الدستور الإيراني.. واختيار المرشد

عمرو أحمد

 

في الفترة الأخيرة، ازدادت التساؤلات حول طبيعة منصب المرشد الإيراني وكيفية اختياره أو ربما تعيينه، وطرحت بعض التقارير الصحفية أسماء مقربة للمرشد ورجحت توليها للمنصب في حال شغوره. وفي هذه الورقة سنذهب إلى فصول ومواد دستور الجمهورية الإسلامية- الذي يضم 177 مادة و14 فصل- لنتعرف على آلية الاختيار والهيئة المعنية بذلك، وكذا أبرز الأسماء المرشحة لخلافة المرشد على خامنئي والسيناريوهات المتوقعة لشكل المنصب مستقبلا.

وتجدر الإشارة هنا أنه لا يوجد سيناريو واحد محدد ومتفق عليه بشأن خليفة المرشد، بل أن الأمر يتحدد بقرار من مجموعة من المؤسسات على رأسها مجلس خبراء القيادة، والمرجعيات الدينية في قم، بالإضافة إلى عدم إغفال دور الحرس الثوري الذي بات صاحب النفوذ الأقوى داخل مؤسسات الدولة. ومن أجل فهم بنية النظام الإيراني، علينا توصيف صلاحيات المرشد وفق المذكور في دستور الجمهورية الإسلامية في إيران.

الدستور الإيراني وصلاحيات المرشد

يتميز النظام السياسي الإيراني عن سائر النظم السياسية العالمية بميزة دستورية فريدة، وهي وجود مؤسسة اسمها “الولي الفقيه” أو “المرشد الأعلى” تتربع على قمة هرم السلطة، ويخول لها الدستور الإيراني صلاحيات واسعة، وبموجب ولاية الفقيه صارت المرجعية الدينية مصدر الإفتاء والأحكام، وتطورت من مهمة الإرشاد الروحي إلى شكلها المعاصر المتمثل في المرشد الأعلى للثورة الإسلامية، الذي يهيمن بسلطاته الجمة على مؤسسات الدولة الإيرانية كلها.

ويستخدم الدستور الإيراني كلمة (قائد) توصيفًا للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية، أو كما نطلق عليه لقب المرشد، ولخصت المادة 109 من الدستور الإيراني الصفات والشروط التي ينبغي أن يتحلى بها القائد وهي: الكفاءة العلمية اللازمة للإفتاء في مختلف أبواب الفقة، العدالة والتقوى اللازمتان لقيادة الأمة الإسلامية، والصفة الثالثة تتمثل في الرؤية السياسية الصحيحة، والكفاءة الاجتماعية والإدارية، والتدبير والشجاعة والقدرة الكافية للقيادة، وعند تعدد من تتوفر فيهم الشروط المذكورة يفضل من كان منهم حائزًا على رؤية فقهية وسياسية أقوى من غيره.

وفيما يتعلق بصلاحيات القائد كما جاء في الدستور الإيراني، فالمادة 110 لخصت تلك المهام والصلاحيات التي تجعل من المرشد أو القائد مطلق الصلاحيات، فهو المسؤول عن تعيين السياسات العامة للنظام بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام.

بالإضافة لصلاحيات أخرى وهي: الإشراف على حسن إجراء السياسات العامة للنظام، إصدار الأمر بالاستفتاء العام، القيادة العامة للقوات المسلحة، إعلان الحرب والسلام والنفير العام، نصب وعزل وقبول استقالة كل من: فقهاء مجلس صيانة الدستور، أعلى مسؤول فـي السلطة القضائية، رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون، رئيس أركان القيادة المشتركة، القائد العام لقوات الحرس الثوري، القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخل.

