الإخوان المسلمون في ألمانيا ـ مشاريع قرار للحد من أنشطة الجماعة

إعداد : داليا عريان ـ  باحثة في المركز الأوروبي  Dalia Essa Erian Twitter

 

توالت التحذيرات في الآونة الأخيرة حيال تزايد أنشطة جماعة الإخوان المسلمين في ألمانيا بشكل ملحوظ، بداية من رصد أكثر من (150) قيادياً إخوانياً وصولاً إلى إحكام سيطرة الجماعة على الكثير من الجمعيات والمساجد، الأمر الذي يهدد ألمانيا بأن تصبح نقطة التمركز الثانية للإخوان المسلمين في أوروبا بعد المملكة المتحدة. ومن هنا تكثف الاستخبارات الألمانية الداخلية جهودها في جمع المعلومات عن طبيعة العلاقات المستترة بين الإخوان المسلمين والمنظمات الإسلامية من جانب، والإخوان وباقي التنظيمات المتطرفة مثل تنظيمي داعش والقاعدة لنشاطهما في بعض المدن الأوروبية.

ثقل الإخوان في ألمانيا؟

نجحت جماعة الإخوان المسلمين في تكوين شبكة علاقات قوية مع الاتحاد الإسلامي التركي والمجلس الأعلى للمسلمين ومن ثم التجمع الإسلامي ومنظمة الجالية المسلمة بألمانيا، ما منحها فرصة التواجد بين المسلمين الألمان والسيطرة بشكل أوسع على المساجد ونشر أفكارها بشكل تدريجي بهدف عدم إثارة الشكوك حولها، مع الاعتماد على مصادر تمويل مستترة من خلال الجمعيات الخيرية بألمانيا وخارجها واستغلال القوانين الألمانية لبناء اقتصاد قوي، إضافة إلى محاولة كسب ثقة المجتمع والساسة الألمان والنأي بنفسها عن الأفكار المتشددة الصادرة من باقي التنظيمات المتطرفة، والعمل عبر خلايا سرية لاستقطاب الشباب والفئات غير القادرة على الاندماج بالمجتمع والفئات الأقل تعليما، ليصبح للجماعة ثقل كبير وممتد داخل المجتمع الألماني منذ عقود طويلة، ما ينذر بخطورة بالغة من استخدام الجماعة الجالية المسلمة كورقة ضغط على الحكومة لتحقيق مصالحها باختراق مؤسسات المجتمع التعليمية والثقافية مستغلة التشريعات الألمانية.

مشاريع حظر الإخوان بألمانيا.. ما مصيرها؟

مع تزايد مخاطر تمدد نفوذ الإخوان المسلمين، تعالت الأصوات داخل البرلمان وبعض الأحزاب الألمانية للمطالبة بإصدار قرار حظر نشاط الجماعة وتعقب أنشطتها المتطرفة. وفي 15 مارس 2022 قدم حزب البديل من أجل ألمانيا للبرلمان مشروع قرار يستهدف تشديد الرقابة على مصادر تمويل تيار الإسلام السياسي وتجفيف منابع تمويل جماعة الإخوان المسلمين. ونشر البرلمان الألماني في 9 يونيو 2022 وثيقة عن طلب إحاطة من قبل حزب البديل عن بعض منصات الإسلام السياسي، وكشفت الوثيقة عن وجود داعمين داخل الحكومة وبعض مؤسساتها الإعلامية وحزبي اليسار والخضر، مستندة على أن غياب فحص المنصات المسجلة وعلاقاتها مع المنظمات الأخرى وطبيعة خلفية العاملين بها والخلط بين الحق في الحريات والتطرف ساهم في تعاون الإخوان مع هذه المؤسسات.

وبالمثل قدم حزب اليسار للبوندستاغ في 19 يوليو 2022 طلب إحاطة يتعلق بتمدد الإخوان داخل ألمانيا وعبر الحدود مع النمسا، وتشابه هذا الطلب مع ما كشفته الاستخبارات الألمانية من وجود روابط بين إخوان النمسا وإخوان ألمانيا وتورطهما في تنفيذ هجمات إرهابية على أوروبا خلال عام 2020 و 2021، بعد رصدها لتزايد أعضاء الجماعة الأساسيين إلى (1450) في ألمانيا خلال عام 2020.

حظر جماعة ” أنصار الدولية”

أقدمت ألمانيا على حظر جماعة ” أنصار الدولية” المعروفة بعلاقتها القوية بالإخوان في 6 مايو 2021، لتمويلها الإرهاب ولقيامها بدور الوسيط بين الإخوان والمتطرفين في ألمانيا، وتشير هذه الروابط إلى احتمالية اكتساب الإخوان مهارات تجنيد الشباب من الجماعات المتطرفة، وتعلم الثانية أساليب التخفي عن أعين الأجهزة الأمنية مثل الإخوان لذا تعد خطوة حظر هذه الجماعات بداية لحظر الإخوان في ألمانيا.

