أنه من شأنها أن تقلل هامش المناورة المصرية، لا سيما تجاه ملفات وقضايا تمس صميم الأمن القومي المصري خاصة الأمن المائي، ودورها ومسئولياتها الإقليمية, فأسهمت التحركات المصرية على مستوى القارة  الإفريقية ككل ومنطقة حوض النيل والقرن الأفريقي بشكل خاص، إلى التركيز على قضايا مكافحة الإرهاب والمحافظة على الاستقرار في الاتجاه نحو إعادة التوازن بين القوى الإقليمية الفاعلة في هذه المنطقة، خاصة تجاه إثيوبيا التي استفادت من انحسار الدور المصري خلال المرحلة الماضية).[51])

تتحفظ إثيوبيا وترفض الدور المصري في توجهاته نحو دول حوض النيل وتعمل على الضغط على هذا الدور ومحاصرته من خلال تحركات إثيوبيا في العديد من الملفات المتقاطعة والمتشابكة، مثل ملف الأمن المائي، ومحاولة تهميش دور مصر في معادلة التعاون المائي في حوض النيل، وفرض اتفاق عنتيبي واستغلال حالة عدم التوازن التي مرت بها الدولة المصرية خلال عام 2011 لفرض الأمر الواقع في بناء سد النهضة الإثيوبي، ورفض السودان الدور المصري في جنوب السودان مع ترحيبها بالدور الإثيوبي بعد أن استطاعت إثيوبيا أن تمتلك الكثير من الأوراق الضاغطة والمحفزة لشمال السودان, يضاف إلى ذلك قدرة عدد من دول شرق أفريقيا على الاستفادة وتوظيف التحركات الدولية ودور الشركات العالمية في تغيير الكثير من المعادلات القديمة المرتبطة بطبيعة التنمية والاستثمار واستغلال الموارد الطبيعية في تلك المنطقة من القارة الأفريقية، فلا يجب النظر إلى سد النهضة وسلسلة السدود التي تم الإعلان عنها، على أنها مشروعات اقتصادية تنموية فقط، بل هي في الحقيقة إعادة هندسة متكاملة للحياة وأنماطها في تلك الدولة، وتغيير لأوزان القوى الإقليمية وطبيعة العلاقات البينية, بالإضافة إلى قدرة إثيوبيا الترويج لنفسها بصورة جيدة وامتلاك مقومات الدعم الغربي خاصة الدعم الأمريكي الذي منحها الامتداد والنفوذ الإقليمي في الصومال وفي شرق أفريقيا، وامتلاك العديد من الملفات المهمة المرتبطة بالمصالح الغربية. ([52])

ومن هنا ترتكز تحركات السياسة الخارجية المصرية تجاه الدولة الإثيوبية انطلاقا من المحورين التاليين:

  • مرتكز الدبلوماسية الرئاسية.

منذ وقعت مصر وإثيوبيا والسودان في 2015 اتفاق إعلان المبادئ في الخرطوم تقديراً للاحتياج لمواردهم المائية العابرة للحدود، وإدراكًا لأهمية نهر النيل كمصدر الحياة ومصدر حيوى لتنمية شعوب مصر وإثيوبيا والسودان,  انطلقت التحركات الرئاسية  المصرية لدعم التفاعل وتنشيط التعاون وإعطاء المزيد من قوة الدفع للعلاقات بين مصر وإثيوبيا فى مختلف المجالات، وتعززت من خلال المشاركة الرئاسية المباشرة في مؤتمرات إقليمية ودولية تتخللها تحركات رئاسية  ثنائية مع الجانب الإثيوبي من أجل تعزيز التفاهم حول القضايا المشتركة خاصة قضية سد النهضة.([53])

كثفت التحركات الرئاسية المصرية من جهودها النابع من الإيمان بمبدأ التعاون والتكامل  بين مصر وإثيوبيا فى مجالات عديدة، مثل الاقتصاد والتجارة والاستثمار وفى قطاعات مثل التعدين والتنمية الزراعية والتصنيع الزراعى والطاقة وإدارة الموارد المائية والرعاية الصحية والتدريب وبناء الكوادر, بالإضافة إلى الاهتمام الرئاسي بوضع خارطة طريق لتعزيز التعاون بين البلدين في مجالات متعددة، مثل التجارة، والصناعة، والاستثمار، والصحة، والتعليم، فضلاً عن متابعة تنفيذ الاتفاقات الموقعة بين البلدين في هذه المجالات, وقد أكد  الرئيس  المصري منذ 2014 على اهتمام القطاع الخاص المصري بزيادة حجم استثماراته في إثيوبيا، والتي تبلغ في الوقت الراهن نحو 750 مليون دولار, وعزم مصر إنشاء منطقة صناعية مصرية في إثيوبيا بهدف جذب مزيد من الاستثمارات المصرية في قطاعات متعددة بالسوق الإثيوبية للمساهمة في زيادة التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين, بالإضافة لتعزيز الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب والتطرف، والتشاور إزاء أمن البحر الأحمر، فضلاً عن مواصلة التنسيق القائم بين البلدين بشأن ملفات السلم والأمن بمنطقة القرن الأفريقي.

