على رقعة الشطرنج.. تحركات تكتيكية لأمريكا والصين لتبريد الجبهات الساخنة

نرمين سعيد

 

على طريق شديدة الوعورة انطلقت أول قمة افتراضية منذ تولي جو بايدن منصبه في يناير الماضي مع نظيره الصيني، إذ أكد الرئيسان على تعزيز التعاون في المجالات المختلفة ومحاولة وضع حد للتحديات وإن كان البعض وصف أن أقصى الطموحات حول هذه القمة، لا يتضمن وضع حد للتحديات وإنما مجرد تبريد مؤقت لجبهات الصراع الساخنة بين البلدين والتي يعد أبرزها في الفترة الأخيرة “المناخ وتايوان”.

حيث تعد بكين من أكثر الدول تلويثًا للكوكب ومسؤولية عن الانبعاثات الكربونية بسبب استخدامها للفحم، في حين يظهر صراع بين واشنطن وبكين بشأن الجزيرة التايوانية التي تتعارض مصالحهما فيها. أما حساسية التوقيت فيمكن إرجاعها إلى أن القمة جاءت في أعقاب توقيع بايدن على قانون يهدف إلى منع شركات مثل “عملاق الاتصالات” هواوي من الحصول على تراخيص معدات جديدة من المنظمين الأمريكيين، في أحدث جهود واشنطن لقمع شركات التقنية الصينية.

القمة التي انطلقت في الساعات الأولى من صباح اليوم الثلاثاء واستمرت لمدة ثلاث ساعات على غير المتوقع، لم تنجح في تحقيق اختراق في أي من الملفات المهمة مثل تايوان وحقوق الإنسان، وإن كانت بكين وافقت على السماح للمسؤولين أمريكيين بالنفاذ للأراضي الصينية وهو ما يعد الاتفاق الوحيد الملموس الذي نتج عن القمة، ولكن في نفس الإطار كانت هناك بعض التهديدات التي يمكن لمسها والمتعلقة باحتدام الصراع بشأن تايوان، ووصلت إلى الحد الذي حذرت فيه الصين – الولايات المتحدة علانية من ” اللعب بالنار” ومحاولة العبث بفكرة الوحدة الصينية، وفي هذا الإطار أكد الجانب الأمريكي أنه يعلي من مبدأ وحدة الصين ولكنه في نفس الوقت يرفض أية محاولة لتغيير قواعد اللعبة في تايبيه عن طريق سياسات أحادية.

خلافات متشعبة

على الطريق الوعرة بين القطبين الأقوى في العالم، تواجه واشنطن ضغوطات من جهات كثيرة تتضمن إلغاء التعريفات الجمركية على بكين كإجراء في طريق تخفيف حدة التضخم، وما يثير بعض التفاؤل أن إدارة بايدن كانت قد توصلت إلى اتفاق مع الاتحاد الأوروبي يتضمن تخفيف العقوبات التي فرضت في فترة ترامب على الألمونيوم والصلب. كما تم التحذير من تباطؤ قطاع العقارات في الصين وتداعياته العالمية إذا تباطأ الاقتصاد الصيني بوتيرة أسرع من ذلك.

ومع تشعب الملفات الخلافية، بدا أن هناك توافقًا بين بكين وواشنطن فيما يتعلق بقضية المناخ، إذ تعهدت بكين خلال قمة جلاسكو بخفض الانبعاثات الكربونية، وعلى الرغم من ذلك فإن أزمة الطاقة العالمية لا تترك مساحة كافية لتوقعات متفائلة ومن انعكاسات ذلك أنه في الشهر الماضي، أمرت الحكومة الصينية مناجم الفحم في البلاد “بإنتاج أكبر قدر ممكن من الفحم” مع اقتراب فصل الشتاء، وفي نفس الإطار حث بايدن منظمة أوبك على ضخ مزيد من النفط، لتخفيف أسعار البنزين المرتفعة التي وصلت إلى مستوى قياسي في كاليفورنيا نهاية هذا الأسبوع.

وفي نفس السياق، يتخذ الرئيس الأمريكي جو بايدن موقفًا دفاعيًا مع تسارع التضخم المدفوع بارتفاع أسعار الطاقة، إذ يبقى اللجوء لاحتياطيات النفط فكرة مطروحة. وتظهر فكرة اللجوء لاحتياطيات النفط الاستراتيجية للمساعدة في خفض أسعار النفط الخام التي تحلق حاليًا فوق مستوى الـ 80 دولارا للبرميل.

