نزاعات السودان الحدودية – العقبة المزمنة

اعداد : السفير بلال المصري – المركز الديمقراطي العربي – القاهرة – مصر

 

عُقدت بقاعة الصداقة بالخرطوم في الفترة من 12 إلي 15 فبراير بتيسير من الآلية الثلاثية (المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وهيئة إيجاد) وبمشاركة نحو (600) مشارك ومشاركة (30%) من القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري و(70%) من القوى السياسية والمدنية والمجتمعية من ولايات الشرق الثلاث من خارج العملية السياسية الجارية– بهدف النقاش وبحث فرص الوصول إلى “توافق واسع” بين مختلف كيانات شرق السودان وتنظيماته حول الأزمات المتعددة لتحقيق مطالب إنسان الشرق وتطلعاته في المواطنة المتساوية وفي الحكم المدني الديمقراطي الكامل وفي الاستقرار السياسي والأمني والتنمية المستدامة , أكدت القوى المشاركة في ورشة خارطة طريق الاستقرار السياسـي والأمني والتنمية المستدامة في شرق السودان على سودانية “حلايب” و”شلاتين” و”أبورماد” و”الفشقة”، وعلى سيادة الدولة في بعض المناطق بجنوب “طوكر” .

1- النزاع علي حلايــب :

في تعليقها علي موضوع النزاع علي مثلث حلايب قالت صحيفة الزمان علي موقعها علي شبكة الإنترنت في22 فبراير 2023 أن التوتر عاد مرة أخرى بين مصر والسودان بعد تصريحات المسؤولين السودانيين بأن حلايب وشلاتين جزء من الأراضي السودانية وإعلان عبد الفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة السوداني بأنّ حلايب وشلاتين جزء من الأراضي السودانية وأنها ستتواصل مع النظام المصري لإيجاد حل لتلك المشكلة ، وأشارت الصحيفة إلي أنه رداً على تلك التصريحات أكد مصدر دبلوماسي مصري رفيع المستوى أن حلايب وشلاتين هي جزء من الأراضي المصرية وأن الاتفاقات والوثائق التي تمت في هذا المجال ومنها اتفاقية 1899 والتي حددت الحدود السودانية بخط 22 تثبت أحقية مصر في تلك المنطقة ,  وعن رفض مصر التحكيم في تلك القضية قال المصدر أن مصر لن تلجأ إلى التحكيم في أراضي أثبتت الاتفاقات والوثائق بأنها جزء من الأراضي المصرية واستبعد المصدر أن تتطور الأوضاع إلى صدام مسلح بين البلدين متهما أطراف سودانية تنتمي إلى كتل سياسية بإثارة تلك القضية بتحريض من أثيوبيا في محاولة لضرب التنسيق المصري السوداني في قضية سد النهضة .

في المقابل نفى د. معاز تنقو رئيس مفوضية الحدود أن تكون إثارة السودان لتلك القضية في هذا التوقيت وراءه دول أخرى كاثيوبيا أو إسرائيل التي قامت السودان بتطبيع العلاقات معها مؤكدا أنه من الطبيعي أن تدافع عن سيادتها لأن حلايب وشلاتين هي جزء من أراضي السودان وعندما حصلت السودان على استقلالها كان هناك ممثلون من حلايب وشلاتين في البرلمان السوداني وأضاف أن السودان سيواصل الشكوى والاحتجاج لدى مجلس الأمن مؤكدا أن التغييرات التي تقوم بها مصر في تلك المنطقة من نشر قوات وتغيير نظم الإدارات الأهلية وتجنيس المواطنين لن تفلح في إعطاء حق للمصريين في تلك المنطقة ، وأكدأن السودان سوف يحافظ على ما يسمى في القانون الدولي بعدم الاذعان , لكن في السياق ذاته أكد جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان أن حل أزمة حلايب تكمن في إيجاد صيغة للتكامل بين البلدين لإدارة تلك المنطقة ، وأضاف أن توقيت إثارة قضايا من هذا النوع بين مصر والسودان في هذا التوقيت غير مناسب ، وأنّ أي إتفاق بين مصر والسودان حول تلك القضية سوف ينعكس إيجابيا على قضية سد النهضة  والتي تتطلب وحدة الموقفين المصري والسوداني  .

النظام السوداني يعاني حالياً ومنذ إنقلاب أكتوبر 2021 من تناقص مُتسارع في شعبيته وقبوله لدي الشارع السوداني والقوي السوداني السياسية علي إختلافها , ويعتقد هذا النظام كسابقه / نظام البشير  أن قضية حلايب والقضايا الخلافية الأخري كالفشقة مع إثيوبيا وجنوب طوكر مع إرتريا يمكن أن تمده ببعض الشعبية التي يفقدها يوماً بعد يوم ,

خلافاً لما لم قاله رئيس مفوضية الحدودالسودانية , فلم يكن هناك ثمة ممثلون يمثلون حلايب ( مساحته بين 20,580كم مربع إلي 35,600كم مربعأ أي ضعفي جزيرة قبرص بشقيها اليوناني والتركي)في البرلمان السوداني أبداً وقت إستقلاله أو بعده , فعندما أُجريت إنتخابات الحكم الذاتي بالسودان بناء علي إتفاق بريطانيا ومصر بشأن ” الحكم الذاتي وتقرير المصير للسودان ” الموقع في القاهرة في 12 فبراير 1953 , كانت الدوائر الإنتخابية  الوارد ذكرها في المادة (31) من هذا الاتفاق بشأن إنتخابات مجلس الشيوخ كانت تنص علي أن يعين الحاكم العام للسودان عشرين منهم بمحض إختياره ويُنتخب ثلاثون مرفق بهم جدول (1)  , ولم تسم بهذا الجدول دائرة أي دائرة في مديرية البحر الأحمر أو في المديرية الشرقية وإنما كانت الدائرة المسماة هي مديرية كسلا وبإعتبار أن المادة 31 نصت علي ان كل مديرية تعتبر دائرة واحدة , كذلك فبالنسبة للدوائر الإنتخابية لمجلس النواب وفقاً للمادة (23) فقد تضمنت دوائر الإنتخابات المباشرة بالجدول  (ألف) وعددها 35 دائرة لبورسودان , أما دوائر الإنتخابات الغير مباشرة بالجدول (باء) وعددها 92 فتضمنت الدائرة رقم 69 تحت مسمي دائرة الهدندوة ووصفها كان نظارة الهدندوة والدائرة 70 تحت مسمي الأمرار والبشاريين ووصفها بالجدول ” نظارات الأمرار والبشاريين” (38)  أي أن الدائرة لم تأخذ مسمي جغرافي أو مكاني وإنما مسمي قبلي فحسب ,  وبما يتسق مع كونها قبائل رعوية بدوية غير ثابتة في مكان بعينه تنتشر في المديرية الشرقية بالسودان وبالمنطقتين الحدوديتين المُتاخمتين للسودان داخل كل من إثيوبيا وإرتريا ,  ولهذا خُصصت دائرتان لهذه القبائل تحت بند الإنتخابات غير المباشرة لأنه كان من الصعب وضعها تحت بند الإنتخابات المباشرة لصعوبة ذلك مع حركة وتشتت هذه القبائل الرعوية المُتحركة في مساحات شاسعة من الأراضي في الجانب الشرقي من السودان  .

معلوم أن الخط الإداري لحلايب وُضع أصلاً لينصرف معناه علي الــسكان ولإدارة ” العربان ” وليس علي الأرض أو المكان بإعتبار أنهم أي سكان هذه المناطق قبائل رعوية متحركة غير ثابتة في مكان كما أن وجود أبناء هذه القبيلة (وهي فرع من القبيلة الأم / البجا ) في حلايب كان بنص قرار وزير الداخلية المصري في 4 نوفمبر 1902 علي أنه وجود علي ” أراضي الحكومة المصرية ” , وهذه القبائل جميعاً تأتي تحت مسمي عام جامع لها وهو أنها مُتفرعة عن قبيلة البجا كما سبقت الإشارة , أما القول بأن هذه المناطق جزء من دائرتين إنتخابيتين فهو قول يفتقد الدقة فقبيلة البجا وفروعها الأمرار والهدندوة والبشارين كلهم كما سبقت الإشارة يمتدون من إثيوبيا فإرتريا فشرق السودان وحتي حلايب , فالأمر بهذا المنطق سوف لا يعني البشاريين في حلايب بل يجب والحالة هذه أن يمتد جنوب خط 22 درجة لأنهم منتشرون في مناطق أخري , إذن فلا معني للقول بأن الدائرتين في حلايب أو لحلايب  .

كان نص قرار ناظر الداخلية المصري بشأن الوضع الجديد الذي نشأ علي الحدود بتاريخ 31 مايو 1902 وقرار ناظر الداخلية بتاريخ 4 نوفمبر 1902 بشأن مناطق وعربان مصر والسودان المتضمن ضم قبائل البشارية والمليكاب قبلي إلي السودان وقبائل العبابدة إلي مصر قرارين إداريين لا سياسيين ولا يترتب عليما أي تغيير في خط الحدود المعروف بأسم خط عرض 22 درجة شمالاً , لا أكثر ولا أقل بدليل أن القرارين صدرا فقط عن ناظر الداخلية ولم يصدق عليهما لا مجلس (النظار) أو الوزراء المصري ولا البرلمان المصري بأي من غرفتيه , كما أن القرار المعني بحلايب ورد في متن نصه هذه العبارة : ” …. ولما كان من الضروري لصالح الأشغال الإدارية تحديد منطقة عربان مصر والسودان بصفة نهائية فلذلك حصل الإتفاق بين نظارتي الداخلية والحربية (المصريتين)علي تشكيل قوميسيون(لجنة) لهذا الغرضت  تحت رئاسة المديرية وأعضائه ثلاثة مفتشين أحدهم من الداخلية والثاني من حكومة السودان (الحكومة الثنائية لمصر وبريطانيا) والثالث من مصلحة خفر السواحل ويحضر فيه مشايخ العربان المقيمون بصحراء المديرية .

إن التعديلات الإدارية التي صدرت بالنسبة لمثلث حلايب وبئر طويل أو بارتازوجا بل وحتي قرار وزير الداخلية المصري الصادر في 26 مارس 1899 بتحديد إختصاص محافظة النوبة كلها صدرت إما إستنادا لوفاق 1899 بين مصر وبريطانيا وإتفاقيتي 19 يناير و10  يوليو سنة 1899 أو في ظله وبناء علي تحديده أن ما يطلق عليه السودان ينصرف معناه علي ما دون خط  العرض درجة شمالاً  , وهذا الوفاق وتعديلاته أي إتفاقيتي 19 يناير و10يوليو 1899 تم إلغاءهما بموجب القانون رقم 175لسنة 1951الوارد “بالكتاب الأبيض” الصادر عن مجلس وزراء مصرعام 1955 أي قبل إستقلال السودان في أول يناير عام 1956وهو قانون مُتعلق بإنهاء العمل بأحكام معاهدة 26 أغسطس سنة 1936 وملحقاتها وبأحكام إتفاقيتي 19 ينايرو10 يوليو سنة 1899 بشأن إدارة السودان .

لجــنــة حلايـــب :

ترفض مصر رفضاً قاطعا اللجوء إلي خيار التحكيم الدولي في نزاع حلايب بالقول بإن النزاع ثنائي وأنه لا يحتاج لتكيم فحقها واضح لشكل لال يجعله قابلاً للتحكيم الدولي , فيما طلب السودان التحكيم الدولي وقال به أحد أعضاء الوفد السوداني في دور الإنعقاد الثالث بالخرطوم للجنة حلايب .

الذي يُلاحظ أن الجانب السوداني غير مُسلح بمستندات فيما سلمت أنا بصفتي مستشار سياسي بالسفارة المصرية بالخرطوم 1991 – 1993 مستند مصدره جهة رسمية في بورسودان بتاريخ 1955 وهو رد جهة رسمية علي شركة تعدين سودانية رغبت في الإستكشاف التعديني شمال خط عرض 22 درجة شمالاً فردت عليها الجهة المنوط بها منح الترخيص برفض منح الترخيص للإستشاف شمال خط عرض 22 درجة شمالاً , هذا غير مستندات أخري لدي الجانب المصري , هذا بالإضافة إلي أن حدود مثلث حلايب إدارية بحتة وليس سياسية بالمرة , وهي بشكل أو بآخر طبيعة النزاعين الحاليين في مثلث إيليمي بين جنوب السودان وكينيا ومنطقة أبيي بين جنوب وشمال السودان .

