اطروحة ريتشارد سنايدر واثرها في عملية صنع واتخاذ القرار الاستراتيجي في السياسة الخارجية العراقية بعد2003

اعداد :  يوسف قحطان نعمة الصحاف  –  اشراف : د.  محمد الغريفي الموسوي – جامعة المصطفى ( ص) العالمية – كلية العلوم والمعارف – قسم العلاقات الدولية – العراق

 

المقدمة :

يعتبر القرار الاستراتيجي بأنه قرار استثنائي يتم صناعته في المدة الزمنية الحالية ذات الدرجة العالية من الأهمية ، من ناحيه تأثيره في المنظمة خلال المراحل الزمنية المقبلة ، وينصب على تحقيق هدف المنظمة من خلال فهم كيفية انسياب عملية صنع القرار خلالها ، ويتطلب مهارات إبداعية للإحاطة بمتغيرات البيئة الداخلية والخارجية تعد السياسة الخارجية البرنامج الذي يسعى لتحقيق افضل الظروف الممكنة للدولة بالطرق السلمية التي لا تصل إلى حد الحرب، ويمكـن دراسـة موضـوع السياسـة الخارجيــة العراقيـة مـن منطلـق البحـث عـن سـبل تحقيـق تلـك الأهــداف، إلا أن السياسـة العراقيــة عمومـاً ومـن ثــم السياســة الخارجيــة عانـت ومــاتزال مـن الكثيـر مـن القيــود فـي الوقـت الــراهن داخليـاً وخارجيـاً، وفـي الوقـت نفسـه أمامهـا الكثيـر مـن الفـرص أن هـي اسـتغلت الامكانيـات المتاحــة لعمل دبلوماسي فاعل.

وبناء على ما تقدم اشكالية  الدراسة تنطلق من فكرة مفادها أن العراق قد عانى من جملة تحديات كونها نابعة من معطيات البيئة الداخلية والخارجية، والتي وقع اثرها على عملية صنع السياسة الخارجية العراقية ونمط سلوكها وتوجهها.

وتعتبر عملية صنع وتحليل القرار الاستراتيجي من الاعمال الضرورية والتي تشمل كافة الإجراءات والقواعد والأساليب التي يستعملها المشاركون في هيكل اتخاذ وصنع القرار التفضيل خيار أو خيارات معينة لحل مشكلة معينة وتمر هذه العملية بعدة مراحل تصل الى الثمان مراحل تبدأ ب تحديد الموقف مرورا بتحديد المشكلة ومن ثم تحديد الأهداف وصولا إلى المتابعة والتقويم وهو ما تم تناوله في متن الدراسة ، ومن تم القاء الأضواء على أثر المعلومات على اتخاذ القرار و أهم خصائص القرار الاستراتيجي التي يتميز بها عن باقي انواع القرارات الأخرى ، وأخيرا تم تناول العوامل التي تؤثر في كيفية اتخاذ القرار الاستراتيجي موضوع البحث .

وتعتبر الإستراتيجية من المفاهيم التي حضيت باهتمام بالغ في دراستها  وتحليلها وهية من المفاهيم التي تتسم بالتعدد من حيث التعاريف المناطة بها ، وثم كون مجمل التعاريف تصبو نحو ربطها بمنشأها العسكري  غير انها تورطت مع تطور المنتظم الدولي الدول نفسها  فتطور هذه الاخيره في علاقتها مع دول العالم و انتقالها من الفهم العسكري إلى المعطى السياسي و الاقتصادي و الاجتماعي بلوروا فهما جديدا للإستراتيجية يطال مجمل مناحي تدخل الدولة . وقد تحدث هيربرت روزينسكي في الماضي عن الإستراتيجية (١) الفطرية الغريزية أما في الوقت الحالي أصبحنا نتحدث عن علم الإستراتيجية كمادة تدرس داخل الجامعات و الأكاديميات (٢)

يعد القرار الاستراتيجي من العلاقات المهمة في صياغة الإستراتيجية ، و صناعة هذا القرار مسالة أساسية في كل دولة إذ يعد عنصرا حتميا في كافة صور و مراحل الأنشطة الخارجية للدولة و يستند القرار الاستراتيجي إلى نتائج عملية التحليل الاستراتيجي التي تقودها الدولة ، إن القرار الاستراتيجي يقع تحت رحمة التغيرات و التحولات و يخضع لمؤشرات متعددة و يعرف على انه ذالك القرار الذي تم اختياره من مجموعة من البدائل الإستراتيجية و الذي يمثل أفضل طريقة للوصول إلى أهداف إستراتيجية للدولة [1]

إن دراسة عملية صناعة القرار الاستراتيجي للسياسة الخارجية العراقية ما بعد 2003 تكتسي أهمية بالغة لنا كطلبة باحثين في حقل الدراسات الدولية باعتبار هذه الدراسة ستمنح لنا آليات و میكانیزمات فهم القرار الاستراتيجي من إطاره النظري المؤطر لهذه العملية ثم الفاعلون في صناعته ثم المراحل التي يمر منها للخروج لحيز الوجود .وتتمثل  إشكالية حول كيف يصنع القرار ، من اجل الخوض في الإشكالية المطروحة ، يمكننا تطرح مجموعة من الأسئلة المفتاحية التي تندرج في إطار تفكيك معطيات الإشكالية وهي كالتالي.

  • ما هو الإطار لنظرية صنع القرار الاستراتيجي وما هي العوامل المؤثرة في صناعته  ؟
  • من هم الفاعلون المؤثرون في صناعة القرارالاستراتيجي  وماهي ابرز التحديات التي يواجهها صانع القرار في صناعة وتنفيذ السياسة الخارجية العراقية بعد 2003؟
  • ما هي مراحل صنع القرار الاستراتيجي ؟

ثانيا :- اشكالية البحث

وبناء على هذا فأن اشكالية الدراسة تنطلق من فكرة مفادها أن العراق قد عانى من جملة تحديات كونها نابعة من معطيات البيئة الداخلية والخارجية، والتي وقع اثرها على عملية صنع السياسة الخارجية العراقية ونمط سلوكها وتوجهها.

