هل تخدعك الشركات من خلال تقسيم أسهمها؟

نعتقد أن تقسيم السهم سيساعد في إعادة ضبط سعر السوق لأسهمنا العادية بحيث يتمتع موظفونا بمزيد من المرونة في إدارة أسهمهم” هكذا بررت شركة “تسلا” تقسيمها لسهم الشركة في منتصف 2020 بحيث يحصل كل سهم على 3 أسهم إضافية أو بتقسيم السهم الواحد إلى 4 أسهم.

ويبدو المبرر الذي طرحته “تسلا” بإمكانية حصول موظفيها على المزيد من الأسهم منطقيًا أول الأمر في ظل وجود قرابة 128 ألف موظف في الشركة، بما يعني –وبشكل نظري- أنه إذا امتلك كل موظف ما قيمته 10 آلاف دولار أسهماً في الشركة في المتوسط سيعني ذلك امتلاكهم بشكل جمعي لقرابة 1.25 مليار دولار من الأسهم.

ومن شأن ذلك أن يحسن ولاء الموظفين للشركة بشكل ما في ظل إحساسهم بأنهم شركاء بالمال وليس فقط بالجهد، ولكن عند الانتباه إلى أن القيمة السوقية لـ”تسلا” 675 مليار دولار في منتصف يناير 2024 يجعل هذا المبرر غير كافٍ في ظل أن النسبة التي سيحصل عليها الموظفون من أسهم الشركة ستكون ضئيلة للغاية (0.18%).

لماذا التقسيم

وبشكل عام تهدف الشركات من تقسيم أسهمها إلى أكثر من غاية، على رأسها السعي لجعلها جذابة لقطاع أوسع من الجمهور، في ظل الرؤية بأن شراء السهم الرخيص نسبيًا يمثل فرصة استثمارية لدى الكثير من المتداولين.

ويسهم هذا في توسيع قاعدة حائزي السهم، ولذلك فائدة مزدوجة، أولها في تجنب التقلبات العنيفة لسعره، والثانية في تقليل الضغوط التي قد يشكلها كبار ملاك السهم على الشركة وتوجهاتها بما يمنحها حرية أكبر في الإدارة.

والشاهد أن الشركات هنا تستغل طريقة تفكير الكثير من المتداولين في الأسهم، فإذا افترضنا أن شركة لديها مليون سهم وسعر السهم الواحد 100 ريال فهذا يعني قيمة سوقية 100 مليون ريال، ولكن إذا تم تقسيم السهم إلى أربعة فسيصبح سعر السهم الواحد 25 ريالًا وعدد الأسهم 4 مليون لتظل القيمة السوقية 100 مليون ريال.

وهنا على المتداول أن يقيّم القيمة “الصحيحة” للشركة قبل الاستثمار فيها، فمن ذلك يعرف القيمة العادلة للسهم، ولكن ما يحدث لدى كثير من المتداولين أن إغراء السهم الأرخص يدفعهم للشراء بما يزيد الإقبال على شراء أسهم الشركة التي تقسم أسهمها.

حالة “ألفابت”

وعادة ما تكون عملية تقسيم الأسهم بإصدار سهم مقابل كل سهم قائم أو سهمين أو 3 لكنها في بعض الأحيان قد تصل لتقسيم السهم إلى 20 كما حدث في حالة شركة “ألفابت” في يوليو 2022 حيث تم تقسيم سهمها إلى 20.

وكان سعر السهم قبل التقسيم 2255.34 دولار، وفي اليوم التالي لتقسيم السهم (والذي يتم تنفيذه فعليا مع افتتاح يوم تداول وليس خلاله) افتتح السهم على 112.64، أي أنه سجل انخفاضًا محدودا لا يتجاوز 0.12 سنت (عن سعره المفترض بعد التقسيم)  رغم قرار تجزئة السهم.

وجاء قرار التقسيم رغبة من “ألفابت” في التماشي مع غالبية الشركات المدرجة في مؤشرات الأسهم التكنولوجية الأمريكية، حيث تتراوح غالبية أسعار أسهمها بين 100-300 دولار بما يجعل سهم “ألفابت” خارج إطار سعر السهم تقليديًا في هذه الفئة.

هل نجحت استراتيجية “ألفابت” في دعم سعر سهم الشركة؟ يصعب التأكد من تأثير قرار التقسيم وحيدًا على سعره، حيث وصل قرابة 143 دولاراً منتصف يناير 2024، ولكن هذا لا يمنع أنه انحدر دون 100 دولار في فبراير 2023، ولا شك أن جعل السعر أقرب للمستثمر الفردي ساهم –مع عوامل أخرى- في صعود السهم، بزيادة عدد “القادرين” على شرائه.

أمازون مثالا

وفي هذا الإطار يمكن تذكر خطوة “أمازون” بتقسيم أسهمها منتصف 2022 حيث اعتبر المراقبون أنها ترغب في التحول إلى شركة لـ”كل شخص”، بعد أن أصبحت شركة “كل شيء”، أي أنها ترغب في توسيع قاعدة ملكيتها قدر المستطاع بعد أن تمكنت بالفعل من العمل في مجالات متعددة وكثيرة خلال السنوات الأخيرة.