تصاعدت وتيرة التوتر بين النظامين إلي حد أصبح من الوشيك الإقتراب من المواجهة العسكرية بعد أن نشرت القوات المسلحة المصرية قوة تابعة لها في حلايب في مارس 1992 أستطاعت أحكام  سيطرتها علي الحدود وفقاً لخط 22 درجة شمالاً , وبالتالي بدأ النزاع يأخذ مساراً عسكرياً  لأول مرة في تاريخه خاصة وأن حلايب كان بها قبل إنتشار القوات المصرية بالمثلت عناصر شرطية سودانية مقيمة تًستبدل كل فترة ولما كانت حلايب هي المساحة المُتبقية بعد التدمير المتبادل للقنوات الرئيسية الواصلة بين البلدين والتي كانت تميز علاقاتهما كالتعليم والصحة  (العلاج في مصر)  واللجنة الفنية الدائمة لمياه النيل والتجارة البينية التي إنخفضت بدرجة ملحوظة , ولإن المصالح السودانية في مصر محدودة للغاية  فيما مصالح مصر في السودان متنوعة لذا فقد كان متوقعاً أن يكون رد الفعل المصري الأقوي والأكثر إضراراً في حلايب بالتمركز العسكري بها, وفي تقديري أن هذا هو السبب الرئيسي لتشكيل ما سُمي ” باللجنة الفنية لبحث مشكلة حلايب ” والتي أتفق علي إنشاءها أثناء زيارة اللواء / الزبير محمد صالح نائب رئيس مجلس ثورة الإنقاذ ونائب رئيس الوزراء ولقاءه بالرئيس المصري بالقاهرة في 10 فبراير 1992 والتي عقدت أول إجتماع لها بالقاهرة في 16 مارس 1992 برئاسة د أسامة الباز وكيل أول وزارة الخارجية وضمت سفيرنا لدي السودان د / حسن جاد الحق ومدير إدارة السودان بالخارجية المصرية و د.  يونان لبيب رزق أستاذ التاريخ ود . صلاح عامر أستاذ القانون الدولي , ثم عقدت إجتماعاً ثانياً في القاهرة في الفترة من 27 إلي 31 أكتوبر 1992 ولم تحسم النزاع بطبيعة الحال , لأنه في تقديري أنه وبعد الإنتشار العسكري المصري في مارس 1992 كان لابد للبلدين كل وفقاً لإعتباراته فتح ثغرة في الجدار الفاصل بينهما لتجنب الخيار العسكري الذي سيكون سابقة غير مقبولة نظراً للطبيعة شديدة الخصوصية التي تميز علاقتهما , لكن أيضاً تجب الإشارة إلي أن هناك طبقات سلبية متبادلة في العلاقات المصرية السودانية تكونت منذ الثورة المهدية التي إشتعلت لمدة أربع سنوات أي بين 1882 إلي  1885 وحتي أيامنا هذه  .

ولما لم تحقق الجولة الأولي ولا الثانية للجنة المُشتركة بشأن حلايب نتيجة إيجابية لتسوية النزاع فقد عُقدت دورتها الثالثة والأخيرة بالخرطوم في الفترة من 22 إلي 24 فبراير 1993 وقد حضرتها وتابعت مجرياتها , وترأس الجانب المصري فيها السفير / مهاب مقبل وكيل وزارة الخارجية المصرية وترأس الجانب السوداني السفير / بريدو وكيل وزارة الخارجية السودانية , وقد إستهل رئيس الجانب السوداني الدورة بأن ذكر ” أن إختصاصات اللجنة المشتركة تنحصر في تدارس المهام المُوكلة إليها والتقدم بتوصياتها للجهات العليا بالبلدين وأنها ” تؤمن علي آراءها ومقترحاتها التي عبرت عنها في الجولة الثانية من المباحثات التي عُقدت في القاهرة في الفترة من 27 إلي 31 أكتوبر 1992 والتي وردت روحاً ونصاً في المحضر المُوقع عليه من رئيسي الجانبين , وأن الجانبان يؤكدا حرصهما علي تسوية الخلافات القائمة أو أي خلاف قد ينشا بينهما بالتفاوض المباشر وفي إطار اللجنة وفي ظل الحرص الدائم علي تجنب أي تصعيد لهذه الخلافات وتسويتها في إطار ودي بما يحفظ مصلحة الشعبين الشقيقين , وأنه من الضروري وقف كافة أو مختلف الحملات الإعلامية التي تؤثر سلباً علي مناخ العلاقات بين البلدين والعمل علي تهيئة الظروف الملائمة لإزالة مظاهر التوتر وتكريس الإيجابيات , كما أن اللجنة تؤكد ضرورة الإسراع في تكوين لجنة الإتصال المُشار إليها في البند ثانياً من محضر إجتماعها السابق علي أن تباشر عملها فوراً , وأنه مطلوب التوصل لوثيقة سرية ليست للنشر أو التداول وكذلك إصدار بيان صحفي ”  , وواصل رئيس الجانب السوداني قائلاً ” يؤكد الطرفان بأنهما لا يسعيان لحل الخلاف بالوسائل العسكرية فمن وجهة نظرنا ان تسوي موضوعاً بشكل عسكري ونحن نحرص علي تسوية سلمية ولذلك حرصنا علي ان نشير في البيان إلي أن الطرفان يؤكدان حرصهما علي تسوية الخلافات القائمة أو التي قد تنشأ من خلال التفاوض المباشر بين البلدين وفي إطار اللجنة المُشتركة وفي ظل الحرص الدائم علي تجنب أي تصعيد لهذه الخلافات وتسويتها في إطار ودي بما يحفظ مصلحة الشعبين    ”  .

تضمنت الدورة الثالثة للجنة تسوية النزاع في حلايب إشارات هامة أدلي بها الجانبان أثناء التباحث فقد حرص الجانب السوداني علي توضيح معني المُقترح بشأن تعديل عبارة  سترد في الفقرة الثانية بالبيان الختامي وهي عبارة ”  يؤكد الطرفان أنهما لا يسعيان إلي حل بالوسائل العسكرية ” لأنه من وجهة النظر السودانية هناك ضرورة لتحديد الوسائل العسكرية بإعتبارها قضية الساعة فمن شأنها تهديد السلام والناس بالمنطقة , كما أنه فيما يتعلق بالفقرة التي تشير لوقف الحملات الإعلامية فإن الجانب السوداني أشار لضرورة الإشارة للإعلام الرسمي لأنه الأكثر تعقيداً في آثاره وخطره , أما فيما يتعلق بلجنة الإتصال فيجب أن تبدأ عملها فوراً علي أن يكون لها نطاق عمل ونطاق زمني وبإعتبار أن مهمتها التوصية بإجراءات تساعد علي إعادة الوضع إلي ما كان عليه في أكتوبر 1992 ونأمل (الجانب السوداني)  في وضع ما تقدم في الفقرة الرئيسية وأن تأخذ لجنة الصياغة هذا في إعتبارها ( تكونت لجنة البيان الصحفي من د. جعفر ميرغني  والسفير /عبدالله جبار والسيد / موسي سيد أحمد أما لجنة الصياغة المصرية فتكونت من د / مفيد شهاب ود  /صلاح عامر والمستشار/ وجيه حمدي ومستشار/ حسين مبارك )   .

أنكر الجانب المصري بشكل كامل فيما يتعلق بالبند الثالث من البيان بشأن الحملات (الإعلامية ) الرسمية بأن هناك ثمة حملات رسمية مصرية بشأن النزاع علي حلايب , وأشار إلي أن مستوي اللجنة لا يمكنه أي الجانب المصري في هذه اللجنة من توجيه الجانب الإعلامي   الرسمي حتي من حيث الـ   SAVOIRE FAIRE كما رأي الجانب المصري أن تعبير ” حل النزاع بالقوة ” يتساوي مع تعبير “بالوسائل العسكرية ” الذي يفضله الجانب السوداني    .

وفي الجلستين الصباحية والمسائية يوم 24 فبراير واصلت اللجنة إجتماعها وتناولت هاتين الجلستين صياغة مقترحات اعضاء اللجنة ومناقشة تقرير لجنة الصياغة التي أبقت علي ديباجة البيان المُفترض إصداره في نهاية عملها والتي تضمنت نفس العبارتين التي أنتهت إليها اللجنة في إجتماع القاهرة وهي عبارتي ” أن الطرفان لا يسعيان إلي حل النزاع بالوسائل العسكرية ” و” الخلاف القائم علي الحدود ” لكن السفير / مهاب مقبل نوه إلي أن الجانب السوداني يقرأ من نص هو الذي إقترحه فيما أن الجانب المصري يؤكد علي أن النص الذي يقرأه الجانب السوداني مختلف , وشدد علي عدم الموافقة علي إستخدام عبارة ” اللجوء لإستخدام القوة”  وأشار إلي أن المناقشات أصبحت تسير لوجهة خارج تفويض اللجنة , فيما أعاد الجانب السوداني تكرار رغبته في الإشارة إلي عبارة ” دون إستخدام القوة ” لأنها يُفهم منها أن وسيلة التفاوض المباشر هي المؤمن عليها حتي وإن إستعمل أحد الأطراف القوة فهي تعني بوضوح إستبعاد للجوء للقوة والإستمرار في التفاوض المباشر وعدم وجود هذه العبارة غير منطقي ونحن نعرف أنها منصوص عليها في المواثيق الدولية إذن فلما لا ننص عليها هنا وفيم الإنزعاج من النص عليها ؟ , كما أننا (السودان) نري أن دخول القوات المصرية إلي حلايب إستخدام للقوة , فرد الجانب المصري بإن هذه العبارة غير ضرورية لأنه لو تصورنا أننا نقرأها في صحيفة فسنشعر أن هناك ثمة تهديد وهو أمر غير وارد من الجانبين  , كما أن القول بأن الوثيقة التي نناقشها (البيان) وثيقة سرية غير واقعي فالوثيقة تاريخية يجب أن تقرأها الأجيال, لكن رئيس الجانب السوداني تساءل عن سبب تحفظ الجانب المصري علي ذكر عبارة ” إستخدام القوة ” اللهم إلا كانت مصر تنوي إستخدامها , ورد الجانب المصري أنه لا داعي لمثل هذا القول فقد قُتل جنود مصريون في أبو رماد ودخلت قوات سودانية وأننا إتفقنا علي ألا تستجد أي إجراءات ورغم ذلك أتخذ الجانب السوداني إجراءات وتجاوزات أفليس في ذلك إستعمال للقوة ؟ هنا اعاد الجانب السوداني الإشارة إلي أن النص الأصلي الذي صدر عن إجتماع القاهرة أشار إلي عبارة ” الوسائل العسكرية ” والتي تغيرت فأصبحت ” بالقوة ” , وهنا تدخل أحد أعضاء الجانب السوداني فأقترح إستبدال  العبارة المُختلف عليها بعبارة ” من خلال الوسائل السلمية”  ودون اللجوء لأي وسائل أخري ولتجنب كل ما من شأنه ” تعكير صفو العلاقات ” ووافق الجانب المصري علي هذا التعديل لكن أحد أعضاء الجانب السوداني طلب إيضاح مدلول مصطلح” الوسائل الأخري ” .