إضافة إلى ما تم التطرق إليه في المقدمة، ظهرت عدة مواضيع حديثة وجوهرية في مجـال   صنع واتخاذ القرار الاستراتيجي  ، و تـسعى  في ظلها لتحقيق الريادة والتميز للوصول لموقع متميز، ويعد “طروحات ريتشارد سنايدر واثرها في عملية صنع واتخاذ القرار الإستراتيجي” مـن أهـم هـذه   المواضيع، للحصول على المعلومات اللازمة لاتخاذهم للقرارات، وهو ما يبشر بولادة هذا الموضوع المتشعب الأبعاد.

ثالثا:- منهجية الدراسة

المنهجية العلمية استخدم في الدراسة ، المنهج الوصفي المعتمد على تفحص الواقع والحالة الموصوفة والمراد بحثها ، إذ اعتمد الباحث على الكتب والبحوث والنشرات التي كان لها ، ولأصحابها الأفاضل ، دور في بصمات الكتاب ، والتي تناولت القرار الاستراتيجي وعمقه المتداخل مع المعلومات ، الضامنة لصناعة واتخاذ القرارات الاستراتيجية وصلة ذلك بمفاهيم وواقعية القرارات الاستراتيجية ، على مستوى المحيط الاقليمي والدولي

رابعا : هيكلية البحث

سوف نحاول التطرق للموضوع عبر التقسيم التالي :-

  • المبحث الأول : مفهوم القرار الإستراتيجي والياته وابرز مشكلات ومعوقات صناعته
  • المبحث الثاني : صنع القرار الإستراتيجي في السياسة الخارجية العراقية بعد العام 2003

المبحث الأول : مفهوم القرار الإستراتيجي والياته وابرز مشكلات ومعوقات صناعته 

هو قرار متعدد الابعاد الذي يؤثر بعمق في واقع ومستقبل الدولة ، ويتم صناعته ضمن دائرة مغلقة تعمل بتكليف من السلطة العليا بالدولة لصياغة رؤى مستقبلية تستهدف تمكين الدولة من مواجهة كل التحديات الداخلية والتهديدات الخارجية المحتملة  على كافة مستويات القرار سواء اكان استراتيجيا او تكتيكيا او تشغيليا وفق نموذج متكامل للادارة الاستراتيجية (١)

إن مفهوم صنع القرارات لا يعني اتخاذ القرار فحسب ، وإنما هو تنظیم Organization أو عملية process معقدة للغاية تتدخل فيها عوامل متعددة ، نفسية وسياسية واقتصادية واجتماعية ، كما تتضمن عناصر القيمة ، و الحقيقة و الظروف غير المحددة ، و هي تلك التي يحتمل توقعها في ذهن صانع القرار وهي الاعتبارات التي اتخذها في ذهنه كأساس متوقع ، ومن ثم اتخذ القرار بناء عليها فكان دور صانع القرار يتعلق بصورة عامة بالاعتبارات ذات الطبيعة السياسية والاستراتيجية وإن عملية مع القرارات في عملية ديناميكية حيث تضمن في مراحلها المختلفة تفاعلات متعددة تبدأ من مرحلة التصميم و تنتهي مرحلة اتخاذ القرار ولي جميع هذه المراحل تحتوي على اختيار حذر و دقیق الأحد البدائل من بين اثنين أو أكثر من مجموعات البدائل    )٢) .

وما سنحاول التطرق إليه في فقرتين نتناول في الأولى مفهوم صنع القرار وفي الثانية رواد نظرية صناع القرار ويعرف صنع القرار بأنه الاختيار من بين البدائل بحيث يصل الإداري إلى نتيجة معينة عما يجب أن يؤديه ، ولما يجب ألا يؤديه في وقت معين وتمثل القرار نوعا من السلوك ، والاتجاه مختاره من بين البدائل . ويمكن تعريف عملية صنع القرار بأنها الاختيار الأفضل بين البدائل بعد تقيم جميعها حيث ينتج القرار بناء علي مجموعة من القواعد والأوامر أو الأدوات المستخدمة أو بعض الوقائع المحددة ، و من ثم يجب التمييز بين القرار الإداري وعملية صنع القرار ، فالقرار الإدارية يعبر عن الحمل أو التصرف أو البديل الذي تم اختياره ، أما عملية صنع القرار فتعبر عن مجموعة من الخطوات العملية المتابعة التي يستخدمها متخذ القرار هدف الوصول إلي أفضل قرار . [2] وينطبق مفهوم صنع القرار على العملية المعقدة التي يتم فيها اختيار بديل ملائم لمشكلة معينة وهذه العملية المعقدة تتدخل فيها عوامل اجتماعية ، و تنظيمية و فنية و بيئية ، كما أن هذه العملية كسلوك إداري لا تكون تلقائية أو اختيارية ولكنها نتاج طبيعي لتفاعل القيم ، و أنماط السلوك داخل المجتمع ويتضح  الفرق بين صنع القرار واتخاذه فالأول يعبر عن عملية عقلانية رشيدة لا تقتصر على الاختيار فقط ولكنها تتبلور في  عمليات فرعية ثلاث هي البحث و المفاضلة ، و المقارنة بين البدائل والاختيار . ( ١ ) إن مفهوم عملية صنع القرار بمعناه الواسع لا يعني فقط خطوة اتخاذ القرار ، وإنما يشمل أيضا تنظيما تتداخل فيه أو تتحكم فيه عوامل متعددة منها ما هو نفسي وما هو اقتصادي وما هو اجتماعي ، وما هو سياسي او تتضمن هذه العملية عدة عناصر او تتعلق بالقيمة والحقيقة والظروف التي يحتمل توقعها في ذهن صانع القرار إضافة إلى الاعتبارات التي وضعها كأساس متوقع ثم بني عليها قراره فجاء دور صانع القرار متعلقة بشكل عام بالاعتبارات ذات الطابع السياسي الاستراتيجي ( ٢ ) . وهي تعني جميع الخطوات التي يتطلبها ظهور القرار إلى حيز الوجود وتتضمن خطوات التعرف على المشكلة و تحديدها ، و تحليل المشكلة ووضع معاير للقياس ، و جميع المعلومات والبيانات ، و اقتراح الحلول المناسبة ، و تقنين كل حل على حده للتوصل إلى أفضل الحلول . كما عرف صنع القرار بأنه الاختيار المدرك ( الواعي بين البدائل المتاحة في موقف معين . ويعرف ايضا صنع القرار بأنه مسار فعل يختاره متخذ القرار باعتباره أنسب وسيلة متاحة أمامه الإنجاز الهدف ، أو الأهداف التي يبتغيها . ويعرف أيضا مصنع القرار بأنه الاختيار بين بديلين أو أكثر ، ومع ذلك فالبعض ينظر إليه كعملية ، إلا أن الاختبار الحقيقي للنشاط الفعل يسبقه تجميع المعلومات وتنمية البدائل (1)

