مع صعود “اليمين الراديكالي”.. هل نشهد أوروبا يمينية قريبًا؟

مي صلاح

 

شهدت الانتخابات الأخيرة في معظم الدول الأوروبية تقدمًا واضحًا لتكتلات اليمين واليمين المتطرف، في إشارة واضحة إلى تزايد نفوذ التكتل في أوروبا بشكل عام. وقد يؤثر ذلك على سياسة الاتحاد الأوروبي ومستقبله، في وقت تعاني فيه أوروبا من تحديات وجودية اقتصادية وسياسية، وأخرى تتعلق بما فرضته الأزمة الروسية الأوكرانية الأخيرة.

وربما يكون أحد الأسباب الرئيسة وراء تنامي صعود وانتشار التيارات اليمينية واليمينية المتطرفة مؤخرًا هو “عدم ثقة” الشارع الأوروبي بشكل عام في أحزاب يمين الوسط ويسار الوسط التي كانت تسيطر على المشهد السياسي طوال العقود الماضية؛ نتيجة عدم حلهم للمشكلات الكبيرة داخل أوروبا.

وفي ظل حقبة العولمة الحالية، يُصنَّف اليمين المتطرف على مدار التاريخ بالدكتاتورية والقهر والصراعات والحروب، وبالطبع معاداة العولمة الثقافية والاجتماعية. ولكن بالرغم من ذلك، وفي ظل المشكلات الطاحنة في العالم ومشاكل اللجوء والهجرة، والإرهاب العالمي وانتشار التطرف الديني، تتقدم الأحزاب اليمينية المتطرفة بالتزامن مع ما سبق، ويبقى السؤال كيف يؤثر هذا التقدم على الأوضاع داخل القارة العجوز؟

اقتحام قوى اليمين المتطرف العمليات السياسية في أوروبا

الحركة الجديدة لليمين واليمن المتطرف اشتدت قوة في العديد من الدول الأوروبية، إما كمرشحين فرادى أو مؤتلفين مع أحزاب أخرى وسطية في الانتخابات المختلفة، فنجحت في تعزيز تأييدها الشعبي واستطاعت أن تعزز وجودها في البرلمان، وصولًا إلى المشاركة في ائتلافات حكومية وتشكيل حكومات أغلبية بدول مختلفة كألمانيا وفرنسا وبريطانيا، واتسعت خلال السنوات الأخيرة في إيطاليا والمجر وبولندا.

وقد أظهرت انتخابات البرلمان الأوروبي 2019 صعودًا كبيرًا للأحزاب اليمينية المتطرفة، فقد حصلت على 105 مقاعد في هذه الانتخابات، مشكلين ما يقرب من ثلث أعضاء البرلمان، وهذا مؤشر واضح على التقدم وتكوين قوة ضغط داخل البرلمان الأوروبي وإن لم يحصلوا على الأغلبية في النهاية، لكنهم يسعون إلى المنافسة عليها وبقوة.

وفي انتخابات السويد، الأحدث على الساحة حاليًا، والتي يُطلق عليها “جنة المهاجرين”، وفي الوقت الذي تستعد فيه البلاد لتولي الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي في الأول من يناير وإنجاز آلية ترشيحها التاريخي للانضمام إلى الحلف الأطلسي؛ أظهرت النتائج الجزئية تقاربًا كبيرًا بين اليسار واليمين الشعبوي، لدرجة أن النتيجة النهائية أصبحت مرهونة بمقعد أو مقعدين فقط، ما جعل من الصعب التكهن بنتائج الانتخابات البرلمانية.

ولكن استطلاعات الرأي تتوقع أن يحقق اليمين المتطرف أفضل نتيجة انتخابية له؛ إذ إن القضايا المثارة في السويد تدعم حظوظ اليمين، مثل: الإجرام وتسوية الحسابات الدامية بين العصابات، ومشكلة اندماج المهاجرين، والزيادة الحادة في فواتير الوقود والكهرباء. ولهذا يُرجح أن ينال اليمين من الأصوات ما سيمكنه من الحلول في المرتبة الثانية لناحية التمثيل الحزبي إذا فاز تكتل اليسار، وهو الأمر الذي قد يقود قريبًا إلى التضييق على المهاجرين، ورفض قبول لاجئين جدد، أما إذا فاز اليمين بدعم من اليمين المتطرف، فإن ذلك سيكون بمثابة مرحلة سياسية جديدة في السويد.