المرتكز السياسي.

تبلورت تحركات وزيري الخارجية والموارد المائية والري منذ 2014 من خلال التركيز على مسارات مفاوضات سد النهضة, والزيارات الفنية لموقع سد النهضة، لمتابعة الأعمال الإنشائية، والتحقق من التفاصيل الفنية التي تهتم بمتابعتها في إطار أعمال اللجنة الثلاثية الفنية المعنية بمتابعة الدراسات الخاصة بتأثير السد على دولتي المصب, بالإضافة إلى الانخراط في مفاوضات برعاية أمريكية ودولية لبحث آلية التنسيق بين مصر وإثيوبيا والسودان, لمتابعة تنفيذ اتفاق ملء وتشغيل سد النهضة، ولتحديد البيانات الفنية والمعلومات التي سيتم تداولها للتحقق من تنفيذ الاتفاق، وكذلك أحكام تتعلق بأمان السد والتعامل مع حالات الطوارئ، فضلاً عن آلية ملزمة لفض أية نزاعات قد تنشأ حول تفسير أو تطبيق هذا الاتفاق, لكن  بالمقابل تعمدت إثيوبيا إعاقة المفاوضات من خلال اعتراض أثيوبيا على البنود التي تضفي الصبغة الإلزامية قانوناً على الإتفاق، أو وضع آلية قانونية لفض النزاعات التي قد تنشب بين الدول الثلاث، بالإضافة إلى رفضها التام التعاطي مع النقاط الفنية المثارة من الجانب المصري بشأن إجراءات مواجهة الجفاف والجفاف الممتد وسنوات الشح المائي, وترتب على ذلك اخفاق الاجتماعات المتتالية في تحقيق أي تقدم بسبب خلافات حول كيفية استئناف المفاوضات والجوانب الإجرائية ذات الصلة بإدارة العملية التفاوضية.([54])

الخاتمة.

لا شك ان خريطة التفاعلات والتوازنات في منطقة حوض النيل تحتاج نمطا عقلانيا من جانب الدولة المصرية كي تستطيع التحرك بانسيابية ومرونة تمنع حدوث احتكاكا  مباشرا أو الصدام مع العديد من القوى الإقليمية الفاعلة والمؤثرة من داخل منطقة حوض النيل أو خارجه, مع الإدراك التام لارتفاع تكلفة التحركات الدبلوماسية  المصرية نتيجة غياب دور مصر قبل 2014, والتعامل الجدي ضمن منظومة تعدد الأطراف والقوى الدولية والإقليمية التي تتصارع فيما بينها على منطقة حوض النيل والبحيرات العظمى التي تسعى إلى تقويض الدور المصري وإضعافه والضغط عليه لتحقيق مكاسب سياسية واقتصادية, طمعا في استغلال الموارد الطبيعية من جهة, ومن جهة أخرى تسعى إلى تحقيق التوغل العكسري والأمني في منطقة تمتاز بأهميتها الجيو استراتيجية.

كثفت مصر من تحركاتها التعاونية السلمية نحو إثيوبيا من أجل خلق توازنات وتفاهمات حول قضية مياه النيل باعتبارها قضية مصيرية وجودية بالنسبة لمصر, دون إغفال حق الإثيوبيين في التنمية, إلا أن معطيات مخرجات التحركات المصرية منذ 2014 نحو إثيوبيا وقفت أمام حائط مسدود من جانب إثيوبيا حول قضية تشغيل السد دون التوصل لاتفاق قانوني ملزم, مما يزيد الأعباء والضغوط على مسار التحركات الدبلوماسية المصرية نحو إثيوبيا نتيجة المراوغة والالتفاف وإهدار الوقت بلا فائدة, وحتى تحقق توجهات السياسة الخارجية المصرية أهدافها يتطلب حشدا مصريا فعالا وغير اعتيادي لكافة الأدوات الدبلوماسية التي تخلق توازنا للقوة المصرية على خريطة القوى الإقليمية والدولية, يسمح بالضغط على الجانب الإثيوبي, مما يرجح كفة ضبط العلاقات المصرية الإثيوبية بشكل متوازن.