كما سبق الذكر فقد نشأت هذه النظرية في كنف الصراع القائم بين الولايات المتحدة الأمريكية و الاتحاد السوفيتي ، الصراع الذي أثر بشكل كبير في مجموعة من المحللين السياسيين و كان أهمهم غراهم ريتشارد سنايدر الذي كان أول من نظر لصناعة القرار الاستراتيجي وريتشارد سنايدر  هو أستاذ العلوم السياسية بجامعة براون الأمريكية و هو مؤلف كتاب السياسة النيوليبرالية اهتم بموضوع صناعة القرار بر ونماذجه و اتخاذ القرارات خلال الأزمات يبني ريتشارد سنايدر نموذجه الخاص بعملية صناعة القرار على مسلمة أولية مفادها أن أفضل وسيلة الاستيعاب السياسية الدولية و عوامل التأثير في سلوكية الدولة تكمن في التحليل على مستوى الدولة ويعتبر سنايدر أن الفعل الصادر على الدولة يقوم به في الواقع أشخاص و بالتالي فان فهم و استيعاب هذا الفعل يتطلب النظر إلى محيط صناعة القرار من خلال إدراك صناع القرار لمحيطهم وليس من خلال موقع المراقب الحدادي و الموضوعي .. فالكيفية التي يحددها صناع القرار الوضع الذي يواجهونه هي التي تصنع سلوك الدولة تجاه الوضع (2)  . وبالتالي فإن الإطار النظري النموذج يركز على فكرة دراسة مسار التفاعل التي يبدأ بعمل الفعل الصادر عن الدولة و يقابله رد فعل من المحيط الخارجي الذي باخد الأشكال ذاتها التي ياخذها الفعل الأول فيشكل بذالك تفاعلا و يرى بان الذين يدرسون في السياسة الدولية يهتمون بالدرجة الأساسية بالأفعال وردود الأفعال والتفاعلات بين الوحدات السياسية التي يطلق عليها بالدول القومية و أن التركيز على الأفعال يتطلب تحليل العمليات وأن الأفعال تنبع من ضرورة إقامة وتأمين وتنظيم اتصالات مقنعة وموجهة بين الدول وممارسة بعض الرقابة على الاتصالات غير المرغوبة أما الأفعال فإنها تمثل محاولة التحقيق بعض الأهداف ومنع وتقليل انجاز الأهداف غير المتفق عليها أو المهددة للدول الاخرى . (3)

تأثر ريتشارد سنایدر بنظرية النظم في نموذجه في السياسة الخارجية ، و لعل ابرز ما نلاحظه على النموذج كونه يحدد مجموعة كبيرة من المتغيرات المتعلقة بعملية صنع القرار فنظرية صنع القرار تدعوا لدراسة وحدة اتخاذ القرار في إطار البيئة النظامية التي توجد فيها هذه الردة و صانع القرار يتخذ قراره من خلال إدراكه للبيئة الداخلية و البيئة الخارجية ويرى سنايدر أن الفعل يكون قائما تحليليا عندما توجد مجموعة  من المقومات و هم اللاعبين ، الأهداف ، الوسائل و الموا قف __________________________________________

١- عبد المنعم محمد عدلي :- القرار الاستراتيجي في ضوء التغيرات الدولية المكتب العربي للمعارف ص٢٠

٢- سعد حقي توقيف : القرار الاستراتيجي في ضوء التغيرات الدولية المكتب العربي للمعارف ص 118

٣- سعد حقي توفيق ، القرار الاستراتيجي في ضوء التغيرات الدولية المكتب العربي للمعارف ص 17

المبحث الثاني : صنع القرار الإستراتيجي في السياسة الخارجية العراقية بعد العام 2003

تنبع صناعة القرار الاستراتيجي في الدولة من مصادر مختلفة ، تتداخل فيها الأجهزة التنفيذية و الأصلية و العسكرية الذي عبر عنه جميع التنظيمات المالية ووسائل الإعلام الذي اصبح عاملا ذا شان في السياسة الخارجية البلاد . لقد عملت بعض الأنظمة السياسية على بقاء صياغة السياسة الخارجية في يد الأجهزة التنفيذية بدلا من الجهاز التشريعي  و من هم المتدخلين  في صناعة القرار الاستراتيجي . (١)

اولا : الأجهزة الحكومية

يدخل  ضمن الأجهزة الحكومية المساهمة في صناعة القرار الاستراتيجي للدولة في ما يلي :

أولا : رئيس الدولة

رئيس الحكومة :

إن أول خطوة يبدأ بها صنع القرار هي “مشروع القرار” حيث تتقدم الحكومة ممثلة برئيسها بالمشروع إلى السلطة التشريعية (الكونجرس). وفي الحكومة تبدأ فكرة المشروع أما بمبادرة من رئيس الحكومة أو من أحد وزرائه أو مستشاريه سواء نتيجة لمبادراتهم الذاتية أو نتيجة لطلب تقدمت به حكومة أجنبية.

وعادة ما يكون لرئيس الدولة دوراً بارزاً في صناعة القرار السياسي في الدولة ذات النظام الرئاسي مثل أمريكا حيث يجمع الرئيس بين رئاسة الحكومة والجمهورية.

