محدودية الدور.. كيف فشلت قمة السبع في كبح جماح الحرب الروسية؟

مروة عبد الحليم

 

في الوقت الذي اجتمع فيه قادة الدول الصناعية السبع في جبال الألب البافارية بألمانيا، في قمتهم السنوية الثامنة والأربعين في الفترة من 25 إلى27 يونيو، لمناقشة التحديات العالمية بداية من الحرب في أوكرانيا مرورًا بتغير المناخ وصولًا إلى أزمة الطاقة والغذاء العالمية، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين تزويد بيلاروسيا بصواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية، واستهدف العاصمة الأوكرانية كييف بسلسلة من الهجمات الصاروخية.

استهدفت الهجمات مركزًا تجاريًا وأسفرت عن مقتل 18 شخصًا، وكشفت أن أقوى قادة العالم يتأرجحون على شفا الفشل على جميع الجبهات. على الرغم من نجاح أوكرانيا في صد القوات الروسية التي سعت للاستيلاء على كييف والإطاحة بحكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي، والخطوات التي اتخذتها الدول الغربية لدعم أوكرانيا وشملت فرض عقوبات صارمة، وإمدادات كبيرة من الأسلحة، ومنح أوكرانيا وضع مرشح في الاتحاد الأوروبي، إلا أنها عجزت عن كبح جماح الحرب وردع بوتين عن الاستمرار في هجومه العسكري والسيطرة على دونباس، واستعداد منطقة خيرسون لإجراء استفتاء حول الانضمام إلى روسيا.

أظهرت قمة السبع فشلها في منع الأسعار من الخروج عن نطاق السيطرة، أو إنهاء الحصار المفروض على ملايين الأطنان من الحبوب الأوكرانية لإطعام العالم النامي. وعلى الرغم من تفاخر القادة باتفاق غير عادي وغير مسبوق على الحاجة إلى مكافحة هذه التحديات، فإن القرارات التي أقروها تبدو هزيمة ذاتية ومتناقضة. على سبيل المثال، محاولات خفض أسعار النفط والغاز مع تأكيد الرغبة في تحقيق التخلص التدريجي من الوقود الأحفوري، وإنهاء الحرب دون القتال فيها أو التدخل بشكل مباشر، وتعزيز الرأسمالية القائمة على القواعد، مع فرض ضوابط على أسعار الطاقة.

وفي الوقت الذي كررت فيه قمة مجموعة السبع التزامها بانتصار أوكرانيا، وهزيمة روسيا، فإنها لم تتطرق حتى إلى اتخاذ إجراءات قد تنهي الحرب بشكل حاسم، والتي يبدو أنها ستصبح حرب استنزاف لا نهاية لها. فلا يوجد ما يشير إلى أن القوى الغربية عازمة على فرض منطقة حظر طيران جوي على أوكرانيا. أو استخدام السفن العسكرية لفتح ممرات لشحن الحبوب الأوكرانية المحاصرة إلى جميع أنحاء العالم، أو إجراء مناقشات جادة ومباشرة مع الرئيس الروسي.

الاستراتيجية الغربية في مأزق

تواجه الاستراتيجية الغربية مأزقًا كبيرًا في أوكرانيا، بعد أن غيرت موسكو استراتيجيتها العسكرية وركزت على احتلال الشريط الواقع في شرق أوكرانيا على الحدود معها، وتتقدم القوات الروسية نحو هذا الهدف بصورة بطيئة، ولكن بخطوات ثابتة ومتواصلة، وحققت نجاحات على الأرض على الرغم من شحنات الأسلحة الضخمة التي قامت الولايات المتحدة وبريطانيا بتعبئتها إلى أوكرانيا. ومن ثم فشل العقوبات في ردع روسيا التي أضرت بأوروبا أكثر من موسكو. 

