الإغلاق الكبير: العالم يتهيأ لأسوأ مراحل الجائحة

عبد الامير رويح

يعيش العالم من جديد وبعد انحسار حالات الاصابة بفيروس كورونا المستجد في الفترة السابقة، حالة من الرعب والقلق المتزايد بسبب السلالة الجديدة، التي اكتشفت في المملكة المتحدة في الفترة الأخيرة وانتشرت بشكل كبير في اغلب دول العالم، مما دعا عدد من الدول إلى فرض اجراءات عاجلة ورفع مستوى القيود المفروضة على الاختلاط والتي قد تصل الى فرض العزل العام كما حدث سابقاً. وتتسم هذه السلالة الجديدة وكما نقلت بعض المصادر بسرعة الانتشار، لكن لا يوجد دليل على أنها أكثر فتكا من فيروس كورونا المتعارف عليه.

وأعلنت دول أوروبية عدة، تشديد إجراءات العزل العام وتمديد أجلها لمكافحة فيروس كورونا المستجد، مع تصاعد المخاوف من السلاسة الجديدة سريعة التفشي التي باتت منتشرة الآن في 50 بلدا. وبينما أعلنت الصين تسجيل أعلى قفزة يومية في عدد الإصابات، انطلقت حملات تلقيح شاملة في عدد من الدول. في غضون ذلك، حذّرت منظمة الصحة العالمية من أن “نوعا آخر مثيرا للقلق” للفيروس رُصد في اليابان قد يؤثر في الاستجابة المناعية، ويحتاج إلى مزيد من التحقيق، مشيرة إلى أنه كلما ارتفع انتشار الفيروس زادت فرص تحوّره وظهور مزيد من السلالات”. وقالت المنظمة إنه منذ إبلاغها لأول مرة في 14 ديسمبر/كانون الأول بالسلالة الجديدة، تم رصد الفيروس المتحور -الذي حددته بريطانيا- في 50 دولة وإقليما ومنطقة، أما السلالة التي رُصدت في جنوب أفريقيا، فهي موجودة في 20 دولة وإقليما ومنطقة.

السلالة الجديدة لفيروس كورونا المستجد اثارت الشكوك ايضاً، حول مدى فعالية اللقاحات المتوفرة لمواجهة الطفرة الجديدة، بحسب صحيفة “لوموند” الفرنسية. وأشارت الصحيفة الفرنسية إلى أنّ باحثين أميركيين أظهروا أنّ الأجسام المضادة لا تعمل ضد السلالة الجديدة التي تم تحديدها في جنوب أفريقيا وذلك بعد اختبارات مخبرية عدة. واستشهدت القائمة بأعمال رئيس قسم الصحة العامة بوزارة الصحة، شارون ألروي بريس، بدراسة أولية “مثيرة للقلق” تشير إلى أن التطعيم يوفر حماية أقل ضد المتغير الجنوب أفريقي، لكنها شددت على أنه لم يكن من الواضح تأثير اللقاحات على السلالة الجديدة.

وأضافت بريس خلال حديثها للمشرعين: “نحن نتعامل مع متغيرات سريعة، يمكن أن تعرض فعالية اللقاح للخطر”، على الرغم من تصريحات المسؤولين في شركات اللقاحات بأن منتجاتهم فعالة ضد السلالات الجديدة المكتشفة في بريطانيا وجنوب أفريقيا. في المقابل، أعرب كبير المسؤولين الطبيين في شركة موديرنا، المصنعة لأحد اللقاحات، تال زاكس، عن تفاؤله بفعالية اللقاح في مواجهة السلالة الجديدة.

ونقلت الصحيفة الفرنسية عن الشركة قولها: “أولاً، اللقاح يتألف من عشرات الأجسام المضادة لا من نوع واحد، فضلاً عن اعتمادنا على المعلوماتية الحيوية في صناعة الحمض النووي الوراثي، وهذا يعني أنّه سيثبت فعاليته على السلالتين الجنوب أفريقية والبريطانية”. بدورها، أوضحت شركة “فايزر” أنّ “لقاحها يعتمد على بروتين سبايك، الذي يحتوى على حوالى 1275 حمضاً أمينياً، في وقت لا تشكل السلالات الجديدة عشرة منها”، مشددة على أنّ “اللقاح يشمل الحمض الأميني رقم 501، الموجود في السلالة البريطانية والأفريقية”.

