أزمة شرق المتوسط وانعكاستها على أمن أوروبا

1ـ أمن دولي ـ انعكاسات الصراع في شرق المتوسط على وحدة الناتو

بالتوازي مع تصاعد التحديات أمام حلف شمال الأطلسي جراء الحرب الأوكرانية تجدد الصراع بين تركيا واليونان العضوين بالحلف ما يعقد من موقفه في المرحلة الحالية. وتأزم المشهد بين الدولتين هذه المرة بشكل أكبر نظرا لاقتناع اليونان بأن الدور الفعال الذي تلعبه تركيا في الأزمة الأوكرانية يمنحها فرصة لتحقيق مكاسب في بعض القضايا الخلافية بينهما التي تجددت بالتزامن مع مرور 100 عاما على معركة ” دوملوبونار” التي انتهت بانتصار تركيا على اليونان.

 أسباب التصعيد الجديد  

دخلت العلاقات بين تركيا واليونان فصلا جديدا من التوتر عقب إعلان وزارة الدفاع التركية في 28 أغسطس 2022 تعرض مقاتلاتها من طراز ” إف – 16″ لمضايقات من صواريخ دفاع جوي يونانية بعد تهديدها وإقفال الرادار عليها. واعتبرت تركيا ما فعلته اليونان ” عمل عدائي” وفقا لقواعد الاشتباك في الناتو وكانت طائراتها بمهمة للحلف في بحر إيجة وشرق البحر المتوسط أثناء استهدافها بنظام الدفاع الجوي اليوناني ” إس – 300″. وفي المقابل نفت اليونان أي اتهامات تركية بشأن إغلاق أجهزة استشعار الطائرات التركية، منوهة إلى واقعة أخرى حدثت في 23 أغسطس 2022 عندما أقلعت 4 مقاتلات يونانية لاعتراض 5 مقاتلات تركية دخلت على مسار مجموعة من مقاتلات ” بي 52- إس” الأمريكية الحاصلة على تصريح بالتحليق بالمجال الجوي لليونان.

 

خلافات مزمنة بين حليفين الناتو

جزر إيجة

عادت قضية تسليح جزر بحر إيجة إلى الواجهة خلال عام 2022  عقب إعلان الخارجية التركية في 10 فبراير 2022 أنها ستبحث مسألة السيادة على الجزر ما لم تتخل اليونان عن تسليحها، ونوهت إلى انتهاك اليونان وضع الجزر 229 مرة منذ بداية العام الجاري بالمركبات الجوية والبحرية العسكرية ما دفع تركيا لتقديم رسالتين للأمم المتحدة بشأن وضع الجزر التي مُنحت لليونان بموجب اتفاقيتي باريس ولوزان.

ولم يتوقف السجال بين الدولتين عند هذا الحد بل شدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من لهجته مطالبا اليونان بوقف تسليح جزر إيجة، وقال في 9 يونيو 2022 ” إنه يتعين على اليونان التخلي عن التصريحات والأفعال التي ستؤدي إلى الندم” منتقدا السماح لليونان بإجراء تدريبات عسكرية بمشاركة الناتو ودول ثالثة على الجزر التي لا تتمتع بصفة عسكرية. وجاء رد اليونان في 9 يونيو 2022 بنشر 16 خريطة توثق ما أسمته بـ ” حجم النزعة التحريفية التركية”، وشددت على أن ما تروج له تركيا في أحقيتها في نصف الجزر وأجزاء كبيرة من البحر المتوسط مجرد ادعاءات. وطالب المتحدث باسم الحكومة اليونانية جيانيس أويكونومو أنقرة بوضع نهاية للاستفزازات التي تنتهجها والالتزام بالقانون الدولي. بينما استدعت تركيا السفير اليوناني في أنقرة للتنديد بممارسات اليونان في الجزر في 26 سبتمبر 2022. وسيطرت اليونان على الجزر بموجب معاهدات لندن 1914 ولوزان 1923 وباريس 1947، وبدأت في تسليح 18 جزيرة بعد أقل من عقدين من آخر معاهدة لمنع اقتراب السفن القادمة من الساحل الغربي لتركيا، وفي المقابل لم تبدي تركيا اعتراضها على التسليح إلا بعد اكتشاف احتياطات كبيرة من الغاز والنفط في شرق المتوسط.

–  المجال الجوي

اشتد الخلاف بينهما في 29 أبريل 2022  بشأن تحليق طائرات عسكرية تركية فوق الأجواء اليونانية وبحر إيجة، وبررت الأولى الطلعات الجوية بأنها رد على انتهاكات جوية يونانية بالقرب من السواحل التركية يومي 26 و28 أبريل 2022 وانتهاكات أخرى فوق مناطق ” ديديم وداتشا و دالامان”. بينما اتهمت اليونان تركيا بانتهاك سيادتها وتقويض وحدة الناتو والأمن الأوروبي بعد تحليق مقاتلات تركية ” إف – 16″ فوق مناطق سكنية وشرق بحر إيجة ما دفعها لاستدعاء السفير التركي وتسليمه احتجاجا حاد اللهجة.