كما يعد البحر الصين الجنوبي بؤرة أخرى لتوتر العلاقات بين البلدين، حيث تستغل واشنطن التوترات في تلك المنطقة لفرض وجودها وإن كانت تراجعت في الآونة الأخيرة، لأنها أدركت أن رفع حدة الاستفزازات في المنطقة ربما يؤدي لاندلاع حرب شاملة بينها وبين الصين، وفي حال حدوث ذلك فلن يؤيدها في حربها سوى الهند واليابان لتقليدية الحالة العدائية بينهما وبين الصين، وإن كان تأييدهم لواشنطن غير مُسلم به وهو أمر ينبغي التنويه له.

على صعيد آخر وكما سبقت الإشارة، فإن واشنطن تجد أن بكين تشكل تهديدًا لأمنها من الناحية التكنولوجية، فقد وافق الكونجرس الأمريكي في يونيو الماضي على قرار تاريخي بموازنة تبلغ 250 مليار دولار لمواجهة التهديد التقني لبكين، وهو ما وصفته الأخيرة بأن الولايات المتحدة مصابة بـ “جنون العظمة”. وقد جاءت الموافقة على الموازنة التاريخية بعد أن أصدر الرئيس الأمريكي أمرًا مباشرًا يوسّع الحظر المفروض على استثمار الأمريكيين في الشركات المرتبطة بالجيش الصيني.

ويلحق بهذه القضية الشائكة أزمة القرصنة الإلكترونية، حيث وجهت واشنطن اتهامات للحكومة الصينية بالتستر على من قاموا بأعمال القرصنة ضد الشركات الأمريكية، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك عندما أشارت إلى أن الحكومة الصينية ربما تكون قد وفرت لهم الإمكانات والبيئة المناسبة لشن هجماتهم.

وفي ملف حقوق الإنسان، تبرز قضية إقليم شينج يانج وممارسات الصين فيها كأهم الملفات العالقة بين البلدين، وقد وجه بايدن انتقادات صريحة للصين إبان حملته الانتخابية في هذا الشأن على وجه التحديد، ووصفها بأنها عملية إبادة جماعية وإلى جانب ذلك تنتقد واشنطن القمع الذي تمارسه بكين في هونج كونج، في الوقت الذي تصدر فيه الصين تقارير مضادة تسلط الضوء على التدخلات الأمريكية في الشؤون الصينية.

بكين.. الأقوى

في القمة الافتراضية شارك الرئيس الصيني مدفوعًا بقوة أعظم من تلك التي تمتع بها الرئيس الأمريكي خلال ذات اللقاء، ويمكن إرجاع ذلك إلى اختتام اجتماعات الحزب الشيوعي الصيني في الحادي عشر من نوفمبر الجاري والتي أسفرت عن تأييد ضخم للرئيس الصيني الذي بدأت ولايته لمنصبه في عام 2012، بينما يدخل بايدن اللقاء وسط تراجع متزايد لشعبيته الداخلية، حيث وصلت إلى أقل معدلاتها في سبتمبر الماضي وناهزت 41% وانعكست في خسارة الديمقراطيين للانتخابات في ولاية فيرجينيا، مما أثار قلق الحزب الديمقراطي من خسارة انتخابات التجديد النصفي للكونجرس .

وفي الوقت الذي تعتمد فيه الصين سياسة الشراكات تستند واشنطن إلى استراتيجية التحالفات – الأمر الذي يمنح بكين نقطة قوى أخرى على الصعيد الخارجي؛ ذلك أن سياسة التحالفات ربما سقطت كتطبيق للمبدأ المتعارف عليه في العلاقات السياسية وهو أنه لا أصدقاء دائمون ولا أعداء دائمون، وإنما رقعة الشطرنج لا تتسع إلى تحركات تكتيكية تعتمد على الشراكات بين الفاعلين على الساحة الدولية، ومن هذا المنطلق ربما تقدم بكين غصن الزيتون لواشنطن وتوجه دعوة لرئيسها لحضور دورة الألعاب الشتوية، لأن المصلحة الحاكمة حاليًا هي تبريد الصفيح الساخن بين البلدين.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/64931/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M