إستمر الجدل إلي أن قال د / مفيد شهاب عضو الوفد المصري أنه  ” لابد أن نضع في الإعتبار حدود عمل هذه اللجنة ومدي تفويضها خاصة وأن اللجنة لا تملك إصدار أحكام , أما بالنسبة لما يريده الجانب السوداني من ضرورة إعادة الوضع في حلايب إلي ما كان عليه فهذا أمر يتم تناوله داخل هذه اللجنة التي لها صلاحية معينة MANDAT من واجبها تحديد طبيعة النزاع , كما أن هناك لجنة إتصال علي أرض الواقع في حلايب ومن المُحتم أن تجتمع  أما لجنتنا هذه فلابد من أن نحدد لها تكليف ” وأشار الجانب السوداني هنا إلي أن هناك إختلاف مع الجانب المصري بشأن صلاحيات ومدي عمل اللجنة وبالطبع فإن هذا أكد مدي الصعوبة في التفاهم فكلا الجانبين نواياه ليست متطابقة مع نوايا نظيره في اللجنة فكونهما يتنازعان في أمور تتعلق باللجنة ذاتها يعني أن الموضوع الرئيسي وهو النزاع نفسه قد إبتعد كثيرا عن أي تسوية , وقد جرت المناقشات في معظم أوقات هذه اللجنة في مناقشة ما يتعلق بها أكثر مما تعلق بالنزاع نفسه وكيفية الوصول إلي تسوية مرضية لكلاالجانبين , وطرحت صياغات سودانية وأخري مصرية , لكن بعضها أصطدم بمدي ولاية اللجنة ولذا تكررت عبارة ” سنرجع للقاهرة أو للخرطوم  ” وأشار السفير مهاب مقبل لذلك عندما قال ” أكرر ثانية لنا أن نعود إلي التفكير في العمل الشاق المُتواصل الذي خضناه سوياً لمدة أربعة أيام كنا طوالها نسير علي جدول أعمال سوداني ونعدل في صياغات سودانية حتي وصلنا إلي ما يتعدي قدراتنا بمراحل , وأملنا ما يزال أن ننجح في  هذا الإجتماع , وهناك صعوبة في قبول المقترح السوداني الذي قُدم مساء أمس وفي تقديري أنه يمكن إعادة تقديمه بصيغة جديدة حتي يتوائم مع المقترح والصيغة المصرية , وأكرر أننا خرجنا عن إطار حدودنا كوفد وكلجنة ” وبطبيعة الحال كان رد السفير بريدو رئيس الجانب السوداني قوله ” إننا نعمل حتي الآن في إطار جدول أعمل مُتفق عليه وهو جدول أعمال الإجتماع السابق بالقاهرة والذي تم فيه الإتفاق علي عدد من المسائل منها تجنب تعكير صفو العلاقات ومناقشة مسائل قانونية , ومن هذا المُنطلق نناقش بكل إخلاص وصدق ما يتعلق بأحداث هامة فرضت نفسها منذ إجتماعنا السابق , وفي هذا الإطار أخذ الجانب السوداني بزمام المبادرة وتقدم بمقترحات مكتوبة , وقد وضح أن معظم أن معظم النقاط التي طرحها الجانب السوداني كان مُتفقاً عليها ماعدا بعض التعديلات البسيطة وقد أختلفنا في البند الرابع  ( الخاص بّإقامة لجنة الإتصال) ورغم الإطار المحدود من الصلاحيات فقد تقدمنا بصيغ مختلفة لغةً وما قدمناه لم يأت من فراغ فهو يرتكز علي ما سبق أن إتفقنا عليه , ومن هنا أعتقد أن النصين مُتقاربين جداً وآمل أن تدرسوا مرةً أخري بإمعان وهدوء شديد المُقترح السوداني الخاص بالتعديل , وهنا إقترح عضو الوفد المصري د. صلاح عامر رفع اللجنة لعشر دقائق ريثما يتدوال رئيسي الجانبين مع بعض معاونيهما للوصول لحل توافقي وهو ما رحب الجانب السوداني به , وتواصلت بعد ذلك أعمال اللجنة ثم قرأ السفير مُهاب نصاً قال أنه يُزاوج النصين وهو ” … تؤكد اللجنة ضرورة الإسراع في تشكيل لجنة الإتصال المُشار إليها في البند ثانياً من محضر الإجتماع السابق علي أن تباشر فوراً عملها المنصوص عليه لمعالجة الأحداث التي وقعت والتي قد تقع في المنطقة  (حلايب) وأن ترفع تقريرها إلي اللجنة المُشتركة في إجتماعها القادم في أقرب فرصة ” , لكن رئيس الجانب السوداني رد  فأشار بقوله ” نشكر الجانب المصري علي الجهود الكبيرة التي بذلها , لكن مع إحترامنا فإننا لا نلمس أنه عالج المسائل الهامة التي أشار إليها وفد السودان في تعديله الذي قدمه للوفد المصري , لذا فكسباً للوقت أحسب أننا لا نحتاج أن نتشاور علي هذا النص الجديد لانه لا يختلف إلا في جزئيات بينما غاب تماما  تناول المسائل التي أشار إليها وفد السودان في إطار اللجنة الأمنية أو لجنة الإتصال ولذلك فقد رجعنا إلي المربع رقم واحد ” , ورد رئيس الجانب السوداني فقال ” في تعديلنا المُقدم مقابل النص المصري أشرنا للأحداث التي وقعت منذ مارس 1992 , وهذا غير وارد في النص المصري , كما أننا أشرنا في نصنا إلي إعادة الوضع لما كان عليه وملاحظاتنا أي أن هناك ثلاث مسائل جوهرية لم يُشر إليها ” وتداخل العميد / حسن عثمان ضحوي فأكد علي ” من الواضح أن اللجنة وصلت لمفترق طرق لأن اللجنة غير قادرة بصلاحياتها الراهنة غير قادرة علي إعادة الأوضاع إلي ما كانت عليه قبل مارس 1992 ” مالم تتصل بالمسئولين في البلدين ” وهذه العبارة وردت في اللجنة الفنية علي أساس أنه مسموح للجنة الفنية الإتصال بهؤلاء المسئولين , والسؤال هنا ك لماذا نحرم اللجنة الصغيرة من إمتياز الإتصال بهم ؟ فقد تكون هي رسول السلام , يبقي كذلك إضافة جملة ” أن تعيد الأوضاع إلي ما كانت عليه قبل مارس 1992″ وهو ما رد عليه رئيس الجانب المصري قائلاً ” لم يكن مقصوداً حرمانها من هذه الميزة لأنه منصوص عليها في المحضر بند 2 عندما أُشير إلي أن علي اللجنة أن تباشر عملها وترفع تقاريرها للجنة المُشتركة لأنه من الطبيعي للجنة فرعية أن يكون مداها هكذا وهذا أمر سبق النص عليه , وبالرغم من ذلك لو أُريد إضافة ذلك الإمتياز يمكننا أن نجد صياغة , إلا أنه فيما يتعلق بمسألة إعادة الأوضاع فأنا لا أستطيع لأن لي حدود لا يمكنني تجاوزها ” وهو ما أمن عليه الجانب السوداني الذي أكد علي لسان رئيسه ” إننا لسنا في موقف يمكننا من التنازل عن ضرورة سحب الوجود العسكري والمدني قبل مارس 1992 , ولكننا سعينا في ظل الحرص وبدأنا نجد صيغ مرنة ومقبولة حتي تعكس هذا المعني في التعديلات الكثيرة ولا زلنا نواصل هذا المسعي وهذا الجهد ” وأردف السيد / عباس موسي عضو الوفد السوداني فقال ” يعز علينا بعد الجهد أن نصل إلي نقطة كنا قد تجاوزناها , وسنحاول إيجاد مخرج بحيث تكون النهاية سعيدة , وسبق أن إقترح د . صلاح عامر في الإجتماع السابق أنه في حالة عدم الوصول لرأي موحد يمكن ترك الفقرة الرابعة كما هي وبعد ذلك يثبت كل فريق وجهة نظره ” وتساءل السفير السوداني بالقاهرة / عز الدين السيد عن مفهوم الجانب المصري للأحداث التي وقعت  والتي قد تقع فرد رئيس الجانب المصري بقوله ” المقصود هو الموافقة علي الرغبات السودانية وهذا أمر خارج التعليمات ” فأشار د. جعفر ميرغني عضو الوفد السوداني ” إننا كلما إقتربنا من الإتفاق نبتعد وأري أننا أمام إقتراحين متناقضين ولذا أري إقامة اللجنة  (الإتصال ) ونسجل فيها وجهتي النظر ورفعهما للمستوي الأعلي ” وأمن السفير مهاب علي مسألة الرفع للمستوي الأعلي , وقال نحن عندما نعترض علي إقتراحات معينة من الجانب السوداني فإننا نفعل ذلك لكونها مُصادرة علي المطلوب  ” وتدخل د. مفيد شهاب قائلاً” إنه إذا ما كان هناك إختلاف فيمكن إستمرار تشاورنا حول هذا الوضع لكني أود طرح تعديل كما يلي  ” …. وأتفق الجانبان علي التشاور بينهما علي أسلوب عمل اللجنة ” وأري أن ميزة هذا التعديل أنه لم يشر إلي إختلاف بيننا وأنه يسجل مبدئياً أن الجانبان إتفقا علي أسلوب عمل اللجنة أما الإشارة بعبارات كـ : “سجل الجانب السوداني ” و ” يري الجانب المصري” فهي إشارات يصعب قبولها فمكانها الخطابات المُتبادلة بين دولة وأخري وليس في إجتماع لجنتنا ” وأردف رئيس الجانب المصري قوله ” أتفق مع ما ذكره د. مفيد وأتساءل هل يُتصور إن نتباري بقدراتنا في تسجيل التحفظات وهل هذا يتلائم شكلاً مع محضر إجتماعاتنا ؟ وهو منطق لم يوافق عليه رئيس الجانب السوداني , لكن رئيس الجانب المصري أشار إلي أن هناك إعتبار عملي لأنه إذا وصلنا لنقطة تسجيل تحفظات الطرفين فسوف يمتلئ المحضر بها وسنشير إلي إتفاقية 1899″ .

لم يصدر عن الدورة الثالثة للجنة المُشتركة لبحث مسألة حلايب بيان صحفي  يوجز مجرياتها , لكن يمكن القول أن إتجاه الجانب السوداني الغالب فيها هو إعادة الأوضاع لما كانت عليه قبل مارس 1992 , فيما كان إتجاه الجانب المصري  التسويف مع إحالة النقاط الحرجة والمهمة في النزاع إلي لجنة الإتصال التي بدورها لم تستمر وما كان لها أن تستمر في ضوء المضمون العبثي للنقاشات التي تبودلت في آخر إنعقاد للجنة حلايب , وبالتالي فلم يتفق الطرفان علي شيئ مُحدد , فاللجنة في الحقيقة لم تكن لجنة حل وإبرام بالرغم من أنها تناقش نزاع ذا وجهين قابلين للتفسير بأنهما حق وهذه هي اللعبة الماكرة حمالة الأوجه التي وضع المُستعمر البريطاني قواعدها , والتي لم يحاول بل لم يفكر في وضعها الإستعمار البريطاني في حالة تعليم الحدود بين مصر وفلسطين بعد إحتلاله للأخيرة وذلك لأسباب سيرد ذكرها لاحقاً , كما يُلاحظ أن الإتفاق علي مسألتي إنشاء لجنة الإتصال الميدانية وإعادة الأوضاع إلي ما كانت عليه قبل مارس 1992 واللتين دار نقاش الجانبين بشأنهما كان من الواضح أن الجانبين أبعد ما يكونا عن حسمهما لعدم توافر الإرادة السياسية للحل من خلال تنازلات يري كل طرف أنه لو أقدم عليها فستنتقص من سيادته , وفي الحقيقة فإن لجنة حلايب كانت من الضعف من ناحية الصلاحيات ومن ناحية الظروف المحيطة بها بحيث كان من المُحتم أن تسجل فشلاً ذريعاً آيته أنها إنعقدت ثلاث مرات بالقاهرة والخرطوم في حوالي عام واحد دون نتيجة مُحددة بل إنها في تقديري كشفت عن إستعصاء النزاع علي الحل    .

بإخفاق ” لجنة حلايب ” أستأنفت الدولتان وتيرة النزاع علي حلايب وشددت مصر قبضتها العسكرية والأمنية علي المثلث وتعاملت مع موضوع تبديل القوة السودانية التي كانت في حلايب بأقل قدر من المرونة ولهذا وبعد الرسالة التي أرسلها وزير الخارجية السوداني لنظيره المصري في 24 نوفمبر 1993 بشأن الإجراءات التي” ظلت السلطات المصرية تتخذها بمنطقة حلايب السودانية ” أرسلت الخارجية السودانية رسالة أخري رسمية مؤرخة في 26 يناير 1994 أشارت فيها إلي أنها ” تود أن تعبر عن أسفها لمواصلة إتخاذ مثل هذه الإجراءات والتي إتسمت بطابع إستفزازي في الآونة الأخيرة,وتود الوزارة  (الخارجية السودانية ) أن تورد الأمثلة التالية للخطوات غير المقبولة التي أقدمت عليها السلطات المصرية مؤخراً  :-

1- بتاريخ 22 يناير 1994 إحتجت القوات المصرية علي رفع الأعلام السودانية في حلايب بدعوي أن لديها توجيهات سياسية بعدم رفع أي أعلام سودانية في المنطقة , علماً بأن الإتفاق السابق يشير إلي إنزال الأعلام السودانية والمصرية في منطقة شلاتين فقط     .

2- قامت قوة مصرية من القوات الخاصة في الثامنة والنصف من صباح 22 يناير 1994 بدخول مرسي الشلال مستخدمة عربيتي جيب , وبعد إحتواء الموقف محلياً قامت القوة الخاصة وبقيادة اللواء حمش بندري وعدد من الضباط من مختلف الرتب بدخول المرسي مرة أخري      .

3- قامت القوات المصرية في 23 يناير 1994 بتعزيز تواجدها بحفر موقع دفاعي علي بعد خمسمائة متر أمام القوات السودانية بالقطاع الغربي شمال حلايب , كما قامت القوات المصرية بحجز ثلاثة من أفراد القوات المسلحة السودانية علي خط عرض 22 درجة     .

4- قامت قوات مصرية بتاريخ 15 ديسيمبر 1993 بإنشاء معسكرين جديدين جنوب خط عرض 22 درجة أحدهما شرق قرية أرقين والثاني غربها بدعوي أن منطقة أرقين  ( معناها الجنة باللغة النوبية )  أرض مصرية , وقد كانت تلك هي المرة الثانية التي تتوغل فيها قوات مصرية داخل المنطقة , إذ سبق أن قامت بذلك في 16 أغسطس 1993 وأقامت معسكراً ووضعت لافتة حدودية   ”   .

أضافت الرسالة  ” أن حكومة جمهورية السودان إذ تعرب عن قلقها البالغ إزاء هذه الإجراءات الخطيرة التي تهدد الأمن والسلم في المنطقة والتي قابلتها حكومة السودان بالحكمة والصبر , تود أن تشير إلي خطورة هذه الإجراءات علي نحو يتعارض بصورة صارخة مع ماتم الإتفاق عليه من قبل , كما أنها تعارض مع ما شرع فيه الطرفين من إتصالات ولقاءات علي مستويات عليا ترمي إلي إحتواء مظاهر التوتر في العلاقات بين البلدين الشقيقين وإلي معالجة المسائل العالقة عن طريق المحادثات والحوار المباشر بين السيدين وزيري خارجية البلدين ” ثم خُتمت هذه الرسالة بأن ” حكومة جمهورية السودان تطلب من حكومة جمهورية مصر العربية إيقاف تلك الأعمال فوراً مع مراعاة عدم تكرارها مستقبلاً , وذلك حفاظاً علي العلاقات الأخوية بين البلدين والإبتعاد بها عن المزيد من التوتر ”     .