ويقول “مايكل باشتر” الخبير في “ويبدوش” للاستشارات المالية: أنه عندما كان السعر حوالي 2500 دولار قبل التقسيم، فإن من يمتلك 10 آلاف دولار لم يكن ليضعهم في “أمازون”، ولكن مع نزول السعر إلى 125 دولارا بعد التقسيم على 20 أصبح من الممكن لمثل هذا الشخص أن يشتري بعض الأسهم في الشركة، وليكن بألف دولار مثلا، وهو ما ينطبق على كُثر غيره، بما سينعكس إيجابًا على سعر السهم.

ورأي “باشتر” أن شركة “أمازون” كانت معتادة على عدم الاهتمام بالطريقة التي تراها بها السوق الأمريكية وأن تقسيم السهم لجعلها “أكثر شعبية” ولتحسين الصورة فيما يتعلق بمعاملة الموظفين -والتي تزايدت الشكاوى حول مظهرها السيئ مؤخرًا- من خلال زيادة توزيع الأسهم عليهم.

ورأى كثيرون وقتها أن وجود أمازون في مستوى مقارب لـ”أبل” مثلا وفي نطاق  على  150 دولارًا للسهم ستكون له آثار إيجابية، وبالفعل وصلت الشركة إلى هذا النطاق السعري في بداية 2024، ويُعتقد أن توسيع قاعدة ملكية الأسهم بعد تقسيمها منتصف 2022 ساهم في وصوله لسعره في يناير 2024.

والشاهد أن “أمازون” هي أحد أكثر الشركات توظيفاً لاستراتيجية تقسيم الأسهم،  حيث قامت بتقسيم أسهمها، 3 مرات سابقة في عامي 1998 و1999، أي أن الشركة قامت بتقسيم أسهمها 3 مرات خلال العامين اللذين تليا إدراجها في البورصة عام 1997 وظلت بعدها 23 عامًا دون تقسيم.

آراء متعارضة

يذكر “جون كلاف” المدير العام لمنصة “ماجنيفي” للتداول أن كثيراً من الشركات تعتبر تقسيم الأسهم مفيداً للغاية أيضا في الوصول إلى حجم تداول كبير للأسهم بما يضفي حالة من التفاعل بين المتداولين في السوق على السهم ويسهم في دعم “بروز” اسم الشركة في السوق وخارجه.

ويُقدر “كلاف” أنه عند تضاعف عدد أسهم شركة بنسبة 100% بسبب تقسيم الأسهم، أي أن التقسيم بمنح سهم مقابل كل سهم قائم، فإن التداول يزيد بنسبة لا تقل عن 30% على الأسهم خلال العام الأول، وتصل أحيانا إلى 70% بما يعكس تحقيق الشركة لهدف زيادة “التعرض” للسوق وهو أمر “غالبًا” ما يكون إيجابياً.

ويشير “كلاف” في هذا الإطار إلى أن توسيع قاعدة الأسهم يسمح بدخول المزيد والمزيد من المستثمرين، وغالبًا ما يجذب مثل هذا الإجراء عدداً أكبر من المستثمرين من غير ذوي الخبرة، وبالتالي يسهم في تضخم غير مبرر، ولو مؤقتاً، لسعر السهم بما يعطي صورة إيجابية غير دقيقة عن الشركة بشكل عام.

وفي المقابل، ترى بعض الشركات فائدة محدودة لتقسيم أسهمها لذلك لا تقدم عليه، حيث علق الرئيس التنفيذي لبنك “بي.إن.سي” للخدمات المالية “ويليام ديمشاك” في أبريل 2022 أنه يرفض تقسيم أسهم البنك لأن ذلك سيؤدي إلى ارتفاع تكاليف إدراج وإدارة عدد أكبر من الأسهم.

وكان “ديشماك” يعلق على اقتراح البعض قيامه بتقسيم الأسهم في مواجهة تراجعها بنسبة 24% منذ بداية العام، حيث قال “في الواقع تقسيم الأسهم لا يفعل أي شيء لأداء الشركة أو تغيير اقتصاديات الشركة، ولذلك نحن لا نفكر فيه.

وعلى الرغم من تعليق “ديشماك”، فإن تقسيم الأسهم تم استخدامه بنجاح من قبل شركات كثيرة ليس لزيادة السعر فحسب، ولكن في أحيان كثيرة لوقف المنحنى الهابط لسعر سهم الشركة، وهو وسيلة إذا ما كانت الشركة تعتقد أن سهمها يتم تقييمه بصورة غير عادلة في السوق.

وفي النهاية يبقى تقسيم الأسهم وسيلة من الشركات لإبداء الثقة في أن أوضاعها المالية قوية وأنها ترى أن أسهمها مقيمة بأقل من قيمتها الحقيقية، ولكن في بعض الأحيان يرى المستثمرون هذه الخطوة على أنها وسيلة لتلافي عثرة تمر بها الأسواق، ويبقى تلقي السوق للقرار متوقفًا على عوامل عدة، ولكنها بالتأكيد تسهم في توسيع قاعدة ملاك الشركة مستقبلاً بما في ذلك دخول بعض المستثمرين “غير الخبراء” إلى هيكل ملكيتها.

المصدر : https://www.argaam.com/ar/article/articledetail/id/1701029?utm_source=ArgaamSM&utm_medium=twitter

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M