وفي الدول ذات النظام البرلماني مثل بريطانيا والهند والتي لها رئيس دولة بالإضافة إلى رئيس الحكومة يكون دور رئيس الدولة (سواء كان ملكاً أو رئيس جمهورية) دوراً مراسيمياً فقط يتمثل باستقبال السفراء وتمثيل الدولة في المناسبات القومية والدولية. أما صنع القرارات الخارجية فيترك لرئيس الحكومة مع وزرائه وعندما نتحدث عن دور الرئيس في صنع السياسة الخارجية فلا يعني أنه يقوم بنفسه بإعداد مشروع القرار وبلورة الأفكار. بل أنه كثيراً ما يلجأ للاستنارة والترشيد إلى جهاز استشاري ضخم يضم مستشارين ذوي خبرة ومعرفة في الشؤون الدولية(٢)[3]

ثانيا : رئيس الوزراء

تمنح لرئيس الوزراء سلطة صياغة السياسة الأمنية بالتعاون و التنسيق مع الأجهزة البيروقراطية والعسكرية و المدنية ذات العلاقة بالإضافة إلى كونه عضو في مجلس الأمن القومي كأن لرئيس الوزراء دور في صياغة السياسة الخارجية الدولة دون أخذه بعين الاعتبار النخب السياسية و العسكرية و هذا عرفته بعض الأنظمة السياسة ، بحيث فرضت الظروف السياسية و الدولية المحيطة بالدولة على رئيس الوزراء التخلي عن صياغة السياسة الخارجية للدبلوماسيين و العسكريين المحترفين ۔ و يخلص رئيس الوزراء – رئيس المجلس الوزاري . يصياغة الإستراتيجية العامة لحماية الأمن القومي ، وإعداد القوات المسلحة اللدفاع و الحرب . و يمكنه أيصا ترؤس اجتماعات مجلس الأمن القومي في حالة عدم اشتراك رئيس الدولة فيها ، كما يقترح على الرئيس تعيين رئيس الأركان العامة (١)

ثالثا : وزارة الخارجية

أصبحت وزارة الخارجية المسئولة على المعالجة اليومية للعلاقات الخارجية للدولة ، و هذا يتم عن طريق موظفي وزارة الخارجية باعتبار هم خرجي الأكاديميات التحية للدولة ، و يملكون حسا متطورا من الهوية و الرؤيا المستقبلية تتماشى مع البيئة الخارجية للدولة فرغم إن وزارة الخارجية تتوفر على مركز الدراسات الإستراتيجية إلا أن المركز محدود الإمكانات و التجهيزات على مستوى البنيات التحتية و المؤسسية لتقديم دراسات و أيحات إستراتيجية لمساعدة صناع القرار ولفهم التحديات المتسارعة الإقليمية و التي تواجه الدولة و لتجاوز هذا الخصاص واطر في مجال التحليل  . الاستراتيجي و والانفتاح على مؤسسات أخرى متخصصة في الشؤون الإستراتيجية (٢)

رابعا : مجلس الأمن القومي

يترأسه رئيس الدولة و يضم رئيس الوزراء و رئيس الأركان العامة و وزير الدفاع ووزير الخارجية ووزير الداخلية ، و قادة القوات البرية و البحرية و الحرية و قائد قوات الدرك . و يرسم السياسات العامة للدولة داخليا وخارجيا بحيث ، يبدأ بالقضايا الأمنية والعسكرية و حماية الدولة من الاعتداءات الخارجية ، و تهيئة القوة العسكرية الإستراتيجية لمواجهة التحديات . لقد أصبح مجلس الأمن القومي المؤسسة الأكثر حكما في توجهات الدولة على الصعيد الداخلي و الخارجي ، و كان محصورا في تشكيلته على النخبة العسكرية العليا برئاسة هيئة الأركان العامة (٣)

ثانيا : الأجهزة غير الحكومية

يساهم مجموعة من الفاعلين غير الحكوميين – في صناعة القرار الاستراتيجي للدولة سنتطرق إليهم كالتالي :

أولا : المؤسسة العسكرية

يلعب الجيش دورا اساسيا في صناعة القرار في الدولة بحيث أصبح منفذا رسميا للقرار الاستراتيجي بهدف حماية الأمن القومية الوطني من المخاطر الخارجية و الداخلية لان المؤسسة العسكرية تستمد قوتها من دعم رجال الأعمال الكبار ووسائل الاعلام الكبير (١)

حسب بعض القوانين في الأنظمة السياسية أن تدخلات الجيش في السياسة يعد علا قانونيا شرعيا بحيث أن المؤسسة العسكرية لها حق التدخل في السلطة إذا كان هناك خطر على الدولة و على نظامها الديمقراطي . هذا يعني أن المؤسسة العسكرية تؤدي مهامها الدستورية . (٢)

وغالبا فالقوات المسلحة تتدخل في كل ما يهدد الدولة من المخاطر او التهديدات الخارجية فإنها تبقى  الأداء الضامنة  للخيارات الإستراتيجية للدولة .

ثانيا : الأحزاب السياسية

تعمل هذه التنظيمات على طرح خيارات سياسية خارجية ، تكون مصدرا لإثراء التوجهات الإستراتيجية و اعداد اطرها من أجل التطورات المحتملة التي ستحصل للدولة و تظهر رؤية الأحزاب الإستراتيجية من خلال امتلاكها لخطابات ومفاهيم سياسية خارجية تسعى إلى تنفيذها بمجرد الوصول إلى السلطة كما تلعب قوى المعارضة دورا في عملية صنع السياسة الخارجية و التأثير في صنع القرار من خلال خطابات حساسة وقدرتها على المناورة و مناقشة رويتها الاستراتيجيه تحت سقف البرلمان التوجيه سياسة الدولة الخارجية – الاستراتيجية بمستوى أكثر عقلانية (٣)

١- تركيا والقضية الفلسطينية ، تقرير  معلومات رقم ١٧ لعام ٢٠١٠ ،مركز الزيتونة للدراسات والاستثمارات، بيروت ، ص١٠

٢- ياسر احمد حسن ،تركيا ،البحث عن المستقبل ، الطبعة للاولى ٢٠٠٦ ،القاهرة ، الهيئة المصرية العامة للكتاب  ، ص٥٠