  • الهجرة

تحولت الحدود بينهما السنوات الأخيرة لمعابر أساسية للمهاجرين، وفي 6 سبتمبر 2022 أعلن وزير حماية المواطنين اليوناني تاكيس تيودوريكاكوس اعتزام بلاده زيادة طول السياج المقام على حدودها الشمالية مع تركيا إلى 140 كيلو مترا لمنع دخول المهاجرين، وشُيد السياج عام 2012 وأضيف له آخر امتداد عام 2021 بعد إعلان تركيا أنها لن تمنع مرور مهاجرين ما أدى لمحاولة عبور عشرات الآلاف من المهاجرين من تركيا لليونان.

  • الحدود البحرية والمسألة القبرصية

يمتد التوتر بين أنقرة وأثينا إلى الحدود البحرية مع ظهور ثروات جديدة بالمتوسط بجانب الصراع بشأن قبرص الذي يعود إلى عام 1974 بعد سيطرة تركيا على أجزاء منها كرد على محاولات اليونان لضم قبرص بالكامل. وتدخلت تركيا في الجزيرة مستهدفة القبارصة اليونانيين وانقسمت قبرص إلى الجزء الشمالي للقبارصة الأتراك والجزء الجنوبي للقبارصة اليونانيين، وظلت الأوضاع كما هي حتى تجدد الصراع بين الطرفين في عام 1996 بعد خلاف حول إحدى جزر بحر إيجة، وفي عام 2020 احتكت سفن تركية بأخرى يونانية أُثناء التنقيب عن مصادر الطاقة بمناطق النزاع.

  • موارد المتوسط

على مدار الـ 10 سنوات الماضية كثف الجانبان اليوناني والتركي عمليات التنقيب بالمتوسط، وفي 9 أغسطس 2022 أطلقت تركيا السفينة ” عبد الحميد خان” من مرسين جنوب البلاد لمهمة تنقيب عن الطاقة في المتوسط، وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن “التنقيب تم ضمن مناطق سيادتنا وليس بحاجة إلى إذن من أحد” مؤكدا على وجود 4 سفن تنقيب وسفينتي مسح جيولوجي. وجاءت تصريحاته ردا على اتهامات اليونان وقبرص لبلاده بتأجيج التوتر بإرسال هذه السفينة.

أزمة تؤرق الناتو

اكتشافات الغاز

اكتشافات الغاز

يضع الخلاف التركي- اليوناني حلف الناتو في مأزق ولا يستطيع تفعيل المادة الخامسة من ميثاقه التي تنص على أن أي هجوم على أي عضو بالحلف بمثابة هجوم على جميع الأعضاء، فالخلاف هنا بين خصمين ينتميان إليه. ويتبنى الناتو في هذه الأزمة سياسة التهدئة والحياد بالتأكيد على ضرورة التقاسم العادل لثروات المتوسط وضمان حرية عمل الحلف في البحرين الأسود والمتوسط.

ودعا الأمين العام للحلف ينس ستولتنبرغ في 14 يونيو 2022 البلدين إلى تسوية الخلافات في بحر إيجة بروح الثقة والتضامن بين الحلفاء، وفي 30 أغسطس 2022 تسببت تهنئة قيادة الناتو البرية “LANDCOM ” لتركيا بمناسبة الذكرى المئوية لمعركة دوملوبونار في غضب اليونان ما دفع القيادة لحذف التغريدة، واعتبرت تركيا التصرف نتيجة الضغوط اليونانية على الناتو.

وتزايدت المخاوف على وحدة الناتو من تلويح أنقرة وأثينا بالتصعيد العسكري في لحظة فارقة يحاول أن يثبت فيها قوته أمام روسيا. ويرى الجنرال المتقاعد من القوات الجوية الأمريكية والقائد السابق بالناتو فيليب بريدلوف، أن الحلف مازال قادرا على إدارة هذه المهمة، محذرا من استغلال روسيا الوضع إذا وصل لحد القتال لاسيما مع اقتراب فصل الشتاء واندلاع أزمة الطاقة.

موقف الولايات المتحدة

احتوت الولايات المتحدة الأزمة في جميع مراحلها على مدار العقود الماضية بوقف بيع الأسلحة لقبرص واستئناف المباحثات بين أطراف الخلاف، ولكن توتر العلاقات بين واشنطن وأنقرة دفع الأولى إلى دعم أثينا برفع حظر بيع السلاح للقبارصة وزيارة مسؤولين أمريكيين لقبرص اليونانية وإدانة عمليات التنقيب التركية بالمتوسط.

زاد التعاون العسكري الأمريكي اليوناني في أكتوبر 2021 بتحديث اتفاقية التعاون الدفاعي المشترك وبناء قواعد أمريكية في جزيرة كريت اليونانية، ما رأته تركيا انحياز واضح لليونان.

وما طرأ على الساحة السياسية عقب الحرب الأوكرانية عمق انحياز واشنطن نسبيا لليونان، وفي 17 مايو 2022 أكد رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في خطابه أمام الكونغرس أن بلاده لن تقبل بحل الدولتين في قبرص مطالبا واشنطن بمراقبة الوضع في المتوسط ومبيعات الأسلحة المحتملة لأنقرة. وفي 15 يوليو 2022 اشترطت واشنطن بيع مقاتلات “إف – 16 ” لأنقرة بشرط عدم استخدامها في المجال الجوي لليونان. وفي 28 سبتمبر 2022 أكدت الولايات المتحدة سيادة اليونان على الجزر في بحر إيجة.

