منعطف صعب: تقدير موقف للتمرد المسلح لمجموعة فاجنر في روسيا

أحمد عليبة

 

تشكل عملية التمرد التي تقوم بها مجموعة “فاجنر” الروسية منعطفًا قد يكون هو الأصعب في مشهد الحرب الروسية الأوكرانية في منتصف عامها الثاني؛ فبينما تواجه روسيا تحدي شن أوكرانيا لعملية الهجوم المضاد، باتت تواجه تمردًا مسلحًا من مجموعة “فاجنر” على الجبهة الداخلية الروسية. وفي هذا السياق، تتجه الأنظار نحو كيفية تعامل القيادة الروسية مع التمرد، والطريقة التي سيتم احتواؤه بها، لاسيما وأن محاولات التفاوض لإنهاء التمرد بشكل سلمي يبدو أنها باءت بالفشل، وبالتالي لجأت موسكو لاستخدام القوة.

وهو بديل سيفرض على موسكو  حسابات وتحركات دقيقه للتعامل مع قائمة طويلة من التحديات، منها ما يتعلق بكيفية المواجهة في داخل أراضيها، والكلفة التي تتعلق بتقليل الخسائر على المدنيين والبنية التحتية، والمدى الزمني المطلوب للحسم؛ فكلما طال أمد المعركة ستكون هناك فرصة لتمدد نطاق المعركة وتغذية القوى الخارجية لها بوصفها فرصة لإضعاف روسيا في الجبهة الأوكرانية، إضافة إلى تحدي استدارة “فاجنر” لقتال القوات الروسية في الجبهة الأوكرانية من الخطوط الخلفية، فضلًا عن توظيف خصوم موسكو لهذه التطورات. ويمكن الوقوف على مجموعة من الملاحظات في إطار تقدير هذا الموقف:

1 – مغامرة غير محسوبة: يمكن القول أن تمرد “فاجنر” يشكل مغامرة غير محسوبة من جانب قائد المجموعة يجفيني بروجوجين، الذي يبدو أنه خسر الرهان على انحياز الرئيس فلاديمير بوتين له في معركته ضد قيادة الجيش؛ فقد حسم “بوتين” الموقف على نحو ما كان متصورًا بالانتصار للدولة وللجيش ضد عصيان “فاجنر” ووصمها بالإجرامية ضد الدولة وجيشها ودستورها وشعبها، والتأكيد على التعامل الحاسم معها لإنهاء هذا التمرد بوصفه طعنة من الظهر.

وتكاتفت مؤسسات الدولة مع هذا التوجه، حيث تمت عملية مداهمة مقر “فاجنر” في سان بطرسبرج، ونُشرت قوات مكافحة الإرهاب في العاصمة، وأصدر مجلس الدوما الروسي بيانًا يدين الموقف ويشدد على التعامل الحاسم معه، فيما بدأ الجيش التحرك لإحباط العملية عبر تقويض دوائر الحركة في دائرة التمرد حول “روستوف”.

إلا أن قائد فاجنر قد أعاد تصدير الأزمة للقيادة بعدم الاستسلام واستكمال المغامرة حتى النهاية، وهو تطور أخطر؛ إذ يعكس تخطيط فاجنر للتمرد أنه بدأ بعملية خداع يظهر فيها أنه كان يستكمل مهمة الانسحاب من “باخموت”، ثم سيطر على “روستوف” التي تمثل موقعًا استراتيجيًا لقيادة العمليات الجنوبية في أوكرانيا، ثم بعض المواقع المهمة التي يشملها هذا الموقع سواء المطار أو قواعد ومخازن عسكرية.

ويؤخذ في الحسبان أن قوة قوامها ٢٥ آلف عنصر يمكنها بالفعل أن تخوض معركة عنيفة ضد قوات الجيش في أكثر من محور، وهي مسألة يصعب تجاهلها، خاصة وأن لديها غريزة الانتقام بعد معركة “باخموت” التي خسرت فيها “فاجنر” نصف قواتها تقريبًا، بالإضافة إلى أنها تعلم أنه لم يعد أمامها من مخرج سوى القتال.

2 – معادلة اشتباك مزدوجة: من المتصور أن تداعيات التمرد على الجبهة الأوكرانية لن تكون أقل صعوبة، فروسيا تحاول إثبات أن التمرد لن يضعفها، وبالتالي ستزيد من عملية التصعيد. دلالة ذلك الهجوم الصاروخي المكثف على العاصمة الأوكرانية كييف، وفي المقابل انتهز خصوم موسكو الموقف لتقييم الوضع، وكان العنوان الواضح لهذا التقييم هو أن التمرد يمثل فرصة في كل الأحوال. 3 – سيناريوهات مفتوحة: لا يزال من المبكر تصور ما هي السيناريوهات التي سيتطور بها المشهد سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. لكن من الواضح على الأقل أن هناك معركة تصعيد عنيف بدأت على الأقل في مرحلتها الأولى؛ فالقيادة الروسية تلقت الصدمة الأولى للمفاجأة وتعاطت معها سياسيًا بحسم، ومن الطبيعي أن معادلة الحسم تميل لصالح الجيش مقابل “فاجنر”. لكن المهم هو طبيعة الحسم، وهو سيتوقف على طبيعة إدارة التصعيد والتصعيد المضاد، ومدى القدرة على احتوائه أو خروجه عن السيطرة أكثر مما هو عليه. ويُتوقع أن يشكل هذا المنعطف وقفة لإعادة تقييم الأوضاع بشكل عام في الداخل الروسي وخارجه.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/78145/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M