وتركز الاستخبارات على تتبع مصادر تمويل الإخوان لتضييق الخناق على أنشطتهم، لإدراكها فشل سياسة الانخراط الحذر التي اتبعتها مع الإخوان واكتفائها بوقف تواصلهم مع الجماعات الإسلامية خارج أوروبا لتحجيم وجودهم، خاصة وأن منظمة “يوروب تراست” الأداة المالية للإخوان في أوروبا ومقرها بالمملكة المتحدة تمكنت من الاستحواذ على عقار بقيمة 4 ملايين يورو في حي ويدينج ببرلين الذي يضم جمعيات أخرى ممولة للإخوان.

ورغم المشاريع المقدمة للبرلمان لحظر الإخوان والمعلومات التي تتحصل عليها الاستخبارات بشأن تورط الجماعة في نشر التطرف، إلا أن حظر نشاطها مازال خطوة معلقة لسببين، السبب الأول يرتبط بأن مسألة تجهيز المقترح وجمع الأدلة ومناقشتها داخل الحزب تمهيدا لطرحه على البرلمان كمشروع قرار يتطلب وقت، علاوة على أن تقاطع المصالح بين بعض الأحزاب والإخوان يمثل عقبة لعملية المناقشة داخل الحزب وإقراره أمام البرلمان.

ويتعلق السبب الثاني بطبيعة القوانين الألمانية التي تتطلب أدلة دقيقة وواضحة للإقدام على قرار بحجم قرار حظر الإخوان نهائيا، وتتمثل الأدلة في إثبات تمويل الجماعة للهجمات الإرهابية وتواصلها الدائم مع تنظيمات متطرفة ورصد تحركاتها داخل المساجد ومؤسسات الدولة، وتصعب هذه المهمة على الاستخبارات لاتباع الإخوان سياسة التحايل على القوانين والتستر وراء جمعيات خيرية.

النشاط الناعم للإخوان أخطر من الجماعات “الجهادية”

” الذئاب في ثياب الحملان” هكذا وصفت الاستخبارات الألمانية الإخوان المسلمين في تقريرها الصادر في 10 يناير 2022 عن خطورة الجماعة المتطرفة، نظرا لارتفاع أعداد الجمعيات الإسلامية إلى (960) جمعية ومحاولاتهم المستمرة لتأسيس نظام سياسي واجتماعي متطرف في ألمانيا، باعتمادهم على سياسة اختراق مؤسسات الدولة لخلق كوادر وساسة يصبحون صناع قرار في المستقبل يستطيعون من خلالهم تكريس العنف والتطرف. واتبع الإخوان استراتيجية مختلفة في ألمانيا عن باقي أوروبا، بالتبرؤ من علاقاتهم بالتنظيمات المتطرفة والترويج لأفكارهم عبر رسائل مزدوجة تحمل معاني خفية حتى يصعب على الأجهزة الأمنية كشفها، حتى أنه وصل الأمر صياغة الرسائل باللغتين التركية والعربية والمراوغة في حالة كشفها بأنها تفسيرات خاطئة للمعني ليس أكثر.

ويعد” التجمع الإسلامي الألماني DMG ” نموذجا لهذه السياسة، وتتمثل خطورته في عدد أعضائه الذي يبلغ نحو (1450)  شخصا وعمله الذي يطلق عليه ” الطيف القانوني” الذي يعتمد على إحداث تغيير على المدى البعيد بالمجتمع وإقامة أنظمة سياسية إسلامية لا تتوافق مع مبادئ الحرية والديمقراطية وليس بتنفيذ هجمات إرهابية، الأمر الذي دفعه لتغيير اسمه عدة مرات هربا من رقابة المكتب الاتحادي لحماية الدستور ومحاولة لتجميل صورته أمام الرأي العام الألماني.

وطدت الجماعة تعاونها مع المراكز الإسلامية ليس بهدف التمويل فقط بل للحصول على مساحة الظهور إعلاميا في الفعاليات العامة ومصافحة الشخصيات العامة لتصحيح صورتها مع ارتفاع وتيرة الهجمات الإرهابية في أوروبا ونفي أي تحذيرات أمنية بشأن خطورتها على المجتمع بهدف خلق أزمة ثقة بين الألمان ومؤسسات الدولة.

ولم يكف الإخوان عن الترويج لخطاب أن الجماعة أقلية تتعرض للتمييز وأن هذا الحال يتشابه مع أوضاع الجالية المسلمة في ألمانيا بنشر وقائع مزيفة مغلوطة لاستقطاب الشباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتطرح الخلايا الإلكترونية مناقشة بعض القضايا الشائكة مثل المرأة أو حقوق الأقلية أو المشاركة السياسية أو العنصرية في المجتمع الألماني وتتسلل من خلالها لكسب ود بعض الفئات من الجالية المسلمة التي تؤمن بالحريات الدينية ويصعب الوصول إليها عبر المراكز الإسلامية والمساجد.

