أرباح غير متوقعة: الولايات المتحدة وأزمة الطاقة الأوروبية

وقع العالم في قبضة أزمة طاقة كبيرة مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية مما أدى إلى تعطل إمدادات الطاقة باعتبار أن روسيا هي المصدر الرئيسي للغاز الطبيعي وثاني أكبر مصدر للنفط في العالم، وشهد سوق الطاقة تقلبًا حادًا في الأسعار، كما حدث في فترة أزمة كورونا والتي عرفت بعدم التوافق بين الطلب والعرض على الطاقة وتضخمت الأزمة بشكل أكبر بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، ونتيجة لذلك تأثرت دول الاتحاد الأوروبي من الأسعار المرتفعة للغاية والمتقلبة وبالتحديد أسعار الوقود الأحفوري، وأدى التدافع للحصول على الوقود والغاز الطبيعي إلى سلوك شركات الطاقة عالميًا بشكل عام والأمريكية بشكل خاص نهج يقوم على أنه لا يمكن توفير الطاقة إلا للبلدان التي تدفع أعلى سعر، وبالتالي حققت الشركات الأمريكية العاملة في القطاع أرباح كبيرة غير متوقعة.

أولًا: مستجدات أزمة الطاقة الأوروبية

شكلت الحرب الروسية الأوكرانية تحديات كبيرة لأمن الطاقة الأوروبي خاصة مع اتخاذ روسيا قرارات أحادية الجانب لتعطيل إمدادات الغاز الطبيعي للعديد من الدول الأوروبية كرد على العقوبات المفروضة عليها من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، وقد أدى ذلك إلى ارتفاع حاد في أسعار الطاقة، مما أدى إلى ارتفاع التضخم وعرّض أمن إمدادات الطاقة للخطر.

وأدى قرار روسيا بقطع الإمداد عبر خط أنابيب نورد ستريم 1 وتعطيل الإمدادات إلى العديد من دول الاتحاد الأوروبي والتفجير الذي حدث في خطي الغاز “نورد ستريم 1 و2″، وضرورة إيجاد مصادر وطرق إمداد جديدة في غضون مهلة قصيرة إلى تفاقم الأزمة، وتعمل أوروبا على خطة للتخلص التدريجي من اعتمادها على الوقود الأحفوري الروسي، وتسريع نشر مصادر الطاقة المتجددة واستبدال الغاز الروسي بإمدادات بديلة.

وانخفضت بالفعل حصة روسيا من واردات الغاز عبر خطوط الأنابيب من إجمالي واردات الاتحاد الأوروبي من الغاز من 41% في سبتمبر 2021 إلى 9% في سبتمبر 2022، إلا أنه في المقابل شهدت أسعار الغاز الطبيعي ارتفاعات غير مسبوقة، حيث وصلت إلى أعلى مستوياتها على الإطلاق في النصف الثاني بأكمله من أغسطس 2022، وأضر ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي بالاقتصاد الأوروبي إذ تستخدم العديد من قطاعات الاقتصاد الغاز الطبيعي على نطاق واسع، مما أدى إلى تراجع معدلات النمو وارتفاع التضخم.

وبحسب توقعات المفوضية الأوروبية فإنه سيصل متوسط ​​التضخم السنوي إلى ذروته عند أعلى مستوياته التاريخية في عام 2022 عند 7.6% في منطقة اليورو و8.3% في الاتحاد الأوروبي، ليشهد تراجع في عام 2023 إلى 4.0% و4.6% على التوالي، أما معدلات نمو اقتصاد الاتحاد فمن المتوقع أن تصل نسبته إلى 2.7% فقط في عام 2022 و1.5% في عام 2023، ومن المتوقع أن يبلغ النمو في منطقة اليورو 2.6% في عام 2022، وأن يتراجع إلى 1.4% في عام 2023، كما ان هناك توقعات أن يحدث ركود في بعض دول الاتحاد.

ثانيًا: الاتحاد الأوروبي والغاز الطبيعي المسال الأمريكي

في إطار سعي دول الاتحاد الأوروبي لسد فجوة الطاقة التي سببتها الحرب وفي نفس الوقت تسابق الولايات المتحدة لأن تصبح الرائد العالمي في قدرة تصدير الغاز الطبيعي المسال وأن تلعب دورًا رئيسيًا في مستقبل أمن الطاقة في الاتحاد الأوروبي، لجأت دول الاتحاد الأوروبي للولايات المتحدة لإقامة شراكة لتقليل اعتماد أوروبا على الوقود الأحفوري الروسي، وعلى إثر ذلك قامت الولايات المتحدة بزيادة إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى القارة بمقدار 15 مليار متر مكعب في عام 2022 مقارنة بالكميات التي تم تصديرها من الولايات المتحدة إلى الاتحاد الأوروبي عام 2021، وهو ما يزيد بمقدار 26 مليار متر مكعب عن عام 2021 بأكمله.

 كما ستحافظ الولايات المتحدة وفقًا لتعهداتها مع الاتحاد الأوروبي على مستوى عالٍ من إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا في عام 2023 بما يقرب من 50 مليار متر مكعب إضافية مقارنة بعام 2021، بحسب تصريحات البيت الأبيض أغسطس عام 2022.

