هل تمر العلاقات الإسرائيلية الأمريكية مضيق أزمة؟

شادي محسن

 

تشهد العلاقات بين إسرائيل والولايات المتحدة في الآونة الأخيرة توترًا سياسيًا ملحوظًا، انعكس في إعلان البيت الأبيض عدم نيته دعوة رئيس الحكومة الإسرائيلية “نتنياهو”، في حين يجري رئيس إسرائيل “يتسحاق هرتسوج” زيارة إلى واشنطن. لذلك يدور السؤال إذ ما كان ثمة مؤشرات على وجود توتر بين الطرفين، ومحركات هذا التوتر، ومسارات العلاقة فيما بعد؟

أولًا: مؤشرات التوتر

هناك عدة حوادث تؤشر على أن العلاقات الأمريكية الإسرائيلية تدخل مرحلة (ليست فريدة أو غير مسبوقة) من التوتر والتباعد في وجهات النظر، مثل:

1 – قطع زيارات: لم يبادر الرئيس الأمريكي منذ عودة نتنياهو إلى الحكم مرة أخرى بنيته زيارة إسرائيل ومقابلة المسؤولين الإسرائيليين في القدس، على غرار ما تم في منتصف العام الماضي الذي أسفر عن توقيع إعلان القدس مع رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق “يائير لابيد”.على إثر ذلك، فبحسب الإعلام الإسرائيلي فإن “نتنياهو” منع وزير دفاعه “يؤاف جالانت” مرتين من السفر إلى واشنطن ونيويورك؛ بسبب عدم دعوة رئيس الحكومة لزيارة الولايات المتحدة حتى الآن.

2 – هجوم لفظي على سياسات إسرائيل: شرع مسؤولون إسرائيليون مثل وزير الأمن العام “ايتامار بن جفير” (المحسوب على التيار اليميني المتطرف) في الرد على الهجوم اللفظي الذي بدأ به “بايدن” ووصفه الحكومة الإسرائيلية بأنها الأكثر تطرفًا، مجيبا (أي بن جفير) بأن إسرائيل ليست ولاية أمريكية، وملمحًا بعدم السماح بالتدخل الأمريكي في سياسات إسرائيل. وذلك بعد أن تواترت تصريحات “بايدن” الهجومية على سياسات الاستيطان الإسرائيلية الممتدة في الضفة الغربية؛ كونها تهدم فرص حل الدولتين.

3 – انخفاض التنسيق الاستراتيجي: لا تقترب الولايات المتحدة من التنسيق الأمني التشغيلي بين البنتاجون ووزارة الدفاع الإسرائيلية؛ بسبب الالتزام الأمريكي الصارم بأمن إسرائيل. لكن مع ذلك، لم تُعلم الولايات المتحدة الأجهزة الإسرائيلية بتطورات وحيثيات التفاهم الأمريكي الإيراني وإمكانية الوصول إلى اتفاق ضمني غير مكتوب لكسر الجمود بشأن الاتفاق النووي.

كذلك، بدا أن المغرب خلصت من خلال تنسيق مباشر مع واشنطن إلى قرار إلغاء النسخة الحالية من اجتماع منتدى النقب الذي تستضيفه الرباط؛ على إثر التطورات السياسية والأمنية في إسرائيل بشأن الإصلاح القضائي والوضع في الضفة الغربية. وفي إبريل 2023، كان البنتاجون عرض على وزارة الدفاع الإسرائيلية مبادرة التخطيط العسكري المشترك بين الطرفين بشأن الوضع الإقليمي ونذر الحرب المحتملة بين إسرائيل وإيران. واستقبلت الحكومة الإسرائيلية المقترح الأمريكي بتشكك واضح، موضحة أنه من المرجح أن يكون تقييدًا لحرية العمل العسكرية الإسرائيلية ضد إيران.

ثانيًا: محفزات التوتر

يمكن تقسيم العوامل التي تغذي التوتر في العلاقات الثنائية بين إسرائيل والولايات المتحدة على النحو التالي:

1 – المصالح القيمية للولايات المتحدة: والتي يندرج تحتها؛

*مشروع الإصلاح القضائي: تجادل الولايات المتحدة أمام حكومة إسرائيل أن مشروعها في الإصلاح القضائي الذي يهدف إلى تقييد صلاحية محكمة العدل العليا في التدخل في قرارات الحكومة، وحق الحكومة في ترشيح لجنة القضاء؛ في نظر الولايات المتحدة يعطل قيم الديمقراطية في إسرائيل.

*السياسات الاستيطانية: يسعى التيار اليميني المتطرف الحاكم في إسرائيل إلى توسيع مشاريع الاستيطان في الضفة الغربية وفي الداخل الإسرائيلي على مستويات ضخمة؛ تقوض فرص حل الدولتين (في نظر الولايات المتحدة). وتعمل تلك السياسات كذلك على تعزيز الحركات الاجتماعية القومية في الضفة الغربية التي تتكون من مستوطنين يتبنون السلوك العنيف ضد الفلسطينيين؛ مما يزيد فرص الاحتكاك واستخدام العنف المسلح أو العنف التخريبي.

2 – المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط: والتي يندرج تحتها؛

*رفض إسرائيلي لدعم أوكرانيا بالأسلحة الفتاكة: رغم إعلان البنتاجون تفهم رفض إسرائيل منح أوكرانيا المنظومات الدفاعية الثقيلة مثل القبة الحديدية ومقلاع داوود، إلا أنه على المستوى السياسي لا يزال البيت الأبيض يحاول الضغط على إسرائيل (عبر استخدام القطيعة) لثنيه عن هذا الموقف.

