الخطوات المصرية للتحول إلى مركز استراتيجي لتخزين القمح في المنطقة

أسماء فهمى

 

تدرك الدولة المصرية أهمية تحقيق أهداف التنمية المستدامة والتي منها تحقيق الأمن الغذائي، وضرورة مواجهة التحديات التي تعيق جهود القضاء على سوء التغذية وانعدام الأمن الغذائي، وفي إطار سعي الدولة المصرية لتوفير مخزون من السلع الاستراتيجية وخاصة القمح لسد احتياجات المواطنين وفي مقدمتها رغيف الخبز المدعم، والاستفادة من المقومات المصرية المتاحة في توفير أماكن لتخزين الحبوب والسلع الأساسية للدول التي لديها إنتاج إضافي من تلك السلع وتحتاج لأماكن تخزين، عقد رئيس الوزراء يوم الإثنين الماضي، اجتماعًا بتوجيهات رئاسية بحضور وزير التموين والتجارة الداخلية، ورئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، لبحث إنشاء منطقة لوجيستية حرة لتخزين القمح والزيوت بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس سواء بمنطقة شرق بورسعيد أو منطقة السخنة.

رؤية استباقية

على مدار الست سنوات الماضية، نجحت رؤية مصر في تأمين احتياطي الطلب على الغذاء محليًا خاصة مع تقلبات أسعار القمح العالمية، نتيجة اضطراب سلاسل التوريد وارتفاع أسعار السلع الأساسية بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك من خلال رفع سعة تخزين القمح من 1.6 مليون طن متري إلى 4 مليون طن متري عن طريق إنشاء صوامع حديثة، بالإضافة إلى تحديث صوامع التخزين القديمة بسعة 1.5 مليون طن متري، الأمر الذي مكن مصر من زيادة مخزونها الاستراتيجي من القمح من ثلاثة إلى ستة أشهر، وهو ما خلق مرونة سهلت على الدولة التعامل مع أي ارتفاع في أسعار القمح العالمية، وتسعى مصر حاليًا إلى زيادة سعة التخزين بنسبة 50% أخرى بحلول عام 2025.

وتهدف مصر إلى زيادة إنتاجها من القمح، حيث من المتوقع أن تنتج 9.8 مليون طن من القمح في  الفترة 2022/2023، وهو ما يزيد بنحو 800 ألف طن عن الإجمالي القياسي الفترة الماضية 2021/2022، وفقًا للتقرير الصادر عن وزارة الزراعة الأمريكية، وساهم في زيادة الإنتاج، تقديم الحكومة حوافز إنتاج للمزارعين بقيمة 65 جنيهًا للأردب على الأسعار التي ستدفعها للمزارعين لشراء المحصول المحلي، وكذلك توفير الحكومة الأسمدة بأسعار مدعومة لمزارعي القمح بتخفيض أكبر من 50% من أسعار السوق، وزيادة المساحة الإجمالية المحصودة عند 1.53 مليون هكتار مقارنة بـ 1.4 مليون هكتار في العام الماضي، بالإضافة إلى استخدام أصناف البذور المبكرة النضج وذات الإنتاجية العالية، وتزويد المزارعين بكميات موسعة من البذور المعتمدة، واختيار توقيت مثالي لزراعة القمح، وأخيرًا زيادة مساحة القمح المنزرعة بأكثر من 520 ألف هكتار.

وفي المقابل، تشير توقعات وزارة الزراعة الأمريكية بتراجع واردات مصر من القمح  أثر زيادة إنتاجه محليًا لتصل إلى 11 مليون طن متري، وبانخفاض بلغ 4.34% عن عام 2021/2022، واعتبارًا من 15 يوليو 2022، بدأت المطاحن المصرية في زيادة معدل استخراج دقيق القمح المستخدم في إنتاج الخبز المدعوم من 82% إلى 87.5%، مما يوفر قرابة 500 ألف طن متري من إجمالي واردات مصر من القمح في عام 2022/2023، واستطاعت مصر كذلك أن تؤمن إمدادات ثابتة من القمح عبر تنويع مصادر الحصول على القمح، سواء من خلال المناقصات أو تنفيذ الشراء المباشر للقمح من عدة دول، وبالترتيب تعد روسيا ورومانيا وأوكرانيا وفرنسا من أهم الدول الموردة القمح لمصر خلال عام 2022، إذ استوردت مصر من روسيا  2.77 مليون طن متري، ومن رومانيا 1.1 مليون طن متري، ومن أوكرانيا حوالي 607.4 مليون طن متري ، وأخيرًا من فرنسا 343.9 مليون طن متري.