إستمرت مصر في إتخاذ إجراءات وقرارات مختلفة لتأكيد سيادتها علي منطقة حلايب وآخرها إصدار الرئيس المؤقت في الأول من يونيو  2014 قرارًا بقانون بالترخيص لوزير البترول والثروة المعدنية في التعاقد مع الهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية وشركة شلاتين للثروة المعدنية (ش.م.م) للبحث عن الذهب والمعادن المُصاحبة له واستغلالها في مناطق  جبل إيقات –  جبل الجرف – وادي ميسح – جبل علبة – منطقة أسوان بالصحراء الشرقية , وتجدر الإشارة إلى أن شركة شلاتين للثروة المعدنية كانت قد تقدمت بطلب للهيئة المصرية العامة للثروة المعدنية للحصول على امتياز للبحث عن الذهب والمعادن المصاحبة له واستغلالها في مناطق الامتيار الخمس المُشار إليها بعاليه ، والتي تبلغ مساحتها الإجمالية 13670 كم2، في حلايب وشلاتين وأسوان، وهو الطلب الذي وافقت عليه الهيئة على أساس نظام اقتسام الإنتاج    .

كانت اللجنة المُشتركة بشأن النزاع علي حلايب  في حد ذاتها ضرورة لمنع صدام عسكري ودرءاً لمواجهة عسكرية مُحتملة وفي تقديري أن دوافع إنشاءها كانت بسبب طبيعة العلاقات غير القابلة لمواجهة عسكرية , ولإن هذه اللجنة  كانت محدودة الصلاحيات هي ولجنة الإتصال كان مُزمع إنشاءها لذلك لم تصلا لحل بل حتي لم تقتربا حتي من الحل لأسباب مختلفة  من أهمها الإختلاف الحاصل في المحيط الإقليمي للبلدين والوزن النسبي لكلا البلدين فيه ولذلك يُلاحظ أن النزاع علي حلايب كان تناوله متبايناً في فترة الرئيس المخلوع / حسني مبارك  1981-2011عنه إبان فترة الرئيس / جمال عبد الناصر التي لم يكن النظام الناصري فيها راغباً لأسباب متعددة في صبغ علاقاته بالسودان بصبغة عدائية ولو محدودة إدراكاً منه بأنها قضية أمن قومي يجب أن تعلو فوق ما عداها , ولهذا وبالرغم من قوة مركز النظام الناصري داخليا وإقليمياً وقتها إلا أنه قام بسحب قواته من حلايب بعد أن ثارت الأزمة بشأنه بسبب إرسال مصر لفريق من الموظفين لإجراء الإستفتاء علي الوحدة مع سوريا وشروع السودان في إجراء إنتخابات وجُمد النزاع طيلة فترة الرئيس/ عبد الناصر بل إن نظام الرئيس / عبد الناصر وثب وثبة ناجحة وإستراتيجية بعد أقل عام من الصدام بسبب حلايب  لأسباب كثيرة , فقد توصلت مصر والسودان لإبرام إتفاق ” للإنتفاع الكامل بمياه النيل ” في 8 نوفمبر 1959 وُقع بمقر وزارة الخارجية المصرية بالقاهرة وهو إتفاق قرر حصتين من مياه النيل لكلا الدولتين وأنشأ هذا الإتفاق اللجنة الفنية الدائمة التي مثلت إطاراً لتحقيق التعاون الفني بينهما , الأمر الذي أرسي قاعدة صلبة لعلاقات إستراتيجية إمتدت في بوتيرة أعلي في إتجاه إستراتيجي في معظم الموضوعات في فترة حكم الرئيس / السادات , لكن علي نحو مختلف تماماً كان السودان في فترة الرئيس المخلوع مبارك والتي كان ثلثيها مُتزامناً مع فترة حكم ثورة الإنقاذ الوطني بالسودان يمثل عبئاً علي السياسة المصرية التي رأت أن السودان بإختياره النموذج الإسلامي أو ذا الصبغة الإسلامية ( وهي مسألة خلافية فقد كان نظاماً في أخريات عهده راديكالياً عمليتاً) آثر الإبتعاد أحياناً عن القضية المركزية للسودان أي عن الصراع في جنوب السودان والإكتفاء بتصريحات قوية عن أن مصر مع وحدة السودان وبأن السودان قضية أمن قومي وعبارات من هذا القبيل خالية من عمل ميداني وفعلي , فلم تكن مصر براغبة في الإقدام علي تدخل كلي في هذا الصراع بمعني تقديم الدعم العسكري لحكومة الخرطوم أسوة بما تفعله أطراف أخري محيطة بالسودان كحالة كينيا التي لعبت دوراً في التفاوض بشأن هذه القضية خاصة في إطار منظمة IGAD بل إن كينيا وأوغندا لعبتا دوراً هاما في الدعم العسكري للإنفصاليين الجنوبيين وكذلك في الدعم السياسي لهم بل وتلقت كينيا وأوغندا علي نحو خاص دعم عسكري امريكي لتقديم أفضل دعم ممكن للإنفصاليين بجنوب السودان  .

كان واضحاً للجانبين حتي قبل إنعقادها أن لجنة حلايب لن تؤتي بنتيجة إيجابية وكنت أراها أثناء حضوري دورتها الثالثة بالخرطوم أنها ليست أكثر من مبرر إستخدمه الجانبان ليقي نفسه شر صدام عسكري لا يريده أيهما بنفس القدر , خاصة وأنه سيُعد سابقة في علاقات دولتين ما يجمع بينهما المفروض أنه أقوي مما يُفرق , لكن المثير للدهشة أنه بمجرد عودة الجانب المصري للقاهرة عاد كل طرف للتصرف حيال حلايب بوسائله المُتاحة , فعلي الجانب السوداني يمكن أيضاً إيراد بعض الخطوات الرئيسية في هذا الشأن بالترتيب الزمني التالي   :-

أجرت الحكومة السودانية التعداد السكاني القومي الرابع في 15 أبريل 1993 وأعلن وزير المالية السوداني في مؤتمر صحفي عُقد بالخرطوم في 22 أغسطس 1993 نتائجه بحضور مدير عام الجهاز المركزي للإحصاء وممثل صندوق الأمم المتحدة للأنشطة السكانية تفاصيل التعداد المختلفة –  وأشار إلي ” أن المناطق التي لم يتم إجراء التعداد فيها أولم يجر فيها التعداد بشكل فني كامل شملت كل من محافظات كادوجلي بولاية كردفان بصورة جزئية وجونجلي والوحدة والسوباط بأعالي النيل وجوجريال وأويل والبحيرات بولاية بحر الغزال وياي ويامبيو بالولاية الإستوائية منوهاً بأنه سيتم إحصاء هذه المحافظات حالما يتوفر الأمن بها ” , وهذه الفقرة من بيان وزير المالية تعني أن التعداد القومي الرابع بالسودان لم يكن مُكتملاً من الناحية الجغرافية وإلي حد ما من الناحية الفنية , بالإضافة إلي أنه لم يشر بشكل أو بآخر كما كان متوقعاً – من الجانب السوداني – إلي تنفيذ هذا التعداد في منطقة حلايب والتي وفقاً للواقع علي الأرض لم يكن من الممكن إجراؤه فيها نظراً لقبضة مصر علي المنطقة وإغلاقها للحدود بمحاذاة خط  عرض 22 درجة , وإتصالاً بذلك تجب الإشارة إلي تصريح رسمي أعلنه في 29 ابريل 1993 (قبل إنتهاء عمليات التعداد بيوم واحد) السيد/ محجوب أوشيك مدير التعداد بالولاية الشرقية التي تتكون من 3 ولايات منها ولايات البحر الأحمر التي تتكون من 4 محافظات إحداها حلايب حيث أشار إلي ” أن العمل الميداني بالولاية الشرقية إكتمل بنسبة   80% ”  فيما أكد السيد / جاد الرب أحمد  مدير التعداد بالمحافظات الشمالية  (منها حلايب )  للولاية الشرقية في 30 أبريل 1993 ” أن التعداد بمحافظة حلايب قد إنتهي في موعده بصورة مُرضية رغم بعض العقبات التي واجهت العمل ” , وفي الحقيقة أن هناك شيئ من الإلتباس في مصطلح حلايب عند إستخدامه من ناحية السودان ومصر بعد تمركز القوات المسلحة المصرية في منطقة حلايب التي حدها الجنوبي خط عرض 22 درجة , فعلي الجانب السوداني نجد أن مصطلح ” حلايب” يعني نصف  دائرة نصفها تحت خط عرض 22 درجة وتشمل منطقة أوسيف والنصف الآخر فوق خط عرض 22 درجة وبها مثلث ما يُعرف بـ ” مثلث حلايب ” وفي الوقع فإن مجمل ظروف السودان الأمنية والعسكرية بل والسياسية لم تكن لتتيح إنجاز تعداد سكاني وفقاً للمعايير الفنية الدولية المُتعارف عليها  ولذلك يمكن القول بأن هذا التعداد وإن حقق في ظل هذه الظروف الصعبة نتائج يمكن إستخدامها في الأغراض المطلوبة علي مستوي التخطيط القومي إلا أنها لا تفي بهذه الأغراض فيما لو تعلق الأمر بالولايات الجنوبية التسع التي إستعاض الجهاز الإحصائي السوداني ببيانات تقديرية عنها لعدم التمكن من إستخلاص بيانات واقعية بسبب الواقع الأمني السلبي بها , كذلك فإن التعداد لم يتحقق فعلياً علي الجزء الشمالي من محافظة حلايب أي الذي شمال خط عرض 22 درجة وبالتالي لم يتحقق الغرض السياسي الذي ربما إستهدفته الحكومة السوداني بتسجيل سابقة إضافية لإسباغ السيادة السودانية عليه كما سبق وفعلت من خلال إجراء إنتخابات 1953 و1986 في  هذه المنطقة المُتنازع عليها   .

تزامن مع شروع الحكومة السودانية في إجراء التعداد السكاني القومي الرابع مواصلة سلطة ثورة الإنقاذ الوطني في إستكمال منظومة النظام السياسي من خلال ” نظام المؤتمرات الشعبية ” الذي إعتمدته لإنتقال السلطة إلي الشعب السوداني ويتكون هذا النظام السياسي  خمسة مستويات هي  :-

  • –  مــستوي المؤتمرات الأساسية   .
  • –  مــستوي المجالس الشعبية   .
  • –   مــستوي مؤتمرات المحافظات   .
  • –   مــستوي مؤتمرات الولايات   .
  •   – مــستوي المؤتمر الوطني    .

ورغم بعض الصعوبة التي واجهت أمانة المؤتمر الوطني آنئذ للإلتزام بما ورد بالمرسوم الدستوري السابع بشأن قيام مجالس الولايات إثر التغييرات التي أدت بموجب المرسوم الدستوري العاشر المُوقع في 14 فبراير 1994 إلي قيام نظام فيدرالي جديد بموجبه أصبح السودان مكوناً من 26 ولاية بدلاً من تسع وفقاً للتنظيم الإداري السابق , إلا أن أمانة المؤتمر الوطني نجحت في الإلتزام ببناء النظام السياسي علي المستوي الولائي وفقاً للجدول الزمني المحدد له وهو 30 يونيو 1994 وفقاً لتصريح أدلي به الأول من مارس 1994 السيد / الشفيع أحمد محمد نائب لأمين أمانة المؤتمر الوطني وأوضحه ثانية في 11 مارس 1994 عندما أشار قوله ” إن إجراءات الإنتخابات والدوائر الجغرافية أمر من صميم عمل لجنة الأإنتخابات والتي سيتم تشكيلها بعد صدور قانون الإنتخابات وأن التنظيمات وفق التقسيم الأإداري الجديد قد تمت خاصة بالشمال ” , وتطبيقاً لذلك عكفت أمانة المؤتمر الوطني بولاية البحر الأحمر علي إعداد الترتيبات الخاصة بعقد المؤتمرات الخاصة ببناء النظام السياسي بالولاية بما فيها مؤتمرات القطاعات النسوية والثقافية والإجتماعية والشبابية والإقتصادية وهي آخرهم وتنتهي في 22 أبريل 1994 وفقاً للبرناج الزمني الموضوع , وإتصالاً بموضوع الإنتخابات أصدر رئيس القضاء السوداني قراراً في 5 أبريل 1994 كلف بموجبه 25 قاض لرئاسة الأجهزة القضائية بالولايات الجديدة , وفي هذا الأإطار عين القاضي / عبد الرؤوف حسب الله لولاية البحر الأحمر التي تعتبر محافظة حلايب أحد محافظاتها الأربع , وذلك في الوقت الذي أعلنت مصر عن إنشاء دائرة إنتخابية في حلايب  .