*طبيعة العلاقة الإسرائيلية مع الصين: يجاهر نتنياهو برفض الموقف الأمريكي الرافض للتقارب الصيني الإسرائيلي، وقصره على العلاقات التجارية البسيطة؛ إذ من الملاحظ أن الصين وإسرائيل يدرسان التعاون في صناعة البطاريات الخاصة بصناعة السيارات الكهربية؛ إذ تحاول إسرائيل موازنة الاشتراط الأمريكي بالاستثمار في مجال التكنولوجيا الفائقة الإسرائيلية بتعويضه عبر الحماسة الصينية في الاستثمار في ذات المجال، وهو ما يقابله رفض أمريكي قاطع.

*الحد من النزاعات في الشرق الأوسط: تتبنى الإدارة الأمريكية الحالية مقاربة دبلوماسية بهدف الحد من النزاعات وتقليل الصراعات المحتملة، على سبيل المثال نجحت المقاربة الأمريكية في ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان لأهداف اقتصادية وبهدف إخراج لبنان من المعادلة الإيرانية الإقليمية. لكن في المقابل لا تساعد الحكومة الإسرائيلية الحالية مقاربة الولايات المتحدة الهادئة، بل تنعكس سياساتها المتطرفة في تأجيج الوضع الأمني على المستويين الداخلي والإقليمي.

ثالثًا: سيناريوهات العلاقة

تتصف العلاقة بين الطرفين بـ “التحالف الاستراتيجي”، ولكن يبدو أنها تتقيد فقط بمحددات المستوى الأمني؛ أي التزام الولايات المتحدة بأمن إسرائيل المطلق. أما على المستوى السياسي، فيبدو أنها قد تمر بعدة مسارات محتملة في المرحلة المقبلة، يمكن تصنيف هذه المسارات على النحو التالي:

1 – السيناريو الأول: مزيد من التأزم

يعني هذا السيناريو استمرار إسرائيل في تغذية محركات الأزمة، وهو ما سينعكس في زيادة في مؤشرات التوتر كمًا ونوعًا، مما قد يصل الأمر إلى أن يظهر في الموقف الأمريكي الرسمي من ظاهرة سحب الاستثمارات الأمريكية في مجال التكنولوجيا الإسرائيلية الفائقة.

يدعم هذا السيناريو المرجح (نسبًيا) وجود: (1) أزمة داخل الحكومة تظهر في تفجر الأوضاع الأمنية مع فصائل الضفة الغربية وفصائل غزة وفصائل لبنان، وفي سعي نتنياهو الحثيث لتمرير الإصلاح القضائي من أجل دعم تماسكه الحكومي بين الأحزاب المتطرفة. (2) تعزيز المشروع الاستيطاني الذي يظهر بشكل ملاحظ في كل ربوع الضفة الغربية. (3) التحفظ اللفظي للدول العربية التي ترغب إسرائيل في إتمام تطبيعها معها، والتحفظ اللفظي لدول التطبيع الإبراهيمي ذاتها مثل المغرب.

2 – السيناريو الثاني: نجاح الاختبار (التهدئة الجزئية)

يعني هذا السيناريو أن الحكومة الإسرائيلية ستبدأ في إعادة النظر في سياساتها التي تتماس سلبًا مع المصالح الاستراتيجية الأمريكية، وبالتحديد في علاقة إسرائيل بالصين، ولبنان، والأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة. لكن لا يعني ذلك أن إسرائيل ستوقف سياساتها الهوياتية (أي مشروع الإصلاح القضائي)، أو سياساتها الاستيطانية في الضفة الغربية؛ كون الاستيطان يحمل أبعادًا اقتصادية تتعلق بفرض استقرار الأسعار والقدرة الشرائية للفرد الإسرائيلي خاصة في مجال الإسكان.

يدعم هذا السيناريو، (1) التهدئة اللحظية لإسرائيل في أزمة الخيام اللبنانية على الحدود المشتركة، إذ تتبنى الحكومة الإسرائيلية مقاربة دبلوماسية لتهدئة الأوضاع. (2) الانسحاب الفوري للجيش الإسرائيلي من جنين في العملية العسكرية الأخيرة يوليو 2023. (3) تأجيل زيارة نتنياهو إلى الصين.

3 – السيناريو الثالث: تفاهم الضرورة

يعني هذا السيناريو أن الولايات المتحدة قد تضطر إلى رفع التنسيق السياسي والأمني مع إسرائيل إلى أقصى درجة، بشرط واحد وهو أن تنجح المبادرات الإسرائيلية الإقليمية مع دول التطبيع في المنطقة العربية. إذ بادرت إسرائيل بصياغة اتفاق تجارة حرة متعددة الأطراف (N7)، يمكن أن تتسع لتشمل دول السعودية والعراق. وبادرت إسرائيل كذلك بمقترح إنشاء جسر بري متعدد الأغراض بين إسرائيل والأردن والسعودية والإمارات. ويدعم هذا السيناريو أن إدارة الولايات المتحدة استقبلت المبادرات الإسرائيلية بموقف إيجابي، واعدة أنها ستبدأ اتصالاتها مع الدول المعنية لإنجاح المقترحات.

ختامًا، يمكن القول إن المستوى الأمني لم يعد الحاكم الوحيد في محددات العلاقات الإسرائيلية الأمريكية رغم اتصافها بالاستراتيجية. وأنه يمكن ترجيح السيناريو الأول الذي يميل بالتقدير إلى مزيد من التأزم بين إسرائيل والولايات المتحدة خاصة في ظل استمرار حكومة نتنياهو المتطرفة. 

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/78580/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M