الحسابات الإسرائيلية والإقليمية في توجيه ضربة إلى إيران

شادي محسن

تستمر حكومة “نفتالي بينيت” في الإعلان بوضوح أن التهديد الإيراني سواء من خلال الوصول إلى العتبة النووية أو نفوذها الإقليمي هو مهدد وجودي لإسرائيل، وتحرص على تنسيق الجهود السياسية والعسكرية مع الولايات المتحدة بوتيرة ملحوظة أملًا في الوصول إلى استراتيجية توافقية مع واشنطن لمواجهة إيران.

تتدفق التقارير العبرية التي تشير إلى استعداد إسرائيل توجيه ضربة عسكرية إلى إيران، وأنها نجحت في الحصول على موافقة ضمنية غير معلنة من الجيش الأمريكي على ضرب المفاعلات النووية الإيرانية. تناقش الورقة حسابات إسرائيل بشأن جدية الضربة، ورؤيتها لمباحثات فيينا، ومدركاتها لوضع الإقليم والوضع في الداخل الإسرائيلي.

“مصالح” إسرائيل من التهديد الإيراني

تبلورت مجموعة من أبعاد أزمة الملف النووي الإيراني في شكل مصالح وفرص تسعى الحكومة الإسرائيلية إلى تعزيزها ومن ثم الاستفادة منها لأقصى حد. يمكن عرض –إن جاز التقدير- هذه المجموعة من المصالح فيما يلي:

أولًا: اصطفاف الداخل الإسرائيلي

تميل أغلب استطلاعات الرأي الإسرائيلية إلى نتائج مؤداها أن إيران هي المهدد الأول للإسرائيليين بنسبة تصل إلى 56%، لا سيما بعد أن شعر الإسرائيليون بأنفسهم تداعيات هذا العداء بعد حادثة سقوط صاروخ إيراني الصنع في منطقة ديمونا الإسرائيلية.

لذا تسعى حكومة نفتالي بينيت المتصدعة أيديولوجيًا إلى الاستفادة من استمرار الترويج بالتهديد الإيراني؛ بهدف التوظيف السياسي وإكساب الحكومة صفة التماسك نسبيًا بين الإسرائيليين. يستدل على ذلك (على سبيل المثال وليس الحصر) أن نتنياهو زعيم المعارضة الإسرائيلية حاليًا يعزز رصيده السياسي بالادعاء أن أسرته محل تهديد بالاغتيال من إيران ودول أخرى، مستفيدًا من المزاج الإسرائيلي العام الذي يُستنفر ضد إيران.

ثانيا: الحفاظ على زخم التطبيع

نشر موقع ديبكا الاستخباراتي الإسرائيلي تقريرًا يفسر سبب زيارة مستشار الأمن القومي الإماراتي “طحنون بن زايد” إلى إيران؛ لفشل إسرائيل في وقف الاتفاق النووي أو إقناع الولايات المتحدة باستمرار بل وزيادة الوجود العسكري في الشرق الأوسط.

تدرك إسرائيل أن أحد أهم عوامل دفع التطبيع هو أن حكومة نتنياهو نجحت في أن تصبح تل أبيب “رأس حربة” في الإقليم في مواجهة التهديدات الإيرانية بتعاون وثيق مع الإدارة الأمريكية السابقة. لذا تسعى الحكومة الحالية إلى ترويج هذه الرواية بشكل مستمر حتى الآن؛ منعًا من حدوث تقارب خليجي إيراني.

يأتي ثاني هذه العوامل هو خلق منظومة دفاعية إقليمية ذات مستويات عالية الدقة لمواجهة الصواريخ الإيرانية. وحتى الآن لا تزال إسرائيل والولايات المتحدة في طور أولي ومتواضع في التعاون المشترك لتصنيع بطاريات صواريخ دفاعية تنجح في صد إيران، إذ تكتفي الولايات المتحدة بالإعلان عن استمرارها في التعاون مع إسرائيل لتطوير أنظمة الدفاع.