أكثر من سلالة

وفي هذا الشأن اكتشفت بعض الدول مؤخراً، بما في ذلك المملكة المتحدة، نوع جديد من سلالة فيروس كورونا اكتُشفت في جنوب أفريقيا، وفقاً لهيئة الإذاعة البريطانية «بي بي سي». ويعمل الخبراء على درستها بشكل عاجل لفهم الأخطار التي تشكلها. وتتحور بالعادة كل الفيروسات، بما في ذلك الفيروس المسبب لـ«كوفيد – 19». وتحدث هذه التغييرات الجينية الصغيرة عندما يصنع الفيروس نسخاً جديدة من نفسه لينتشر وينمو. وقد تجعل بعض هذه التغييرات الفيروس أكثر عداءً، مما يهدد حياة البشر.

وتوجد الآن عدة آلاف من المتغيرات المختلفة للفيروس الوبائي المنتشر. لكن مخاوف الخبراء تركز على عدد صغير منها. وإحداها هي السلالة الجنوب أفريقية المسماة «501.في 2». وتحمل السلالة هذه طفرة تسمى «إي 4 8 4 كي»، من بين أمور أخرى. إنها مختلفة عن متغير آخر تم اكتشافه مؤخراً في المملكة المتحدة. ويبدو أن السلالتين الجديدتين في جنوب أفريقيا والمملكة المتحدة تنتقلان بسرعة أكبر بين الناس، وهي مشكلة لأنه قد تكون هناك حاجة لقيود أكثر صرامة على المجتمع للسيطرة على انتشار المرض.

وفي حين أن التغييرات في السلالة الجديدة في المملكة المتحدة من غير المرجح أن تضر بفعالية اللقاحات الحالية، فهناك احتمال أن تفعل تلك الموجودة في السلالة الجنوب أفريقية ذلك إلى حد ما، كما يقول العلماء. ومن السابق لأوانه الجزم، أو تحديد مقدار ذلك، حتى يتم الانتهاء من المزيد من الاختبارات، رغم أنه من غير المحتمل للغاية أن تجعل الطفرات اللقاحات عديمة الفائدة. واختبر العلماء لقاح «فايزر» الأميركي ضد إحدى الطفرات الموجودة في السلالة الجنوب أفريقية، المسمى «إن 501 واي»، باستخدام عينات دم من 20 شخصاً. في تلك الدراسة الأولية، بدا أن التلقيح يعمل ضد الفيروس المتحور.

وقال الدكتور سايمون كلارك، الخبير في علم الخلايا في جامعة «ريدينغ»: «إن البديل الجنوب أفريقي يحتوي على عدد من الطفرات الإضافية بما في ذلك التغيرات في بروتين (سبايك)، الأمر الذي يدعو للقلق». وبروتين «سبايك» هو ما يستخدمه فيروس كورونا للدخول إلى الخلايا البشرية. إنه أيضاً الجزء الذي تم تصميم اللقاحات حوله، وهذا هو سبب قلق الخبراء بشأن هذه الطفرات الخاصة.

من جانب اخر قالت وزارة الصحة اليابانية، إنه تم اكتشاف سلالة جديدة تماما لفيروس كورونا لدى أربعة مسافرين قادمين من البرازيل. وقال تاكاجي واكيتا، رئيس المعهد الوطني للأمراض المعدية، في إفادة للصحفيين بوزارة الصحة إن السلالة الجديدة تختلف عن السلالتين اللتين اكتشفتا لأول مرة في بريطانيا وجنوب إفريقيا، وفقا لروسيا اليوم. وتُشبه السلالة الجديدة جزئيا الطفرات المختلفة المبلغ عنها في المملكة المتحدة وجنوب إفريقيا، وبحسب المعهد الوطني للأمراض المعدية “لا يوجد دليل في الوقت الحالي على أن الطفرة الجديدة شديدة العدوى”، وأوضح أنه يدرس ما إذا كانت الطفرة تسبب أعراضا شديدة وما إذا كانت مقاومة للقاحات. كما أن بعض الإجراءات مثل غسل يديك والحفاظ على مسافة بينك وبين الآخرين وارتداء قناع للوجه ستساعد في وقف انتشار المرض.

مزيد من الجهود

من جانب اخر دعت منظمة الصحة العالمية أوروبا إلى “بذل المزيد” من الجهود في مواجهة “وضع ينذر بالخطر” بسبب انتشار نوع متحوّر من فيروس كورونا المستجد أشد عدوى في المنطقة، فيما يتفاقم الوضع الوبائي في آسيا حيث أعلنت اليابان حالة الطوارئ مجددا في طوكيو. وقال مدير الفرع الأوروبي لمنظمة الصحة العالمية هانز كلوغه خلال مؤتمر صحافي عبر الإنترنت “يجب تعزيز هذه الإجراءات الأساسية التي نعرفها جميعا، بهدف خفض نسبة انتقال العدوى والتخفيف عن كاهل الخدمات الصحية المثقلة وإنقاذ الأرواح”.