٣- احمد داود أوغلو ، العمق الاستراتيجي ، مرجع مشار إليه ، ص 72

صنع القرار الاستراتيجي في السياسة الخارجية العراقية بعد العام 2003 يعد من الأهمية تحديد الموقف الذي على أساسه يتخذ القرار الاستراتيجي ، وكما يعتقد صانع القرار فقط ، وهذا ما يراه ” سنا يدر ” في حين يهتم ” فرانكل ” بضرورة أخذ البيئة الموضوعية في الاعتبار من وجهة نظره ” (١)

تعد السياسة الخارجية البرنامج الذي يسعى لتحقيق افضل الظروف الممكنة للدولة بالطرق السلمية التي لا تصل إلى حد الحرب، ويمكـن دراسـة موضـوع السياسـة الخارجيــة العراقيـة مـن منطلـق البحـث عـن سـبل تحقيـق تلـك الأهــداف، إلا أن السياسـة العراقيــة عمومـاً ومـن ثــم السياســة الخارجيــة عانـت ومــاتزال مـن الكثيـر مـن القيــود فـي الوقـت الــراهن داخليـاً وخارجيـاً، وفـي الوقـت نفسـه أمامهـا الكثيـر مـن الفـرص أن هـي اسـتغلت الامكانيـات المتاحــة لعمل دبلوماسي فاعل.

وبناء على هذا فأن اشكالية الدراسة تنطلق من فكرة مفادها أن العراق قد عانى من جملة تحديات كونها نابعة من معطيات البيئة الداخلية والخارجية، والتي وقع اثرها على عملية صنع السياسة الخارجية العراقية ونمط سلوكها وتوجهها.

لذا فأن إشكالية الدراسة تذهب الى التعرف على المتغيرات والتحديات والعوامل المؤثرة في عملية صنع السياسة الخارجية العراقية من خلال الإجابة على التساؤلات الاتية:-

ما مدى وكيف يمكن أن تتأثر عملية صنع السياسة الخارجية العراقية بمتغيرات البيئة الداخلية والخارجية.

أن استراتيجية التحرك الخارجي للعراق قبل عام 2003 كانت موجهة بنزعة الزعامة للقومية العربية وتبني النموذج الاشتراكي في إدارة الاقتصاد ومحاولة الميل باتجاه عدم الانحياز، فقد كان الحال في العراق يقتصر على حصر صلاحيات اتخاذ القرار برئيس الجمهورية وقيادة حزب البعث الحاكم ولا يسمح بتعدد مراكز القوى سواءً الحزبية، أو النخبوية، إذ جاء احتلال الكويت في 2/8/1990 من قبل القوات العسكرية العراقية من دون معرفة مسبقة من القادة العسكريين، أو المسؤولين السياسيين في العراق ولم يكن احتلال الكويت ضمن الأهداف الاستراتيجية للسياسة الخارجية العراقية فهو في الحقيقة تناقض مع مواد دستور الدولة العراقية لعام 1970 ولمواد الإعلان القومي لعام 1980، إذ اعتمدت الدولة العراقية في رسم سياستها الخارجية ما جاء على دستور عام 1970 الذي يحدد استراتيجيتها الخارجية في الباب الثاني المادة (12) التي نصت “تتولى الدولة تخطيط وتوجيه وقيادة الاقتصاد الوطني لهدف” ([2]):-

كما أن العقوبات التي تعرض لها العراق بسبب النظام السابق أدت الى فرض حصار على هذا البلد وعزله عن جيرانه وعن المجتمع الدولي، وصدور العديد من قرارات مجلس الامن الدولي التي تضمنت عقوبات أضرت بمكانة العراق الدولية وتسببت في تدهور الوضع الاقتصادي([3]).

تمارا كاظم الاسدي وآخرون، تحديات الهيمنة: السياسة الخارجية الامريكية تجاه العراق ما بين (2003-2020)، دار امجد للنشر والتوزيع، عمان- الأردن، 2020.

تمارا كاظم الاسدي، وسالي سعد محمد، ثورة 25 أكتوبر دراسة لقضية وطن، دار اشور بانيبال، العراق، 2020.

د. أحمد نوري النعيمي، السياسة الخارجية، الدار الجامعية للطباعة والنشر، بغداد- العراق،2009.

وانطلاقاً من كل تلك المعطيات يمكن القول أن السياسة الخارجية العراقية قبل عام 2003 تتفرد بواقع أكثر تعقيداً وتأزماً فمنذ الحرب العراقية- الإيرانية في عام 1980 والعراق على حافة التدويل في مجمل شؤونه إلى أن جاءت الضربة القاصمة بعد احتلال الكويت ، إذ كان القرار السياسي الخارجي يخضع كلياً لرؤية الحاكم الفرد رئيس الجمهورية، والاداء الدبلوماسي العراقي لم يكن يرتكز على خطط وصياغات استراتيجية للأهداف والوسائل، كما لم تحسب القدرات الحقيقية للعراق في صراعه مع القوى الإقليمية والدولية مما جعل حروب العراق تمثل انتكاسة للسياسة الخارجية العراقية.

وقد تشكلت السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2003 ، في ظل مرحلة مصيرية صعبة عاشها العراق بعد مخاض الحرب التي عصفت به، وإعادة تشكيل ورسم ملامح الدولة العراقية من جديد،  فقد تكونت السياسة الخارجية العراقية من مزيج مركب من تضارب المصالح للقوى السياسية الداخلية العراقية والمدفوعة بمحركات خارجية ترغب بأن تستحصل لها على موطئ قدم داخل العراق ، وبالتالي هذهِ الحالة المركبة ولدت أداء سياسياً عراقياً خارجياً غير متوازن ولا يستند على أسس المصالح المشتركة بقدر ما يستند على حجم محركات مصالح القوى السياسية الداخلية وتعميق علاقاتها مع القوى الإقليمية والدولية المغذية لها([1])، لذلك فأن تغيير النظام السياسي العراقي في عام 2003 إدى إلى تحلل السياسة الخارجية العراقية من دائرة المركزية والتفرد بالسلطة وتم إعادة هيكلة الدولة العراقية بمؤسساتها السياسية، لهذا وجدت الدولة العراقية نفسها بمواجهة العديد من التحديات  في نطاق البيئة الداخلية، والإقليمية ،أو الخارجية سيتم توضيحها كالآتي:-

البيئة الداخلية ( تغير النظام السياسي).