وكذلك حل الخلافات وتنظيم العلاقات بين السلطات الثلاث، وحل مشكلات النظام التي لا يمكن حلها بالطرق العادية من خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام، وإمضاء حكم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب، والموافقة على أهلية المرشحين للانتخابات بعد موافقة مجلس صيانة الدستور، وكذلك عزل رئيس الجمهورية مع مراعاة مصالح البلاد، وذلك بعد صدور حكم المحكمة العليا بتخلفه عن وظائفه القانونية أو بعد رأي مجلس الشورى الإسلامي بعدم كفاءته السياسية، على أساس المادة التاسعة والثمانين من الدستور الإيراني، وأخيرًا العفو أو التخفيف من عقوبات المحكوم عليهم فـي إطار الموازين الإسلامية بعد اقتراح رئيس السلطة القضائية، ويستطيع القائد أن يوكل شخصًا لأداء بعض وظائفه وصلاحياته.

هذه التعديلات التي دخلت على دستور 1989، جعلت من المرشد هو الرجل الأول في الدولة ويحق له التحكم في كافة هيئات ومؤسسات البلاد، وأصبحت كافة الخيوط تعود بالأساس للرجل الواحد المعني بالحفاظ على نظام الجمهورية الإسلامية.

لكن السؤال الذي شغل الإعلام العربي والغربي والإيراني المعارض، من سيخلف المرشد الأعلى بعد انتشار تقارير تتحدث عن حالته الصحية، وهذه ليست المرة الأولى التي تهتم الصحف ووسائل الإعلام بالحالة الصحية للمرشد الأعلى علي خامنئي، لكن ما لم يتم الإجابة عليه بشكل دقيق السؤال المعني بآلية اختيار المرشد المقبل.

مجلس الخبراء واختيار المرشد

الفصل الثامن من الدستور الإيراني، تحدث عن علاقة القائد ومجلس القيادة أو مجلس خبراء القيادة كما هو معروف، بتعيين قائد للثورة الإيرانية بعد وفاة مؤسس الجمهورية الإسلامية الإمام الخميني، إذ كانت المرة الأولى في تاريخ إيران بعد الحكم الإسلامي، وأوكلت مهمة تعيين القائد إلى الخبراء المنتخبين من قبل الشعب.

وكان من المفترض أن يكون آية الله العظمى حسين علي منتظري خليفة الخميني، إلا أن انتقاداته للإعدامات التي قامت بها الحكومة الإيرانية 1988 و1989، جعلت الخميني يدفعه إلى الاستقالة في مارس 1989، واختار وقتها الرئيس الثالث لإيران علي خامنئي (1981 – 1985)، ليكون المرشد الثاني لإيران بعد وفاة الخميني، وحصل خامئني وقتها على دعم وترشيح من آية الله هاشمي رفسنجاني الرئيس الرابع لإيران (1989 – 1993)، الذي أقنع مجلس الخبراء بالموافقة على ترشيح خامنئي وأن الإمام الخميني كان موافق على الأمر.

تصريح لمسؤول إيراني يثير جدلاً.. حول صحة خامنئي

وبالعودة للدستور الإيراني وصلاحيات مجلس الخبراء، ووفق المادة 107 فإن الخبراء يدرسون ويتشاورون بشأن كل الفقهاء الجامعين للشرائط المذكورة فـي المادتين 105 و109، متى ما شخصوا فردًا منهم باعتباره الأعلم بالأحكام والموضوعات الفقهية، أو المسائل السياسية والاجتماعية، أو حيازته تأييد الرأي العام، أو تمتعه بشكل بارز بإحدى الصفات المذكورة فـي المادة 109 انتخبوه للقيادة، وإلا فإنهم ينتخبون أحدهم ويعلنونه قائدًا، ويتمتع القائد المنتخب بولاية الأمر ويتحمل كل المسؤوليات الناشئة عن ذلك.

ومعنى ذلك أن مجلس الخبراء- الذي يشغل رئيس الجمهورية الحالي إبراهيم رئيسي منصب نائب المجلس- في عدم وجود وصية بتولي شخص معين أو ترشيح لشخص قد اعد سلفا لمنصب القيادة، يمكن أن يرشح شخصًا من بين أعضاء المجلس المكون من 88 شخص.

