استجابة سريعة: كيف تعاملت أسواق الأسهم الأمريكية مع ارتفاع التضخم؟

بسنت جمال

 

تراجعت المؤشرات الثلاثة الرئيسة للأسهم الأمريكية في وول ستريت يوم 13 سبتمبر بأكبر وتيرة يومية منذ يونيو 2020؛ عقب صدور بيانات التضخم التي جاءت عند مستويات أعلى من المتوقع، مما أثار مخاوف الأسواق بشأن اتجاه الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة مرة أخرى.

وفي هذا الشأن، انخفض مؤشر داو جونز الصناعي بنحو 1276.32 نقطة أو 3.94% ليغلق عند 31104.97 نقطة، فيما هبط مؤشر S&P 500 بنسبة 4.32% إلى 3932.69 نقطة، وتراجع مؤشر ناسداك بنسبة 5.16% لينهي الجلسة عند 11633.57 نقطة.

وبناء على ذلك، توقع “مورجان ستانلي” أن عمليات البيع في سوق الأسهم لم تنتهِ بعد، مشيرًا إلى أن مؤشر “إس آند بي 500” الذي شهد انخفاضًا بنسبة 17% بالفعل منذ بداية العام حتى الآن قد يشهد انخفاضًا آخر بنفس القدر خلال الأشهر الأربعة المقبلة، فيما توقع الملياردير الأمريكي “راي داليو” ارتفاع معدلات الفائدة الأمريكية إلى أعلى نطاق بين 4.5% و6%، ما قد يتسبب في خسائر حادة لسوق الأسهم، ويرى “داليو” أن رفع معدلات الفائدة الأمريكية إلى نحو 4.5% سيؤدي إلى هبوط بنسبة 20% لأسعار الأسهم الأمريكية.

موجة تضخمية متفاقمة

تتخذ البنوك المركزية قرارات السياسة النقدية عادةً بناء على العديد من العوامل، أبرزها تغير معدل التضخم ومعدل النمو والتشغيل، والاستثمارات الأجنبية في أدوات الدين. فإذا أراد جذب المزيد من الاستثمارات غير المباشرة من المرجح أن يرفع معدل الفائدة. ومن ناحية أخرى يسهم رفع الفائدة في زيادة الإقبال على الودائع، وهو ما يعني تراجع حجم السيولة في أيدي المواطنين وتراجع مستوى الإنفاق الذي سيصب في النهاية في احتواء معدلات التضخم.

أما إذا كان يسعى إلى رفع معدل النمو فإنه سيلجأ إلى خفضها من أجل تشجيع المستثمرين على الاقتراض، وإطلاق المزيد من المشروعات، مما سيؤدي إلى خلق فرص عمل جديدة وزيادة معدلات التشغيل وتعزيز النمو الاقتصادي في نهاية المطاف.

وفي ضوء الأحداث العالمية الأخيرة المتمثلة في التداعيات المستمرة للحرب الأوكرانية، ارتفع معدل التضخم السنوي في الولايات المتحدة خلال أغسطس الماضي مسجلًا نحو 8.3% مقابل توقعات السوق البالغة 8.1%، ويُبين الشكل الآتي معدل التضخم الأمريكي شهريًا:

يتبين من الشكل أعلاه أن معدل التضخم تباطأ على أساس شهري خلال أغسطس المنصرم ليقترب من مستوياته المسجلة خلال أبريل الماضي، حيث تراجع إلى 8.3% مقارنة بنحو 8.5% في يوليو، وأعلى مستوياته المسجلة في 40 عامًا خلال يونيو عند 9.1%.

ورغم هذا التباطؤ، إلا أن التضخم الأساسي الذي يقيس المستوى العام للأسعار عقب استبعاد أسعار المواد الغذائية والطاقة المتذبذبة قد ارتفع إلى 6.3% مقارنة بالتوقعات البالغة 6.1% والقراءة المسجلة الشهر السابق عند 5.9%. وفي ضوء تلك البيانات، توقعت الأسواق أن يستجيب الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة بنحو 75 نقطة أساس للحد من التضخم وتداعياته على القوة الشرائية للمستهلكين الأمريكيين.

رفع الفائدة وأسواق الأسهم

من الممكن أن يسهم رفع الفائدة على القروض والودائع في تقليل جاذبية أسواق الأسهم النسبية؛ إذ يتجه المستثمرون إلى الأصول الأقل مخاطرة كالإيداع لدى الجهاز المصرفي وأدوات الدين المحلية للاستفادة من معدلات الفائدة المرتفعة التي تشجع على الادخار وتجعل الاقتراض أعلى تكلفة. ويتسبب ارتفاع معدلات الفائدة كذلك في حدوث مشكلات للشركات المثقلة بالديون بسبب زيادة تكلفة خدمة الديون.

وعلاوة على ذلك، يرسل رفع سعر الفائدة إشارة إلى الأسواق بشأن احتمالية حدوث تباطؤ اقتصادي محتمل قد يؤدي إلى تعطيل الخطط التنموية للشركات والمؤسسات وخفض مستوى ربحيتها وتدفقاتها النقدية، مما يؤول في نهاية الأمر إلى حدوث موجات بيعية في أسواق الأسهم.

والجدير بالذكر أن رفع الفائدة قد لا يسهم في الحد من التضخم بالشكل المأمول؛ نظرًا إلى كونها ناتجة عن محدودية العرض وليس الطلب المرتفع الذي يتم معالجته عن طريق امتصاص السيولة النقدية، وجاءت محدودية مستويات المعروض من السلع منذ انتشار جائحة كورونا التي أنتجت حالة من عدم التوازن في جانبي العرض والطلب في ظل تراجع إمدادات العديد من السلع بفعل حالات الإغلاق والإجراءات الاحترازية التي شهدها العالم، بالتزامن مع زيادة الإقبال عليها عقب إعادة افتتاح الاقتصاد العالمي وانتشار عمليات التلقيح على نطاق واسع؛ ولهذا شهدت غالبية الدول حول العالم ارتفاعًا غير مسبوق في معدلات التضخم، لاسيما أسعار المواد الغذائية والطاقة، واستمر هذا الاتجاه حتى قيام الحرب الأوكرانية وما تلاها من ارتفاعات مستمرة في المستويات العامة للأسعار.

وقد تعني تلك العوامل أن اتجاه الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي إلى رفع الفائدة بوتيرة مستمرة لمكافحة التضخم قد يؤدي إلى ما يُعرف بـ “الركود التضخمي”؛ أي ارتفاع في المستويات العامة للأسعار بالتزامن مع تباطؤ النشاط الاقتصادي وتراجع فرص العمل المتاحة.

ختامًا، يتبين أن أسواق الأسهم الأمريكية استجابت بسرعة شديدة لبيانات التضخم وما صحبها من توقعات باتخاذ الاحتياطي الفيدرالي قرارًا برفع الفائدة في ظل الظروف العالمية التي تحفزه على تبني سياسات تشددية تهدف إلى الحد من ارتفاع مستويات الأسعار.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/72901/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M