  • قراءة مستقبلية في العلاقة بين الحليفين داخل الناتو

أصبحت اليونان وتركيا عضوين في الناتو منذ عام 1952 وبتعدد الأزمات تحولت العلاقة بينهما إلى حليفين اسميا فقط. ويحرص الناتو ألا يتحول الخلاف إلى صدام عسكري في هذا التوقيت لذا يقف على مسافة واحدة بين الطرفين دون الانحياز لطرف رغم اتهامات تركيا لبعض أعضائه بدعم اليونان على حسابها. ورغم الحرب الكلامية المشتعلة بين تركيا واليونان إلا أن مناورات بحرية للناتو قبالة الساحل الغربي لتركيا جمعتهما مجددا، وحرص الحلف على مشاركة البلدين في المناورات في الفترة من 13 وحتى 22 سبتمبر 2022، والتقى وزيري دفاع البلدين على هامش اجتماع الحلف يوم 17 يونيو 2022 للتأكيد على مواصلة الحوار وتقليل حدة التوتر.

وتعد اجتماعات الحلف وتدريباته العسكرية نقطة التلاقي الوحيدة للخصمين ما يعزز فرصة النقاش بين مسؤولي البلدين ويؤشر ليقظة الناتو في احتواء الأزمة حفاظا على وحدته. ولا يمنع التقارب اليوناني الأمريكي من لعب واشنطن دورا في تهدئة الأجواء فهي لا تريد تأجيج الخلاف بين طرفي الأزمة أو أن تتوافق أنقرة مع موسكو بعد قمة شنغهاي الأخيرة. وتعتمد واشنطن على سياسة ” شد الحبل” مع أنقرة للضغط في ملفات أخرى مقابل حل قضايا النزاع مع اليونان.

**

2 ـ أمن دولي ـ الصراع على موارد الغاز وانعكاساته على أمن أوروبا

كشفت أعمال التنقيب الأخيرة في الحوض الشرقي للبحر المتوسط عن كميات كبيرة من النفط والغاز، ودفعت هذه الاكتشافات إلى احتدام السباق بين الدول المطلة على شرق المتوسط وبالأخص تركيا واليونان في إبرام العديد من الصفقات العسكرية والاتفاقيات السياسية ما أدى لمزيد من التوتر بين البلدين. وباندلاع الحرب الأوكرانية وارتفاع أسعار الطاقة وتأرجح العلاقات بين روسيا وأوروبا تحول شرق المتوسط إلى بؤرة صراع، الأمر الذي يزيد مخاوف دول الاتحاد الأوروبي من هذه التحولات وتداعياتها الجيوسياسية والأمنية على موارد الطاقة في الوقت الذي تبحث فيه عن بدائل للغاز الروسي.

محاولات اليونان لكسب دعم أوروبا والولايات المتحدة

كلما زادت حدة التوتر بين اليونان وتركيا، ركزت الأولى على استمالة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لصالحها لترسيخ وجودها في شرق المتوسط وعزل تركيا بعيدا. وتعد فرنسا من أكثر دول الاتحاد دعما لليونان وفي 22 يناير 2022 وقعت فرنسا واليونان اتفاقية للتعاون العسكري المشترك لتعزيز العمل على المستويين التشغيلي والاستراتيجي لصد أي هجوم ضد أحدهما.

وتعد الاتفاقية هي الثانية في التعاون العسكري بين الدولتين بعد توقيعهما في 28 سبتمبر 2021 على اتفاقية الدفاع الثنائية، وبرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الهدف من الاتفاقية دعم سياسية أوروبا الدفاعية وبناء قدرات عسكرية خاصة بها لنفي أي انحياز لليونان في خصامها الدائم مع تركيا. ولم يتوقف الدعم الفرنسي عند هذا الحد بل تسلمت اليونان 6 طائرات رافال في 20 يناير 2022 بعد طلبها للحصول على 18 طائرة رافال و3 فرقاطات من فرنسا بإجمالي 5.5 مليارات يورو.

وأثار موقف باريس تساؤلات بشأن الاتفاقيات غير المسبوقة بين عضوين في حلف الناتو وتوقيت إبرامها ما يشير إلى أن الهدف الخفي وراء دعم فرنسا العسكري لليونان هو الضغط على تركيا في عملية التنقيب عن الغاز بالمتوسط رغم أنها حليف لهما في الناتو.

وأكدت تصريحات المسؤولين الفرنسيين وزياراتهم المتبادلة مع اليونان على هذا الهدف، وفي 6 سبتمبر 2022 شددت وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا خلال محادثتها مع نظيرها اليوناني في أثينا على أن بلادها ستكون لجانب اليونان وقبرص في حال تهديد سيادتهما. واستقبل ماكرون رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس خلال زيارته لباريس في 12 سبتمبر 2022، وأكد ماكرون مجددا مساندة بلاده لليونان رافضا أي اضطراب في شرق المتوسط ردا على تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التي اتهم فيها اليونان باحتلال جزر إيجة.

ونجحت محاولات اليونان في حشد القنوات الدبلوماسية لطرفها، وأبدى الاتحاد الأوروبي قلقه من تصريحات أردوغان وقال المتحدث باسم مسؤول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي بيتر ستانو في 5 سبتمبر 2022 إن موقف تركيا يثير المخاوف ويتناقض مع جهود التهدئة في المتوسط مطالبا بتسوية الخلافات سلميا.