وأوضح أنه من المهم تعميم فرض وضع الكمامات والحد من عدد المشاركين في اللقاءات الاجتماعية واحترام التباعد الجسدي وغسل اليدين، ودمج هذه الإجراءات مع أنظمة الفحص والتعقب المناسبة وعزل المصابين بالوباء. ووفقا لتقديرات المنظمة، فإن الفيروس المتحوّر “يمكن أن يحل تدريجا مكان الأنواع الأخرى المنتشرة في المنطقة، كما لاحظنا في المملكة المتحدة وبشكل متزايد في الدنمارك”.

وبحسب جدول الرصد الخاص بالمنظمة، سجّلت أوروبا التي تضررت بشدة بالوباء، أكثر من 27,6 مليون إصابة و603 آلاف وفاة بالفيروس. وتبقى اللقاحات الأمل الوحيد في القضاء على هذا الفيروس. فقد وافق الاتحاد الأوروبي على لقاح موديرنا لاستخدامه في الدول السبع والعشرين الأعضاء فيه، بعد الموافقة الشهر الماضي على لقاح فايزر/بايونتيك الذي أجيز استخدامه في 21 كانون الأول/ديسمبر، وهو أمر سيعطي قوة دفع لحملات التطعيم التي اعتبرت بطيئة جدا في الاتحاد الأوروبي.

وقالت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين “مع لقاح موديرنا، وهو ثاني لقاح صرح به في الاتحاد الأوروبي، سيكون لدينا 160 مليون جرعة إضافية” بعد 300 مليون جرعة تم طلبها من فايزر/بايونتيك. وتلقى أكثر من مليون من سكان الاتحاد الأوروبي جرعة من اللقاح ضد فيروس كورونا المستجد، على رأسهم الدنماركيون والألمان والإيطاليون.

ومع ذلك، فإن حملات التطعيم بالنسبة إلى منظمة الصحة العالمية ستكون “معركة طويلة جدا”. وقال مايكل راين مدير الطوارئ الصحية في المنظمة “ما زال أمامنا طريق بالغ الصعوبة في الأشهر الثلاثة إلى الستة المقبلة”. وقال مسؤولو الصحة الأميركيون إن واحدا من بين كل 100 ألف شخص تعرض لرد فعل تحسسي خطر بعد تلقي جرعة من لقاح فايزر/بايونتيك، مؤكدين أن فوائد اللقاح تفوق بكثير أخطاره المحتملة.

اغلاق جديد

في السياق ذاته تفرض بريطانيا الإغلاق مجددا لمكافحة تسارع انتشار وباء كوفيد-19 مع ظهور الفيروس المتحور الجديد، فيما تستعد ألمانيا لتمديد قيودها. وتعتبر بريطانيا من أكثر دول أوروبا تضررا جراء الوباء. وتفاقم الوضع فيها مع تفشي السلالة الجديدة من الفيروس، ما أدى إلى ارتفاع وتيرة الإصابات إلى أكثر من خمسين ألف حالة جديدة في اليوم. وأكد رئيس الوزراء بوريس جونسون “من الواضح أنّنا في حاجة إلى بذل المزيد”، معلنا فرض إغلاق في كل أنحاء إنكلترا حتى منتصف شباط/فبراير.

أما اسكتلندا في شمال بريطانيا، فبدأت العزل التام مع إغلاق المدارس أيضا، بعدما بادرت إيرلندا الشمالية وويلز إلى فرض ثالث إغلاق فور انتهاء عيد الميلاد. في موازاة ذلك، تواصل بريطانيا حملة التلقيح بشكل مكثف مع بدء استخدام اللقاح الذي طورته مختبرات أسترازينيكا البريطانية مع جامعة أكسفورد. ومن المتوقع أن تمدد ألمانيا القيود المفروضة على التنقلات. وكانت ألمانيا تعتبر قدوة في أوروبا في احتواء الفيروس، خلافا لبريطانيا، غير أنها تعاني بشدة تفشي الموجة الثانية خصوصا في شمالها، وتخطت حصيلتها للمرة الأولى ألف وفاة يومية في 30 كانون الأول/ديسمبر وارتفع عدد الإصابات الإجمالية إلى أكثر من 34 ألف وفاة من أصل حوالى 1775 إصابة منذ بدء انتشار الوباء.