([1]) احمد نوري النعيم. البنيوية العصرية في العلاقات الدولية, مجلة العلوم السياسية, العدد 46.

[2])) عبد الناصر جندلي. التنظير غي العلاقات الدولية بين الاتجاهات التفسيرية والنظريات التكوينية( الجزائر: دار الخلدونية للنشر, 2007) ص 183_ 185.

[3])) شاكري محمد. المنظور الواقعي للعلاقات الدولية, الموسوعة الجزائرية للدراسات السياسية والاستراتيجية, 17_9_2020.

متاح على:https://www.politics_dz.com

[4] 1-C.Kinloch, Graham, Sociological Theory: Its Devlopment And Major Pardigms, New York: Hill Book Company, 1972

([5]) محمد مختار قنديل. المحددات السياسية الخارجية: بالتطبيق على الولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا, الحوار المتمدن العدد 3412, 2011.

متاح على الرابط:www.ahewar.org

[6])) أماني الطويل. معامل أمان سد النهضة مجهول ويهدد الأمن الإنساني, لإثنين 28-12-2015, المصري اليوم.

https://www.almasryalyoum.com/news/details/864319

[7])) اميرة عبد الحليم. سياسة مصر الخارجية تجاه دول حوض النيل, مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية, الملف المصري, العدد 43, السنة الرابعة, 2018.

[8])) النص الكامل لاتفاقية إعالان مباديء وثيقة سد النهضة, المنظومة. http://search.mandumah.com

([9])صورة تكشف. هل تنوي إثيوبيا الملء الثالث لسد النهضة؟_ العربية.https://al-Arabiya.net>egypt

[10])) Walaa Y. El-Nashar, Ahmed H. El-Yamany, Managing risks of the Grand Ethiopian Renaissance Dam, Ain shams Engineering Journal, volume 9, Issue 4, 2018, Pages 2384.

[11])) الصراعات في دول حوض النيل والتغلغل الأجنبي وأثره على الأمن القومي المائي.

متاح على الرابطWWW.MOQATEL.COM

([12]) نهلة أحمد ابو العز. الاستثمارات المشتركة بين مصر ودول حوض النيل, مركز فاوس للاستشارات والدراسات الاستراتيجية.

متاح على الرابط: https://pharosstudies.com/?p=4791

[13])) بعد تعثر المفاوضات. مقترح مصري يخدم دول حوض النيل. العربية.

على الرابط: https://www.alarabiya.net/arab_and_ world/egypt/2021/11/25

([14]) Mohammed Soliman. Egypt Nile Strategy,MEI

On:mwi.edu/publicatins/egypts_nile_strategy .

[15])) محمد الجزار. ملامح السياسة الخارجية المصرية تجاه افريقيا منذ عام 2014, مركز دراسات الوحدة العربية.

على الرابط: https://caus.org.ib/ar

[16])) بسمة سعد. السياسة المصرية تجاه إقليم شرق إفريقيا: المحددات والآليات والتحديات.متاح على الرابط: https://trendsresearch.org/a

([17]) مصر تدعم التنمية في دول حوض النيل وافريقيا. وزارة الري والموارد المائية.

على الرابط: https://www.mwr.gov.eg

تعرف على مشروعات مصر في دول حوض النيل في 18 معلومة. اليوم السابع.

على الرابط: m.youm7.com

[18])) اسلام جاد الله. سياسات التعاون الثنائي بين مصر ودول حوض النيل: الموارد المائية نموذجا, مجلة السياسة الدولية, 28_ 9_2021.

على الرابط: https://www.siyassa.org.eg/news/18125

[19])) مصر منورة إفريقياز مشروعات ربط كهربائي واستعدادات لإنشاء محطات طاقة شمسية, أخبار اليوم

متاح على الرابط: https://m.akhbarelyom.com/news/newdetails/3546720/1

[20])) حمدي عبد الرحمن حسن. الصعود المصري وأمن القرن الظغفريقي_ آفاق استراتيجية, العدد 3, يونيو 2021.

على الرابط: https://www.idsc.gov/upload/documntlibrary

([21])Nile Strategy. Mohammed Soliman. Egypt’s

([22]) الصراعات في دول حوض النيل والتوغل الأجني, وتأثيره على الأمن القومي, موسوعة مقاتل.

متاح على: http://www.moqatel.com/openshare/Behoth/Siasia2/SraaHwdNil/sec08.doc_cvt.htm

[23])) نيما خورامي. مأزق على النيل,  Carnegie Endoment for International Peace.

https://carnegieendoment.org/sada/82404.

