الأبعاد الخفية للتوغل التركي في شمال العراق

 

تم ترسيم الحدود بين العراق وتركيا سنة 1926 بموجب اتفاقية بين تركيا وبريطانيا التي احتلت العراق في الحرب العالمية الأولى، وتخلت أنقرة بموجبها عن المطالبة بالموصل، مقابل أن تدفع الحكومة العراقية لتركيا 25 بالمائة من عائدات النفط في الموصل لمدة 25 عاما، لتتوقف بغداد عن الدفع لتركيا بعد ثورة 14 تموز 1958 في العراق، لإنقضاء المدة المحددة بموجب الاتفاقية.

وتعهد الجانبان بموجب الاتفاقية بأن الحدود نهائية، ولا يمكن لأي طرف تغييرها وبتجنب الطرفان أي محاولة لتغييرها، وكذلك منع أي تشكيلات من استخدام المنطقة الحدودية ضد الطرف الآخر.

وفي عام 1982 عقد حزب العمال الكردستاني مؤتمرًا في لبنان قرر فيه التمركز في شمال العراق، مستغلًا انشغال النظام العراقي بالحرب مع إيران ما ترك فراغا أمنيا كبيرا في تلك المنطقة، وكانت البداية في معسكر “لولان” على الحدود العراقية التركية الإيرانية. ما آثار قلق تركيا، ودفعها إلى توقيع اتفاقية مع الرئيس العراقي آنذاك صدّام حسين، عام 1983، وهي الاتفاقية التي سمحت لها بالدخول لعمق  10 كيلومترات داخل الأراضي العراقية.

وبقيت تركيا تتذرع بهذه الاتفاقيات للتوغل داخل الأراضي العراقية حتىّ بعد سقوط النظام السابق إلى سنة 2007 عندما زار رئيس الوزراء العراقي حينها نوري المالكي تركيا ووقع مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتفاقية أمنية تتعلق حصرا بمكافحة حزب العمال الكردستاني داخل العراق بتاريخ السابع من آب 2007، وعقد بعد ذلك بشهرين تقريبا اجتماع ضم وزيري داخلية البلدين. اتفق  فيه الوزيران، التركي بشير اتالاي  ونظيره العراقي جواد البولاني على توقيع اتفاقية أمنية في أنقرة تضمنت السماح للجيش التركي بملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني في شمال العراق بإذن من الحكومة العراقية. كما شملت الإتفاقية فتح مكتبي ارتباط بين بغداد وأنقرة لتبادل المعلومات الاستخباراتية والأمنية بين البلدين.

تكرر التوغل التركي في شمال العراق سنة 2014 ليتزامن مع دخول داعش إلى الموصل، وكان بذريعة محاربة “الإرهاب” وتدريب مقاتلي “الحشد العشائري” وهم مجموعات متفرقة تم تجميعهم من قبل محافظ الموصل المتهم بتسهيل عملية دخول داعش لها. وعلى إثرها هدد رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي باللجوء إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار ضد تركيا.

خطورة التوغل التركي الأخير وتوقيته هو ما يبعث على القلق، ولم ياخذه البعض على محمل الجد، فالخطوة التركية جاءت بعد توغلها في شمال سوريا بذريعة محاربة الإرهاب وسيطرتها على شريط حدودي بعمق يتراوح بين خمسة إلى عشرين كيلومترا داخل الحدود السورية، مع توجه اعلامي تركي في اثارة المشاعر القومية التركية المرتبطة بنزعة التوسع لاستعادة إرث الدولة العثمانية، خاصة في ظل حكومة يسيطر عليها حزب إسلامي “اخواني” يتماهى مع الهوية الإسلامية للدولة العثمانية. ما يعني ان التحركات التركية الحالية في شمال العراق ليست منقطعة الصلة مع ما حدث ويحدث في شمال سوريا وما حدث ويحدث في ليبيا.

لذا على الحكومة العراقية  التعامل بجدية مع مخاطر التحركات التركية خاصة إذا ما رافق الضربات الجوية دخول قطعات برية إلى داخل الحدود العراقية. واستخدام علاقات العراق العربية والدولية للضغط على الحكومة التركية لإنهاء تواجدها على الأراضي العراقية.

رابط المصدر:

https://al-aalem.com/article/48444-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%A8%D8%B9%D8%A7%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D8%AE%D9%81%D9%8A%D8%A9-%D9%84%D9%84%D8%AA%D9%88%D8%BA%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%AA%D8%B1%D9%83%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%B4%D9%85%D8%A7%D9%84-%D8%A7

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M