ثالثا: تماسك الرواية الإسرائيلية أمام الدول الخارجية ذات الصلة

تهتم إسرائيل باستمرار هجماتها العسكرية في سوريا ويستلزم ذلك موافقة روسية مفتوحة لتنفيذ ضربات جوية إسرائيلية على مواقع إيرانية في سوريا. يتأتى ذلك بأن تقتنع روسيا بأن هناك تدفقًا حقيقيًا لشحنات الأسلحة والمعدات التكنولوجية الإيرانية من منطقة البوكمال السورية صوب لبنان، وهو ما يحقق للرواية الإسرائيلية التماسك اللازم للتحرك المتفق عليه.

ويوفر ذلك أيضًا لإسرائيل فرصة بإقناع الصين –التي تتجه إلى عقد شراكة استراتيجية شاملة مع إيران- بأحقية إسرائيل في الدفاع عن نفسها ورفضها الاتفاق النووي. علما بأن روسيا والصين تلعبان دورًا مهمًا في دفع مباحثات فيينا والوصول إلى اتفاق نهائي مع رفع العقوبات الاقتصادية الذي يوفر (حسب الرواية الإسرائيلية) متنفسًا تمويليًا ضخمًا لوكلائها في المنطقة وبالتالي اشتداد التأزم الأمني على إسرائيل.

رابعا: التطوير والتخطيط العسكري

تحرص إسرائيل في الوقت الحالي على تطوير جيشها بعدة وسائل، وهي:

(أ) عقد مناورات وتدريبات عسكرية مشتركة مع الولايات المتحدة بالتحديد، تأخذ صفة نوعية جديدة (مثل مناورة التزود بالوقود جوًا) –علمًا بأن إسرائيل انضمت حديثا للقيادة المركزية للجيش الأمريكي.

(ب) طلب تمويل لتطوير منظومات عسكرية من الولايات المتحدة مثل القبة الحديدية.

(ج) طلب صواريخ ومعدات نافذة تحافظ على التفوق النوعي للقوات الجوية الإسرائيلية من أجل ضرب المفاعل النووي بنجاح من مرة واحدة مثل القنبلة غير النووية المضادة للتحصينات – علما بأن الكونجرس وافق على الصفقة ولكن لم يتم عقدها حتى الآن. وهو ما تجلت مؤشراته بشكل إيجابي من خلال تصريحات وزير الدفاع الإسرائيلي الذي أوضح أن البنتاجون الأمريكي استمع جيدًا للموقف الإسرائيلي في التحضير عسكريا والتخطيط لتوجيه ضربة إلى إيران.

خامسًا: اصطفاف اللوبيات اليهودية في الخارج مع إسرائيل

عانت إسرائيل من وجود أزمة بين الدولة والجاليات اليهودية في دول الخارج وبالتحديد في الولايات المتحدة، واستدعى ذلك إعادة نظر الحكومة في علاقتها بالجاليات وباللوبي اليهودي الأمريكي. وتلجأ الحكومة الإسرائيلية حاليًا إلى توظيف التهديد الإيراني لترميم العلاقة مع اللوبيات من أجل الضغط على الكونجرس والإدارة الأمريكية لتبني وجهة النظر الإسرائيلية في أزمة الملف النووي.

خيارات إسرائيل أمام إيران في الوقت الحالي

هناك خياران اثنان أمام صانع القرار الإسرائيلي، وتسعى إسرائيل إلى ضمان جدواهما عسكريًا بالشكل المناسب لها. هذان الخياران هما:

أولا: حروب الظل

يتميز هذا النوع من الحروب: (أ) بتنوع مناطقه الجغرافية (أي تنفيذ عمليات من مناطق متفرقة مثل أذربيجان على سبيل المثال)، (ب) تنوع وسائله وأدواته بين الحرب السيبرانية، والاغتيالات، وضرب منشآت إيرانية حيوية سرًا في إيران، أو ضرب أهداف إيرانية في الشرق الأوسط برًا (سوريا بالتحديد) وبحرًا (في الخليج العربي، والبحر الأحمر، وشرق المتوسط). وقدمت إسرائيل نجاحات ملحوظة في هذا النوع من الحروب غير النظامية والضربات النوعية الصغيرة.