أرسلت وكالة أنباء الشرق الأوسط رسالة خبرية من الخرطوم في 22 أكتوبر 1995 تشير إلي أن إنتخابات مجالس الولايات سوف تبدأ في مطلع ديسمبر بعموم ولايات السودان وأنه تم إختيار ولايتي البحر الأحمر والشمالية كولايتين نموذجتين لبدء تطبيق التجربة التي ستستمر تدريجياً لحين قيام المجلس الوطني في 30 يونيو القادم , وقد أكد مصدر رفيع لجريدة السودان الحديث بعددها في 22 أكتوبر 1995 أن هذه الخطوة تتم بتنسيق مُشترك بين هيئة الإنتخابات وأمانة النظام السياسي التي ستشرف علي إنتخابات أمانات الولايات والمُصعدين للمؤتمر الوطني بينما تتولي هيئة الأإنتتخابات الإشراف علي إنتخاب 50% من أعضاء مجالس الولايات إضافة للإشراف علي إنتخابات الدوائر الجغرافية ويعني ذلك أن السودان يضع إجراء الإنتخابات في حلايب في البرناج الزمني للإنتخابات التي كان من المُفترض إجراؤها في عموم السودان في 30 يونيو 1994 لولا أنه أُجلت بسبب عملية إعادة النظر في تقسيم ولايات السودان .

أعلنت حكومة السودان عن إجراء التعداد السكاني الخامس من نوعه علي المستوي القومي , علي أن يتم تنفيذه في 15 أبريل 2003 , ومن بين ما أوضحه مدير إدارة الإحصاءات الإجتماعية والسكانية بالجهاز المركزي للإحصاء لوسائل الإعلام في مؤتمر صحفي بالخرطوم في 20 مارس 2001  ” أن الأمم المتحدة لا تقدم أي دعم لهذا العمل مالم تلمس جدية من قبل الحكومة , كما أن الخرائط القديمة تحتاج لتحديث نظراً للتغيرات الإدارية التي طرأت بعد عام 1993  “( أي بعد تطبيق التقسيم الإداري الجديد وفقاً للنظام الفيدرائي بإنشاء 26 ولاية بدلاً من تسع  ) و أشار إشارة مهمة عندما قال ” لابد من رسم خرائط حديثة علي مستويا الولاية والمحافظة لتحديد مسافات وطرق تواجد العرب الرحل ” منوها بقوله ” أن هذا التعداد سيتم بشكل عيني وليس شاملاً نظراً لظروف السودان الإقتصادية ” .

إجمالً يمكن القول بقليل من التحفظ أن كلا النظامين السودانيين سواء أكان البشير و/ أو البرهان مأزووم سياسياً في قضية مركزية تتعلق بعدم قبول شعب السودان الأبي للنظام العسكري , ولذلك أستخدم كلا النظامين النزاع علي حـــلايــب للتظاهر بها كقضية قومية وطنية يلتف حولها جمهور السودانيين , وإذا ما كان البشير قد حقق بعض النجاح في صرف نظر قطاع من الشعب علي ظلامية عهده , فإن البرهان سوف لا يحقق هذا القدر من نجاح نظام البشير فشعب السودان وخاصة شبابه أدرك أن مشكلته الرئيسية وبعيدة المدي مع عسكرية النظام …..نظام البرهان وهو كنظام البشير/ الترابي له نتؤءين هما : البرهان / حميدتي ولابد من تخليص السودان أما حلايب فمصر والسودان بشكل ما الآن أو مستقبلاً قادرين حتي مع مستندية الموقف المصري علي حله . فما بين مصر والسودان يوفر مدي معقول لقبول الراض فكليهما يؤمن بالمثل الشعبي الذي يقول : “من تنازل لأخيه لم يخسر” .

2- الــــــفــــشــــقـــة / إثـــيـــوبـيـا :

الوضع الراهن للحدود الإثيوبية / السودانية يشير إلي أن هناك تنازعاً بين البلدين فيما يتعلق بحدودهما خاصة مع إستمرار المزارعين الإثيوبيين في إنتهاك الحدود المبينة بتقرير المساحة السودانية)

الحدود بين السودان والجزء الأوسط من إثيوبيا(قبل إستقلال إرتريا) :

يبدأ هذا الجزء (وطوله حوالي 725كم) من نهاية حدود أرتريا وينتهي في تقاطع خط العرض 6 درجة شمالاً مع خط الطول 35 درجة شرق جرينتش , وقد تم الإتفاق علي تعيين الحدود في هذه المنطقة بموجب معاهدة 15 مايو 1902 التي وقع عليها الجانبين البريطاني و الإثيوبي , وقد أُرفقت مع المعاهدة خريطة تُوضح الحدود المُقترحة وهي التي يُشار إليها بـ ” الخط الأحمر” , وقد نصت المادة الثانية من المعاهدة علي إقامة لجنة حدود مُشتركة لتقوم بوضع الحدود المُقترحة علي الطبيعة , وقد قامت الحكومة البريطانية من جانبها بتعيين الماجور كوين مُمثلاً لها في مهمة الحدود المُشتركة , وقد جاء في بعض التقارير أن الإمبراطورمنليك الثاني طلب من الحكومة البريطانية أن يمثل الماجور كوين الجانب الإثيوبي (لكن لا توجد وثيقة تُثبت هذا التفويض) , وقد قام الماجور كوين بوضع الحدود علي الطبيعة ووضع لها وصفاً عاماً تضمنه بروتوكول الحدود المُوقع عليه من الحكومة البريطانية في 27 يونيو 1903 والذي لم تُوقع عليه الحكومة الإثيوبية , وبالتالي لم تعترف به ىحتي الآن  , أشار هذا التقريرالرسمي في خاتمته لهذا الجزء من الحدود إلي : “أن الجانب السوداني يري أن بروتوكول كوين لسنة 1903 يعطي تفسيراً عملياً مقبولاً لمعاهدة 1902 , كما يري أن تفويض الأمبراطور منليك الثاني لكوين يعتبر بمثابة موافقة مبدأية علي بروتوكول الحدود , هذا في حال وجود وثيقة تثبت ذلك التفويض , كما أن لجنة الحدود (السودانية) تري أن تقوم وزارة الخارجية السودانية بالإتصالات الدبلوماسية اللازمة للحصول علي موافقة إثيوبيا رسمياً علي ذلك البروتوكول , وإلا أصبح لا مناص من قيام لجنة مُشتركة من الجانبين لإعادة النظر في ذلك البروتوكول ” , كما أشار التقرير أيضاً إلي أن : “إثيوبيا تعترف بمعاهدة 1902 وخريطة الحدود المُرفقة بها لكنها لا تعترف ببروتوكول 1903” .

الحدود بين السودان والجزء الجنوبي من إثيوبيا :

يمتد هذا الجزء من تقاطع خط العرض 6 درجة شمالاً مع خط الطول 35 درجة شرق جرينتش إلي بحيرة رودلف (Turkana حالياً) , وتنظم الحدود في هذه المنطقة الإتفاقية المعقودة بين الحكومتين البريطانية والإثيوبية في 6 ديسمبر 1907 , وقد كان الغرض من تلك الإتفاقية تنظيم الحدود بين إثيوبيا وكل من شرق أفريقيا البريطانية (الجزء الشمالي الشرقي من كينيا حالياً) وأوغندا (الجزء الجنوبي الشرقي من جنوب السودان الحالي), وقد وقع الإمبراطور منليك الثاني علي النسخة المكتوبة باللغة الأمهرية لهذه الإتفاقية , لكنه لم يُوقع علي النسخة الإنجليزية , هذا ولم يرد ذكر السودان في تلك الإتفاقية لأن حدوده المعروفة في ذلك الحين كانت تنتهي عند تقاطع خط العرض 6 درجة مع خط الطول 35 درجة , ولكن بعد أن تم عقد إتفاقية 1914 بين السودان وأوغندا والمعروفة بـ “خط أوغندا1914″ أصبح السودان مُلزماً بإتفاقية 1907تلقائياً , وقد أُرفقت مع إتفاقية 1907 خريطة توضح باللون الأحمر وأحياناً بخط كود ” The Kaud Line” , وقد نصت الإتفاقية علي إنشاء لجنة حدود مُشتركة لتخطيط الحدود علي الطبيعة , وبموجب ذلك رشحت الحكومة البريطانية الماجور كوين لرئاسة لجنة الحدود التابعة لها وتعيين الحكومة الإثيوبية من يمثلها في لجنة الحدود المُشتركة , بالرغم من أن الماجور كوين ظل زهاء الشهرين في أديس أبابا في إنتظار تعيين اللجنة الإثيوبية , ولما مل من ذلك غادر أديس أبابا لشرق أفريقيا حيث بدأ هو ولجنته في تخطيط الحدود مُنفردين , ولم ترسل الحكومة الإثيوبية أحداً للمشاركة معهم , وقد وجد الماجور كوين أن “الخط الأحمر” شمال بحيرة رودلف لا يصلح لأن يكون حداً بين إثيوبيا وأوغندا (جنوب السودان حالياً قرب مثلث   Ilemi Triangleالمُتنازع عليه مع كينيا ) لعدم صلاحيته من الوجهة الإدارية , وعليه فقد قام بتعديله ليتمشي مع المعالم الطبيعية في تلك المنطقة , وفي الأول من نوفمبر 1909 رفع الماجور كوين تقريراً هاماً إلي وزارة المُستعمرات البريطانية عن مهمته تلك , أرفق معه بروتوكول للحدود يتضمن وصفاً عاماً للحدود من نقطة البداية بشرق أفريقيا حتي مُلتقي نهري البيبور وأكوبو(بروتوكول كوين1906) , وفي نوفمبر 1910 أخطر مجلس الوزراء الإثيوبي الوزير البريطاني في أديس أبابا بأن الحكومة الإثيوبية لا توافق علي التحديد الذي قام بها الماجور كوين , وأنها تعتبر “الخط الأحمر” المُبين في الخريطة المُرفقة مع المعاهدة (معاهدة1907) هو الحد النهائي, وقد رد الوزير البريطاني بأن حكومته لا توافق علي الرأي الإثيوبي .

مما سبق – يقول التقرير السوداني – يتضح أن الحكومة الإثيوبية لا تعترف ببروتوكول الحدود لعام 1909 وأنها تعتبر الخط الأحمر هو الحد النهائي , بينما تري حكومة السودان (قبل إنفصال جنوب السودان عنها في 11 يوليو2011) أن الخط الأحمر يُوضح الخطوط العريضة للحدود في تلك المنطقة وأنه قابل للتعديل حسب المعالم الطبيعية والحدود القبلية , وبناء عليه فإن لجنة الحدود تري أن تقوم وزارة الخارجية السودانية بالإتصال بالحكومة الإثيوبية لأخذ موافقتها علي بروتوكول كوين لسنة 1909 فإن لم تُوافق علي ذلك أصبح لابد من قيام لجنة مُشتركة لإعادة وضع الحدود علي الطبيعة .

بإستمرار نظام البشير في تقوية تحالفه مع إثيوبيا ومواصلةالعداء والمواجهة السياسية المتبادلة مع مصر / مبارك 1990- 2011 ظل تسري المزارعين الإثيوبيين إلي منطقتي الفشقة والقضارف ومحيطهما وظلوا يقومون بالزراعة والحصاد في المناطق الزراعية السودانية المُتاخمة للحدود مع إثيوبيا بالفشقة والدمازين وهي من المناطق الخصيبة , ووفقاً لتصريحات متكررة من المسئولين بالبلدين فإن هناك إتجاه لتسوية هذا النزاع الحدودي , ومن بين هذه التصريحات تصريح أدلي به علي كرتي وزير خارجية السودان بمناسبة زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي Hailemariam Desalegn للخرطوم في 3 ديسمبر 2013 أشار فيه إلي ” أن السودان وإثيوبيا أنهيا خلافهما الحدودي بمنطقة الفشقة وأن الرئيسان سوف يوقعان وثيقة تاريخية تضع الخطوط الحدودية بصفة نهائية ” من جهة أخري صرح وزير الخارجية الإثيوبي Tederos Adhanom بأن ” الجانبان يعملان علي جعل الحدود هادئة سلمية بينهما ” ., وبعد إجتماع عقده عسكريين من الجانبين في ولاية Gambellaالإثيوبية وقعت الحكومتان عقب زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي للخرطوم في ديسمبر 2013علي إتفاق يقضي بالعمل المُشترك لوضع تدابير من شأنها مواجهة التهديدات الأمنية الإقليمية بتأمين السلام علي حدودهما المُشتركة , وأعلن في 18 أغسطس 2014 عن أن أعمال الدورة الحادية عشر المعنية بالمسائل العسكرية في إجتماعها في أديس أبابا توصلت إلي إتفاق بإنشاء قوة عسكرية مشتركة من البلدين بقيادة موحدة لتأمين الحدود تعمل في 8 مواقع لمواجهة المهددات الحدودية وأن هذه القوة سيتم تمركزها في هذه المواقع في سبتمبر 2014, وقد علقت صحيفة Sudan Tribune علي هذا بأنه وإزاء عدم ثقة الرأي العام بالبلدين في تصريحات الحكومة الإثيوبية وحكومة الرئيس البشير بهذا الشأن فإن الجانبان يحاولان التوصل لإتفاق يضع نهاية لخلاف قديم , وأحالت علي مسئوليين إثيوبيين قولهم أن إتفاقاً أمنيا يضع نهاية لهذا الخلاف الحدودي يعتبر أمراً ضرورياً في إستراتيجية الدفاع الإثيوبية فهو يمكنها من تجنب أي نشاط هدام Sabotage محتمل ضد مشروع سد النهضة الذي يقع علي مسافة 40 كم من الحدود السودانية / الإثيوبية , لكن وبالرغم من كثير من التصريحات الإيجابية في شأن النزاع المزمن علي الحدود ,فإن الموقف بشأن هذا النزاع ما لبث أن إشتعل مجدداً ففي 30 يونيو 2014 نشرت بعض وسائل الإعلام ومنها وسائل إثيوبية أن الموقف الحدودي عاد للتأزم بعد أن قتلت قوة إثيوبية مجهولة بإستخدام المورتار والأسلحة الآلية جندياً سودانيا بالمنطقة الحدودية بين البلدين وأن القوات السودانية ردت علي الفور علي مصدر النيران .