وفي الانتخابات الفرنسية عام 2022، صعد تيار اليمين المتطرف بقيادة زعيمة حزب “التجمع الوطني” مارين لوبان وحصل على 41.45% من أصوات الناخبين مقابل نسبة لا تتعدى 34% خلال انتخابات 2017. وبالرغم من خسارة لوبان الانتخابات الرئاسية الفرنسية، إلا أنها أسهمت في وصول اليمين المتطرف إلى أبواب السلطة، ولا ننسى ظهور الحزب الأكثر تطرفًا على الساحة الفرنسية بقيادة “إريك زمور”، والذي يتبنى طرد المهاجرين، ويصفهم بأنهم وراء أزمات فرنسا، طارحًا استرداد فرنسا من غير الفرنسيين معتبرًا إياها كالرهينة، ولهذا أصبح اليمين المتطرف بذلك متفوقًا على اليسار بكل أطيافه، ما يعني تغيرًا في الخريطة الانتخابية وأيضًا في المزاج العام للناخبين.

وقد تضاعف عدد مقاعد حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف بـ 89 مقعدًا في الجمعية الوطنية الفرنسية بعد أن كانوا ثمانية مقاعد فقط، ما يمثل اختراقًا كبيرًا، وهو ما سيخوله تشكيل كتلة للمرة الأولى منذ أكثر من 35 عامًا. وهنا إشارة واضحة على وجود نوع من الميل إلى اليمين المتطرف في المجتمع الفرنسي.

وربما يكون هذا الانتقال السريع قد بدأ في التحرك من قبل 2017 بكثير، فبالرجوع إلى عهد رئيس فرنسا الأسبق ” جاك شيراك” مرورًا بعهد “ساركوزي”، نجد أن الأحزاب اليمينية بدأت بالدفاع عن نفس المنهج الذي تستخدمه الأحزاب اليمينية المتطرفة، معتبرة أن أفكارها تدخل تحت لواء “الديمقراطية”، ومنذ ذلك الحين، بدأت الأحزاب المتطرفة تأخذ مسارًا جيدًا في الاتجاهات السياسية داخل الساحة الفرنسية، متبنيةً القومية ومعاداة النظام القائم.

وفي النمسا، وصل “نوربرت هوفر” مرشح حزب الحرية اليميني المتطرف إلى الجولة الثانية للانتخابات الرئاسية عام 2016، حاصلًا على 36.4% من الأصوات. وعلى الرغم من خسارته في جولة الإعادة أمام مرشح حزب الخضر، فإن الفارق كان ضئيلًا جدًا لم يتجاوز بضعة آلاف من الأصوات. وفي العام التالي، اتفق الحزب المحافظ في النمسا الذي تصدر الانتخابات التشريعية وحزب الحرية اليميني المتطرف على تشكيل حكومة “ائتلافية”، وهو الأمر الذي سمح لليمين المتطرف أن يعود إلى المشهد مرة أخرى بعد عشر سنوات من خروجه منها عام 2007. وينتقد الحزب الاتحاد الأوروبي واليورو، ويحرض ضد المسلمين، فضلًا عن تبني سياسات معادية للهجرة وطالبي اللجوء تحت شعار “النمسا أولًا!”، ليصبح ثالث أكبر الأحزاب في النمسا.

وفي هولندا، تصاعدت شعبية حزب الحرية، وهو من أقصى اليمين بزعامة “فون خيرت فيلدرز”، أحد قياديي اليمين الشعبوي في أوروبا، ويعد حزبه القوة السياسية الثالثة في البرلمان الهولندي، بعد أن فقد جزءًا من التأييد الانتخابي في انتخابات 2021، بعد أن كان في المرتبة الثانية بعد “الحزب الشعبي الليبرالي الديمقراطي”. ويدعو الحزب إلى انسحاب هولندا من الاتحاد الأوروبي والتحريض الممنهج ضد المسلمين، وعقب الاعتداءات الإرهابية في باريس طالب فيلدرز بترحيل جميع من هم غير هولنديين.