وتبقى الأسئلة: هل لا تزال تُقدم إسرائيل نجاحاتها أمام إيران من خلال هذا النوع من الحروب؟ وهل نجحت إسرائيل في وقف البرنامج النووي الإيراني؟

من ضمن أهم محددات استمرار حرب الظل هو ضمان الموافقة الضمنية من روسيا والولايات المتحدة على تنفيذ الضربات الإسرائيلية ضد إيران خاصة في سوريا ومناطق أخرى منعا من نشوب أزمة متفلتة. كان مستشارا الأمن القومي الأمريكي والروسي قد عبّرا في لقاء جنيف يونيو 2021 عن اعتراض مشترك على الهجمات الإسرائيلية في سوريا كونها تحمل تداعيات غير محسوبة، مثل الذي وقع لاحقًا في نوفمبر 2021 إذ تعرضت قاعدة عسكرية أمريكية في “التنف” لضربة إيرانية انتقامًا من الهجمات الإسرائيلية السابقة.

يضاف على ذلك أن إسرائيل اعترفت بنجاح إيران في اختراق مجالات حيوية لإسرائيل في مناطق متفرقة، مثل الذي أكده وزير الدفاع الإسرائيلي بيني جانتس في نوفمبر 2021 أن الطائرات المسيرة الإيرانية نجحت في اختراق المجال البحري الإسرائيلي. وكذا، يحاوط إسرائيل قلق من أن سفنًا روسية تؤمّن سفنًا إيرانية تحمل شحنات أسلحة عبر البحر الأحمر متجهة إلى سوريا ومنها إلى لبنان. لا يعني ذلك أن إسرائيل تدرس وقف حرب الظل، بل تحتاج إلى أن يكون هناك خيار آخر حاسم في الأزمة، وهو ضرب المفاعلات النووية الإيرانية.

ثانيًا: العمل العسكري الإسرائيلي المباشر

يلزم إسرائيل قبلها: (أ) تحديد عدد المفاعلات النووية الإيرانية والمنشآت الحيوية المغذية للبرنامج النووي الإيراني. (ب) تحتاج إلى تحديد قواعد الجهوزية العسكرية الكاملة لضرب هذه الأهداف؛ أي تحديد المطارات الرئيسة ومناطق التزود بالوقود والتسلح بالقنابل النوعية الثقيلة. (ج) وأخيرًا الموافقة الأمريكية على الضربة لتقليل فرص اندلاع حرب إقليمية أو تداعيات غير محسوبة من الحرب المباشرة.

كان قد أصدر مركز بيلفر الأمريكي للعلوم والشؤون الأمنية والعسكرية، خريطة (في 2017) بأهم المنشآت النووية الإيرانية، رصد خلالها أهم 15 موقعًا ضمن البرنامج النووي الإيراني ستكون على قائمة أي استهداف عسكري محتمل.

https://cdn.al-ain.com/lg/images/2017/5/09/78-120659-iran-nuclear-bomb-sites-usa-2.jpeg

يضاف إلى ذلك أن وزارة الدفاع الإسرائيلية أوضحت أن هناك مراكز تدريب وشحن ذخائر ومعدات عسكرية أقصى غرب إيران تستهدف إسرائيل. وعليه، ستكون إسرائيل ملزمة بضرب هذه الأهداف أيضًا من أجل تحييد رد الفعل الإيراني المحتمل.

أما على المستوى اللوجستي وامتلاك العتاد المناسب، كانت قد أعلنت إسرائيل تخصيص خمسة مليارات شيكل (مليار ونصف مليار دولار أمريكي تقريبًا) لتمويل خطة ضرب إيران. ولكن في الواقع يبدو أن المخصصات كانت أكبر من ذلك؛ إذ نجحت إسرائيل في صفقة واحدة بشراء قطع عسكرية وذخائر بقيمة 1.7 مليار دولار أمريكي.