أنقرة تنقيب شرق المتوسط

أنقرة تنقيب شرق المتوسط

واستغلت أثينا التوتر بين أنقرة وواشنطن لتوطيد علاقتها بالثانية في أزمة المتوسط، وفي 12 مايو 2022 مددت اليونان اتفاقية دفاعية مبرمة مع الولايات المتحدة لمدة 5 سنوات ما يسمح للجيش الأمريكي الوصول لـ 3 قواعد في البر الرئيسي لليونان بجانب وجوده العسكري في جزيرة كريت، وتعتبر اليونان هذا التحالف المبرم في 15 أكتوبر 2021 ضروري لاستراتيجيتها الدفاعية، كما شددت الولايات المتحدة في 28 سبتمبر 2022 على أن سيادة اليونان على الجزر في بحر إيجة ليست موضع شك ردا على الرفض التركي للانتشار العسكري اليوناني في الجزر.

تصر اليونان  وفي الوقت الحاضرعلى استكمال مشروع ” إيست ميد” المبرم في 2016 مع قبرص وإسرائيل لنقل الغاز الطبيعي بتكلفة 6 مليارات يورو بحلول عام 2025، تبدل موقف الولايات المتحدة من الدعم إلى التحفظ بهدف احتواء غضب تركيا التي تصف المشروع بـ ” الاختراق لجرفها القاري”، وقالت نائبة وزير الخارجية الأمريكي للشؤون السياسية فيكتوريا نولاند في 7 أبريل 2022 إن خط إيست ميد مكلف للغاية وغير مجدي اقتصاديا وسيستغرق 10 أعوام لمساعدة أوروبا في إيجاد بدائل للغاز الروسي.

أهمية تركيا لأوروبا كبديل لموارد الطاقة الروسية

تعرقل طموح تركيا خلال العاميين الماضيين بأن تصبح مركزا محوريا لنقل الغاز إلى أوروبا وأن تزيد من أنشطتها الاستكشافية في شرق المتوسط بسبب تدهور علاقاتها مع دول شرق المتوسط وصفقات اليونان في المنطقة مع قبرص وإسرائيل وإيطاليا ومصر والأردن بشأن الغاز، ما همش دورها في هذا الملف حتى أزمة الطاقة الراهنة  التي منحتها فرصة جديدة لتحييد خلافاتها مع بعض دول الاتحاد الأوروبي وأن تحول إخفاقاتها في شرق المتوسط إلى نقطة قوة لتصبح البديل عن روسيا في مد أوروبا بموارد الطاقة.

ونظرا لأن لديها أكبر امتداد بحري في المتوسط، إضافة إلى أن أغلب خطوط أنابيب الغاز من غرب آسيا وآسيا الوسطى ستمر بتركيا ما يزيد من أهميتها في توريد الطاقة لأوروبا لتنجح تركيا في إضعاف موقف اليونان في أزماتهما المتتالية رغم جهود الثانية الدبلوماسية في حشد الدعم الدولي لصفها.

وتجدد الحديث عن إقامة خط أنابيب تحت البحر من تركيا إلى حقل ليفياثان في إسرائيل لنقل الغاز عبر تركيا لجنوب أوروبا، وفي 29 مارس 2022 أشار مسؤولون أتراك إلى استئناف المحادثات لإحياء الفكرة القائمة منذ سنوات لاسيما وأن الشركات المسؤولة عن الحقل تستهدف زيادة إنتاجه من 12 مليار متر مكعب سنويا إلى 21 مليارا ما يجعل تركيا وجهة مهمة لتصدير الغاز لأوروبا.

طرحت أنقرة في الوقت نفسه خط أنابيب الغاز ” تاناب” العابر للأناضول كحل بديل في ظل توقف إمدادات الطاقة الروسية، وقال المتحدث باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالن في 31 يوليو 2022 إن مشروع تاناب المشترك مع أذربيجان هو أحد البديلين الرئيسيين للغاز الروسي لأوروبا بعد مشروع نابوكو الناقل للغاز من شرق المتوسط إلى البحر الأسود عبر تركيا ثم إلى أوروبا.

 منطقة شرق المتوسط بديل محتمل للحد من الاعتماد المفرط على الغاز الروسي

تحولت الأنظار إلى منطقة شرق المتوسط منذ مطلع عام 2022 مع قطع موسكو إمدادات الغاز عن أوروبا عقب تأزم العلاقات بين الطرفين جراء الحرب الأوكرانية، ما دفع أوروبا لتغيير استراتيجيتها من الاعتماد المفرط على الغاز الروسي إلى تنويع مصادر الطاقة. وجاءت منطقة المتوسط في مقدمة هذه المصادر البديلة خاصة وأنها تحتوي على ما يقارب من 107 مليار برميل من النفط يمكن استخراجها ونحو 122 تريليون متر مكعب من الغاز غير المكتشف في منطقة بالقرب من قبرص.

وقعت المفوضية الأوروبية في 17 يونيو 2022  خلال الاجتماع السابع لمنتدى غاز شرق المتوسط مذكرة تفاهم مع مصر وإسرائيل لزيادة صادرات الغاز الإسرائيلي للأسواق الأوروبية عبر مصانع الغاز المسال المصرية الواقعة على ساحل المتوسط.

وينظر الاتحاد الأوروبي إلى هذه الشراكة أنها فرصة مهمة لزيادة كمية الغاز المصدر لأوروبا من 7 مليار متر مكعب حاليا إلى 10 مليار متر مكعب بحلول عام 2023 وهي نسبة تشكل 2.5 % من إجمالي احتياجات أوروبا من الغاز ما يسمح لأوروبا التحكم في ضبط حركة سوق الطاقة وأسعاره. وبالتزامن مع هذا الاتفاق زار رئيس الوزراء الإيطالي وقتها ماريو دراغي إسرائيل لبحث العمل المشترك للاستفادة من موارد شرق المتوسط في إطار خطة أوروبا للتخلي عن الغاز الروسي.