العقوبات غير المسبوقة التي فرضتها مجموعة السبع والاتحاد الأوروبي – والتي استهدفت الاقتصاد وصادرات الطاقة واحتياطيات البنوك المركزية – تسببت في تقلب الأسواق العالمية ورفعت تكاليف الطاقة. وتساءل البعض وخاصة في فرنسا وألمانيا وإيطاليا عما إذا كان من الأفضل أن تنتهي الحرب حتى لو جاءت على حساب اضطرار أوكرانيا للتخلي عن أراضٍ. وأشار استطلاع للرأي أجري عبر أوروبا إلى أن بعض الناخبين يضعون حل أزمة تكاليف المعيشة قبل معاقبة روسيا. فالظروف الصعبة والخيارات المؤلمة التي تواجه القادة تسلط الضوء على التوتر بين الأهداف الانتخابية قصيرة المدى التي يمليها الناخبون الذين نفد صبرهم والذين يطالبون باستمرار بنتائج فورية.

ارتفاع معدلات التضخم، وتباطؤ النمو، وشبح نقص الطاقة في أوروبا خلال فصل الشتاء القادم، أضعف من قدرة الغرب على فرض عقوبات إضافية صارمة على موسكو. ومنعت الخلافات بين الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان الاتفاق على حزمة جديدة من العقوبات، وتوافقوا على دراسة إمكانية فرض حد أقصى لسعر شراء الغاز الطبيعي الروسي، ووقف استيراد الذهب الروسي. ومع استنفاد معظم الخيارات المتاحة لمعاقبة روسيا، لم يتبق على الطاولة سوى بدائل أكثر تعقيدًا وأكثر إثارة للجدل.

لقد خفض الكرملين إمدادات الغاز عبر خط أنابيب نورد ستريم بنسبة 60٪ خلال الفترة الماضية، ودقت ألمانيا جرس الإنذار ولجأت إلى اتخاذ إجراءات طارئة تشمل زيادة استخدام الفحم لتأمين احتياجاتها من الطاقة في في ضوء تراجع الكميات القادمة من روسيا. ويشكل هذا القرار تحولًا في مسار الحكومة الائتلافية التي تضم عددًا كبيرًا من المدافعين عن البيئة، والتي تعهدت بالتخلص التدريجي من الفحم بحلول العام 2030. وحذرت الحكومة الألمانية من نقص محتمل في الغاز قد يؤدي إلى إغلاق المصانع وتقنين محتمل لإمدادات الغاز إلى المنازل.

وقررت لجنة السياسة النقدية في البنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع معدلات الفائدة بنسبة 0.75%، لتصل إلى 1.75%، في ظل ارتفاع التضخم إلى مستويات قياسية، وارتفاع الأسعار بشكل كبير خاصة مع استمرار أزمة سلاسل الإمداد. ورفع بنك إنجلترا معدل الفائدة لأعلى مستوى في 13 عامًا منذ 2009، في محاولة لمعالجة التضخم المتزايد والسيطرة على ارتفاع الأسعار. وقررت لجنة السياسة النقدية في المركزي البريطاني رفع الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس إلى 1%. وحتى الآن، لم ينضم البنك المركزي الأوروبي بعد إلى البنوك المركزية الغربية الأخرى في رفع أسعار الفائدة، على الرغم من أنه أشار إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض الشهر المقبل.

كشفت قمة مجموعة السبع أن العقوبات الحالية ضد روسيا تجاوزت عتبة الألم لدى معظم صناع السياسة الغربيين. واكتشف القادة الأوروبيون أن هناك ثمنًا يجب دفعه مقابل فرض المزيد من العقوبات. وبالتالي هناك حاجة ملحة إلى اتخاذ قرار بشأن استراتيجية غربية جديدة في حالة حدوث مواجهة اقتصادية طويلة الأمد مع روسيا، وتثقيف الناخبين حول العواقب المحتملة، والتعامل مع تلك المرحلة التي تشهد تغييرات جذرية في خريطة النفوذ العالمية.

