إنذار خطر: الاضطرابات الدبلوماسية في العلاقات الفرنسية الجزائرية

عبد المنعم علي

 

مثّلت أزمة ترحيل الناشطة الجزائرية “أميرة بوراوي” عبر الأراضي التونسية إلى فرنسا بصورة غير قانونية نقطة تصدع أخرى في العلاقات الفرنسية الجزائرية، ومسار توتر بين الجزائر وتونس في ضوء ما اتبعته الأخيرة من إجراءات لترحيل الناشطة عقب ممارسة ضغط فرنسي عليها، خاصة وأن تلك الناشطة صادر بحقها حكم قضائي في عام 2021 يقضي بسجنها مدة عامين عقب إدانتها بإهانة رئيس الجمهورية والإساءة للأديان. وقد أعادت تلك الأزمة التوتر مرة أخرى إلى العلاقات الجزائرية الفرنسية شهدت على ضوئها تصعيدًا إعلاميًا من جانب وسائل الإعلام الفرنسية، وتبعتها إجراءات دبلوماسية تمثلت في استدعاء السفير الجزائري في باريس للتشاور.

وتأتي تلك الأزمة عقب مرحلة تهدئة شهدتها العلاقات الجزائرية الفرنسية ومساعي الجانبين لوضع خطوط تفاعلية رئيسة تُغلق من خلالها صفحات التوتر والأزمات، وتُعيد من خلالها الدولتان التفاعل البناء وفقًا للمصلحة المتبادلة بينهما.

سياق متأزم

لم تكن تلك المحطة هي الأولى من نوعها في تأزم العلاقات الفرنسية الجزائرية، ولكن في ضوء ملفات أخرى منها الذاكرة الاستعمارية وتصاعد في التوتر بصورة عامة منذ منتصف عام 2021، وتشهد في العموم العلاقات الجزائرية الأوروبية حالة تصدع مماثله كما هو الحال بالنسبة لإسبانيا ونسبيًا مع ألمانيا، على خلفية ملف الطاقة من ناحية وملف الصحراء الغربية من ناحية أخرى.

وذلك بالرغم من مسارات التهدئة التي انتهجتها فرنسا مؤخرًا برزت في زيارة الرئيس الفرنسي ماكرون في أغسطس 2022 وتبعها زيارة رئيسة وزراء فرنسا في أكتوبر 2022 وتم التوقيع على اتفاقيات في مجالات الصناعة والشركاء الناشئة وغيرها، وهي مسارات تعزز من كسر جليد العلاقات الثنائية بين الجانبين وخطوات تعزز من تهدئة التوترات المختلفة.

ولعل الأزمة الراهنة تأتي في ضوء سياق متأزم بين الجزائر وعواصم الدول الأوروبية بصورة عامة وإسبانيا وألمانيا على وجه الخصوص، كذلك تتصاعد وتيرة التضاد الجزائري المغربي على ضوء ملف الصحراء الغربية. وعلى مستوى فرنسا، فهي تعاني بصورة كبيرة من إمدادات الغاز والأبعاد المختلفة للأزمة الروسية الأوكرانية بما يُضاعف هذا التصرف الأخير من الضغوطات الأمنية والسياسية والعسكرية والاقتصادية المشتركة بين الجزائر وفرنسا، وذلك انطلاقًا من كون فرنسا هي النافذة الأولى للجزائر وحليفها الحيوي في الإقليم وداعمًا لها في ملف مكافحة الإرهاب في الساحل والصحراء، وتُعد الجزائر كذلك هي النافذة الرئيسة لفرنسا في مناطق نفوذها التقليدية والتاريخية.

