مكاسب إيرانية: نتائج زيارة مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى إيران

علي عاطف

 

بعد حالة الجدل أثر العثور على مواد نووية مخصبة بنسبة 83.7%، في موقع “فوردو” النووي بمحافظة قم الواقعة إلى الجنوب من العاصمة الإيرانية طهران، توصل المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل جروسي، خلال زيارته إلى طهران يوم 4 مارس الجاري إلى اتفاقيات تقضي بزيادة عمليات المراقبة على المواقع النووية في إيران، خاصة في موقع فوردو الذي كان محط الأنظار خلال الأيام الماضية، حيث سيشهد هذا الموقع وحده زيادة بنسبة 50% في عمليات التفتيش القادمة من الخارج طبقًا لاتفاقيات جروسي.

تحمل هذه الزيارة أهمية كبيرة؛ وذلك في ضوء الحديث عن التداعيات المحتملة بعد الكشف مؤخرًا عن المواد النووية المخصبة، والتي لم يكن يفصلها عن المستوى المطلوب لإنتاج أول قنبلة نووية إيرانية سوى 6.3% فقط. وعلى الرغم من أن الدول الغربية يعنيها من هذه الزيارة ضمان عدم رفع إيران لمستويات تخصيب اليورانيوم إلى نسب عالية، وضمان تخصيبه بنسبة 60% فقط إلى حين إشعار آخر، إلا أن نتائجها بالنسبة لإيران تتخطى المكاسب الغربية الممثلة في عدم تطوير أنشطة إيران النووية، وزيادة عدد كاميرات المراقبة والتفتيش في المنشآت النووية.

مكاسب إيرانية: ثمار زيارة مدير عام الوكالة الدولية لإيران

تجنب الهجمات العسكرية الخارجية 

مع زيارة رافائيل جروسي إلى طهران، تضاءلت بشكل كبير فرص تنفيذ عمليات عسكرية هجومية أجنبية ضد المنشآت النووية الإيرانية، وهي الاحتمالات التي طرحت بقوة على طاولة التعامل مع إيران بعد التقارير الأخيرة التي تحدثت عن العثور على مواد نووية مخصبة بنسبة تقترب من 90% بها، أي النسبة المطلوبة لتصنيع أسلحة نووية. ولقد بدا هذا الخيار واضحًا مؤخرًا بالتزامن مع قيام إسرائيل برحلات تنسيق دولية، ومن بينها ألمانيا، بهدف مواجهة تطوير طهران للأنشطة النووية التي تشك إسرائيل في كون بعضها يهدف لأغراض عسكرية.

ولم تكن إسرائيل وحدها، بل إن بعض الدول الأوروبية لوحت باستخدام الخيار العسكري ضد إيران بعد هذا الكشف الأخير، وكانت من بينها بريطانيا التي أكد وزير دفاعها، بن والاس، في 2 مارس الجاري على أن “لندن لا تستبعد أي خيار في حال فشل المفاوضات من أجل منع إيران من امتلاك السلاح النووي”، مضيفًا أن “رفع طهران لمستويات تخصيب اليورانيوم إلى 90% يؤكد أن هدفها ليس سلميًا”.

وعليه، فإن إيران بسبب هذه الزيارة، قد تجنّبت بشكل كبير أي احتمالات لتصعيد عسكري أكثر واقعية هذه المرة مع الخارج.

نمو فرص العودة للمفاوضات النووية 

مع تراجع فرص طرح الخيار العسكري على الطاولة، من المتوقع أن تثمر زيارة رافائيل جروسي الأخيرة إلى إيران، عن تطور إيجابي فيما يتعلق باستئناف المفاوضات النووية الإيرانية مع القوى الكبرى في النمسا قريبًا. إذ إن الدول المعنية من جانبها قد تسارع في العودة إلى طاولة المفاوضات، بعد الإعلان الذي جرى منذ أيام عن مستويات تخصيب مرتفعة لليورانيوم في إيران، وهو ما تحتاج إليه طهران بشدة في الوقت الراهن.

فإلى جانب الدعوات الإيرانية المتكررة منذ أشهر لاستئناف المفاوضات النووية، فإن طهران قد تستفيد من عودة هذه المحادثات في التوصل إلى الاتفاق النووي، وبالتالي الخروج من الوضع الاقتصادي غير المستقر محليًا والذي تفاقم مع استمرار الاحتجاجات منذ حوالي 6 أشهر. بالإضافة إلى أن هذا الاتفاق سوف يخدم الأهداف الإيرانية الاقتصادية كثيرًا في ظل تراجع مستويات الاستثمار الصينية في إيران، التي تعد إحدى أهم ركائز الاقتصاد الإيراني، وعدم تصديرها للنفط بشكل عام وانخفاض معدلات تصديره إلى بكين التي تعد المشتري الرئيس له.

يضاف إلى هذا، عدم بروز جدوى ذات أهمية كبيرة لسياسة “التوجه نحو الشرق” على الناحية الاقتصادية تحديدًا، ما يشير بوجه عام إلى حاجة طهران إلى هذا الاتفاق، ويشير أيضًا إلى إمكانية أن تصبح زيارة جروسي مفتاحًا لحلحلة بعض مشكلات إيران الاقتصادية.