صوامع تخزين الحبوب

بدأت الدولة المصرية عام 2015 في تنفيذ المشروع القومي للصوامع، الذي يهدف إلى التوسع في إنشاء الصوامع الحديثة وباستخدام التكنولوجيا، لتفادي مشاكل التخزين السابقة التي كان بعضها يتم في العراء أو في شون ترابية أو في هناجر أو بناكر، والتي كانت تتسبب في إهدار كميات كبيرة من الحبوب بنسبة تصل إلى 15% وبقيمة تصل إلى مليون طن من القمح المهدر سنويًا، وبالتالي ساعد إنشاء تلك الصوامع الحديثة وباستخدام أحدث الوسائل التكنولوجية في توفير ما قيمته 4.5 مليار جنيه، وبتكلفة قدرت بحوالي 68 مليون جنيه للصومعة.

وهدفت المرحلة الأولى من المشروع، إلى إنشاء 50 صومعة معدنية بطاقة 30 ألف طن للصومعة، وحتى عام 2021 نفذت الشركة المصرية القابضة للصوامع والتخزين 70% من المشروع، وتضم كل صومعة 12 وحدة تخزين بسعة 5000 طن لكل صومعة، وكذلك نفذت الدولة توسعات جديدة في صوامع الموانئ لرفع طاقاتها من 7 ملايين طن إلى 12 مليون طن سنويًا، وتعد صومعة ميناء دمياط أكبر صومعة في مصر إذ تبلغ سعتها التخزينية 70 ألف طن وتضم عشرة خلايا تخزين، وتأتي بعدها صومعة الإسكندرية التي تعد ثاني أكبر صومعة في مصر تم بناؤها في ميناء العامرية بطاقة 60 ألف طن، بينما يعد مشروع صوامع تخزين الغلال الذي يضم 12 صومعة بشرق قناة السويس فريدًا من نوعه، بسبب إقامته بالقرب من مشروعات تنمية محور إقليم قناة السويس وتبلغ سعته التخزينية  5 آلاف طن.

ويوجد في مصر 77 صومعة ومرافق تخزين تنتشر في 20 محافظة، ووفقًا لخطة الدولة لزيادة السعة التخزينية والاحتياطي الاستراتيجي من الحبوب من ستة أشهر إلى تسعة أشهر، تستهدف الدولة إنشاء سبعة مرافق تخزين للحبوب إضافية، وفي سبتمبر 2022 تم توقيع عقد لإنشاء أربعة وحدات تخزين بقيمة 4 مليارات جنيه، بين وزارة التموين والتجارة الداخلية وشركات حسن علام للمرافق وأوراسكوم كونستراكشون وسامكريت على أن يتم الانتهاء من إنشاء تلك الوحدات في مدة تم تحديدها من 20-30 شهرًا، كذلك أعلنت الشركة المصرية القابضة للصوامع والتخزين في مايو 2022 عن التخطيط لتنفيذ 60  صومعة جديدة بإجمالي سعة تخزينية 600 ألف طن، والتوسع في إقامة الصوامع بالقرب من المناطق الزراعية الجديدة مثل توشكى، والضبعة، والفرافرة، وشرق العوينات، وقنا، وأسوان، والمنيا، وأسيوط.

ومن هنا، نجد أن الدولة اتخذت مسارًا توسعيًا وكثفت جهودها في التحول من الأساليب القديمة لتخزين الحبوب إلى ضخ استثمارات لإقامة الصوامع الحديثة، وطورت منظومة تخزين السلع الأساسية والقمح على رأسها باعتباره سلعة استراتيجية من قبل اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك لتقليل الهدر في الحبوب ولتأمين الاحتياجات المحلية للمواطنين منها، ومع استمرار الحرب وتداعياتها من تذبذب سلاسل إمدادات الغذاء العالمية ورفع أسعار السلع الأساسية، وضعت الدولة المصرية ضمن أولوياتها تعزيز زيادة السعة التخزينية من السلع الاستراتيجية لزيادة الاحتياطيات منها وتفادي تقلب الأسعار العالمية، واختارت الدولة المنطقة الاقتصادية لقناة السويس لتصبح مركز استراتيجي لتخزين السلع الأساسية للدول ذات الفائض منها، وتم اختيارها نظرًا لما تتمتع به من إمكانات استثمارية هائلة، وتوافر المناطق الصناعية والموانئ المجهزة، لتسهيل عملية النقل من وإلى الأسواق العالمية، بالإضافة إلى موقعها الاستراتيجي الذي يمكنها من تخزين القمح والحبوب الأخرى، وسهولة إقامة مستودعات للزيوت المختلفة ونقل تلك السلع إلى عدد من الأسواق الدولية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/75711/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M