أما في ألمانيا، فأصبح حزب البديل ثالث أكبر حزب سياسي في البلاد عقب انتخابات “البوندستاج” في 2017، محققًا اختراقًا غير مسبوق في الانتخابات التشريعية الألمانية مع 12.6% من الأصوات بعد حملة انتخابية ركزت بشكل رئيس على مناهضة الإسلام والهجرة. وفي انتخابات سبتمبر 2021، احتل حزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المركز الخامس بـ 10% من الأصوات، ورغم خسارته2% من الأصوات مقارنة مع 2017، وفقدان شعبيته خاصة في الغرب، إلا أن هذا الحزب يسيطر على جميع أنحاء ولاية ساكسونيا تقريبًا.

ومنذ سنوات، يلعب حزب الشعب الدنماركي دورًا مهمًا في الحياة السياسية؛ إذ قام بتحقيق أفضل نتائج انتخابية له عام 2015 بحصوله على أكثر من 21% من الأصوات في الانتخابات البرلمانية، ليصبح ثالث أقوى كتلة سياسية داخل البرلمان. ولكن في عام 2019، شهد هذا الدور تراجعًا مع نجاح أحزاب أخرى، وهم “الخط الصلب”، و”اليمين الجديد” اللذين عززا خططهما بكيفية التعاطي مع ملف اللاجئين والأجانب والتشديد على معاداة هذا الملف، فضلًا عن رفض الاندماج الأوروبي.

وفي المملكة المتحدة، تحول حزب المحافظين إلى جناح يميني، بعد تبنيه مبدأ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وكان التصويت لصالح البريكست هو الذي عزز أيضًا حزب الاستقلال للمملكة المتحدة الذي تأسس عام 1993، وهو من أكبر الأحزاب المشككة بالاتحاد الأوروبي، والذي دائمًا ما ينتقد سياساته ويعترض على توسعه، هذا بالإضافة إلى تبني الحزبين سياسات حالية تعمل على مكافحة الجريمة ووضع ضوابط وقيود على الهجرة إلى بريطانيا.

وفي إيطاليا، تتوزع أحزاب اليمين المتطرف على عدة أحزاب، وهي حركة “النجوم الخمس” وحركة “رابطة الشمال” وحزب “فورزا إيطاليا”. وفي الانتخابات التشريعية لعام 2018، حصلت هذه الأحزاب على32.7% و17.4% و4.4% من الأصوات، على التوالي. وعقب الانتخابات، شاركت الأحزاب الثلاثة في حكومة ائتلافية لم تدم سوى ثلاثة أشهر، لتتشكل حكومة ائتلافية جديدة بمشاركة حركتي الرابطة والنجوم الخمس في يونيو 2018، لتسقط لاحقًا في أغسطس 2019، وتقود حركة النجوم الخمس الشعبوية حكومة ائتلافية جديدة بمشاركة أحزاب يسار-الوسط، لتُستبدل بها حكومة وحدة وطنية في فبراير 2021. ما يجعلها أول أحزاب البلاد.

وفي يوليو 2022، وبعد استقالة رئيس الوزراء الإيطالي “ماريو دراجي” وحل البرلمان، وتحديد موعد للانتخابات المبكرة في 25 من سبتمبر الجاري؛ بدأت الأحزاب السياسية وخاصة اليمينية منها حملاتها الانتخابية بما فيها حركة “إخوة إيطاليا الفاشية”. ووفقًا لاستطلاعات الرأي، يتصدر هذا الحزب بحصوله على ما يقرب من 24% من الأصوات لصالحه، متقدمًا على الحزب الديمقراطي والرابطة، ويبدو أن الانتخابات ستقدم حكومة يمينية جديدة في إيطاليا.

ولكن حتى الآن، لم تستطع الأحزاب المتطرفة داخل معظم الدول الأوروبية دخول الحكم والبقاء بداخله، وربما يرجع السبب إلى الفشل في تقديم حلول قابلة للتنفيذ للشعوب الأوروبية.