ونجح الاتحاد الأوروبي في تسليط الضوء على دور المتوسط في تأمين حاجة دوله من موارد الطاقة خلال فعاليات منتدى شرق المتوسط، وفي الوقت نفسه يعول الاتحاد على مشروع إيست ميد كبديل آخر للخروج من مأزق الطاقة خاصة وأن نظرته تختلف عن الولايات المتحدة تجاه المشروع في شرق المتوسط لذا تمول دول أوروبا المشروع رغم العواقب التي تواجه استكماله وجعلته محل انتقاد الكثيرين من المسؤولين الغربيين وعلى رأسهم المسؤولين الأمريكيين لعدم قدرته على سد ثغرات الطاقة التي يعاني منها السوق الأوروبي.

**

3 ـ أمن دولي ـ جهود أوروبية لاحتواء الصراع شرق المتوسط

تستمر الحرب الكلامية بين تركيا واليونان بشأن أزمة الحدود البحرية والنزاع في شرق المتوسط رغم المحادثات المتواصلة بين الطرفين، الأمر الذي يعجل بضرورة إيجاد تسوية سريعة لهذا الخلاف منعا من أن يتحول إلى صراع عسكري بين عضوي حلف الناتو في هذا التوقيت الراهن. ومن هنا تظهر أهمية الدور الأوروبي الفعال في احتواء هذه الأزمة لتقريب وجهات النظر بين الطرفين خاصة بعد أن علقت تركيا كافة اللقاءات الثنائية مع المسؤولين اليونانيين وألغت ” المجلس الاستراتيجي” في مطلع يونيو 2022 وهو بمثابة برنامج للتعاون الثنائي مع اليونان.

الموقف الأوروبي بقيادة ألمانيا من صراع شرق المتوسط

أدرك الاتحاد الأوروبي مع اندلاع الحرب الأوكرانية ضرورة تبني سياسة الحوار في صراع منطقة شرق المتوسط والتنافس الثنائي بين تركيا واليونان على موارد الطاقة بالمنطقة، وتضمنت أغلب تصريحات المسؤولين الأوروبيين نداءات عاجلة للتعامل مع حدود المنطقة بالمفاوضات والنوايا الجيدة لاسيما مع اتجاه الموقف الفرنسي ناحية اليونان أكثر. وفي الوقت الذي أرجعت فيه فرنسا موقفها في هذه الأزمة بهدف الاستقلال الاستراتيجي الأوروبي، أبدت ألمانيا تحفظها على الاتفاق الفرنسي اليوناني خاصة فيما يتعلق ببند المساعدات العسكرية المتبادلة بين البلدين ما دفع برلين إلى تكثيف جهودها عبر الاتصالات واللقاءات بالمسؤولين الأتراك واليونانيين لإخماد أي فتيل لحرب محتملة.

طالب المستشار الألماني أولاف شولتس تركيا وفي الأول من يونيو 2022 بضبط النفس في تصعيدها مع اليونان خاصة وأن المرحلة تتطلب وقوف أعضاء حلف الناتو معا، وجاءت تصريحات شولتس بعد إعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه لن يلتقي مسؤولين يونانيين واتهامه لهم بعدم الصدق.

وأكد المتحدث باسم الحكومة الألمانية أن بلاده ملتزمة بحل القضايا المفتوحة بين أنقرة وأثينا في حوار خاص وعلى أساس القانون الدولي. وامتدت المباحثات الألمانية لتهدئة الخلاف التركي – اليوناني إلى زيارة مزدوجة إلى تركيا واليونان لوزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك لمناقشة تداعيات التنقيب في شرق المتوسط وأجواء الحرب الأوكرانية بهدف تحويل اهتمامات الجانبين من التوتر القائم بينهما إلى الخلاف الراهن بين روسيا والغرب، وفي 28 يوليو 2022 وصلت بيربوك إلى أثينا للتأكيد على أن التكاتف بين أعضاء الناتو ضرورة ملحة الآن أكثر من أي وقت مضى.

وشددت في 29 يوليو 2022 على أن جزر بحر إيجة هي جزر يونانية مطالبة اليونان بالالتزام بحقوق الإنسان على الحدود الخارجية للاتحاد الأوروبي في أزمة اللاجئين مع تركيا.

ورفعت المسؤولة الألمانية شعار ” التماسك بين حلفاء الناتو ” خلال زيارتها المزدوجة للرد على أي انتقادات تركية بشأن تضامنها مع اليونان في ملف الجزر، ووصف وزير الخارجية التركي مولود أوغلو موقف ألمانيا بأنه غير محايد كدور وسيط في النزاع، لذا حرصت بيربوك على الإشادة بموقف تركيا من استقبال اللاجئين، ونوهت في 31 يوليو 2022 إلى جهود تركيا في دمج اللاجئين بالمجتمع والتعليم ومنح الأطفال حقوقهم في الاستمتاع برفاهية الحياة، مشددة على الدور الإقليمي لتركيا في البحر الأسود ورعايتها للمفاوضات بين روسيا وأوكرانيا ودور الوساطة في ملف استئناف تصدير الحبوب الأوكرانية، للتأكيد على أن تركيا حليف مهم في الناتو وأن وحدة الحلف هي أقوى من أي خصام بين أعضائه.

