مصالح متبادَلة: دلالات زيارة وزير الخارجية الصيني لإريتريا

صلاح خليل

 

زار وزير الخارجية الصيني وانغ يي العاصمة الإريترية أسمرا، في 4 يناير 2022، وتُعد هذه الزيارة الأولى من نوعها لمسئول صيني رفيع المستوى إلى إريتريا منذ استقلالها في مايو 1993، وأعلن أن الهدف منها توطيد العلاقات بين البلدين. فما هي أهداف إريتريا وما ترمي إلى تحقيقه من التوجه شرقًا نحو الصين؟ وهل لهذا علاقة بالموقف الغربي من التدخلات الإريترية في إثيوبيا؟ وهل إريتريا في الوقت نفسه على درجة من الأهمية الاستراتيجية للصين، بحيث يتوقع أن تكون حليفًا مهمًا لها في منطقة القرن الإفريقي؟.

الصين كموازنٍ استراتيجي بالنسبة لإريتريا

بينما تتطلع إريتريا إلى تحسين الأوضاع الاقتصادية ودفع عجلة الاقتصاد، شهدت الزيارة توقيع العديد من بروتوكولات التعاون الاقتصادي، وتطوير الموانئ، بحيث تصبح إريتريا منطقة تجارة حرة ومعبرًا هامًا للتجارة من وإلى إفريقيا، مما يسهم في إحداث تطور تنموي تستفيد منه أسمرا، بالإضافة إلى بروتوكولات خاصة بعمليات التجارة والتعدين. ووصف أفورقي علاقات بلاده بالصين بأنها تاريخية تعود إلى منتصف الستينيات من القرن الماضي، مضيفًا أنه تم تطويرها في هذه المرحلة لتصبح علاقة استراتيجية تشمل مختلف المجالات. ويرى أفورقي أن أمريكا وحلفاءها من الدول الغربية يعملون من أجل السيطرة والهيمنة على مقدرات دول العالم النامي، من خلال الشركات المتعددة الجنسيات التي تخدم مصالح هذه الدول، وهو الأمر الذي جعل الولايات المتحدة تنفرد على مدى العقود الثلاثة الماضية بصدارة المشهد السياسي والاقتصادي في العالم، ومن ثم لا غنى عن الصين لتحرير الاقتصاد من قبضة الغرب والولايات المتحدة من خلال علاقات استراتيجية مع الصين.

كما ترى إريتريا أن التدخل الغربي في إثيوبيا قد فاقم من الأوضاع في المنطقة ككل، وباتت الأزمة من أكبر التهديدات التي تواجهها دول المنطقة. كما اعتبر أفورقي أن التدخلات الغربية قد أسهمت في تدمير الدول من خلال دعم النخب التي لا تمثل شعوبها، والتي تنهب ثرواته، الأمر الذي يسهم في إفقار الشعوب وخلق أزمات لضمان تبعية الدول. وفي هذا السياق، قال أفورقي إن تجربة الحرب ضد إريتريا من قبل إثيوبيا خلال 80 عامًا الماضية، كان بتشجيع من الأطراف الخارجية، في إشارة إلى أمريكا والغرب بشكل عام. متهمًا كلًا من الولايات المتحدة والدول الغربية بممارسة أدوار في إشعال الحرب بمنطقة القرن الإفريقي بغرض الاستفادة من مواردها الاقتصادية.

وتتطلع إريتريا إلى التعاون مع الصين بوصفها موازنًا دوليًا للغرب، بحيث يمكن أن يسهم صعودها في تخلص العالم من هيمنة وسيطرة النخب السياسية في الغرب. وقد سبق الزيارة إعلان الصين عن دعمها لإريتريا بقوة، ورفض التدخل الأجنبي في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، استنادًا إلى قدرة هذه الدول على حل مشكلاتها بطريقة مُثلى دون تدخل من دول أخرى. وقد قال أفورقي -في هذا الصدد- إن المؤشرات والإحصائيات تؤكد أن الصين سوف تتربع على عرش العالم، وأن مرحلة سيطرة الولايات المتحدة في طريقها إلى الأفول.