التحديات

تظهر مجموعة من التحديات التي قد تقيد إسرائيل في الاستخدام العسكري المباشر ضد إيران، يمكن عرضها فيما يلي:

  1. عدم امتلاك إسرائيل للقدرة العسكرية المناسبة بعد، مثل امتلاك القنابل المضادة للتحصينات الـ GBU-72، وقنابل من طراز MOP أو التي تعرف أيضًا بقنبلة الـ GBU-57A\B. تحتاج إسرائيل إلى أن يتقدم الكونجرس بتشريع جديد يلغي القانون الفيدرالي الأمريكي الحالي، الذي يحظر بيع هذه القنبلة، والتي من شأنها الحفاظ على تفوق إسرائيل العسكري النوعي في الشرق الأوسط. وكذا، لا تمتلك إسرائيل الطائرة المخصصة لإلقائها من طراز B-2 الأمريكية.
  2. تمتلك إيران قدرات صاروخية دفاعية متقدمة نسبيًا، فحسب تقرير التوازن العسكري الصادر عن مركز IISS في أكتوبر 2021 تمتلك إيران 32 وحدة دفاع جوي صاروخي بعيد المدى من طراز إس-300، وهو ما يعني تضرر إسرائيل بقوة في حال اختراقها الأجواء الإيرانية بطائرات مقاتلة غير شبحية.
الطائرة الشبحية بي-2 الأمريكية
الطائرة الشبحية بي-2 الأمريكية
  1. ما زال التلويح باستخدام القوة المباشرة ضد إيران يتذيل أولويات الإدارة الأمريكية الحالية، ولا يعني استماع البنتاجون لخطط إسرائيل والموافقة على مقابلة الوفود العسكرية الإسرائيلية هو الموافقة الأمريكية على تنفيذ هذه الخطط، وإنما تأتي تلك التنسيقات المشتركة في إطار انضمام إسرائيل مؤخرا للقيادة المركزية للجيش الأمريكي “السينتكوم”، كذلك تأتي كرسالة تهديد مبطنة لإيران بالجلوس على طاولة المفاوضات والوصول إلى اتفاق.

وسبب تذيل الضربة المباشرة لإيران لدى الولايات المتحدة هو القلق من اندلاع حرب إقليمية متفلتة تهدد مصالحها المباشرة في المنطقة كمواقع أمريكية أو تهدد حلفاءها. بجانب أن الولايات المتحدة لا يقلقها وصول إيران إلى عتبة نووية بشرط الوصول إلى اتفاق شامل يعمل على ضبط مجالات حركة إيران الإقليمية وتمتنع عن تهديد الأمن الإقليمي، بل أكثر ما يشغل الولايات المتحدة هو تنامي النفوذ الصيني والروسي.

ولكن في الواقع، من المرجح أكثر إذا تم الوصول إلى اتفاق أن يكون اتفاقًا “محدودًا” لا يعالج نشاط إيران الصاروخي، أو استخدامات الطائرات المسيرة، أو النشاط الإقليمي من خلال وكلائها.

  1. وفق التقييم الأمني الأخير لوزارة الدفاع الإسرائيلية؛ أشارت إسرائيل إلى انتشار حالة من الاستقرار الأمني باستثناء إمكانية انفجار الجبهة الشمالية من الجهة اللبنانية والجبهة الجنوبية في قطاع غزة (أي حزب الله اللبناني وحركة حماس). كانت حماس قد هددت مؤخرا بشن حرب على إسرائيل أخذت عنوانًا ظاهريًا يتعلق ببطء تقدم إعادة الإعمار في غزة ولكن في الحقيقة تسعى لحماس إلى إرباك حسابات إسرائيل والتهديد بشن حرب متعددة الجبهات ضدها في حال اتخذت قرار الحرب ضد إيران.

ختاما، يمكن القول إن إسرائيل قد تواجه عقبات بشأن نجاحها في ضرب إيران لعدم امتلاكها القدرة العسكرية الكافية، ولعدم الموافقة الأمريكية (حتى الآن) على بيع معدات مناسبة لإسرائيل ورفضها مسألة الضربة المباشرة. ولكن لا تزال إسرائيل تستفيد من جهرها بالتهديد الإيراني لها لمجموعة من التوظيفات السياسية التكتيكية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/65774/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M