هل أميركا بحاجة إلى العراق؟

معد فياض

تحرص الدول المستقلة، بما فيها الدول العظمى على مصالح بلدانها وشعوبها، وتضعها في مقدمة الملفات ذات الأهمية الكبرى، وتحدد نزاهة السياسيين الذين يحكمون هذه الدول بمدى انتمائهم الوطني وحرصهم على مصالح شعوبهم، وحسب هذه المعايير يتم انتخاب هذا السياسي أو ذاك لقيادة البلد.

وفق هذه الأسس يجب أن يتم الحوار الستراتيجي بين العراق والإدارة الأميركية والذي سينطلق في العشرين من الشهر الجاري، والذي يجب أن يتم بين دولتين مستقلتين تتمتع كل منهما بسيادة كاملة على أراضيها وفي قراراتها السياسية لتحديد مصالحها والحرص عليها، وليس بين دولة عظمى وأخرى صغرى. وما يحدد عظمة هذه الدولة أو صغرها هو قوتها السياسية واستقلال قراراتها وشدة حرص قياداتها على مصالح شعبها.

من هذا المنطلق وضعت الإدارة الأميركية أمام القيادات السياسية العراقية طريقين لا ثالث لهما، إما أن يكون العراق دولة ذات سيادة كاملة أو المفارقة، واتخذت من هذه السياسة ستراتيجة الحوار بين واشنطن وبغداد.

مساعد وزيرة الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد شينكر، استبق مجريات الحوار وقال، إن أمام العراق خيارين، خلال الحوار الستراتيجي المقبل بين واشنطن وبغداد، مشيراً إلى ضرورة تصرف القادة العراقيين كدولة ذات سيادة.

وأضاف شينكر في ندوة عبر الإنترنت مع معهد الشرق الأوسط، إن “الحوار الستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق يهدف إلى تجديد العلاقة بين واشنطن وبغداد”.

السياسيون العراقيون ينشغلون اليوم بالتهيئة لهذا الحوار الذي سيضع النقاط على حروف علاقتهم مع الإدارة الأميركية التي تهدف إلى استقلالية القرار العراقي وإنهاء النفوذ الإيراني ونزع سلاح الميلشيات الموالية لطهران، والتي تشكل تهديداً لأمن واستقرار العراق والقواعد الأميركية في البلد.

ويتوقع المراقبون أن يشكل هذا الحوار انشقاقات في القرار العراقي السياسي، ويضع السياسيين في خانتين، إمّا أن يكونوا مع العراق ويؤكدون انتماءهم الوطني، أو أن ينحازوا لإيران، وهذه الخيارات الصعبة على بعض أحزاب الإسلام السياسي الشيعية وتشكل تهديداً مباشراً لهم ولميلشياتهم.

شينكر قال بصراحة، إن “الحوار الستراتيجي سيرسم مستقبل علاقة ووجود القوات الأميركية في العراق”، مستطرداً بقوله “يسمح لنا الحوار الستراتيجي بمواجهة القادة العراقيين بخيار صارم، إذا اختار العراقيون التصرف كدولة ذات سيادة، فإن العلاقات الثنائية ستستمر في جلب مزايا كبيرة للعراق، وإذا لم يتخذوا هذا الخيار، لن نتمكن من الحفاظ على التزامنا أو وجودنا في العراق”.

الفرز الأولي للمواقف بدا جليا في الساحة العراقية، فالسنة والكورد وبعض الأحزاب الشيعية المعتدلة مع بقاء القوات الأميركية في العراق وبناء علاقات ستراتيجية طويلة الأمد مع واشنطن، على العكس من مواقف بعض الشخصيات أو الكتل السياسية التي ترى أن مستقبل العراق يجب أن يكون مع مصالح إيران، وتطالب بخروج القوات الأميركية من العراق.

هنا ومن منطلق الحرص على مصالح العراق، لنا أن نسأل، هل أميركا بحاجة إلى العراق، أم العكس هو الصحيح؟ وفي استعراض سريع لما قدمته الولايات المتحدة للعراق، سنتأكد أن من مصلحة العراق الاستمرار بعلاقاتها مع أميركا، بل والاتفاق معها على علاقات ستراتيجية تتعدى موضوع وجود القوات إلى الشراكة الاقتصادية.

القوات الأميركية هي التي دعمت وبقوة حرب القوات العراقية ضد تنظيم داعش وحررت الكثير من المدن العراقية التي احتلها التنظيم الإرهابي، وفي مقدمتها مدينة الموصل، وبقاء القوات الأميركية في قواعدها على الأراضي العراقية ضمان لأمن البلد ضد أي تهديد إرهابي، لا سيما وإن جيوب داعش ما زالت فاعلة في مناطق متعددة من العراق.

إن وجود قواعد أميركية في أي بلد لا يعني أنها تمثل خرقاً لسيادة هذا البلد أو ذاك، فللقوات الأميركية قواعد كبيرة في ألمانيا واليابان وتركيا والبحرين وقطر، وهذه القواعد قامت وفق اتفاقيات حريصة على مصالح هذه الدول وشعوبها، كما هي بالتأكيد حريصة على مصالح الولايات المتحدة. ثم أن الإدارة الأميركية لم تفرض شروطها المسبقة للحوار بينها وبين العراق، والموضوع حمل عنوان “الحوار الستراتيجي” وليس اتفاقاً، وكان الشرط الوحيد هو أن يتصرف ساسة العراق باعتبار ان البلد مستقل بقراراته وذو سيادة.

بالتأكيد إن هذا الحوار، الذي لن يخلوا من المفاجآت، سيعرّض النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة إلى الخطر لاسيما وأن اختيار بقاء القوات الأميركية يعني نهاية النفوذ الإيراني في البلد، وبالتأكيد فإن طهران ستضغط بكل قوتها من أجل إفشال هذا المسعى.

العراق اليوم أحوج ما يكون للاستقلال بقراراته، وأن يتصرف سياسيوه باعتبارهم يحكمون بلداً مستقلاً وذا سيادة، حفاظاً على مصالح الشعب العراقي وأمنه واستقراره وحرصاً عليه من التقسيم، وهذا يعني أننا أحوج ما نكون اليوم لاستمرار علاقاتنا الستراتيجية مع الولايات المتحدة، ومن هذا المنطلق يجب أن يفكر الفريق العراقي الذي سيتحاور مع نظيره الأميركي.

رابط المصدر:

https://www.rudaw.net/arabic/opinion/08062020

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M