السندات الخضراء: ثورة في أسواق رأس المال المستدامة

غادة خديوي

 

السند الأخضر هو عبارة عن صك استدانة، وأداة من أدوات الاستثمار ذات الدخل الثابت، يصدُر للحصول على أموال مخصصة لتمويل مشروعات متصلة بالمناخ أو البيئة. وتستخدم عوائد تلك السندات في تمويل المشروعات الخضراء مثل مشروعات الطاقة النظيفة أو مشروعات النقل المعتمد على الكهرباء لمنع التلوث والزراعة المستدامة، ومصايد الأسماك والغابات، وحماية النظم الإيكولوجية المائية، والإدارة المستدامة للمياه. تتيح السندات الخضراء لمصدريها الوصول إلى مستثمرين جدد، وهو ما يجعل هؤلاء المصدرين أقل اعتمادًا على أسواق معينة، حيث تجتذب هذه السندات مستثمرين من القطاع الذي يركز على الاستثمارات المستدامة، وبالتالي فإنها تسهل تنفيذ البرامج البيئية.

بداية ظهور السندات الخضراء عالمياً

كان البنك الدولي أول جهة تصدر سندات خضراء، كان ذلك قبل اثني عشر عاماً عندما تم وضع المخطط الأول للاستثمار المستدام في الدخل الثابت، ومنذ هذا الوقت أصبحت السندات الخضراء أولوية استراتيجية للبنك الدولي لأنها تدعم جميع أهداف التنمية المستدامة.

اكتسبت السندات الخضراء مكانة بارزة في السنوات الأخيرة، وتعتبر من أكبر أنواع السندات نموا، حيث وصل حجم إصدارات هذه السندات خلال عام 2019 مبلغ 212 مليار دولار، مقابل مبلغ 150 مليار دولار عام 2018، بنسبة نمو 41%؛ وتعتبر فرنسا من أكبر الدول في إصدار السندات الخضراء، حيث أصدرت خلال عام 2019 سندات بقيمة 7 مليار دولار، تليها هولندا بقيمة 6 مليار دولار. وتعد نيجيريا أول دولة أفريقية تصدر السندات الخضراء، حيث أصدرت عام 2017 سندات بقيمة 30 مليون دولار.

شكل 1: اصدار السندات الخضراء بالعالم في 2019

في عام 2021 كان من المتوقع أن ترتفع الإصدارات العالمية من السندات الخضراء والاجتماعية والمستدامة بنسبة 24٪ لتصل إلى 400 مليار دولار ، حيث  بلغتقيمة السندات الخضراء المصدرة فقط خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2020 ما قيمته 300 مليار دولار ، ولكن مع انتشار فيروس كوفيد-19 والتداعيات السلبية له، انخفضت قيمة إصدارات السندات الخضراء بنسبة 36٪ مقارنة بالعام السابق، لتقف عند 66.6 مليار دولار أمريكي مقارنة بـ 261.9 مليار دولار أمريكي في نفس الفترة من عام 2019.

مصر والسندات الخضراء 

بعد توقيع الدولة المصرية لبروتوكول كيوتو في عام 1999، كان يفترض لمصر أن تبدأ في التوجه لتجارة الانبعاثات الكربونية إلا أن أولى خطوات التدشين لم تبدأ إلا في عام 2010، لكن الخطوات التي تلت ذلك كانت بطيئة نتيجة عدم الاستقرار السياسي والاقتصادي وقلة الخبرة، واستمر هذا الوضع حتى عام 2018 حين أعلنت وزارة البيئة المصرية استعدادها لإطلاق أول سوق وبورصة لتجارة الانبعاثات وشراء الأرصدة الائتمانية الكربونية في شمال إفريقيا والشرق الأوسط.  وتُعرف بورصة الكربون بأنها بورصة يتم من خلالها شراء وبيع رخص الكربون لتمكين الدول والشركات والأفراد من الوفاء بالتزاماتهم بتخفيض الانبعاثات حسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، واتفاقية كيوتو لتغير المناخ.