نشرت صحيفة Sudan Tribune وأذاع راديو Dabanga في16 يناير 2016 أن اللجنة الفنية المعنية بإعادة رسم الحدود تخطط لإستكمال عملها هذا العام وأحالت علي رئيس الجانب السوداني باللجنة قوله ” إن عملية ترسيم 725 كم من الحدود تمضي قدما بشكل جيد ” , وتزامن مع هذا التصريح تصريح آخر لوزير الخارجية السوداني إبراهيم الغندور أشار فيه إلي أن الحكومتان الإثيوبية والسودانية تتعاونان لتطويق أنشطة العصابات بولاية القضارف السودانية بشرق السودان , وأكد في تصريحه علي أن منطقة الفشقة منطقة سودانية ( تبلغ مساحتها 250 كم مربع وبها 600,000 فدان يتم ريهم من أنهار العطبرت وستيت و Baslam ) , وأن الحكومة السودانية في إطار إتفاق ثنائي مع إثيوبيا تسمح للمزارعين الإثيوبيين بتجاوز الحدود الإثيوبية للزراعة في هذه المنطقة السودانية , ومازال الخلاف الحدودي لم يسو ثنائياً بعد .

بررت إثيوبيا تواجدها في الفشقة والقلابات بدعوى كونها مناطق حدودية مُختلف على ترسيمها وهي المناطق التي من المُفترض أن يجري تعليمها بنحو 15 علامة تبدأ من تقاطع خور الرويان مع نهر سيتيت شمالاً وحتى جبل حلاوة في ولاية سنار, وإتصالاً بذلك أشار موقع “رصيف22″بتاريخ22 يناير 2020 إلي ما كشف عنه الفاتح داوود الإعلامي في ولاية القضارف حين أوضح بعداً آخر للاحتلال الإثيوبي إذ قال : إن ” أديس أبابا استثمرت الإهمال الحكومي شرقي السودان عبر تعزيز علاقاتها الثقافية والسياسية بالسكان فأصبح الجيل الجديد من السودانيين أكثر قرباً من الأحباش وحباً لهم” , مُضيفاً قوله “أن إثيوبيا فتحت قنصلية لها في القضارف عام 2015 كان دورها تسويق فكرة سد النهضة لدى السودانيين ، كما أن إنشاؤها في هذه المنطقة يعتبر رديفاً ثقافياً للتوسع الإثيوبي وقضم الأراضي بالإضافة إلي عبث الاستخبارات الإثيوبية في شرق السودان” , ومن جهة أخري كشف الباحث السياسي عبد الجليل سليمان وهو من أبناء القضارف أيضاً أنه ” رغم عدم الاعتراف الرسمي الإثيوبي بإحتلال الفشقة ، إلا أن إثيوبيا تحكمها إدارياً والدليل علي ذلك أن المعاملات الرسمية وعقود البيع والشراء كلها تتبع لإثيوبيا وكذلك الإدارات المحلية (وهذا مما يُؤكد ما سيلي بينه عن إستراتيجية إثيوبيا بعيدة المدي)، بينما أشركت إثيوبيا بعض المزارعين السودانيين في إدارة قراهم المتبقية في الفشقة وهم من الذين يحتفظون بهوياتهم وتعليمهم السوداني ، وساعد على ذلك أن سكان المناطق الحدودية يجيدون اللغات الإثيوبية كالأمهرية والتجرينية , ويشير سليمان في حديثه لموقع رصيف22 إلى جهتين رسميتين سودانيتين تضطلعان بأمور الفشقة : هما لجان ترسيم الحدود التي تشكلت عام 1994-1995وهذه تتوقف عن العمل كلما توترت علاقة البلدين ، وأبرز فترات توقفها عام 2004 لعدم سداد البلدين المبلغ اللازم لمواصلة عملها والمقدر بـ14 مليون دولار ، ولم تنته من عملها حتى الآن ، وقد استخدمتها حكومة البشير لترويج فكرة أنها تحمي الحدود , أما الهيئة الأخرى فهي القوات المشتركة السودانية الإثيوبية التي أنشئت أواخر عام 2018 للحفاظ على أمن الحدود إلا أنها لا تستطيع منع كل الجرائم ، لأن إمكانات الرصد والكشف لديها ضعيفة رغم مساندتها من قوات حرس الحدود والدفاع الشعبي المكون من أبناء المناطق .

بالرغم من أن معظم اللجان المُشتركة بين السودان وإثيوبيا تناولت موضوع الحدود وبالرغم من أن الجانبان العسكريان السوداني والإثيوبي وقعا في 18 إبريل 1995 علي محضر المباحثات الثنائية بمدينة القلابات الحدودية نص في فقرة منه علي أهمية التنسيق المُشترك في مجالات الزراعة والحفاظ علي الغطاء النباتي ومواصلة اللقاءات المُباشرة بين المسئولين وعقد إجتماع ربع سنوي للمتابعة , بالرغم من كل هذا إلا ان إنتهاك الإثيوبيين لمنطقة الفشقة مُستمر حتي أيامنا هذه , بل ويلفت الإنتباه في معرض التأكيد علي تناقض أو علي الأقل تمايز موقف الحكومة السودانية في تناول ملفات النزاعات الحدودية , أن منطقة النزاع الحدودي بالفشقة يتم تناولها في إطار ” لجنة تنمية الحدود الإثيوبية / السودانية ” التي عقدت إجتماعها العاشر بمدينة جامبيلا الإثيوبية ولمدة ثلاثة أيام بدءاً من 19 أكتوبر 2007 وشارك فيها 150 شخص من الرسميين والفعاليات الشعبية , وترأسها عن الجانب السوداني والي القضارف وعن الجانب الإثيوبي حاكم إقليم جامبيلا الإثيوبي , ونقل الإعلام السوداني وقتها عن رؤساء أقاليم أمهرا وجامبيلا وتيجراي الإثيوبية قولهم أن هذا الإجتماع سيعزز العلاقات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية والزراعية , وكانت هذه اللجنة في إجتماعها الثامن قد أوصت بالإسراع في عملية ترسيم الحدود بين البلدين خاصة مع تكرار إختراق المزارعين الإثيوبيين للحدود السودانية للزراعة في مناطق بالقلابات السودانية , وهو نفس التماهي والتغافل الذي أبداه مسئوليين سودانيين آخرين منهم اللواء الركن محمد عبد الله عويضة الذي قال أمام  ندوة التحدي الأمني في يونيو 1993 (كان يشغل منصب رئيس لجنة الأمن الوطني بالمجلس الوطني أو البرلمان السوداني عام 1996) ما نصه : ” إن السودان لا يتوقع أي تأثير علي أمنه القومي من إثيوبيا وأرتريا رغم الضغوط التي تجابه إثيوبيا ” , وفي نفس هذه الندوة قال : ” إن مصر لا تريد الإستقرار في السودان وتسعي دائماً لإضعافه ” ومعني هذا ان مصر تريد إضعاف أمن السودان القومؤي مع أن هذا مستحيل ذلك أن إضعاف أمن مصر القومي  يكون لو أن الاسودان أصبح ضعيفاً أما إرتريا وإثيوبيا خاصة وأن من مصلحة أمن مصر القومي إستدامة الوفاق والتنسيق مع السودان في ملف سد النهضة , كذلك فإن المُثير في الأمر وهو ما يُؤكد في نفس الوقت تناقض الموقف السوداني – خاصة في عهد البشير – في تناول قضايا الحدود مع دول جواره أن والي القضارف السودانية أوضح في حديث له بمناسبة الإجتماع الثامن للجنة في مارس 2005 أن لجنة ترسيم الحدود بين البلدين يعتريها الكثير من الضبابية خاصة فيما يلي حدود ولاية القضارف السودانية مع إثيوبيا طيلة السنوات الماضية , وأن هذه اللجنة قامت بجهد كبير أسفر عام 2002 عن تطابق كامل في وجهات النظر علي المستوي “النظري”أي الخرائط وأن الجانب الإثيوبي لم يتقدم بخرائط غير الحدود المُتعارف عليها في الأطالس ليطوي هذا الملف نهائيا وأن المطلوب الآن أن يُطبق ذلك علي الأرض من خلال إعادة الترسيم أي وضع العلامات , وأن هذا ما يجري الإتفاق عليه بين الجانبين , وأن الإتفاق سيساعد علي التعرف علي حدود السودان وبالتالي تحديد تبعية الأماكن التي يقوم المزارعين الإثيوبيين بالزراعة فيها , وتصبح هناك خيارات لحل هذه الإشكالية منها السماح بالزراعة داخل حدود السودان وفقاً للقوانين السودانية أو يغادروا الأراضي السودانية واصفاً تمدد وإنتشار الإثيوبيين داخل منطقة جبل دقلاش بأنه غير شرعي ومرفوض من قبل الولاية التي لم يسبق أن أنتشر فيها المزارعين الإثيوبيين مثلما إنتشروا سابقاً في الفشقة الكبري والصغري .

في ضوء ما تقدم ففي تقديري أنه يجب ألا يتخلي السودان عن البديل العسكري الحالي فالأهداف الإثيوبية لا تتعلق بمجرد منطقة الحدود التي ينتهكها للآن المزارعين الإثيوبيين بغطاء عسكري إثيوبي , بل تتعلق بالأطماع الإثيوبية للوصول إلي ساحل السودان علي البحر الأحمر , ومما يشير إلي توجهات إثيوبيا تلك الدولة الحبيسة التي لا منفذ بحري لها Landlocked للوصول للبحر الأحمر من خلال جيبوتي , ولهذا مارست إثيوبيا ضغوطها علي جيبوتي من أجل الحصول علي قاعدة بحرية لإثيوبيا علي أراضيها وهو ما نُوقش في زيارة رئيس وزراء إثيوبيا لجيبوتي في 20 أكتوبر 2019 وهو أيضاً ما أكدته مصادر إثيوبية حين أشارت في ديسمبر 2019 إلي أن البحرية الإثيوبية ستتمركز في تاجورة على ساحل جيبوتي علي البحر الأحمر فيما ستتمركز القيادة البحرية لها في بحر دار عاصمة منطقة أمهرة شمال غرب إثيوبيا تحت قيادة العميد Kindu Gezu , ويتأكد هذا الإتجاه الإثيوبي أيضاً من تصريح للرئيس الفرنسي Macron أشار فيه تعليقاً علي توقيع فرنسا وإثيوبيا علي أول إتفاقية تعاون عسكري بينهما في 13 مارس 2019 قائلاً : “إن اتفاقية التعاون الدفاعي غير المسبوقة هذه توفر إطارا وتمهد بشكل كبير الطريق لمشاركة فرنسا في إنشاء كيان بحري إثيوبي” , وأعتقد أن تصريح كهذ كاف جداً لكشف جزء كبير من إستراتيجية الوصول الإثيوبي للبحر الأحمر فإثيوبيا بعد إقامتها لسد النهضة المُولد لطاقة كهربائية قابلة للتصدير بالإضافة إلي 3 سدود أخري مُرتقبة سيكون لديها تمويل لتمويل إستراتيجية وصول البحرية الإثيوبية للبحر الأحمر فإثيوبيا ستظل دون منفذ بحري مُستقل لها كمخلوك ضخم بلا أقدام يسعي بها إلي الإنطلاق خارج نطاقة نقطة ثباته .