[24])) محمد علي عبد اله الشامخ. الاستراتيجية الاسرائيلية تجاه دول حوض النيل( مشروع سد النهضة: دراسة حالة), رسالة ماجستير, كلية الآداب والعلوم, جامعة الشرق الأوسط, كانون الثاني, 2020.

[25])) حسين خلف موسى. إثيوبيا بين التواجد المصري والحضور الاسرائيليفي حوض النيل: الرؤى والإشكاليات, المركز الديمقراطي العربي, 20 مايو, 2014.

متاح على الرابط: https://democraticac.de/?p=1310

[26])) جاد محمد البستاني, محمد السيد محمد. أثر التطبيع السوداني_ الاسرائيلي على الأمن القومي العربي, المركز الديمقراطي العربي, 25 نوفمبر, 2020.

متاح على الرابط: https://democraticac.dc/?p=70796

[27])) باسم راشد. واشنطن وتنامي النفوذ الصيني في أفريقيا, مركز المستقبل للدراسات, أغسطس 2015.

متاح على: https://futureuae.com/m/Mainpage/Item/806/%D8%AA

[28])) مصر وقضية المياه. الهيئة العامة للاستعلامات.

متاح على الرابط. https://www.sis.gov.eg

دول حوض النيل. التحديات وآفاق التعاون. https://suna_sd.net/read?id=46814

[29])) مصر تطلق استراتيجية تغير المناخ 2050. وهذه تفاصيلها. سكاي نيوز عربية.

متاح على الرابط: https://www.skynewsarabia.com/middle_east/1476117

[30])) أمل حمد العليَان، الأمن المائي العربي “مطلب اقتصادي أم سياسي”، دار العلوم للطباعة والنشر، 1996

[31])) محمد شوقي، الانتفاع المنصف بمياه الأنهار الدولية، مفاهيم: الأسس العلمية للمعرفة، المركز الدولي للدارسات المستقبلية والاستراتيجية، 2008، ص ص 1-10.

أيت جبارة محفوظ، إشكالية قاعدة الاحترام الدولي للحقوق المكتسبة في القانون الدولي العام، ماجستير، (الجزائر، جامعة الجزائر، كلية الحقوق، 2002)، ص ص 9-18

[32])) سمير عبدالملاك منصور, اتفاقيات حوض النيل في ضوء أحكام القانون الدولي, آفاق أفريقية, عدد المجلة 39, القاهرة, المجلة صادرة عن الهيئة العامة للاستعلامات, 2013

محمد شوقى عبدالعال. حقوق مصر فى مياه النيل, الأحد 30 مايو 201, الشروق. متاح على:

https://www.shorouknews.com/columns/view.aspx?cdate=30052010&

[33])) سوسن صبيح حمدان, تأثير سد النهضة الإثيوبي على مستقبل الموارد المائية في مصر, مجلة المستنصرية للدراسات العربية والدولية, العدد 51, بغداد, المجلة صادره عن الجامعة المستنصرية, 2015, ص 281.: 288.

[34])) إثيوبيا تعلن بدء توليد الكهرباء من سد النهضة رسميًا.. وأبي أحمد يوجه رسالة إلى مصر والسودان, لأحد، 20 فبراير / شباط 2022. متاح على:

https://arabic.cnn.com/middle-east/article/2022/02/20/electricity-gred-dam-abiy-ahmed-egypt-and-sudan.

سد النهضة.. ماذا تعني المادة 10 في إعلان 2015؟, 7 نوفمبر, 2019, سكاي نيوز عربية.

متاح على الرابط: https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1296147-

[35])) أماني الطويل.العلاقات المصرية الإثيوبية بين المحددات وتداعيات سد النهضة, مركز فاروس للاستشلرات والدراسات الاستراتيجية, أغسطس, 2020.

متاح على: https://pharostudies.com/?p=5253

[36])) سيد، سامي صبري عبدالقوي. العلاقات الإثيوبية – الإسرائيلية وانعكاساتها على الأمن القومي العربي 1961-1993, مجلة الاستقلال, العدد 6, يناير 2016.

[37])) خبراء: زيارة نتنياهو لـ«حوض النيل» تستهدف التأثير على مصالح مصر, المصري اليوم, يوليو 2016.

متاح على: https://www.almasryalyoum.com/news/details/974511

عباس الزين. من هرتزل إلى نتنياهو.. خلفيات الدور الإسرائيلي في “سد النهضة”, الميادين, يونيو 2020.

متاح على: https://www.almayadeen.net/news/politics/1405363

[38])) سد النهضة: هل هناك “دور” لإسرائيل في أزمة السد بين مصر وإثيوبيا؟ – صحف عربية.