 قراءة مستقبلية للصراع في شرق المتوسط

تكمن المشكلة في النزاع شرق المتوسط كونه ممتد وقابل للتصعيد بالتصريحات الحادة بين طرفي الأزمة، ورغم أن الصراع في المتوسط يعود لسنوات إلا أن أبعاده الآن أصبحت أكثر خطورة وتحمل مؤشرات تصعيد أكبر في المستقبل وتتمثل في هذه العوامل: –

– زيادة السباق حول أعمال التنقيب عن الغاز والبترول في شرق المتوسط في ظل أزمة الطاقة ما يعمق النزاع على الحدود البحرية بين تركيا واليونان.

– استمرار الحرب الكلامية بين أنقرة واليونان وتمسك كل طرف بشروط متشددة دون ترك مساحة للتفاوض.

– استقواء اليونان بحلفائها في الاتحاد الأوروبي وضرب وحدة الناتو في توقيت بالغ الخطورة.

– مواقف فرنسا المنحازة لليونان وإبرامها صفقات عسكرية تحسبا لأي هجوم تركي ضد اليونان.

– لجوء تركيا إلى أدوات ضغط على التكتل الأوروبي من بينها ملف اللاجئين والأزمة الأوكرانية وعلاقاتها بروسيا.

– ظرفية التوتر الأخير بين أثينا وأنقرة في المتوسط وتزامنها مع الحرب الأوكرانية التي تشكل تهديد كبير لحلف الناتو وتبعاتها من أزمات اقتصادية وسياسية راهنة.

-احتمالية دخول روسيا طرفا في الصراع لصالح تركيا التي تلعب دور الوسيط في الحرب الأوكرانية وتتقارب الرؤى مع موسكو.

– غياب منطقة شرق المتوسط عن اهتمامات وأولويات الولايات المتحدة ما يلقي على أوروبا أعباء أكثر في مهمة منع حدوث أي صدام عسكري محتمل ويدفعها لتجميد الموقف بين طرفي النزاع وليس حله بشكل جذري.

تقييم الدور الأوروبي

يصبح الموقف الأوروبي وتحديدا موقف ألمانيا هو عامل التوازن الأخير والحاسم في قضية شرق المتوسط التي قد تتسبب في حدوث أزمة داخلية في أوروبا في حال التصعيد لتشابك مصالح 3 دول بالاتحاد في مقدمتها اليونان ثم قبرص وفرنسا في شرق المتوسط. ويعي مسؤولو الاتحاد الأوروبي وفي مقدمتهم مسؤولي ألمانيا أهمية خفض حدة التوتر بين اليونان وتركيا عبر إبراز دور الدولتين الهام داخل الناتو لإعلاء المصلحة العامة للحلف في هذه اللحظة على حساب المصالح الخاصة لأعضائه، وإرسال رسائل مباشرة بالزيارات المتتالية إلى البلدين وحث الطرفين للتوقف عن التراشق بالألفاظ.

تلعب الوساطة الأوروبية منذ 10 سنوات دورا رئيسيا في تحجيم الصراع بين أثينا وأنقرة خاصة وأن باريس تتبنى سياسة مغايرة لبرلين في هذه الأزمة ما يزيد مخاوف أوروبا من دخول الخلاف التركي – اليوناني إلى مرحلة التصعيد العسكري وانخراط دول أوروبية أخرى فيه، الأمر الذي يدفع أوروبا إلى زيادة القنوات الدبلوماسية للتفاوض والتركيز على وضع أطر جديدة متفق عليها بين الدول المطلة على شرق المتوسط بشأن أعمال استكشاف حقول الغاز.

وحظي ملف شرق المتوسط باهتمام أوروبا بشكل عام وألمانيا على وجه الخصوص في الأشهر القليلة الماضية كونه أحد البدائل للغاز الروسي ما يصب في صالح تهدئة الأزمة اليونانية التركية ويسمح بعقد المزيد من اللقاءات الثنائية بين طرفي الصراع برعاية أوروبية مع إمكانية ضغط ألمانيا على حلفاء الناتو لمناقشة آليات حلحلة هذه الأزمة في اجتماعات الحلف عبر طرح تداعيات الخلاف عليه.

تقييم الموقف التركي

أما الموقف التركي في الأزمة فينقسم إلى 4 جوانب، الجانب الأول يتعلق باختيار تركيا توقيت التصعيد الآن مع اليونان لعدة أسباب من بينها العوامل الداخلية الخاصة بالانتخابات التركية المقبلة والوضع الاقتصادي السيء ورغبتها في استغلال الأزمة لإعادة الروح القومية لدى الأتراك.

الجانب الثاني هو استغلال تركيا ابتعاد الولايات المتحدة عن شرق المتوسط وظروف الحرب الأوكرانية لإثبات وجودها في المنطقة وصقل دورها إقليميا ودوليا كمصدر لتوريد الغاز لأوروبا من جانب واستخدام ورقة الوسيط في الأزمة الروسية الأوكرانية للضغط في الملفات الخلافية مع اليونان من جانب آخر.