وتتضمن تجارة الكربون سوقًا عالمية فيها أسعار محددة للطن الذي يتم إنتاجه من قبل الدول الصناعية الكبرى كثمن للتصدي لكارثة بيئية واقتصادية تتسبب فيها. وهنا يكون البائع من الدول أو الجهات ذات الانبعاثات المنخفضة، والمشتري صاحب الانبعاثات المتزايدة. ويعتمد السعر على آلية ‏العرض والطلب، وتخصيص حد أقصى للانبعاثات من الشركات، وعليها شراء “أرصدة كربونية” إذا أرادت تجاوز المسموح به.

ورغم توقعات المحللين بانخفاض معدلات نمو سوق الأرصدة الكربونية حول العالم لهذا العام، بعد أزمة تفشي وباء فيروس كورونا المستجد، والاتجاه السياسي المتوقع للدول الصناعية الكبرى بالتركيز على إنعاش الاقتصاد والإنتاج الصناعي كأولوية على حساب المحافظة على البيئة؛ إلا أن السوق المصرية للسندات الخضراء تهدف لأن يكون استثمارًا ناجحًا طويل المدى. وقد يكون هذا المشروع هو الأهم في سلسلة التغيرات في السياسات البيئية للدولة المصرية خلال العقد الأخير، ليفتح مجالات استثمارية جديدة في أنشطة الطاقة والنقل والتصنيع والزراعة العضوية في كل المنطقة.

تستخدم عائدات بيع السندات الخضراء وبورصة الكربون في تمويل مشروعات صديقة للبيئة، وضمن خطة مصر الاقتصادية صرحت وزيرة البيئة المصرية أن الحكومة وافقت على 691 مشروعًا صديقًا للبيئة في قطاعات مختلفة مثل الطاقة المتجددة والمياه والنقل ضمن خطة العام الحالي 2020/2021 بتكلفة 447.3 مليار جنيه.

شكل 2: أعداد وتكلفة المشروعات الاستثمارية الخضراء بمصر

المصدر: https://www.egyptinfographic.com/archives/3178/

ومن خلال الشراكات الدولية تم إبرام اتفاقيات بقيمة 3.2 مليار دولار للقطاع الخاص خلال عام 2020، كما ساهم شركاء التنمية في تمويل مشروعات تعزز الاقتصاد الأخضر مثل محطة بنبان للطاقة الشمسية، ومحطة مياه المحسمة وغيرها.

وأشارت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية إلى انخفاض العجز التجاري من المنتجات الخضراء إلى 8.51 مليار دولار مقارنةً بعجز بلغ 13.6 مليار دولار عام 2015، وارتفاع نسبة تغطية الصادرات والواردات إلى 32.4% عام 2019 مقارنةً بنسبة بلغت 11% عام 2015، لافتةً إلى أن نسبة الصادرات الخضراء تمثل 13.3% من جملة الصادرات المصرية في 2019، في حين تمثل الواردات الخضراء نسبة 16% من جملة الواردات المصرية خلال ذات العام، ويُشار إلى أن المنتجات الخضراء يُقصد بها السلع التي تستهدف حماية البيئة والمناخ، ويتم تداول تجارتها على المستوى الدولي.

إصدار أول طرح للسندات الخضراء

في 15 اكتوبر 2020، نجحت وزارة المالية المصرية في إصدار أول طرح للسندات الخضراء السيادية الحكومية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، بقيمة ٧٥٠ مليون دولار لأجل خمس سنوات بسعر عائد ٥,٢٥٠٪، بما يضع مصر على خريطة التمويل المستدام، فيما يعد أول إصدار سندات خضراء سيادية يدرج ببورصة لندن والأكبر بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

جدول 2: توزيع المحفظة الاستثمارية للمشروعات الخضراء المؤهلة في مصر 2020 

ماذا بعد أول إصدار للسندات بمصر

تزايدت الطلبات على السندات الدولية الخضراء التي تطرحها مصر مما زاد ثقة المستثمرين في الأوضاع الاقتصادية بمصر، وفازت مصر بعدد من المزايا أهمها:

الإقبال من المستثمرين ساعد في خفض الفائدة بـ ٥٠ نقطة أساس مقارنة بالأسعار الافتتاحية.