ومن صلاحيات مجلس الخبراء أيضًا وفق المادة 111 من الدستور، أنه عند عجز القائد عن أداء وظائفه القانونية أو فقده أحد الشروط المذكورة فـي المادة 105 والمادة 109، أو عُلم فقدانه لبعضها منذ البدء فإنه يعزل عن منصبه. وكذلك في حالة وفاة القائد أو استقالته أو عزله، فإن الخبراء مكلفون بالقيام بأسرع وقت بتعيين القائد الجديد وإعلان ذلك، وحتى يتم إعلان ذلك القائد فإن مجلس الشورى المؤلف من رئيس الجمهورية، ورئيس السلطة القضائية، وأحد فقهاء مجلس صيانة الدستور – منتخب من قبل مجمع تشخيص مصلحة النظام – يتحمل جميع مسؤوليات القيادة بشكل مؤقت.

ومتى ما عجز القائد – أثر مرضه أو أية حالة أخرى – عن القيام بواجبات القيادة مؤقتا يقوم المجلس المذكور فـي هذه المادة – خلال مدة العجز – بأداء مسؤوليات القائد.

خلافة المرشد.. سيناريوهات مفتوحة

تحدثت تقارير غربية عن تجهيز مجتبى خامنئي نجل المرشد للمنصب، لكن في ظل الظروف الداخلية من احتجاجات وضغوط وعثرات خارجية تضغط بالأساس على مفاصل الدولة، يجعل من سيناريوهات انتقال السلطة سينايوهات مفتوحة قد تتنوع بين انتقال سلس للسلطة مع بقاء منصب المرشد وصلاحياته كما هي في الدستور الحالي، وأخرى تستشرف نشوب خلافات واسعة بين الأطراف المعنية بالاختيار ودخول الحرس الثوري على خط ولاية الفقيه لإحكام السيطرة على الأمور.

أبرز المرشحين خلفا للمرشد

1- مجتبى خامنئي:

كشفت وثيقة مسربة نشرت على موقع “ويكيليكس”، “أن المرشد الأعلى علي خامنئي يحضر ابنه الذي تلقى تعليمًا دينيًا ليخلفه في منصب المرشد”. ويتمتع مجتبى بنفوذ قوي داخل الحرس الثوري والتيار المتشدد، فهو الابن الثاني للمرشد وصهر حداد عادل رئيس مجلس الشورى الإيراني الأسبق، ويروج التيار الأصولي إلى أن مجتبى كان يتلقى علوم الحوزة على يد والده خلال السنوات الأخيرة، كما بدأ يدرس “فقه الخارج” في حوزة قم، وهي شروط لنيل درجة “الاجتهاد” كإحدى صفات المرشد وفقا للدستور الإيراني، كما يتم وصفه داخل إعلام الحوزة بـ “آية الله”.

مجتبى خامنئي.. هل تتحول الجمهورية الإسلامية في إيران إلى ملكية؟ س / ج في  دقائق

وتتحدث التقارير الغربية عن لعبه دور رئيس في السياسة الإيرانية لمدة 15 عامًا على الأقل، حيث اشتكى المرشح الرئاسي مهدي كروبي، من تدخل مجتبى خامنئي في تغيير نتائج انتخابات 2005 لصالح محمود أحمدي نجاد في الساعات الأخيرة من فرز الأصوات، وكذلك الحال في الانتخابات الرئاسية العاشرة، وإعادة انتخاب أحمدي نجاد 2009، وأثناء الاحتجاجات التي أعقبت الانتخابات خرجت شعارات تندد بدور مجتبى خامنئي.

ويمتلك مجتبى مفاتيح وخيوط اللعب داخل إيران، فهو من أبلغ التلفزيون الإيراني بمقتل قاسم سليماني في العراق، وهو من وضع تكليفات تغطية مقتله واجتمع مع قيادات التلفزيون، وهو من السادة ويتمتع بنفوذ قوي في الداخل والخارج، لكن تقف أمام خلافة مجتبى لوالده مجموعة عقبات، منها أنه سيعيد الحديث عن “توريث ولاية الفقيه”، ورفض أنصار الخميني وعلى رأسهم حسن الخميني حفيد الإمام.