الجانب الثالث يتعلق برفض تركيا التام للتفاوض مع اليونان إلا في حالة نزع السلاح من جزر إيجة وفقا للاتفاقيات الدولية ومن ثم تتمسك بموقفها في التنقيب عن حقول النفط والغاز بشرق المتوسط وترفض التحركات اليونانية في المنطقة نفسها.

الجانب الرابع يرتبط بمعارضة تركيا لدخول أي طرف ثالث في خصامها مع اليونان سواء كان الناتو أو الاتحاد الأوروبي لحل خلافاتهما المتشابكة، وتعتبر تركيا أن المعاهدات القديمة تسمح بإزاحة التوتر بشكل ثنائي وأن الدعم المقدم لليونان من أي دولة يعقد الوضع أكثر.

سيناريوهات محتملة وانعكاساتها على أمن أوروبا

يصبح الصراع أمام عدة سيناريوهات محتملة مع استمرار التهديدات المتبادلة بين اليونان وتركيا في شرق المتوسط :

 السيناريو الأول : هو تهدئة شكلية عقب انتهاء الاستحقاقات الانتخابية في البلدين لفترة محدودة برعاية أوروبية، ولكن لن تدوم هذه الهدنة كثيرا مع تفاقم أزمة الطاقة وارتفاع أسعارها عالميا جراء الحرب الأوكرانية ما يضر بأمن الطاقة الأوروبي.

السيناريو الثاني: هو طرح أوروبا لحوار إقليمي واسع لوضع قواعد جديدة بشأن التنقيب في شرق المتوسط بشكل يسمح للدولتين بهذه الأنشطة، وربما يواجه هذا الطرح رفض بعض الدول المطلة على المتوسط ما يعرقل التوافق عليها.

السيناريو الثالث: يتعلق باستمرار الحشد العسكري في المنطقة وعمليات التنقيب عن حقول الغاز في ظل انشغال أوروبا بأوكرانيا ما يؤدي إلى استعانة اليونان بدول مثل فرنسا لدعمها عسكريا لتقع أوروبا في مأزق من احتمالية لجوء تركيا إلى دول مثل روسيا إلى صفها في النزاع، ويسفر بشكل تدريجي عن صدام عسكري بين اليونان وتركيا ما يهدد أمن أوروبا على الأصعدة العسكرية والسياسية وملف الطاقة.

 

**

التقييم

رغم كثرة الخلافات بين تركيا واليونان وطول مدتها لكن حدة التوتر تتابين بينهما ولم تصل في أي مرة لمرحلة القطيعة ما يجعل مساحة التفاوض مفتوحة، وحملت زيارة رئيس الوزراء اليوناني كيرياكوس ميتسوتاكيس في 13 مارس 2022 لتركيا ولقائه بالرئيس التركي، ولقاءات مسؤولي البلدين في اجتماعات الناتو وتصريحات اليونان الأخيرة عن انفتاحها للحوار في أي وقت مع تركيا بوادر لحلحلة الأزمة وتفادي الوقوع في فخ الحرب التي لا يستطيع أحد تحمل تداعياتها في الوقت الراهن.

وهناك عدة عوامل تحدد سقف التصعيد بين أثينا وأنقرة على المدى القريب: –

– تصاعد الموقف مؤخرا لاقتراب الانتخابات في تركيا واليونان ما يشير إلى احتمالية انخفاض حدة الأزمة مع الوصول لصناديق الاقتراع في البلدين.

– انشغال اللاعبين الرئيسيين في الأزمة من دول أوروبا والولايات المتحدة بالحرب الأوكرانية وتجنبهم فتح جبهة صراع جديدة مع تركيا ومحاولة ضمها لصفوفهم في مواجهة روسيا.

– عدم رغبة الدولتين في الدخول لحرب وتكبد خسائر عسكرية واقتصادية جسيمة في ظل تداعيات حرب أوكرانيا.

– اقتناع أثينا بأن التفوق العسكري سيكون لصالح أنقرة في حالة التصعيد العسكري.

– رفض تركيا التنازل عن دور الوسيط في الأزمة الأوكرانية والانزلاق إلى حرب غير محسوبة النتائج لتخوفها من الدعم الأمريكي والأوروبي لليونان على غرار النموذج الأوكراني.

وفي الوقت نفسه ورغم وجود مؤشرات التهدئة إلا أن تشدد طرفا الأزمة في التصريحات والمواقف يمثل خطورة بالغة على تماسك وقوة حلف الأطلسي على المنظور البعيد.

**

أدخلت التطورات الأخيرة في الحرب الأوكرانية من تعرض خط الغاز “نورد ستريم 1 ” الرابط بين روسيا وأوروبا لتدمير في 26 سبتمبر 2022 ووقف روسيا إمدادات الغاز إلى أوروبا عبر الخط نفسه في 2 سبتمبر 2022، العالم بشكل عام وأوروبا بالتحديد في أزمة طاقة جسيمة مع استمرار ارتفاع الأسعار العالمية واقتراب فصل الشتاء. وتعقد الوضع كثيرا في شرق المتوسط مع تصاعد نزاعات الطاقة والحدود بين أثينا وأنقرة في ظل تصريحات شديدة اللهجة وتحركات عسكرية بالمنطقة ما يجعل شرق المتوسط نقطة مشتعلة تهدد أمن الطاقة الأوروبي.