لماذا تميل بعض الدول الأوروبية إلى اليمين؟

تنقسم الأحزاب اليمينية إلى يمين تقليدي ويمين متطرف، ويسعى اليمين التقليدي إلى الحفاظ على التقاليد وحماية الأعراف داخل المجتمع، بينما يسعى اليمين المتطرف إلى التدخل القسري، واستخدام العنف للحفاظ على هذه التقاليد والأعراف. وبرغم وجود بعض الاختلافات بين أحزاب اليمين، إلا أن هناك سمات مشتركة توحد أهدافها، مثل: رفض العولمة، والرغبة في الاستقلال والخروج من التكتل الأوروبي، ومناهضة الهجرة والمهاجرين بشكل قاطع، وبالتأكيد العداء للإسلام والمسلمين، فيما يعرف بظاهرة “الإسلاموفوبيا”.

وبالرجوع إلى الأسباب التي يمكن أن تجعل معظم الدول تتبنى هذا النوع من الأفكار المتطرفة، وتميل نحوها بشكل كبير، نجد أبرزها:

حماية الهوية الوطنية “ضد العولمة”: فالعولمة لم تحقق ما تمناه معظم الأوروبيين، إذ يرون أنها سبب في تراجع معدلات النمو، وزياد الديون بشكل كبير، بجانب أنها ساهمت في انتقال رؤوس الأموال إلى الخارج. ولهذا، تسعى الأحزاب اليمينية واليمينية المتطرفة إلى تبني خطط من شأنها حماية الحدود والهويات الوطنية، بالإضافة إلى عرقلة حرية التجارة لصالح حماية الصناعات الوطنية، من أجل تعزيز الشعور القومي على حساب الوحدة الأوروبية.

عجز الأحزاب التقليدية عن حل المشاكل الاقتصادية: فالإحساس بالتدني في مستوى المعيشة قد يكون سببًا مهمًا، فالدول الأوروبية تسعى دائمًا إلى تعزيز قدرتها في الحفاظ على مركزها كدول متقدمة، وهو الأمر الذي دفع الكثير من الحكومات إلى أن تقوم بتخفيض القدرات المالية، وتصدير فكرة أن الوضع الاقتصادي ليس كما كان من قبل، وهو الأمر الذي يولد الخوف لدى الشعوب الأوروبية، ويجعلها تتمرد على الأحزاب التقليدية سواء من اليمين التقليدي المعتدل إلى اليسار التقليدي الذي لا يختلف كثيرًا في سياساته عن اليمين.

تدفق المهاجرين إلى أوروبا: وهو أحد أهم الأسباب، فدخول أعداد كبيرة من المجتمعات المختلفة إلى أوروبا، خاصة المسلمين، والقادمين من شمال أفريقيا، هو الذي عزز التشدد والتطرف لدى السكان الأصليين لأوروبا، وجعلهم يؤمنون أن كافة الشعوب القادمة من الدول الإسلامية تشكل خطرًا على المجتمع الأوروبي، فضلًا عن خوفهم من “محو الشعوب الأوروبية الأصلية” واستبدال المهاجرين بها، وهي ما يطلق عليها نظرية “الاستبدال العظيم”، والتي تتوقع وجود مؤامرة من قبل “النخب الحاكمة الرأسمالية المناصرة للعولمة والتي تدعم عمليات الهجرة الجماعية من أجل بناء عالم جديد تختفي فيه كل الخصوصيات القومية والعرقية والثقافية، ويصبح قابلًا للسيطرة والتشكل بما يلبي احتياجات الاقتصاد المعولم”.

ونظرية المؤامرة حاضرة عند كل أزمة، ففي عام 2020، وعند انتشار وباء كورونا، ازداد زخم اليمين المتطرف بسبب اعتقاداته بأن المهاجرين هم السبب الرئيس في انتشار الوباء في البلاد الأوروبية، وأنها خطة من أجل الضغط على حرياتهم الشخصية ومنع تحركاتهم. وانتشرت وقتها على منصات التواصل معلومات مضللة تثير الكراهية والعداء للأجانب، وتشيع أن القيم الأوروبية مهددة من جانب المهاجرين، وهذه من أبرز سمات أيديولوجية أحزاب اليمين.

وفي السويد، هناك تحذيرات من أن صعود اليمين من شأنه أن يقود آليًا إلى سياسات تهدف إلى التضييق على المهاجرين، خاصة بعد موجة التذمر الأخيرة لدى السويديين من تكاليف استقبال اللاجئين، وقد تعهد حزب المحافظين بتقليل نسبة استقبال اللاجئين إلى 75% حال فوزهم، فضلًا عن وضع تعقيدات وشروط للهجرة تقتضي الإبقاء على نظام الإقامة المؤقتة، وشرط تتعلق باللغة والاندماج من أجل الحصول على الإقامة الدائمة أو الجنسية السويدية. ولهذا، بعض الشعوب ترى أن السبيل لحماية مجتمعهم هو تأييد الحزب المتطرف بوصفه الوحيد القادر على منع المهاجرين.