قراءة مستقبلية 

رغم تحفظ الاستخبارات الألمانية في الإعلان عن التحقيقات الجارية بشأن جماعة الإخوان المسلمين والجمعيات ذات الصلة بها، لكن تصبح هذه التحركات الأمنية دافعاً كبيراً للأحزاب الألمانية لتقديم مزيد من الأدلة في طلبات الإحاطة المقدمة للبرلمان لحظر الجماعة، وتحمل هذه الطلبات مؤشرات واضحة للألمان بتغيير الدولة سياساتها في التعامل مع هذا الملف الشائك واتخاذ خطوات جادة لتضييق الخناق على الأفكار المتطرفة.

وتعد التساؤلات الأخيرة عن مصادر تمويل الإخوان بألمانيا والمطالبة بتجفيف منابع هذه الأموال سواء من داخل أو خارج ألمانيا جرس إنذار للمؤسسات الاقتصادية والمراكز الإسلامية والأحزاب السياسية المتورطة في دعم الجماعة للنأي بنفسها عن جماعة الإخوان والتوقف فوراً عن تقديم أي دعم من أي نوع لها من ناحية، وتحذير شديد اللهجة للجماعة نفسها بضرورة الكف عن أساليب التخفي والتغلغل في المؤسسات التعليمية والمساجد من ناحية أخرى، ما يجبر الجماعة على إعادة ترتيب أوراقها من جديد ورسم استراتيجيات جديدة في التمويل واستقطاب عناصر لها والتسلل للمجتمع الألماني، ومن هنا لحين الانتهاء من هذه التغييرات تتراجع أنشطة الجماعة نوعا ما تحسبا لتحركات الأجهزة الأمنية.

التقييم

يسعى السياسيون في ألمانيا صدور قرار حظر جماعة الإخوان والحد من أنشطتها ومحاصرة مصادر تمويلها مع تصاعد التحذيرات الاستخباراتية من خطورة الإخوان المسلمين على المجتمع الألماني، الأمر الذي يمثل ضغط كبير على السلطات المنوطة بهذا الدور في ظل عراقيل واضحة أمام تحركاتها، بداية من طبيعة التشريعات الألمانية والحاجة إلى شواهد قوية تثبت تورط الجماعة في أعمال تطرف ودعم تنظيمات “جهادية” وصولا إلى تخادم أحزاب سياسية مع الإخوان.

وتتطلب معطيات الوضع الحالي للإخوان وحجم انتشارهم داخل المساجد وعبر مواقع التواصل الاجتماعي بين الجالية المسلمة في ألمانيا، مراقبة الخطاب المقدم من قبل الجماعة وتحليل فحوى الرسائل الضمنية التي تبعث بها أفكار متطرفة وترسخ لهدفها الأساسي في إقامة نظام سياسي متطرف يتعارض شكلاً ومضموناً مع القانون والدستور الألماني، مع ضرورة تتبع خطوات وأنشطة الجمعيات الإسلامية التي تضم إخوان بداخلها وتمثل لهم مأوى ومظلة شاملة أمام أجهزة الأمن والرأي العام مثل الاتحاد الإسلامي التركي الذي تربطه علاقة قوية بالإخوان ومعروف بخطابه المتشدد.

كما يصبح التعاون بين الاستخبارات الألمانية والأجهزة الأمنية في دول أوروبية عديدة مثل المملكة المتحدة والنمسا وفرنسا وهولندا، وسيلة أخرى للحصول على أدلة أكثر دقة تثبت تورط الجماعة في التطرف عبر كشف قنوات الاتصال مع الإخوان خارج ألمانيا ومصادر التمويل المشتركة بينهم، ما يمهد الطريق للتوصل إلى أنشطة الإخوان داخل المؤسسات الألمانية وتجفيف منابع تمويلها داخل ألمانيا.

 

الهوامش

The Muslim Brotherhood: Strategies and Approaches in Germany
https://bit.ly/3PAD7zY

German intelligence reveals the Muslim Brotherhood funding sources
https://bit.ly/3waVULp

ألمانيا تحظر «حلقة وصل» بين المتطرفين و«الإخوان»
https://bit.ly/3K1AV3i

How the Muslim Brotherhood threatens Europe’s security
https://bit.ly/3QUkDvA

Germany’s Evolving Counter-Extremism Policy Towards the Muslim Brotherhood
https://bit.ly/3QTENWa

وثيقة البرلمان الألماني 20/2171
https://bit.ly/3QODt78

نقلاً عن المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والإستخبارات

 

.

رابط المصدر:

https://www.europarabct.com/%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%ae%d9%88%d8%a7%d9%86-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%84%d9%85%d9%88%d9%86-%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%84%d9%85%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a7-%d9%80-%d9%85%d8%b4%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%b9-%d9%82/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M