في إطار المُخطط المُتقدم بيانه تُعدالفشقة – في تقديري – المرحلة الأولية والأساسية من هذا المُخطط سيليها شرق السودان الذي يُعتبر ولمدة طويلة من الزمن من المناطق متدنية التنمية في السودان ويمكن لأي طرف خارجي تنشيط عوامل التمرد بها  وهو ما يمكن لإثيوبيا بدون قتال فعله بالتعاون مع أرتريا أو بدونها , فإثيوبيا ستستخدم سد النهضة كرافعة للتنمية في الفشقة والقلابات والقضارف ومحيطهم والتمدد نحو القاش وطوكر وصولاً لسواكن وبورسودان وربما حتي أوسيف أيضاً , ولا يجب أن نغفل أن الروابط الناشطة بين الكيان الصهيوني وأمهرة إثيوبيا منها ما هو ذا جذور يهودية يمكن أن يكون مُعينا للتخطيط الإثيوبي طويل المدي , لذلك فلا يجب أن نري إنتهاك الإثيوبييين لمنطقة الفشقة والقلابات وما بينهما إلا من منظور أنه خطر علي الأمن القومي السوداني وليس من منظور تعزيز العلاقات الثنائية الساذج , فإثيوبيا نفسها كانت لها أطماع في أرتريا وحاولت إلتهام منطقة بادمي الحدودية الأرترية وتسببت في حرب بين مايو 1998 حتي مايو 2000 , ولذلك فبدون نهوض العسكرية السودانية بدورها في ردع وتبديد الأهداف الإثيوبية تلك المصوبة نحو الأمن القومي السوداني فسوف يضيع الحق الواضح للسودان في أرضه ولابد أن يتوقف المسئوليين السودانيين عن الحديث عن إية إمكانية لقبول تواجد مزارعين إثيوبيين في الفشقة (الجهة المقابلة لها في إثيوبيا شبه صحراوية) أو غيرها فهؤلاء يمكنهم الزراعة حول سد السرج الركامي الذي سيزيد طرح النيل من الطمي حوله لاحقاً أو تبحث السلطات الإثيوبية لهم عن حل فهذه مشكلة إثيوبيا وليس السودان ومن الخطأ تفاوضياً أن تقدم لخصمك تنازلات مُسبقة تفرغ موقفك التفاوضي من مضمونه , وإلا فالبديل علي المدي البعيد في ضوء الزيادة السكانية في إثيوبيا والوفورات التي ستنتج عن سد النهضة من الطاقة الكهربائية أن تمد إثيوبيا منطقة الفشقة بعد إستيطان الإثيوبيين لها ليصبح الأمر كوضع اليد وترتيب حقوق مُكتسبة كالإستيطان الصهيوني في فلسطين , كما أن إثيوبيا عبر مسئوليها ومنهم وزير خارجيتها Demeke Mekonnen تعمل علي تشتيت إهتمام السودان بخطورة إنتهاك الإثيوبيين لحدودها , فها هو Mekonnen يصرح في 23 ديسمبر 2020 يوم عقد مباحثات نزاع الحدود مع السودان فيقول ” نحن بحاجة إلي مراجعة إتفاقية التجارة التفضيلية الحالية وإستكمال البروتوكول الخاص بقواعد المنشأ لإستيعاب الحقائق الحالية ” مع أن الأولي أن يتكلم مباشرة وحصرياً عن أزمة الحدود لا غيرها ,  فهو بذلك يريد صرف الإهتمامات السودانية وفي نفس الوقت يستهدف تطويع هذه الإتفاقيات لتبتلع ما ينشأ عن إنتهاكات إثيوبيا من خلال  الزراعة في أراض سودانية من حاصلات بمعني تسويقها وبيعها أيضاً في الأراضي السودانية , فهذا هوأقل ما يستهدفه الإثيوبيين الآن , لذلك نجد   Mekonnenيوضح مآل إنتهاكات المزارعين الإثيوبيين للحدود السودانية فيقول ” إن موقف إثيوبيا الثابت هو إعادة تنشيط الآليات القائمة وإيجاد حل ودي بشأن الإستيطان والزراعة فهذه هي الطريقة الوحيدة لتحقيق حل دائم للقضايا علي الحدود ” أي صلف هذا ؟؟ إنهم يتكلمون عن الإٍستيطان وكأن جزء من أراضي السودان تحت الإحتلال الإثيوبي تحول إلي حق دائم مُستقر … إنهم يبغونها “مستوطنات ” , ومن أسف أن ما قاله وزير الخارجية الإثيوبي يلتقي مع ما قاله المتحدث باسم الحكومة السودانية نفسه فيصل محمد صالح فهو قال ما يعني مباشرة الخضوع للهدف الإُثيوبي , من جهة أخري وإتصالاً بذلك أؤكد أنه لا يجب أن نصرف النظر عن المغزي النهائي للتحركات الإثيوبية ثلاثية الأبعاد في الصومال/مقديشيو وفي Puntland وفي Somaliland فهي في الحسابات الختامية تعامل إثيوبي مع وحدات سياسية ضعيفة هشة إفتقدت سبب قوتها أي وحدتها للتحول لكيانات ثلاث إحداها حائز علي إعتراف دولي (الصومال) وإثنان يبحثان عنه ولو بأفدح التنازلات (Puntland وSomaliland ) , فأطماع إثيوبيا التي تحققت بإستيلاءها بدعم سوفيتي / كوبي / يمني جنوبي علي أوجادين الصومالية عام 1978 إبان عهد سياد بري أطماع لا تنتهي , إذ أن تمسك إثيوبيا بما تدعيه في الحالة السودانية بحق تدعيه للمزارعين الإثيوبيين في الفشقة  أمر بدأ عام 1960 وأنتهي إبان عهد البشير إلي حد طرد المزارعين السودانيين من أراضيهم الزراعية بمناطق الفشقة عالية الخصوبة (استولى الإثيوبيين في عام 1995على 48 ألف فدان تقريباً ثم تمددوا على مساحات غير محصورة في منطقة صعيد القضارف إلي أن وصل الأمر بهم حالياً بالزراعة داخل حظيرة الدندر وهي محمية طبيعية سودانية في ولايات سنار والقضارف والنيل الأزرق) وفي تصريح صحفي لمبارك النور وهو نائب سابق بالبرلمان السوداني عن منطقة الفشقة في يناير 2020 قال : “إن عدم وجود مسار سياسي لملف الفشقة وراءه سببين : الأول/ إنكار النظام السابق من الأساس لاحتلال الإثيوبيين للفشقة مما حال دون تشخيص الأزمة , والثاني/ تهميش الأنظمة المتعاقبة للمنطقة فلا جسور ولا معابر تصلها بالوطن الأم متهماً البشير بالتساهل مع الإثيوبيين على حساب أصحاب الأرض ” , ونوه النائب إلي أنهم ” لا يرون اهتماماً حتى من النظام الجديد بقضيتنا ” مُضيفاً قوله إن “بلدتي خور عمر وبرخت تُعدان من أكبر المستوطنات الإثيوبية في الفشقة ، وتتسمان بكثافة سكانية مرتفعة من عرقية الأمهرا التي صبغت المدينتين بطرازها المعماري ، وتتميز البلدتان بالشوارع المتسعة والمضاءة ليلاً ، والخدمات المتكاملة من تعليم وصحة وإنترنت ، وفي خور عمر كذلك كنيسة ضخمة يعلوها بالعلم الإثيوبي ، وممنوع على أي سوداني الاقتراب منهما ” , وتنقسم الفشقة إلي ثلاثة مناطق هي الفشقة الكبرى التي تضم 750 ألف فدان من منطقة سيتيت حتى باسلام، ويزرعها السودانيون والإثيوبيون مناصفة تقريباً والفشقة الصغرى التي تضم نصف مليون فدان من باسلام حتى قلابات والتي لا تتجاوز حصة السودانيين فيها 63 ألف فدان بينما يستثمر الإثيوبيون 410 آلاف فدان في المنطقة الجنوبية التي تشمل مدن القلابات وتايا حتى جبل دقلاش .

إثيوبيا لا تستهدف الفشقة فقط بل الأمن القومي السوداني في جناحه الشرقي :

لعب مبارك والبشير دوراً تبادلياً في تحطيم أمن السودان ومصر القومي الذي صاغه تاريخهما  المُشترك ليكون أمناً تبادلياً مُتداخلاً لدرجة أن وصل الأمر بالبشير للقول علناً وبمنتهي الوضوح في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الإثيوبي هايلي ماريام ديسالين بثته وكالة الأنباء السودانية في 4 أبريل 2017 ” أنه لا سقف للتعاون بيننا في المجال الأمني إذ أن أمن أثيوبيا هو أمن السودان , وأمن السودان هو أمن أثيوبيا ” , وهو ما أمن رئيس الوزراء الأثيوبي ديسالين عليه بقوله “إن ما يمس أثيوبيا ينعكس على السودان ، وإن ما يمس السودان ينعكس على إثيوبيا , لذا فالبلدين مصممان على التعاون الوثيق في هذه المجالات كلها ” , وليت أن البشير توقف عند هذا الحد , بل إن ضيق أفقه الإستراتيجي وصل به إلي إستخدام ورقة اللاجئين الإثيوبيين والأرتريين في شرق السودان (الذين بلغوا قرابة المليون في منتصف تسعينات القرن الماضي أسوأ إستخدام بإعتبارها نصل خنجر في ظهر نظامي إديس أبابا وأسمرا يستخدمه عند اللزوم فأرتد إلي ظهر السودان كما نري الآن) , أما مبارك فقد قتل الدور المصري بالسودان فلم يعبأ بدعم الموقف السوداني لا في حربه مع التمرد الجنوبي المُسلح ولا حتي في مفاوضات حكومة الخرطوم مع التمرد في المحطات التفاوضية المختلفة وصولا إلي محطة ماشاكوس التي إنتهت بإتفاق السلام الشامل 2005 الذي تضمن إعتراف السودان للجنوبيين بحق تقرير المصير وأكتفي مبارك ووزراء خارجيته بتصريحات كلامية إعلامية كالشظايا عن دعم مصر للسودان لم يكن لها ثقل ميداني في معارك الحرب والتفاوض التي تُرك السودان فيها وحده , لكنا إذا تابعنا كيف تذود الدول عن أمنها القومي لنري علي سبيل المثال مارجريت تاتشرتقاتل ضد الأرجنتين عام 1982من أجل الحفاظ علي جزيرة فوكلاند الصخرية علي بعد 6 الآف كم من الجزيرة البريطانية وتقع بالقرب من الأرجنتين , والأمثلة كثيرة .

الأمر إذن في منتهي الخطورة خاصة إذا ما أدرك السودان ومصر أن هناك ثمة إرتباط بين التغول الإثيوبي في الأراضي السودانية وبين إقامة إثيوبيا لسد النهضة (عين إثيوبيا الإستراتيجية علي إستكما القبض علي النيل الأزرق في إمتداده السوداني حتي يصل للخرطوم عند منطقة المقرن)علي بعد لا يزيد عن 20 كم من الحدود السودانية /الإثيوبية خلافاً للموقع الذي حدده مكتب إستصلاح الأراضي الأمريكي (بدعوة من الإمبراطور هيلاسيلاسي أعد مكتب إستصلاح الأراضي التابع للحكومة الأمريكية دراسات مسحية لمواقع علي النيل الأزرق في الفترة من 1956 حتي 1964 لإقامة سدود بحوض النيل الأزرق وأقترح المكتب الأمريكي 4 مواقع لمشروعات هيدرولوكية علي النهر تقدر إمكانياتها 3 أضعاف ما نتج عن إقامة سد أسوان العالي بمصر , وقد أختارت الحكومة الإثيوبية أحد هذه المواقع الأربعة لإقامة سد النهضة وهو يبعد عن شمال غربي أديس أبابا بـ 750 كم  ولا يوجد به بهذا الموقع توطن سكاني ملحوظ ولا أنشطة إقتصادية ) , وأعتقد أن تقديم موقع سد النهضة ليكون بقرب مناطق الفشقة يأتي من منظورين أولهما : الأمن المائي الإثيوبي / فالسد إن حدث وأن تصدع فسيكون خطراً علي إثيوبيا والسودان فمصر أما لو تصدع وأنهار السد لأي سبب فسيسبب لإنهياره وهو في هذا الموقع ابلغ الضرر للسودان (خزان الوصيرص أساساً) فمصر فقط , ثانيهما: تحقيق مخطط الإستيلاء النهائي علي أراضي الفشقة والحميراء والقلابات القريبة من وسط السودان الذي يقع تحت رحمة المدفعية الإثيوبية والحالة هذه بما يمكن بسهولة أن يهدد خزان الروصيرص ومصنع سكر كنانة وعقد مواصلات السودان , كل ذلك والرئيس البشير سعيد أيما سعادة بتحالفه مع الإثيوبيين إلي حد غض الطرف عن الإستيلاء والإستعمار الإثيوبي الزراعي للفشقة والقلابات وغيرهما وهو ما أسماه الرئيس البشير في عبارات وردت بمحاضر رسمية : “التمدد الزراعي” وليس الإحتلال كما نعت مصر عندما تحدث عن نزاعه معها علي مثلث حلايـــب الصحراوي القفر , ذلك في الوقت الذي كون نظامه ما أسماه بلجنة الدفاع عن العقيدة والوطن عام 1992 لمقاومة “الإحتلال المصري لحلايب” الذي حتي وإن كان كذلك فكان عليه أن يكون عادلاً فيخلع علي نزاعه مع إثيوبيا في الفشقة الخصيبة زراعياً صفة   الإحتلال كحالته مع مصر , لكن للأسف هكذا بؤس الزعامات العربية فبأسها بينها وبين بعضها شديد وها نحن نري المطبعين من مغفليي العرب يهيئ لهم شيطانهم أفكهم حتي تصوروا أن الصهاينة منقذيهم من مصير أسود ينتظرهم في المستقب قريب كان أم بعيد  لو عاد الربيع العربي عوداً حميداً بإذن الله .