المشكلة بالنسبة لقادة مجموعة السبع هي أنهم يواجهون أيضًا ضغوطًا متزايدة لإظهار أنهم يعالجون الأزمة الاقتصادية العالمية. فقد واجه المستشار الألماني انخفاضًا في شعبيته في الأشهر الأخيرة بسبب عدم إظهاره دعمًا قويًا لكييف، وهو يعول على مجموعة السبع لتلميع صورته في ألمانيا وخارجها. أما بايدن فيواجه انقسامًا متزايدًا في بلد يعاني بشدة من ارتفاع معدلات التضخم وأسعار الطاقة، والعنصرية واستخدام السلاح. وأخفق نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون في الحصول على الأغلبية المطلقة، وتلقى هزيمة مدوية في الانتخابات التشريعية. أما جونسون فقد شهد خسارة حزبه مقعدين في انتخابات فرعية، ويرغب في لعب دور عالمي بعد خفوت سياسي، وكذلك محاولة لتجديد الثقة بعد أزمة الحفلات التي تلاحقه.

قمة الانفصال عن الواقع

مع اتساع الفجوة التي تفصل الحلفاء الغربيين عن روسيا والصين، سعت مجموعة السبع إلى حشد اللاعبين الرئيسين الآخرين إلى جانبها وتم دعوة زعماء الأرجنتين والهند وإندونيسيا والسنغال وجنوب إفريقيا لحضور القمة. بينما صوتت الأرجنتين وإندونيسيا في تصويت حاسم للأمم المتحدة لإدانة روسيا، امتنع الثلاثة الآخرون عن التصويت. لكن جميعهم يتعرضون بشكل مباشر لأزمة الجوع التي تلوح في الأفق والتي أثارها توقف صادرات الحبوب والقمح من أوكرانيا، وفرضت الهند على سبيل المثال قيودًا على صادرات القمح. 

تهدف مشاركة إندونيسيا والهند والسنغال وجنوب إفريقيا والأرجنتين، وهي اقتصادات ناشئة معرضة بشكل خاص لخطر نقص الغذاء وأزمة المناخ، في القمة إلى صياغة ردود مشتركة على هذه التحديات. ومع ذلك، لا يشارك العديد من الدول المخاوف الغربية بشأن العمليات العسكرية الروسية؛ فهم يرون الصراع على أنه حرب أوروبية وأنهم غير متأثرين بالحجج الغربية القائلة بأن فلاديمير بوتين يتصرف كمعتد استعماري. ويلومون العقوبات الغربية بقدر ما يلومون الحرب على ارتفاع تكاليف الغاز والنفط، وعلى النقص الهائل في القمح والأسمدة.

وفي محاولة لمقاومة هذه الرواية، استغلت دول مجموعة السبع القمة لإظهار أنها تعمل على مساعدة البلدان في جميع أنحاء العالم من خلال المساعدات الإنمائية، وإعادة هيكلة الديون، وتمويل المناخ، والمساعدة في إيجاد مصادر بديلة للطاقة، وبذل جهود جديدة لإخراج الحبوب من موانئ أوكرانيا. ولهذا السبب دعت ألمانيا قادة الهند وإندونيسيا والسنغال والأرجنتين وجنوب أفريقيا إلى القمة، للاستماع إلى وجهة نظرهم وإظهار لبقية العالم أن مجموعة السبع تستمع إليهم.

بالإضافة إلى ذلك، سعت دول مجموعة السبع إلى توسيع التحالف العالمي ضد روسيا، وهو ما فشلت القمة في تحقيقه، فقد أعلن رئيس الوزراء الهندي “ناريندرا مودي” أن الهند لا يمكنها الانضمام إلى أي جهود ضد روسيا، ودافع علنًا عن شراء النفط من روسيا.