إريتريا على خط “الحزام والطريق”

مع بداية كل عام تباغت الدبلوماسية الصينية العالمَ بتعزيز نفوذها في المناطق الاستراتيجية التي كانت تتغلغل فيها الولايات المتحدة، خاصة في إفريقيا جنوب الصحراء، وأصبحت بكين تتجاوز أدوارها المتعلقة بالأجندات الاقتصادية وتنخرط في منافسة القوى المهيمنة على مستوى العمق الاستراتيجي، مما يشير إلى أن الصين تكسب رهانات كان يصعب تحقيقها في وقت سابق. ومع بداية هذا العام أصبحت بكين في منطقتي القرن الإفريقي والبحر الأحمر تحقق مكاسب وتدير استراتيجيتها بخبرة كبيرة، وأيضًا تضع رؤى طويلة الأمد في كيفية التعامل مع القوى الأخرى المنافسة لها في هذه المنطقة.

وبالنظر إلى أن حدة التنافس بين كل من الولايات المتحدة والصين في منطقة القرن الإفريقي وحوض البحر الأحمر، تجد ترحيبًا من بعض دول هذه المنطقة، على الرغم من قلق الولايات المتحدة من تراجع مصالحها لصالح النفوذ الصيني المتزايد؛ لكن سيظل التنافس مقيدًا بمصالح الدولتين دون الوصول إلى درجة الاشتباك بينهما.

وقد زاد اهتمام الصين بإفريقيا جنوب الصراء في إطار استراتيجيتها للشراكة مع إفريقيا، بعد تأسيس أمريكا للقيادة العسكرية الأمريكية الإفريقية المشتركة (AFRICOM)، التي تعمل من أجل تنمية العلاقات بين الصين والدول الإفريقية، حيث أصبحت الصين حاليًا في المركز الثاني كأكبر شريك تجارى مع إفريقيا بعد الولايات المتحدة، حيث تراجعت فرنسا إلى المركز الثالث بدلًا من الثاني.

ويعد تدشين الصين لوجودها في جيبوتي عام 2017 بمثابة إعلان رسمي لمرحلة جديدة في إفريقيا جنوب الصحراء. وقد شاركت بكين في محاربة القرصنة بأكثر من 30 عملية مرافقة للسفن التي تبحر في منقطة القرن الإفريقي. وبالإضافة إلى ذلك نشرت الصين لأول مرة غواصات عسكرية في المنطقة، ونفذ الجيش الصيني قرابة 180 نشاطًا مع دول بحوض البحر الأحمر منذ عام 2018 وحتى بداية 2022، وقد أسفرت تلك النشاطات عن لقاءات سرية مع كبار المسئولين في تلك البلدان، بغرض تطوير الموانئ والمشاركة في التدريبات العسكرية، وزادت الصين من حجم مبيعاتها من الأسلحة لدول هذه المنطقة، ومن ضمنها إثيوبيا وجيبوتي وكينيا، والآن انضمت إرتيريا حديثًا إلى تلك الدول. ولا شك أن بكين تسعى إلى توطيد علاقاتها مع أسمرا، بهدف ضمان مرور تجارتها إلى أوروبا والقارة الإفريقية دون مشاكل من خلال التنسيق مع قواعد العسكرية في جيبوتى، وهي أحد أهم مرتكزات السياسية الخارجية الصينية.

وتعمل الصين من أجل تأكيد وتحفيز دول منطقة القرن الإفريقي في الانخراط في علاقات قوية مع الصين، لا سيما وأن إريتريا تقع على مشروع “الحزام والطريق” الذي تتبناه الصين كرافعة لريادتها الاقتصادية على المستوى العالمي خلال السنوات القادمة في مسعى من أجل الوصول إلى قيادة النظام الدولي أو على الأقل موازنة القوة الأمريكية. ولا يفوت القول إن الصين تسعى لاستغلال الأرخبيل الإريتري في تواجد عسكري لها قريبًا من شواطئ إريتريا.