بعد سقوط نظام صدام حسين كان من الطبيعي أن يكون هناك فراغاً واضحاً في السلطة، وبعد أشهر تقريباً من حكم الاحتلال طرح مبدأ إقامة حكومة مستقلة تتمتع بسيادة كاملة والتي مرت بالمراحل الاتية([2]):-

المرحلة المتمثلة بالحاكم العسكري (جي كارنر) من (9/4/2003الى1/5/2003) التي وضعت العراق تحت الإدارة المباشرة للجيش الأمريكي واستمرت بحدود شهر واحد.

مرحلة سلطة الائتلاف المؤقت 16/5/2003-28/6/2004 وهذه المرحلة تزعمها الحاكم المدني الأمريكي (بول بريمر).

تأسيس مجلس الحكم العراقي في 13/7/2003، وامتدت فترة الصلاحيات المحددة لمجلس الحكم من 13 تموز 2003 الى 1 حزيران 2004.

ومن نافلة القول يتبين أن الغزو الأمريكي للعراق أنتج الكثير من الكوارث السياسية، والاجتماعية، والثقافية للتشكيلة العراقية بعد إن حول دولتها ونسيجها الاجتماعي إلى مجموعة من السلطات تتحكم فيها الكتل السياسية النافذة في هذه المنطقة،

([1]) د. خالد هاشم محمد، الاستراتيجية الامريكية تجاه العراق في ولاية أوباما الثانية ما بين الثابت والمتغير( 2013-2016)، دراسة بحثية منشورة، المركز الديمقراطي العربي، برلين- المانيا، 2019

افتقدت مسارات العملية السياسية إلى مرجعية عراقية، إذ أن هذهِ العملية منذ الغزو الأمريكي لم تكن قادرة على فرز مرجعيتها الوطنية، بل اعتمدت على الرؤية الأمريكية وأجندتها الشرق أوسطية.

بناء شكل الدولة انطلاقاً من البنود الدستورية المتمركزة حول الصيغة الإقليمية للفدرالية المتناغمة والصيغة القومية، الأمر الذي يفتح الأبواب أمام تفكك الدولة العراقية بعد تحويلها إلى أقاليم شبه مستقلة.

وانطلاقاً من ذلك فأن الصراع الدائر في العراق بين الكتل السياسية المتناحرة بعد الاحتلال الأمريكي للعراق هو صراع ذو طابع طائفي يستند إلى محاولة الطائفتين الرئيسيتين الانفراد بالسلطة السياسية وإعادة بناء مراكزها الرئيسة وفق توجهات حزبية، فكان من الطبيعي أن تواجه السياسة الخارجية العراقية لفترة ما مشكلة الضبابية في توجهاتها وضعف أدائها والتباس رؤية الاخرين حولها إلا أن هذا لا ينبغي أن يستمر طويلاً لأنه عامل ضار بسرعة التحول الإيجابي للدولة وبناء استقرارها، لاسيّما أن العراق كان في فترة تحول وبالتالي يحتاج وقتاً مناسباً لتوضيح معالم سياسته الخارجية، إذ أن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب كانت خاضعة إلى الحصص بحسب مقاعد الكتل، فضلاً عن انعدام التعاون والتنسيق مع وزارة الخارجية العراقية وتعقد الوضع الداخلي والتباين الشديد بين وجهات نظر الكتل والشخصيات السياسية إلى حد التقاطع العام فيما يتعلق باتجاهات بوصلة السياسة الخارجية([1]).

وفي ضوء ذلك فشل الأداء الدبلوماسي العراقي في حل الكثير من المشاكل الخارجية مع الكثير من الدول بسبب التلبد والغموض وانعكاس تقاسم السلطة على القرار السياسي الخارجي العراقي.

اثر البيئة الإقليمية على صناعة القرار الاستراتيجي للسياسة الخارجية بعد العام 2003.

من التحديات التي تواجه عمل السياسة الخارجية العراقية على صعيد العلاقات مع دول الجوار والمنطقة العربية، نجد تاريخ طويل من الخلافات والاشكاليات الأمنية التي تحد من التعاون مع بعض الدول، ومن بين القيود في التعامل مع دول الجوار يمكن رصد قضايا كثيرة فمثلاً مع تركيا مشكلة الاكراد والتركمان والحدود والمياه، فضلاً عن وجود القوات التركية على الأراضي العراقية، لاسيّما بعد دخول داعش وتصاعد التصريحات السلبية بين طرفي الحكومتين، باستثناء ما تشهده  تشهده العلاقات العراقية- الإيرانية من حالات تقدم بكافة المجالات وخاصة التبادل التجاري ومواقف الجمهورية الايرانية المشرفة بدعمها للعراق اثناء تحرير المدن العراقية من داعش

كذلك العلاقات العراقية- السعودية الغير مستقرة بسبب دخول داعش والمجاميع الارهابية المدموعة من السعودية للعراق  كمعطى جديد لضبط العلاقة بين البلدين، فضلاً عن مشكلات الحدود، واستحداث صراع أيديولوجي مذهبي الى لائحة الصراع بين البلدين،

وفي ضوء الأوضاع التي مر بها العراق كان لابد من أن يقدم صانع القرار السياسي الخارجي على استعمال آليات جديدة تتناسب مع التغيير الذي طرأ على الساحة السياسية العراقية وأهم الآليات التي استندت عليها الحكومات العراقية التي توالت على السلطة بعد عام 2003 والتي تمثلت في(2)

1كامل شامر الخلافات السياسية الدولية و أسلوب إدارة الأزمات ، مرجع سابق ، ص 369

2مجموعة باحثين، السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2014، المركز الديمقراطي العربي، برلين- المانيا، 2018، ص 31.

وهناك اليات سياسية: حيث قامت وزارة الخارجية العراقية بتفعيل دورها في المجال الخارجي.