الصين.. الغائب الحاضر

إلى جانب التحدي الروسي، مثلت الصين الغائب الحاضر في قمة مجموعة الدول الصناعية السبع، فهناك شعور لدى قادة دول المجموعة بأن الصين تشكل “تهديدًا ثلاثيًا” لهم –اقتصاديًا وأيديولوجيًا وجيوسياسيًا- وقد سبق وأن أدانوا قمع الصين للأويجور في منطقة شينجيانغ وحملتها القمعية في هونج كونج. وكذلك أثارت مبادرة الحزام والطريق الضخمة (BRI) مخاوف بشأن تأثير بكين على البلدان النامية، وأعربت بروكسل وطوكيو وواشنطن عن مخاوفهم بشأن النموذج الاقتصادي الذي تقوده بكين والممارسات التجارية “غير العادلة”. 

وفي محاولة لإيجاد بديل لمبادرة الحزام والطريق الصينية، أكد الرئيس الأمريكي “جو بايدن” أن المواجهة مع روسيا بشأن أوكرانيا تتكامل وتنسجم مع المواجهة مع الصين بشأن تايوان وملفات أخرى. وتعهد قادة المجموعة بتخصيص 600 مليار دولار من الأموال الخاصة والعامة على مدى خمس سنوات لتمويل البنية التحتية اللازمة في الدول النامية.

هذه المبادرة لم تكن الأولى بالنسبة للمجموعة، فقد أطلقت قمة مجموعة السبع في العام الماضي خطة البنية التحتية العالمية في إطار مبادرة أطلقت عليها اسم “إعادة بناء عالم أفضل”  Build Back Better World (B3W)، وتم تخصيص ميزانية لها بـ 40 تريليون دولار، لكن الخطة فشلت ولم تحقق تقدمًا يذكر.

وبالتالي فإن الإعلان عن شراكة بقيمة 600 مليار دولار للبنية التحتية العالمية والاستثمار للتنافس مع مبادرة الحزام والطريق ينم عن اليأس، خاصة أن الصين أكثر تقدمًا في البنية التحتية مقارنة ببقية دول العالم. فمثلاً البنية التحتية المحلية في الولايات المتحدة لا تزال في وضع مترد، وتظهر البيانات الرسمية لعام 2019 أن الصين التزمت على مدى العقود الماضية بنحو 800 مليار دولار بموجب 170 اتفاقية حزام وطريق مع 125 دولة و29 منظمة دولية، وأن الغرب أمامه الكثير للحاق بالركب، على افتراض أن لديه الإرادة والالتزام بالحفاظ على البرنامج.

وردًا على خطة البنية التحتية العالمية لمجموعة السبع، قالت وزارة الخارجية الصينية في 27 يونيو، إنها “ترحب بجميع المبادرات لتعزيز البنية التحتية العالمية”، مضيفة أن “هذه المبادرات لا تلغي إحداها الأخرى”. لكن الصين تعارض توظيف مشاريع البنية التحتية في خوض الصراعات الجيوسياسية، وترفض السلوكات والأقوال التي تهدف إلى تشويه مبادرة الحزام والطريق. وتعارض استبدال التوافق العام والآليات المبنية على القانون الدولي بالتحالفات الضيقة، وتعارض نزعات الاصطفاف والمواجهة الدولية تحت راية التعاون.

وأخيرًا، تشير التحليلات إلى أن هناك انقسامًا بين قادة دول مجموعة السبع حول كيفية الرد على الصين؛ إذ تخشى بعض الدول الأوروبية واليابان تعريض العلاقات التجارية مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم للخطر. وبشكل عام، تعد أوروبا شريكًا وثيقًا مع الصين في التجارة والاستثمار والتنمية، ولا يمكنها التضحية بمصالحها الوطنية. ولا تستطيع المجموعة اتخاذ موقف موحد تجاه الصين، أو تمرير أي قوانين لأنها تتشكل من بلدان منفصلة لكل منها عملية ديمقراطية خاصة به.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/71150/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M