تجاوزت طلبات الشراء «حجم الإصدار المعلن» 7.4 مرة وتخطت «الحجم المقبول» ٥مرات.

موافقة الهيئة العامة للرقابة المالية على أول إصدار من السندات الخضراء للشركات في مصر بقيمة 100 مليون دولار للبنك التجاري الدولي -مصر بالتعاون مع مؤسسة التمويل الدولية، حيث سيتم توجيه حصيلة الإصدار لتمويل مشروعات بيئية من شأنها استعمال الطاقات النظيفة والتخفيف من العوامل التي تؤدي إلى ارتفاع حرارة الأرض في عدد من المشاريع الخضراء القائمة بما في ذلك المباني الخضراء والطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة ضمن محفظة الإقراض للبنك.

تم الإشارة إلى مبادرة هيئة الرقابة المالية لمنح حوافز للسندات الخضراء وتعزيز الترويج لإصدارها بإعفاء مصدري السندات الخضراء من 50% من إجمالي مقابل الخدمات والفحص بالهيئة، وتشجيع الشركات-بالقطاع الخاص-الأخرى على استخدام السندات الخضراء كأدوات مالية يمكنها تحقيق التوازن بين العوائد المالية، وتعزيز الأثر البيئي، والاستفادة المثلى من الموارد الطبيعية.

فوائد و مزايا السندات الخضراء

من أهم المزايا التي ستسهم في جذب المستثمر للسندات الخضراء حصول المستثمر على حوافز الإعفاء من الضرائب، وبذلك يساعد على زيادة الطلب على هذه السندات، بما يُخفِض من تكاليف الاقتراض من جانب مصدري السندات، ويتيح لمصدريها الوصول إلى مستثمرين جدد، ويسهم في جعل هؤلاء المصدرين أقل اعتماداً على أسواق معينة.

كما أن تنوع السندات في المحفظة الاستثمارية يقلل من المخاطر التي يتعرض لها المستثمرين، مما يتيح الفرصة لتحقيق دخل ثابت، بالإضافة إلى أنها أصبحت أداة فاعلة في زيادة الوعي بالبرامج البيئية للمصدرين، فإنها أيضا تسمح للمستثمرين بالمشاركة الإيجابية في خلق اقتصاد يواجه المخاطر البيئية ويبتكر أنشطة تدعم البيئة والمناخ

التحديات التي تواجه السندات الخضراء 

تواجه السندات الخضراء مجموعة من التحديات التي من الممكن ان تسهم في بطء نموها وضعف انتشارها ومنها:

ضعف مقاييس التقييم الدولية مما يسمح بتصنيف بعض السندات على أنها خضراء ويتبين أنها ليست “خضراء”، مما يؤثر سلباً على ثقة المستثمرين.

الخطر الرئيسي للسندات هو نقص السيولة وعدم قدرة الشركة المصدرة للسند على دفع العوائد بانتظام أو رد المبلغ الأصلي عند الاستحقاق.

عدم وجود تعريف واضح للسندات الخضراء فقد لا يعرف المستثمرون بالضبط إلى أين تذهب أموالهم، مما يعني أنه من المحتمل استخدامها في أغراض خاطئة.

تحديات تتعلق بانخفاض أسعار النفط، مما يترتب عليه انخفاض ​​الطلب على الطاقة البديلة.

وأخيرا لا تزال السندات الخضراء في طور التجريب رغم أهميتها، إلا انها حفزت التفكير في التحول الطاقي والوصول للحياد الكربوني التي تنادي به الدول حاليا، وأصبحت وسيلة لتحقيق استثمارات في سندات متخصصة بالمشروعات البيئية، نظرا لأن تغير المناخ يتطلب تحولًا أكبر في أنماط الاستثمار نحو التنمية منخفضة الكربون و ضرورة تحويل الاقتصاد إلى اقتصاد أخضر من خلال تمويل المشاريع الخضراء وبتحقيق عائد استثمار مرتفع.

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/17399/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M