اليات اقتصادية: من خلال اتجاهها نحو تدعيم مسألة التعاون وفق مبدأ المصلحة العراقية، إذ حاول الجانب العراقي تأطير سياسته الخارجية بأطر اقتصادية لتوسيع تعاونه الآني والمستقبلي.

فضلاً عن السياسة الخارجية العراقية تجاه الكويت لم تتغير بعد العام 2003 تغيراً كبيراً عما قبل الاحتلال ، فبعد القطيعة الطويلة بين البلدين والمشاكل العالقة فيما بينهم فيما يخص ملف التعويضات التي يقدمها العراق للكويت منذ الغزو العراقي للكويت عام 1990 وحتى الآن، ومشاكل ترسيم الحدود التي ما زالت ملفات معلقة بين البلدين تثير الشكوك حول إمكانية تحسين السياسة الخارجية العراقية تجاه الكويت، سرعان ما تغيرت الرؤية الكويتية للعراق بعد سقوط النظام السابق كونها اعتبرت وجود نظام صدام حسين تهديد مباشر لها، إلا انه على العموم يمكن اعتبارها مرحلة جديدة في أطار تحسين السياسة الخارجية العراقية تجاه الكويت، لاسيّما بعد أن تم اخراج العراق من احكام البند السابع بعد أن اوفى بجميع التزاماته الدولية بشكل تقريبي وما زال يعمل على ما تبقى منها فيما يخص التعويضات والممتلكات الكويتية وما زالت المحاولات مستمرة للاتفاق حول ترسيم الحدود بين البلدين([1]).

ومن هذا المنطلق فأن الأداء الدبلوماسي العراقي وفق معطى البيئة الإقليمية يكون له تأثير على صانع القرار السياسي سواء كان هذا التحرك باتجاه الإدارة ام الوساطة لأن كليهما يستفاد منهم صانع القرار في التعامل مع البيئة الداخلية عبر تقليص، أو تغيير مسار التأثير الإقليمي على الحراك الداخلي.

اثر البيئة الدولية على السياسة الخارجية العراقية

يعد العراق ركن رئيس من أركان الاستراتيجية الأمريكية في المنطقة، فهذا البلد أصبح جزء من مجال النفوذ الحيوي للمصالح العليا للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة لهذا فالعراق يمثل بالنسبة لها نقطة استراتيجية ونقطة انطلاق في أي سياسة تتخذها،  إذ كان العراق من أولويات الاستراتيجية الأمريكية لشن حرب عليه متعددة الأهداف ولعل أهمها خدمة إسرائيل وجزءاً من خطة السيطرة على العالم العربي عقائدياً وسياسياً كونها تشكل سلاحاً للتفرد الأمريكي في السيطرة على العالم)، مما أدى إلى سيطرة الولايات المتحدة الامريكية على القرار السياسي العراقي وحيدت القدرة العراقية بأتفاقية الصداقة والتعاون طويلة الأمد بين العراق والولايات المتحدة الأمريكية في عام 2009 وذلك لأن بنود هذهِ الاتفاقية تحمل صيغة الوصاية على القرار السياسي العراقي والتحرك الخارجي لدولة العراق (2]).

وقد استمرت انعكاسات الاحتلال الأمريكي للعراق على الأداء الدبلوماسي للسياسة الخارجية العراقية حتى بعد  انسحاب القوات الامريكية من العراق بموجب الاتفاقية الأمنية التي عقدت بين العراق والولايات المتحدة الامريكية عام 2011،  إلا أن الهيمنة الأمريكية على القرار السياسي العراقي ظلت هدفاً دائماً ومستمراً ، وعليه، مع تطورات وضع العراق وصعود التنظيمات المتطرفة وعلى رأسها تنظيم “داعش”  اثبتت السيطرة الأمريكية على الساحة العراقية ، فقد أعطت إدارة أوباما لموضوع مكافحة الإرهاب وقضايا التعاون الاستراتيجي والأمني أهمية قصوى كجزء من سياسة الاندماج المرن تجاه العراق.

1 سليمان الدباغ وآخرون، الإستراتيجية الأمريكية في العراق والمنطقة، مطبعة البينة، ندوة بيروت- لبنان، 2008.

2 عبد الكريم العلوجي، إيران والعراق: صراع حدود أم وجود، الدار الثقافية للنشر، القاهرة- مصر، 2007.

مجموعة باحثين، السياسة الخارجية العراقية بعد عام 2014، المركز الديمقراطي العربي، برلين- المانيا،

الخاتمة والاستنتاجات :

أن الدول الأخرى المؤثرة في السياسة الدولية مثل دول الاتحاد الأوربي وروسيا والصين واليابان وغيرها تسعى للحصول على مكاسب واستثمارات في العراق، بمحاولة استمالة بعض الأطراف العراقية من جهة وبالتفاهم مع الولايات المتحدة الامريكية من جهة أخرى، وتقف الأمم المتحدة على مسافة غير قريبة من العراق، ودورها محكوم بما تقرره الولايات المتحدة.

إن توجه السياسة الخارجية العراقية نحو سياسة أكثر اتزاناً نابع من التوجهات الجديدة للحكومة العراقية في البيئة الاستراتيجية الإقليمية والدولية، التي تعاني من إرهاصات تؤثر على أمن العراق واستقراره استناداً إلى نظرية التأثير الارتدادي السلبي، فالمواقف المحايدة التي اتسمت بها السياسة الخارجية للعراق تعطي انطباعاً إيجابياً حيال بقاء العراق خارج دائرة الأزمات والصراعات المتعاقبة، ، فاستدراك الوضع الإقليمي والدولي للعراق في ضوء صياغته الجديدة لسياساته الخارجية التي يمكن الاستدلال على معالمها من خلال قراءة الموقف الخارجي العراقي حيال الأزمات  إلا أن خطط السياسة الخارجية العراقية لا تخلو من تحدّيات، إذ يمكن للدول أن تضغط على وتر التوترات الداخلية التي تتصاعد بين الكتل السياسية الرئيسة ، وطبيعة المجتمع العراقي التعددي ، لتقويض طموحات سياسته الخارجية

ومن اهم الاستنتاجات الاتي :

اولا : الموقف الخارجي لاداء السياسة الخارجية العراقية ما بعد 2003 باتباع سياسة الحياد والانفتاح الاستراتيجي على جميع الأطراف وهو ما يمهد لدور سيؤديه العراق في الحقبة المقبلة لصياغة توازن جديد تتخذ فيه السياسة الخارجية العراقية دور اللاعب الموازن بين القوى الإقليمية والدولية.