2- حسن الخميني: 

حسن الخميني هو الحفيد الشهير لمؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية آية الله الخميني، وابن أحمد الخميني، ووالدته فاطمة الطبطبائي ابنة آية الله سلطاني. ويرتبط بصلة قرابة مع عائلة الإمام موسى الصدر، وزوجته حفيدة آية الله العظمى الأصفهاني. ودرس الخميني في الحوزة العلمية بمدينة قم، وفي الوقت الحالي فإنه من المدرسين البارزين في حوزة قم.

عارض رئاسة أحمدي نجاد، وقاطع حفل تنصيبه، وعلَّق المراسم في ضريح جده الخميني، ويحظى بقبول كبير من الأوساط الإصلاحية وتيار الرئيس الراحل هاشمي رفسنجاني. وتكمن نقطة ضعفه الرئيسة في طبيعة علاقته بالحرس الثوري، وخلافه مع المرشد الحالي الذي رفض أهليته للترشح في الانتخابات الرئاسية الماضية حتى لا يقف أمام الرئيس الحالي إبراهيم رئيسي.

3- إبراهيم رئيسي:

رئيس الجمهورية الحالي، ومن الشخصيات الأوفر حظًا لتولي منصب المرشد أو لهندسة تعيين المرشد الجديد، وهو نائب رئيس مجلس الخبراء المعني باختيار المرشد، ورئيس السلطة القضائية السابق ويحظى بدعم من المرشد واحترام من التيار الأصولي والحرس الثوري.

انتخب في ظروف تشابهت مع الانتخابات الرئاسية في 1989، بشأن الوضع الصحي للمرشد وهو ما وصف في التحليلات بتكرار سيناريو المرشد، لكن بعد عام من توليه السلطة تعرض للعديد من الانتقادات داخل التيار الأصولي، لعدم حسمه العديد من الملفات على رأسها الاقتصاد والملف النووي.

لكن وصول رئيسي للسلطة يعد انتصارًا للتيار الأصولي على التيار الأصلاحي أو بمعنى أدق ساهمت هذه الخطوة في القضاء على طموحات التيار الإصلاحي للوصول لكرسي الرئاسة. وقد يتم اختياره لمنصب المرشد لما له من درجات دينية وعلمية وكونه سيد، وقد يساعد هو في تولي شخصيات توافقية أخرى المنصب من خلال تواجده داخل مجلس الخبراء.

4- آية الله أحمد خاتمي: 

خطيب جمعة طهران، ويحظى بقبول كبير داخل الأوساط الأصولية والحرس الثوري، وهو أيضا عضو في مجلس الخبراء ومدرس بالحوزة العلمية في قم، مواقفه السياسية تبرز تشدده حيال العديد من القضايا مثل تصريحاته الحادة تجاه قادة الحركة الخضراء واحتجاجات عام 2009، ولديه مقاربات متشددة تجاه القضايا الاجتماعية والحجاب الإجباري، ودخل في خلاف تاريخي مع الرئيس الإيراني الراحل هاشمي رفسنجاني حينما انتقد مبدأ وجود رقابة على عمل المرشد.

خلاصة القول:

تبقى جميع السيناريوهات مفتوحة في آلية اختيار مرشد محتمل خليفة لعلي خامنئي، ولكن تبقى الفرص الأكبر لصالح التيار الأصولي بسبب سيطرته على تركيبة مجلس الخبراء مما يزيد من فرص كلا من إبراهيم رئيسي ومجتبي خامنئي لمنصب المرشد وقد يشكل مبدأ “توريث ولاية الفقيه” عائقًا أمام مجتبى، وقد يحدث تغيير في طريقة انتقال السلطة حال اختلف مجلس الخبراء مع الحرس الثوري الذي يلعب دورًا في أية تطورات داخلية أو خارجية، أو مع المرجعيات الدينية في قم، وهو ما يدخل مستقبل ولاية الفقيه منعطفًا جديدًا.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/73045/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M