ويراكم وقوع تلك الحادثة من التجاذبات المغاربية الأوروبية؛ فتداخل ملف النشطاء وحقوق الإنسان في تلك التفاعلات من شأنه أن يزيد من التصدعات المختلفة، وبات ورقة يتم استخدامها والضغط بها على الدوائر السياسية الجزائرية. ولعل هذا سوف يحقق ضغطًا وتراجعاً للتنسيق الأوروبي الجزائري، خاصة وأن التنسيق الأمني بات أمرًا حيويًا خلال الآونة الأخيرة في ضوء تصاعد أنشطة تنظيم داعش مرة أخرى في تلك الدائرة، وبرز في ضبط العديد من العناصر التي تُشكل خلايا لاستهداف مراكز استراتيجية وشخصيات مهمة داخل تلك المجتمعات.

انعكاسات متعددة

احتجاجًا على التدخل الفرنسي في ملف الصحفية “أميرة بوراوي”، انتهجت الجزائر نهجًا دبلوماسية في هذا المسار وجاء تحركها وفقًا للأعراف الدبلوماسية، فتم استدعاء السفير الجزائري في باريس “سعيد موسى” للتشاور، علاوة على تقديم مذكرة احتجاج بحق التصرفات التي قامت بها السفارة الفرنسية في تونس وموظفيها الامنيين لترحيل الصحفية بطريقة غير مشروعة مما يُعد انتهاكًا للسيادة الوطنية الجزائرية، ولعل هذا الأمر سوف يؤثر على مسار التهدئة الراهنة الذي تزامن مع زيارة ماكرون للجزائر، وتمت الإشارة كذلك إلى الترتيبات الراهنة لزيادة الرئيس عبد المجيد تبون لفرنسا، والتي من المحتمل أن تتأثر بتلك التصعيدات الأخيرة ما لم يتم احتواؤها.

علاوة على ذلك، فإن تلك الأزمة من شأنها تكرس لمزيد من تراجع الثقة بين الطرفين وتضع المصالح المشتركة وجهود التقارب بينهما في حرج، ويربك المشهد مرة أخرى ويستعيد بصورة كبيرة فكرة الذاكرة والتاريخ بعدما استطاعت الدولتان من تحييد هذا الملف بما لا يؤثر على المصالح الأخرى.

وعلى الصعيد التونسي، فقد اتخذت الجزائر إجراءات تصعيدية تمثلت بصورة كبيرة في برزت في إرسال رسالة سياسية للسلطات التونسية لاتخاذ إجراءات تشديدية في عملية دخول التونسيين إلى الجزائر عبر المنافذ الحدودية، ولكن هذا الإجراء تم تداركه من جانب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون الذي أصدر قرارًا بتسهيل دخولهم مجددًا، الأمر الذي يفهم منه تطلع الجزائر بعد خسارة الورقة التونسية في معادلة الصحراء الغربية.

وختامًا؛ يمكن القول إن أزمة الناشطة الجزائرية ما هي إلا محطة من محطات التصعيد الجزائري الفرنسي، وتبرز حجم الاضطراب في العلاقات الثنائية بينهما على الرغم من مساعي ماكرون وتبون لاحتواء أي أزمات بينهما وتخطي الماضي لإحداث تقدم في العلاقات بينهما، بما يحقق مصالحهما، وتضع بشكل كبير العلاقات الجزائرية الفرنسية أمام اختبار حقيقي يترجم حجم التصدع الخفي في العلاقات الأمنية والسياسية بينهما. ذلك فضلًا عن أن تلك الأزمة أبرزت حجم التباعد بين الجانبين، ومن شأنها أن تؤدي بصورة كبيرة إلى تراجع مستويات التنسيق مرة أخرى بين الجانبين، وعلى الرغم من أن هذا ليس من مصلحتهما سواء أكان على مستوى ملف الغاز والطاقة لفرنسا أو على صعيد مكافحة الإرهاب في الساحل والصحراء بالنسبة للجزائر، فإن الفترة المقبلة سوف تشهد تراجعًا في العلاقات الثنائية ستؤثر بلا شك على الملفات المشتركة بينهما.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/75725/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M