ثانيا : المادة(8)  من الدستور العراقي لسنة 2005

على أن:” يرعى العراق مبادئ حسن الجوار، ويلتزم بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ويسعى لحل النزاعات بالوسائل السلمية، ويقيم علاقاته على أساس المصالح المشتركة والتعامل بالمثل، ويحترم التزاماته الدولية”

وعلى أساس ذلك تعمل الحكومة العراقية ما بعد 2003 على ضرورة وضع رؤية واضحة للسياسة الخارجية بناءً على التخطيط الاستراتيجي المحكم عبر اتباع جملة من الخطوات تتمثل أهمها بما يأتي:-

حماية استقرار العراق والحفاظ على وحده أراضيه.

إقامة علاقات متوازنة مع الدول العربية من خلال إعادة العلاقات الدبلوماسية مع الدول التي شهدت العلاقات العراقية معها توترات لسنوات طويلة.

منع استغلال الخلافات الداخلية من قبل القوى الإقليمية والدولية لتحقيق مصالحها.

توظيف الخبرات الدولية الناجحة الذين يقع على عاتقهم العمل على رسم سياسة خارجية عراقية ناجحة تتجاوز إشكالية ضبابية الأهداف وقصور الأدوات من خلال وضع منطلقات ومبادئ تتأسس عليها هذهِ السياسة وتبني رؤيتها عبر تحديد أهداف كبرى بعيدة المدى.

جعل القرار السياسي الخارجي العراقي منسجماً ومتوازياً مع السياسات الداخلية ومعبراً عن رؤية البلد وتوجهاته.

ومن خلال تلك المؤشرات يمكن القول ان الأداء السياسي العراقي مقبل على مرحلة مهمة من انفراج أدائه الدبلوماسي، إذ يمكن للعراق بالرغم من كل عوامل الضعف التي تعتريه، ولاسيمّا بعد تجربة المواجهة مع وسائل الإرهاب العنيفة المتمثلة بالفكر والسلوك المتطرف للقاعدة وداعش أن ينتقل إلى مرحلة أعلى أمنياً ومجتمعياً بالشكل الذي يزيد من مناعته في مواجهة الإرهاب، إلى جانب الإنتقال بالنصر من نصر محلي إلى نصر دولي، وذلك بتعزيز دور العراق في المنظمات والمحافل الدولية كفاعل دولي مهم.

ثالثا : هناك بعض الأسباب التي تكمن وراء عدم الوصول إلي قرارات رشيدة ، وهي تمثل المشكلات الأساسية في عملية صنع القرارات ، و هي متعددة في صورها ، و ومتباينة  في آثارها وقد تسهم في عدم التوصل إلى القرار السليم ، وبصورة عامة فإن الأسباب التي تعوق عملية صنع القرارات تدور حول الآتي :

١- مجموعة من الأسباب تتعلق بتكوين المشكلة محل القرار ، و إيضاحها وربطها بغيرها من المشاكل ٢- مجموعة تتعلق بصانع القرار بصورة عامة ومتخذ القرار بصورة خاصة .

٣- ثم تاتي المجموعة الثالثة لأسباب مشاكل عملية صنع القرارات وتتركز أساسا حول محور واحد هو مرحلة الموقع أو التنبؤ  ويري البعض أن من أهم الصعوبات التي تعترض عملية صنع القرارات ، عدم توافر المعلومات الجيدة المتجددة عن ظروف العمل و امكاناته ، حيث تعتبر المعلومات مثابة الدعامة الأساسية لصنع القرارات وذلك للأسباب التالية :

١- المعلومات تفيد في تحديد المشكلة ،

٢- تحديد البدائل و وتقيمها  طبقا للنتائج المرتقبة من كل بديل

٣- التغذية المرتجعة عن نتائج التنفيذ تعتبر ضرورية لتقييم القرار واتخاذ إجراءات تصحيحه إذا لزم الأمر .

إن صنع القرارات ليس بالأمر اليسير ، فهناك عقبات تعترض متخذ القرار عن الإسهام في صنع القرار الرشيد يمكن تلخيصها فيما بلی –

١- عجز متخذ القرار على تحديد المشكلة تحديدا واضحا أو عدم قدرته على التمييز بين المشكلة السطحية والمشكلة الحقيقية .

٢- عجز متخذ القرار عن الإلمام بجميع الحلول الممكنة للمشكلة .

٣- عجز متخذ القرار عن امکان توقع النتائج المختلفة ( سواء أكانت حسية أم سيئة للحلول الممكنة

٤- عجر متخذ القرار عن القيام بعملية تقيم مثلي بين البدائل بسبب التزامه بارتباطات سابقة  .

٥- ان الفرد محدوده في اتخاذه للقرارات – مهاراته و بعاداته و بانطباعاته الخارجة عن إرادته .

١- محمد بنحمو :- صناعة القرار الاستراتيجي والمتدخلين فيه  مركز راشيل كوري

٢-صلاح نيوف : مدخل إلى الفكر الاستراتيجي، الاكاديمية العربية في الدانمرك  كلية العلوم السياسية

١- بهاء الدين مكاوي ، القرار السياسي ، القاهرة للنشر والتوزيع ٢٠١٤ ص ١٩

٢-ابراهيم درويش ، الادارة العامة في النظرية والممارسة ،القاهرة الهيئة المصرية العامة للكتاب ١٩٧٨ ص١٣٥

١- مالك مفتي ، الجرأة والحذر في سياسة تركيا الخارجية دراسات عالمية ، مركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية  العدد ٢٧ ص٢٣

٢- صنع القرار في السياسة الخارجية لجمهورية ايران الاسلامية بقلم خالد وليد محمود ا، الاردن،دنيا الرأي

.
رابط المصدر:

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M