بناء على ذلك وإيمانًا من الصين بأهمية منطقة القرن الإفريقي، قامت بتعين مبعوث خاص لها، وكذلك فعلت الولايات المتحدة، ولكن الأزمات في المنطقة دفعت المبعوث الأمريكي إلى تقديم استقالته في بداية العام الحالي وخلفه الدبلوماسي المحنك بمنطقة الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد الذي سيبدأ زيارة لكل من المملكة العربية السعودية، والسودان ثم إثيوبيا في الفترة من 17 إلى 20 من يناير 2022.

الدلالات والنتائج

بتلك الزيارة أصبحت الصين إحدى أهم الدول التي كسرت قرارات مجلس الأمن والولايات المتحدة، المفروضة على أسمرا، في وقت تحتاج فيه إريتريا إلى حليف قوى يقف معها ضد السياسات الغربية، وهو الأمر الذي بموجبه منحت أسمرا شركة (دنيا بيجينغ Donia Bejing)، التنقيب والتعدين عن الذهب والحديد والزنك والنحاس في جميع محافظات إريتريا، كما نالت المؤسسة العلمية الجيولوجية الصينية ((CGC حق امتياز التنقيب عن البترول في إريتريا. والملاحظ أن السياسة الخارجية الإريترية تحاول توظيف التنافس بين الصين من جهة والولايات المتحدة من جهة أخرى في منطقة باعتبارها مهمة في حفظ التوازن العالمي والإقليمي معًا، دون المساس بمصالح هذه الأطراف، في الوقت الذي ترفض فيه إريتريا سياسة الهيمنة من طرف واحد بالمنطقة، وبالتالي تحقق مصالح جميع الأطراف دون مواجهة.

ويُفهم الانفتاح الإريتري على الصين في سياق آخر؛ إذ تسبب فرض العقوبات على بعض الشخصيات الأمنية والمؤسسات الاقتصادية الإريترية من قبل الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الغربية، في 2021، وأيضًا التلميح بفرض عقوبات على الرئيس أفورقي، في الانتقال إلى الخطة (ب)، وهي الاستنجاد والاحتماء بالصين، فضلًا عن ذلك فإن تطوير الموانئ الإريترية من قبل الصين يمكن لإريتريا استثمارها في عمليتي الوارد والصادر إلى إثيوبيا خاصة فيما يتعلق بعملية التسليح.

في المقابل، تسعى بكين لأن تكون إريتريا نقطة مهمة تعزز بها وجودها بكثافة في منطقة القرن الإفريقي بجانب تغلغلها في جيبوتي، وهو ما يعزز تطور استراتيجيتها في منطقة باب المندب من عدة محاور، تضع الولايات المتحدة في موقف يدفعها نحو تقديم تنازلات لتقاسم النفوذ في هذه المنطقة، وذلك ضمن مشروع تنافس استراتيجي تخوضه ضد الولايات المتحدة من أجل الريادة الدولية.

وفي النهاية، تخطط الصين لأن تصبح أسمرا مركزًا إقليميًا في شرق إفريقيا، وتتفوق على إثيوبيا الحبيسة جغرافيًا، ويتجاوز هذا الطموح الأهداف الاقتصادية إلى تعاون ومساعدات عسكرية لإريتريا، سوف يؤثر حتمًا على أمن البحر الأحمر والدول المتشاطئة عليه، ويخلق صراعًا آخر بين الدول مما يزيد من تعقيد المشهد في منطقة البحر الأحمر، في ظل إجادة إريتريا لعبة التناقضات كنموذج لحالات التنافس بين القوى الخارجية الدولية والإقليمية، لتحقق أسمرا أهدافها عن طريق أدوات السياسة الخارجية للفاعلين الإقليميين والدوليين.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/18649/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M