وفي يونيو 2022، استورد الاتحاد الأوروبي ما يقرب من 4.1 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة، وكانت هذه زيادة بنحو 30% عن الشهر السابق، وتمثل ذروة حجم الواردات الشهرية منذ عام 2020، ويمكن متابعة تطور واردات الاتحاد الأوروبي الشهرية من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة من خلال الشكل التالي:

خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2022، تم تسليم أكثر من 60% من صادرات الغاز الطبيعي المسال الأمريكية إلى أوروبا، مقارنة بـ 37% فقط خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة من عام 2021، وكلاهما أعلى بكثير مقارنة بمتوسط ​​2021 البالغ 29% من صادرات الغاز الطبيعي المسال الأمريكية التي تم تسليمها إلى أوروبا.

 وبالإضافة إلى وصول أسعار الغاز الطبيعي الأوروبية بالفعل عند مستويات قياسية في أواخر عام 2021 قبل الحرب بسبب ارتفاع الطلب الأوروبي على الغاز الطبيعي خلال فصل الشتاء إلى جانب انخفاض احتياطي المخزونات، فإنه خلال ​​الثلاثة أشهر من يناير 2022 حتى مارس 2022 سجل تسليم 60% من صادرات الغاز الطبيعي المسال الأمريكية إلى أوروبا متوسط ​​سعر يزيد عن 30 دولارًا أمريكيًا/ مليون وحدة حرارية بريطانية، مقارنة بالمتوسط ​​طويل المدى البالغ 4-8 دولارات أمريكية/مليون وحدة حرارية بريطانية سابقًا، فضلًا عن ذلك ستتكبد أوروبا تكلفة إضافية عالية لإعادة تحويل الغاز الطبيعي المسال المستورد من الولايات المتحدة إلى غاز.

ثالثًا: مكاسب شركات الطاقة الأمريكية 

قبل الحرب، لم تكن الشركات الأمريكية قادرة بسهولة على التنافس مع الوقود الروسي الأرخص ثمنًا، إذ كانت توفر الشركات الأمريكية حوالي 30% فقط من احتياجات السوق الأوروبية من الوقود، ومع حرب أوكرانيا، تحولت الديناميكيات مع ارتفاع الأسعار العالمية إلى مستوى يجعل الغاز والنفط الأمريكي أكثر تنافسية وبدأت أوروبا في التفكير في كيفية تقليل مشترياتها من الشرق، وسعت الشركات الأمريكية الكبرى للضغط على الحكومة الأمريكية لتقديم تسهيلات للقطاع تحت ذريعة ضمان أمن الطاقة والاقتصاد لكل من الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوروبا وحول العالم كما تم التأكيد على أن معالجة تغير المناخ أو الحد من الانبعاثات لا يمكن السماح لها بالانتقاص من الحاجة الواضحة والحالية لمواصلة الاستثمار في التوسع في إنتاج النفط والغاز الطبيعي.

وكانت هناك مطالبات علنية لتلك الشركات من الحكومة الأمريكية بزيادة صادرات منتجات النفط والغاز، وبالرغم من أنه لم تكن هناك تصريحات رسمية من قبل الإدارة الامريكية إلا أنه تم اتخاذ خطوات لزيادة المبيعات الأمريكية من الوقود إلى أوروبا، كما كانت الولايات المتحدة تزج أوروبا نحو فرض عقوبات على قطاع الطاقة الروسي، مما أفسح للشركات الامريكية المجال لزيادة صادراتها من الطاقة، لتحقق عائدات بلغت 200.24 مليار دولار خلال الستة أشهر الأولى من بدأ الحرب.

ومن ناحية أخرى، في الداخل الأمريكي ارتفعت أسعار التجزئة المعفاة من الضرائب بأكثر من أسعار النفط العالمية في الولايات المتحدة، مما يشير إلى أن الشركات تتلقى جزءًا من المكاسب غير المتوقعة من ارتفاع أسعار النفط، أيضًا ارتفعت أرباح المصافي بشكل كبير في جميع المناطق داخل الولايات المتحدة لتصل إلى أعلى أو قريبة من أعلى مستوياتها في 10 سنوات بحسب إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.

ففي الربع الأول من عام 2022، أبلغت 53 شركة تنقيب وإنتاج أمريكية عن زيادة الإيرادات وتكاليف المواد والعمالة مقارنة بالربع الأول من عام 2021، ووصل متوسط ​​سعر خام غرب تكساس 95.18 دولارًا للبرميل خلال الربع الأول من عام 2022، بارتفاع قدره 64% عن الربع الأول من عام 2021 وبزيادة 23% عن الربع الرابع من عام 2021، إلا أنه بحسب توقعات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية ينخفض متوسـط سـعـر خـام غرب تكساس إلى 92 دولارا/برميل في نهاية عام 2022، إلا أنه يظل مرتفع مقارنة بسعره 84 دولارًا/للبرميل بنهاية عام 2021.

وبالتالي ساهمت الحرب الروسية الأوكرانية في تمكن الولايات المتحدة من الاستحواذ على جزء من السوق الأوروبي، كما تمكنت شركات الطاقة الأمريكية من توسيع عائداتها وتحقيق مكاسب غير مسبوقة بعد اختلال سلاسل التوريد وارتفاع أسعار الطاقة العالمية وتجاهل المطالب الأخيرة المتعلقة بضخ استثمارات في القطاع لزيادة الإنتاج، وبالرغم من توسع الولايات المتحدة في صادراتها من الغاز الطبيعي المسال للاتحاد الأوروبي من جانب، ومكاسب شركات الطاقة الأمريكية من جانب آخر إلا أن الحرب تظل وبالًا على اقتصادات جميع الدول بما فيها الولايات المتحدة الأمريكية والتي تشهد مستويات مرتفعة من التضخم مع ترقب حدوث ركود اقتصادي عالمي.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/31768/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M