الخوف من تحالف القوى العظمى، كالتطور الاقتصادي في الصين؛ فطوال الوقت تسيطر فكرة مؤرقة على الغرب وهي أن تقوم الصين بابتلاع الشركات الأوروبية التي باتت غير قادرة على مواكبة التطور الصيني. ومن ناحية أخرى، هناك تخوفات من روسيا أيضًا، وهي التي أرهقت الكتلة الأوروبية بالكامل بسبب العقوبات المفروضة عليها، وتسببت في ارتفاع تكلفة أسعار الوقود في أوروبا بأكملها، وأخيرًا مخاوف من الولايات المتحدة، خاصة بعد فترة حكم رئيسها السابق دونالد ترامب، الذي زعزع الثقة بها وجعل من الصعب تقبل أي رئيس يأتي من بعده.

انعكاس قوة تحالف القوى اليمينية على أوروبا

ماذا لو تغلبت جميع الأحزاب اليمينية “المتطرفة” في أوروبا على خلافاتها، وقامت بتوحيد جهودها لتعزيز نفوذها بمؤسسات الاتحاد الأوروبي؟ وماذا لو تم تطبيع هذه الظاهرة وتحولت إلى تيار رئيس يتمتع بالجدارة والتقدير في أوروبا؟

بالرغم من ازدهار اليمين المتطرف في معظم أنحاء أوروبا، فإنه يجد صعوبة كبيرة في ترجمة قوته داخل مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وهذا ما جعل بعض الأحزاب من هذا التيار تسعى بالفعل إلى بناء تحالفات جديدة لتعزيز النفوذ على مستوى الاتحاد، ومن الممكن أن نشهد برامج سياسية تتضمن حماية جذور أوروبا من التعددية الثقافية ووقف الهجرة، والصعود بهذه البرامج والتصويت عليها في الاتحاد الأوربي، وإذا نجحوا، فسوف نرى تشكلًا لتحالف قوي للغاية يحتل المركز الثاني بالبرلمان الأوروبي، وسيخرج عن السيطرة بعد ذلك مستغلًا جميع نقاط الضعف والثغرات.

ولكن خبراء الأمن القومي والسياسات الخارجية يرون أن أفكار اليمين المتطرف تشكل خطرًا كبيرًا على المجتمعات الديمقراطية، وتدق ناقوس الخطر في الاتحاد الأوروبي، ويرون أنه بدلًا من التعامل مع تداعيات أفكارهم على أنها حوادث فردية أو معزولة أو محصورة في دول معينة، فقد حان الوقت للاعتراف بها على أنها ظاهرة عالمية متنامية، والتصديق بأن الالتفاف حول اليمينيين هو مجرد تعبير عن الرفض من قبل الأوروبيين، سواء من أجل معاقبة السلطات الحالية أو للتعبير عن تشكيكهم في كل ما هو أوروبي. وهو الأمر الذي بدأت أجهزة استخبارات أوروبية تعترف به مثل الاستخبارات الألمانية التي أكدت أن خطر اليمين المتطرف أصبح موازيًا بل يفوق تهديد الجماعات الإسلامية المتطرفة؛ كونه يتغلغل في المجتمعات والمؤسسات الحكومية تحت لواء الشرعية أو الغطاء السياسي.

ووفقًا لما سبق، وبالنظر إلى المسرح السياسي العالمي وخاصة في أوروبا، نجد أن أهم ما يحرك ظاهرة تقدم اليمين المتطرف هو “الخوف”؛ الخوف من التطرف والإرهاب والمهاجرين وفقدان الهوية ومن الإسلاموفوبيا، وهو ما يشير إلى عمق الأزمة وخطورتها، ومن الطبيعي أن تستغل الأحزاب المتطرفة هذه المخاوف، وتلعب على وتر توفير “الأمان المفقود”، وتقوم بالضغط من أجل تحقيق أهدافهم السياسية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/72905/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M