إن أطماع إثيوبيا في الفشقة الخصيبة لا يقتصر علي الفشقة وحدها , فالأحباش ينظرون لمليكهم منليك الثاني نظرة تقديس تبرر لهم وحدهم تحقيق مبتغاه المُقدس في الوصول إلي ساحل البحر الأحمر شمال بورسودان , ففي 15 أبريل 1891 بعث الامبراطور منليك الثاني تعميماً إلى رؤساء الدول والملوك الأوروپيين حدد فيه الحدود الفعلية لامبراطوريته وأيضاً ما اعتبره منطقة نفوذه , وورد في التعميم أن الحدود الشمالية الغربية للحبشة تمتد من مدينة تومات الواقعة عند ملتقى نهري ستيت وعطبرة إلى كركوج على النيل الأزرق وتشمل مديرية القضارف وأعلن منليك عن عزمه استعادة حدوده القديمة التي تمتد شرقاً حتى الخرطوم وجنوباً حتى بحيرة ڤكتوريا .

3- جــنــوب طــوكـــــر :

الخلافات الحدودية جنوب طوكر خلافات حدودية بين سودانيين وليس مع طرف خارجي وقد نتجت عن الحدود الإدارية المحلية هناك والتي رُسمت علي أساس قبلي لقبيلة البجا وفروعها الأساسية الثلاث البني عامر والهدندوة والامرار وليس إداري ومؤخراً قدم محمد حمدان دقلو نائب رئيس مجلس السيادة السوداني مُقترحاً بإعادة ترسيم الحدود للقبائل والنظارات حاز علي قبول الكيانات القبلية الرئيسية لكنع قوبل رفض ومقاومة من المكونات القبلية الأصغر (الفرعية) , الأمر الأكثر خطورة أن هذا القبول وذلك الرفض في بيئة شرق السودان المحروم أساساً من التنمية الحقيقية والبني التحتية , وهذا كان من الأسباب التي أدت إلي تأسيس مؤتمر “البجا” عام 1950 ليكون تنظيماً سياسيا بفعل مظالم فترة الاستعمار وزاد الأمر سوءاً عندما جنحت حكومات ما يسمي بثورة الإنقاذ أبان عهد البشير إلي توطين بعض القبائل اللاجئة في شرقي السودان مما نجم عنه أزمات بسبب الأحلاف القبلية وما آل إليه الأمر بالتبعية من كسر احتكار الأراضي ما فاقم من أزمة ممارسة النشاط الاقتصادي بمرودودها السياسي الذي إتسم بمناخ غشاه صراع وإستقطاب سياسي أجاده نظام البشير بين أطراف هذه الأزمة , وفي هذه البيئة السياسية والإقتصادية المُحتقنة جردت بعض الأطراف تجريدات مُسلحة ضد نظام ما يُسمي بثورة الإنقاذ وكنتيجة نشأ  التجمع الوطني الديمقراطي” مع بقية القوى السياسية المعارضة لنظام “ثورة الإنقاذ”، وكانت إرتريا حاضنة لهذا التجمع , وأندمج مؤتمر “البجا” مع”الأسود الحرة” داخل “تنظيم واحد أخذ مُسمي “جبهة شرق السودان” التي وقّع النظام السابق معها اتفاقية السلام في أسمرا عام 2006، وفي عام 2013انضمت باسم “الجبهة الشعبية المتحدة للتحرير والعدالة” للجبهة الثورية  .

تحتكم النظارات الرئيسة في الشرق مثل نظارات “البشاريين”، و”الأمرار”، و”الهدندوة”، علي أراضٍ ممتدة ومحددة سلفاً فـ”الهدندوة” لها مثلاً 11 محلية، ولكن هناك أزمة قائمة في الحدود الشرقية جنوب طوكر وريفي كسلا حيث نشأ نزاع بين قبيلتي “بني عامر” و”الهدندوة”، وهي صراعات مستمرة منذ عهد الفريق إبراهيم عبود في ستينيات القرن الماضي ، ولكن نشبت في إطار مسار الشرق التابع لاتفاقية جوبا للسلام الموقع في الثالث من أكتوبر 2020  , كما أعطى المؤتمر الوطني قبائل “الحباب” الذين يستوطنون منطقة الساحل بين مصوع وسواكن وتمتد في شكل مثلث حتى طوكروقرب حلايب وأبي رماد نظارةعلى الرغم من أن رئاستهم في منطقة نقفة في إريتريا برئاسة “كنتيباي”. ويقول بعض المؤرخين إن لقب “كنتيباي” منحه ملك الحبشة النجاشي لزعيمهم في القرن الـ18، ولـ”بني عامر” محلية واحدة، ولذلك يرجع البعض السبب الرئيسي للمشكلة إلي محاولة طعنهم في أراضي البجا الذين يعتقدون بأن المجنسين الذين ذوبهم المؤتمر الوطني في الشرق ويتحدثون لغة “تيجراي”، يطمعون فيها.

وتتكون النظارات المعروفة في شرق السودان من ثمانية مكونات هي “الشكرية”، و”الهدندوة”، و”البشاريين” و”الأمرار” و”العبابدة”، و”الحلنقة” و”البني عامر”، و”الحباب”، إضافة إلى العموديات المستقلة الست ، وهي نظارات معتمدة لدى ديوان الحكم الاتحادي وكيان الشمال والكيان النوبي، وإدارة “الهوسا”، ونظارة “الرشايدة”. وهناك نظارات غير معترف بها من قبل المكونات الرئيسة في شرق السودان، وهي التي تؤيد مسار الشرق ، إذ إن غالبية هذه المكونات رافضة مسار الشرق، بينما يؤيده “بني عامر” و”الحباب”، ونسبة لما عدّته القوى الرئيسة ادّعاءً من هذين المكونين في أحقية الأراضي فقد توافقت المكونات على ترسيم الحدود الجغرافية بين القبائل في إطار وضع حدود بين النظارات والقبائل ووضع حد بين معسكرات اللاجئين وأراضيهم  .

ربما يحل ترسيم الحدود مشكلة الاحتكاك القبلي مؤقتاً، ولكنه لن يستمر على المدى الطويل خصوصاً أن الحكومة ليست لديها استراتيجية لمعالجة وضع بقية المكونات الأخرى التي لديها نظارات ، وليس لديها أراضٍ ، كما أن الحكومة ستكون قد اتخذت سنة التقسيم الحدودي القبلي التي ربما تطالب بها أقاليم أخرى لديها المشكلة نفسها ، وتعج بالتداخل الإثني والقبلي مثل دارفور، وربما تتبعها أيضاً من دون وضع استراتيجية لحل مشاكل القبائل التي لا تمتلك أراضي، إضافة إلى قبائل التماس , ومن ناحية أخرى ربما يفيد هذا التقسيم في فتح قضية معسكرات اللاجئين بشرق السودان، من إريتريا ، وهو لجوء طال وتطور إلى حال تمازج سكاني مع الحفاظ على موقع المعسكرات تحت إشراف المفوضية السامية لشؤون اللاجئينالتابعة للأمم المتحدة ،  وهناك خيارين لحل هذه المشكلة ، إما التوطين أو إعادتهم لديارهم  .

إن حل هذه الأزمة بالترسيم القبلي سيكون سابقة لمواجهة خلافات إثنية وقبلية أخرى في مناطق السودان المختلفة، ولابد من البحث في جدوى هذا التقسيم وضمان ألا ينتج عنه سلبيات .

الأطماع الإرترية متوازية مع الأطماع الإثيوبية في الجناح الشرقي للسودان :

هذا هو الخطر الحقيقي فهناك أطماع إرترية مكتومة حتي الآن ويزيد من خطورتها هشاشة الوضع في شرق السودان والإضطراب السياسي وتردي الوضع الإقتصادي في عموم السودان وإستمرار العسكريين في تشيثهم بالسلطة رغم التحديات الإقتصادية التي إستنفذت قوي السودان بدون طائل .

في هذا الشأن أتذكر تصريح أدلي به رئيس لجنة الحسبة بالمجلس الوطني السوداني (البرلمان) وهو من شخصيات شرق السودان البارزة لصحيفة ” ألوان ” اليومية الصادرة بالخرطوم في 12 مارس 1997قال فيه : ” أن أرتريا نشرت مؤخراً خريطة جديدة تضم فيها مساحة واسعة من الأراضي السودانية في منطقة (طوكر) , وأن لها مطامع توسعية في المنطقة الواقعة علي ساحل البحر الأحمر وتسعي لضم أربع محليات بالقرب من طوكر ” وأضاف مؤكداً “إن هناك مُخططاً أرترياً لإنتهاك حرمة المياه الإقليمية السودانية وتهديد موانئ السودان علي البحر الأحمر وأن القوات الأرترية تربض علي بعد أميال من السودان وتريد ضرب مينائي بورسودان وسواكن وأن القوات الأرترية وُضعت قبالة الحدود في كل من منطقتي رأس قصار وجبل حليباي”.

يجدر بالذكر أن الحكومة السودانية في عهد البشير وبدءاً من عام 1992روجت لمشروعين في منطقة الحدود السودانية الأرترية أولهما/ مشروع القاش الزراعي وتبلغ رقعته 400 ألف فدان عالية الخصوبة ومتوسط موارده المائية 650 مليون متر مكعب تفيض من نهر القاش وبالمتر الواحد 5 كج من الطمي وثانيهما/ مشروع طوكر الزراعي بولاية البحر الأخحمر علي بعد 90 كم جنوب سواكن وتبلغ مساحته 46 ألف فدان .

التـــــقــــديـــر :

النزاع الحدودي الأكثر خطورة علي أمن السودان القومي هو الذي في الفشقة فنزاع حلايب موضوعه خلاف علي السيادة علي منطقة صجراوية مع أنه خلاف كالفشقة علي السيادة أيضاً لكن خلاف الفشقة تضمن تغييراً ديموجرافياً هلي منطقتي الفشقة الكبري والصغري ويرفع من درجة خطورته أنه نفق يتسلل منه الإثيوبيين ليغيروا في النهاية من وضع المنطقة السياسي والإقتصادي ويد السودان موزعة علي خلافات متنوعة منها الحدود في منطقة حلايب و ابيي مع جنوب السودان Abyei  نشأت عقب إنفصال جنوب السودان عن شماله في يوليو 2011 .

في ضوء ما تقدم ففي تقديري أنه يجب ألا يتخلي السودان عن البديل العسكري الحالي ويظل جاهزاً ومستعداً فالأهداف الإثيوبية لا تتعلق بمجرد منطقة الحدود التي ينتهكها للآن المزارعين الإثيوبيين بغطاء عسكري إثيوبي , بل تتعلق بالأطماع الإثيوبية للوصول إلي ساحل السودان علي البحر الأحمر , ومما يشير إلي توجهات إثيوبيا تلك الدولة الحبيسة التي لا منفذ بحري لها Landlocked للوصول للبحر الأحمر من خلال جيبوتي , ولهذا مارست إثيوبيا ضغوطها علي جيبوتي من أجل الحصول علي قاعدة بحرية لإثيوبيا علي أراضيها وهو ما نُوقش في زيارة رئيس وزراء إثيوبيا لجيبوتي في 20 أكتوبر 2019 وهو أيضاً ما أكدته مصادر إثيوبية حين أشارت في ديسمبر 2019 إلي أن البحرية الإثيوبية ستتمركز في تاجورة على ساحل جيبوتي علي البحر الأحمر فيما ستتمركز القيادة البحرية لها في بحر دار عاصمة منطقة أمهرة شمال غرب إثيوبيا تحت قيادة العميد Kindu Gezu , ويتأكد هذا الإتجاه الإثيوبي أيضاً من تصريح للرئيس الفرنسي Macron أشار فيه تعليقاً علي توقيع فرنسا وإثيوبيا علي أول إتفاقية تعاون عسكري بينهما في 13 مارس 2019 قائلاً : “إن اتفاقية التعاون الدفاعي غير المسبوقة هذه توفر إطارا وتمهد بشكل كبير الطريق لمشاركة فرنسا في إنشاء كيان بحري إثيوبي” , وأعتقد أن تصريح كهذ كاف جداً لكشف جزء كبير من إستراتيجية الوصول الإثيوبي للبحر الأحمر فإثيوبيا بعد إقامتها لسد النهضة المُولد لطاقة كهربائية قابلة للتصدير بالإضافة إلي 3 سدود أخري مُرتقبة سيكون لديها تمويل لتمويل إستراتيجية وصول البحرية الإثيوبية للبحر الأحمر  , فإثيوبيا ستظل دون منفذ بحري مُستقل لها كمخلوق ضخم بلا أقدام يسعي بها إلي الإنطلاق خارج نطاقة نقطة ثباته .

الـــــســــفــــيـــر : بـــــلال الــمـــصـــري –

الــــقــــاهــــرة في 28 فبرايــر 2023 – حصريا المركز الديمقراطي العربي

 

.

رابط المصدر:

https://democraticac.de/?p=88199#google_vignette

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M