ولم تتمكن ميركل التي لا تزال تحظى بشعبية كبيرة قبل أقل من عام من مغادرتها المستشارية، من فرض تدابير أكثر صرامة في مطلع الخريف على الولايات المتخوفة من تراجع النشاط الاقتصادي. وباتت إدارة الموجة الثانية تثير انتقادات في الإعلام ووصفتها صحيفة “دي فيلت” بأنها “فشل كبير”. من جانبها، نددت صحيفة “بيلد” الأكثر انتشارا في ألمانيا، باستراتيجية التلقيح متهمة الحكومة بالتركيز على اللقاح الذي طورته مجموعة فايزر بالاشتراك مع بايونتيك الألمانية، على حساب لقاح موديرنا الأميركي.

ويسود وضع مقلق أيضا في جنوب أوروبا مع تسجيل البرتغال حصيلة قياسية من الإصابات اليومية بلغت 10 آلاف إصابة في 24 ساعة. وقد أعلن رئيس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوغا فرض حالة الطوارئ مجددا في طوكيو وضواحيها لمواجهة الوباء، في حين أن الأرخبيل الياباني، لا سيما في العاصمة، يسجل حصيلة قياسية في عدد الإصابات. وقال سوغا “نعلن حالة طوارئ” لأن “هناك مخاوف من أن يكون للانتشار السريع لفيروس كورونا في أنحاء البلاد تأثير كبير على حياة السكان والاقتصاد”. وتشمل حالة الطوارئ التي تطال خصوصا المطاعم والحانات، العاصمة وثلاث مناطق مجاورة ولمدة شهر. تعتزم منطقة آيتشي (وسط) طلب الانضمام إلى تلك المناطق.

ويسود القلق أيضا في الصين حيث ظهر فيروس كورونا المستجد قبل أكثر من عام وحيث تمكنت السلطات من القضاء عليه إلى حد كبير منذ الربيع. وأبلغت السلطات عن تسجيل 63 إصابة جديدة بكوفيد-19 خلال الـ24 ساعة، وهو رقم قياسي في عدد الإصابات في البلاد منذ تموز/يوليو. وسجّلت غالبية هذه الإصابات الجديدة في شيجياتشوانغ عاصمة إقليم هيباي المحيطة ببكين (51 إصابة أضيف إليها 69 إصابة بدون أعراض). وقطعت السلطات الطرق الرئيسية المؤدية إلى شيجياتشوانغ كما أغلقت المدارس في هذه المدينة التي يبلغ عدد سكانها 11 مليون نسمة.

وواجهت مهمة لبعثة خبراء منظمة الصحة العالمية إلى الصين للتحقيق في مصدر فيروس كورونا المستجد حالة من الإرباك بعدما رفضت بكين السماح للفريق بدخول أراضيها في اللحظة الأخيرة رغم أشهر من المفاوضات الشاقة. وكان من المتوقع أن يصل عشرة خبراء إلى الصين في مهمة مسيسة وبالغة الحساسية لمعرفة كيف انتقل الفيروس من الحيوان إلى البشر. وقالت بكين إن المفاوضات متواصلة مع منظمة الصحة العالمية حول “الموعد المحدد وشروط زيارة مجموعة الخبراء”. بحسب فرانس برس.

وفي لبنان، تم تسجيل 4166 إصابة جديدة بكوفيد-19 وهو عدد قياسي يومي منذ بدء انتشار هذه الجائحة في البلد الذي باتت فيه المستشفيات شبه عاجزة عن استقبال المرضى. وسبق أن سجل ارتفاع كبير في الإصابات في لبنان لا سيما 3500 حالة في 31 كانون الأول/ديسمبر ما دفع الحكومة إلى إعلان إغلاق البلاد حتى الأول من شباط/فبراير المقبل. وسبق للبنان أن فرض إجراءات إغلاق كان آخرها في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. إلا أن التدابير خُففت كثيرا في كانون الأول/ديسمبر مع إعادة فتح الحانات والمراقص الليلية ما ساهم في ارتفاع كبير في الإصابات خلال فترة الأعياد. كذلك، يتفاقم الوباء في الولايات المتحدة التي سجّلت 3626 وفاة في غضون 24 ساعة بالإضافة إلى 236601 إصابة جديدة. وفي كندا، أعلن رئيس وزراء كيبيك فرانسوا ليغو فرض حظر تجول ليليا حتى 8 شباط/فبراير في هذه المقاطعة.

 

رابط المصدر:

https://annabaa.org/arabic/health/25841

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M