استباق اجتماع مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية 

يعقد مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية في فيينا اجتماعًا خلال الفترة من 6 – 10 مارس الجاري، من أجل مناقشة قضية العثور على مواد نووية مخصبة بنسبة تضاهي تلك اللازمة لصنع سلاح نووي في إيران. وكان من المنطقي القول هنا أن هذا الاجتماع سوف يتمخض عنه قرار يدين إيران بشدة، بل من المتوقع على ذلك النحو أن يطالب المجلس بخطوات أشد صرامة تجاه طهران، خاصة وأنه قد أدانها مرتين العام الماضي في جلستين مختلفتين لأسباب مشابهة.

أما مع زيارة رافائيل جروسي الأخيرة إلى طهران، والاتفاقيات التي تم التوصل إليها بين الطرفين والتي تقضي بزيادة عمليات التفتيش ورفع عدد كاميرات المراقبة في المفاعلات النووية، فإن قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية قد يركن إلى التغيير أو إلى عدم اتخاذ خطوة أكثر حزمًا تجاه إيران، بل قد يتجه إلى تفضيل التعاون معها فيما يتعلق بأنشطتها النووية، خاصة وأن أحاديث جروسي تشير ضمنًا إلى إمكانية استئناف المفاوضات النووية مع إيران قريبًا، وهو ما ترغب طهران في حدوثه.

إن تلقي جروسي دعوته لزيارة إيران من رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، محمد إسلامي، تفسر لنا بشكل جلي كيف أن إيران أرادت استباق قرار مجلس محافظي الوكالة الدولية من أجل تجنب التصعيد معه، إلى جانب المكاسب الأخرى السابقة من حيث تجنب وقوع أية عمليات عسكرية خارجية في إيران، ونمو فرص العودة إلى طاولة التفاوض النووي في فيينا مرة أخرى.

اتفاقيات جروسي ومستقبل الأنشطة النووية الإيرانية

على الرغم من أن الاتفاقيات التي توصل إليها جروسي في إيران تسير بملف الأنشطة النووية الإيرانية إلى التهدئة، وربما إلى استئناف وشيك للمفاوضات النووية، إلا أن مستقبل هذه الملفات يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالعوامل التالية:

1- التشريعات القانونية في إيران التي تجبر الحكومة على رفع مستويات التخصيب: 

بعد إعلان الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، عن خروج بلاده من الاتفاق النووي في مايو 2018، أقدم البرلمانيون والقانونيون في إيران على اتخاذ خطوات قانونية من شأنها “إجبار” الحكومة التنفيذية على رفع مستويات تخصيب اليورانيوم عن 3.67% (النسبة المقررة في الاتفاق النووي لعام 2015)، والحد من عمليات التفتيش الدولية على المفاعلات النووية، علاوة على خفض عدد كاميرات المراقبة ذات الصلة.

وكان من بين هذه التشريعات ما أقره “مجلس صيانة الدستور” الإيراني في ديسمبر 2020 من تشريع يسمح بوقف عمليات التفتيش التي تقوم بها هيئة الأمم المتحدة في مفاعلات نووية إيرانية، بل ورفع مستويات تخصيب اليورانيوم بوجه عام. وقد حدث ذلك بالفعل خلال العامين التاليين إلى أن وصلت طهران إلى مستوى معلن من تخصيب اليورانيوم بنسبة 60%.

وفي ضوء ذلك، عند النظر إلى الاتفاقيات التي أبرمها جروسي مع الإيرانيين، سنجد أنها لا تتماشى مع مثل هذه الإقرارات البرلمانية في إيران، مما يضعها بالفعل في مرمى انتقادات السياسيين المحافظين في طهران، وهو ما بدأ عمليًا خلال اليومين الماضيين. بالإضافة إلى أن عدم تضمن اتفاق لوزان لعام 2015 على اتفاقيات معنية ببعض أنظمة المراقبة الحديثة التي يجري التفاوض بشأنها، قد يرفع من حدة معارضة اتفاقيات جروسي في الداخل الإيراني، وهو ما قد يمثل تحديًا، ولو عابرًا، لاستئناف المفاوضات النووية في وقت لاحق.

2- الزيارة المرتقبة لوزير الدفاع الأمريكي إلى إسرائيل: 

يعتزم وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، زيارة إسرائيل، غدًا الأربعاء وفق أغلب التقديرات. وتحمل أجندة أوستن عددًا من الملفات، أبرزها ملف الأنشطة النووية الإيرانية والتقارير التي تحدثت عن العثور على مواد نووية مخصبة في إيران بنسبة 83.7%. وفي ظل الجولات والاتصالات التي يقوم بها مسؤولون إسرائيليون بشأن هذا الملف نفسه، فإن زيارة أوستن قد تحمل تطورًا جديدًا فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني، أو الأنشطة العسكرية لطهران في الإقليم، خاصة وأن إسرائيل قد أبدت قلقها بشأن التقارير المُشار إليها ولطالما لوحت بالخيار العسكري.

3- روسيا واستئناف المفاوضات النووية الإيرانية:

منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية العام الماضي، دخلت المفاوضات النووية بين إيران والقوى الكبرى مرحلة جديدة من التعثر؛ وهو ما يعد أحد تداعيات تلك الأزمة بين روسيا والغرب. حيث أثّر هذا الصراع على المفاوضات وتأزمت الأخيرة بشكل عميق، حينما أصبحت المباحثات إحدى الأوراق الثانوية لهذا الصراع. ولأن الأزمة الروسية الغربية لا تزال مشتعلة، لا يتوقع أن يحدث تغير في مسار الربط بين توازنات هذه الحرب والمفاوضات النووية الإيرانية، وهو ما قد يشير إلى إمكانية حدوث تعثر جديد للمفاوضات النووية إذا ما تم استئنافها لاحقًا.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/75929/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M