متاح على: https://www.bbc.com/arabic/inthepress-57863373

مخطط «إسرائيلي – إثيوبي» لـ«تركيع مصر».. المحاولات بدأت بـ«تهجير يهود الفلاشا» في 1977.. «سد النهضة» يحقق الحلم الصهيوني لـ«تدمير السد العالي».. وتوقع, الإثنين 05/أكتوبر/2015, بوابة فيتو.

متاح على: https://www.vetogate.com/1841905

عز الدين شكري. التعاون الاسرائيلى الاثيويى والأمن القومي المصري ، مجلة السياسة الدولية , القاهرة ، العدد 101 ،يوليو 1990م .

[39])) العلاقات المصرية الإثيوبية, الهيئة العامة للاستعلامات.

متاح على: https://www.sis.gov.eg/section/141/1212?lang=ar

[40])) الكنيسة الإثيوبية الأرثوذكسية

english Ethiopian Orthodox Tewahedo Church: https://mimirbook.com/ar/2e9a8ff5242

[41])) العلاقات المصرية الإثيوبية, الهيئة العامة للاستعلامات.

متاح على: https://www.sis.gov.eg/section/141/1212?lang=ar

[42])) مصطفى دردق. مسارات التغيير, العلاقات الإثيوبية الأريترية وإنعكاسها على القرن الإفريقي, يونيو 2020

[43])) محمد عبد المؤمن عبد الغني، مصر و الصراع حول القرن الافريقي 1945م-1981م( القاهرة: دار الكتب و الوثائق القومية، 2011م) ص 9.

سحر عبد الرحيم، “نماذج من تاريخ العلاقات المصرية- الافريقية، آفاق افريقية( القاهرة: الهيئة العامة للاستعلامات، المجلد: 12، عدد 43، 2015م) ص128

[44] علاقات إثيوبيا في القرن الإفريقي.. صداقات وعداوات وانقسامات, مونت كارلو.

متاح على: https://www.mc-doualiya.com/

[45] Adem K. Abebe, A Blueprint for Peace in Ethiopia, Foreign Policy, 12 November 2021, available at: https://bit.ly/34pMi4l

. Vanda Felbab-Brown, What Ethiopia’s crisis means for Somalia?, Bloomberg, 20 November 2020, available at: https://brook.gs/3zNMmXv

([46]) Gramer, R. (2021) U.S. Africa Envoy: Ethiopia Crisis Could Make Syria Look Like ‘Child’s Play, Foreign Policy . https://foreignpolicy.com/2021/04/26/u-s-africa-envoy-ethiopia-crisis-tigray-jeffrey-feltman-biden-diplomacy-horn-of-africa/ accessed on April 29, 202

حمدي عبد الرحمن حسن. مخاطر المستقبل: اتجاهات متناقضة في القرن الأفريقي.

https://trendsresearch.org/ar/insight

([47]) https://middle-east-online.com/en/turkey-seeks-expand-its-reach-throughout-africa

Mahmoud al-Batakoushi, Erdogan and Abiy Ahmed: Turkey and Ethiopia use ‘Trident’ to fight Egypt, the Portal, March 19, 2020 http://www.theportal-center.com/2020/03/erdogan-and-abiy-ahmed-turkey-and-ethiopia-use-trident-to-fight-egypt/

[48])) تطورات عسكرية… لماذا تعيد إثيوبيا الآن بناء قواتها البحرية رغم أنها دولة حبيسة؟, سبوتنيك.

https://arabic.sputniknews.com/20210505/

([49]) بـ«قاعدة عسكرية».. إثيوبيا تطلّ على مياه البحر الأحمر من جيبوتي. عدوليس. https://adoulis.net/news/

العلاقات الجيبوتية المصرية.. سفارة جمهورية جيبوتي, القاهرة. https://djibembaseg.com/

[50])) محمد موسى. إنفوجراف| العلاقات الاقتصادية بين مصر وإثيوبيا, مبتدأ, 17 يناير 2017.

https://www.mobtada.com/egypt/689842/

[51])) أيمن السيد عبد الوهاب.السياسة الخارجية المصرية بين الثوابت والممانعات, مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية, مايو 2022.

https://acpss.ahram.org.eg/News/16265.aspx

  • أيمن السيد عبد الوهاب. مرجع سابق.

([53])  محمد عبد الهادي.توقيع «اتفاق المبادئ» حول سد النهضة, السيسى: اخترنا التعاون.. ولابد من استكمال المسار باتفاقات تفصيلية, جريدة الأهرام, مارس 2015.

https://gate.ahram.org.eg/daily/News/101490/25/373100/

([54]) المرجع السابق.

 

.

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=82198

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M