ومع تزايد الاهتمام الأوروبي بشرق المتوسط وموارده، تتصاعد التوترات الجيوسياسية بين دول المنطقة وخاصة بين تركيا واليونان بحثا عن حقول غاز وإقامة مشاريع جديدة لنقل الغاز الطبيعي إلى أوروبا. وتفرض معطيات المشهد الحالي على الاتحاد الأوروبي وضع استراتيجية مغايرة لتحقيق أكبر استفادة من ثروات شرق المتوسط عبر تحجيم التوتر بين تركيا واليونان دون تبني أي سياسة منحازة لطرف على الآخر لاسيما وأن بعض دول أوروبا أظهرت دعم أكبر للثانية خلال الفترة الماضية، وفي الوقت الذي برز فيه الدور التركي في ملف الطاقة كونه ممر رئيسي للغاز في المتوسط سترتكز خطة التكتل الأوروبي على رعاية مباحثات مستقبلية بين الخصمين لنزع فتيل الأزمة وضمان وصول الغاز من شرق المتوسط إلى أوروبا دون مواجهة أي اضطرابات محتملة.

**

بلا شك تلقي الخلافات بين أثينا وأنقرة بظلالها على الاتحاد الأوروبي في الوقت الذي يعاني فيه من خلافات داخلية بشأن الحرب الأوكرانية ويبحث فيه عن بدائل للغاز الروسي ما يربك المشهد أمام التكتل الأوروبي. وتدفع جميع شواهد المرحلة إلى ضرورة تناول النزاع في شرق المتوسط بأدوات وسياسيات أكثر فعالية نظرا لأن تفاقم الأوضاع في المنطقة الآن بين حليفين الأطلسي يزيد الطين بلة على الدول المطلة على المتوسط من ناحية وعلى الاتحاد الأوروبي من ناحية أخرى خاصة وأنه مصدر مهم لنقل الغاز لأوروبا.

ويجب أن تأخد الجهود الأوروبية منحى جديد في التعامل مع أزمة تركيا واليونان بضم وسطاء آخرين في شرق المتوسط للاتفاق على آليات تحكم أنشطة التنقيب عن حقول النفط والغاز والضغط على أنقرة وأثينا للجلوس إلى التفاوض والعودة إلى مرحلة ما قبل عام 2020 واشتعال الموقف بينهما في الحدود البحرية ومسألة قبرص وموارد المتوسط.

وربما تسعى برلين لإقناع باريس بتهدئة مواقفها من الأزمة منعا لدخولها كطرف في التوتر الراهن بشرق المتوسط ما يسمح بزيادة قنوات التواصل مع تركيا ويمنع بناء أي تكتلات موازية مضادة قد تهدد أمن ووجود التكتل الأوروبي.

 

**

الهوامش

NATO gaffe sign of bigger strife between Turkey, Greece

https://bit.ly/3DzUEpJ

أردوغان يطالب بوقف تسليح جزر يونانية وينوي الترشح للرئاسة العام القادم

https://bit.ly/3LpCpVM

تركيا تتهم اليونان بتنفيذ “عمل عدائي” ضدّ طائراتها

https://bit.ly/3DCsDxz

تركيا: سنبحث السيادة على جزر إيجة ما لم تتخل اليونان عن تسليحها

https://bit.ly/3SdUE2G

اتهامات متبادلة بين تركيا واليونان بانتهاك المجال الجوي في بحر إيجة

https://bit.ly/3dtEaoq

إجراءات يونانية لصد المهاجرين على الحدود التركية

https://bit.ly/3BrWndT

Turkey stoking tensions in eastern Med, say Greece, Cyprus

https://reut.rs/3Dys5Jg

**

توقيع اتفاقية للتعاون العسكري المشترك بين فرنسا واليونان

https://bit.ly/3rgxCgi

وزيرة الخارجية الفرنسية تعد بمساعدة اليونان في حالة تهديد سيادتها

https://bit.ly/3xZs25C

The French-Greek Partnership: Beyond the Eastern Mediterranean

https://bit.ly/3fqSYEY

“ليس لدينا وقت”.. فكتوريا نولاند: خط أنابيب الغاز بين إسرائيل وأوروبا غير قابل للحياة

https://bit.ly/3SzhGB6

أنقرة: خط “تاناب” يمثل بديلا لإمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا

https://bit.ly/3rei3pc

The Eastern Mediterranean Could Strengthen Europe’s Energy Security

https://bit.ly/3E6SY7g

**

ألمانيا تدعو تركيا لضبط النفس تجاه اليونان بعد تصاعد التوتر

https://bit.ly/3Cdryu6

German foreign minister offers praise and criticism on visit to Greece and Turkey

https://bit.ly/3ycXbCC

Baerbock’s Aegean islands remarks in Greece anger Turkey

https://bit.ly/3M3Kqjr

بيربوك تزور اليونان وتركيا وتدعوهما للتهدئة ووقف التصعيد

https://bit.ly/3rqN8WO

Turkey: Germany must be impartial in disputes with Greece

https://bit.ly/3rr5EOO

ألمانيا تدعم اليونان في نزاعها مع تركيا بشأن جزر بحر إيجة

https://bit.ly/3ygWfgB

نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات

 

.

رابط المصدر:

https://www.europarabct.com/%d8%a3%d9%85%d9%86-%d8%af%d9%88%d9%84%d9%8a-%d9%80-%d8%a3%d8%b2%d9%85%d8%a9-%d8%b4%d8%b1%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%aa%d9%88%d8%b3%d8%b7-%d9%88%d8%a7%d9%86%d8%b9%d9%83%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%87%d8%a7/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M