الطائرات بدون طيار و”اتفاقيات إبراهيم”: آفاق جديدة لحفظ السلام في سيناء

أساف أوريون

 

لا تزال معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية ذروة الإنجازات الأمريكية في الشرق الأوسط، وقد لعبت “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” دوراً حيوياً في دعمها منذ عام 1982، من خلال بناء الثقة والتحقق من ظروفها الميدانية. إن استبدال مهام المراقبة المأهولة بطائرات بدون طيار ودعوة دول الخليج للمشاركة من شأنه أن يساعد على تحسين الأمن، وتقليل العبء والمخاطر الأمريكية، وتقليل التكاليف، وتعزيز هيكل السلام الإقليمي.

في شباط/فبراير 2020، أثارت قيادة البنتاغون إمكانية إنهاء المشاركة العسكرية الأمريكية في “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” (“القوة”)، وهي بعثة حفظ السلام الأساسية في شبه جزيرة سيناء. وفي الوقت الحالي على الأقل، توقف الحديث عن هذا الخطأ الذي قد يكون جسيماً، ولا سيما بعد “أنهاء فترة خدمة” راعيه الرئيسي وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر في تشرين الثاني/نوفمبر. ومع ذلك، تستحق التطورات الأخرى في البيئة الإستراتيجية لـ “القوة متعددة الجنسيات والمراقبون إعادة النظر، سواء لمواجهة التهديدات أو الاستفادة من الفرص الجديدة.

أولاً، صعّد تنظيم «الدولة الإسلامية» من حدة تحديه لسيطرة الحكومة المصرية في شمال سيناء. وشهد منتصف تموز/يوليو هجوماً مروّعاً ضد معسكر للجيش المصري في رابعة، أسفر عن سقوط عشرات الضحايا. وبعد ذلك استولى الجهاديون على خمس قرى في منطقة بئر العبد لعدة أشهر، وتسببوا بتشريد آلاف السكان وصدوا محاولات الجيش لطردهم. ومع تقدم تنظيم «الدولة الإسلامية» غرباً، سعى الجيش إلى تعزيز قناة السويس، وتطهير القرى التي تم الاستيلاء عليها، ومطاردة المتمردين، وهدم أوكارهم.

ويُفترض أن الحكومة الإسرائيلية وافقت على هذا الوجود العسكري المصري المتنامي، والذي يتجاوز بكثير قيود الانتشار في سيناء المنصوص عليها في معاهدة السلام لعام 1979. وعلى الرغم من التعاون غير المسبوق الذي اتسمت به العلاقات الأمنية الثنائية الأخيرة، إلا أن بعض قدامى المخابرات الإسرائيلية يخشون من أن الحشد العسكري المصري في سيناء يعكس هدفاً طويل المدى يتمثل في الاستعداد لحرب مستقبلية مع إسرائيل. ومن ثم، تبقى “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” أيضاً ذات أهمية كآلية لبناء الثقة بين أطراف المعاهدة من خلال جهود الاتصال والمراقبة، مع وضع خط أساس ظرفي مشترك لمناقشاتهم.

لماذا الطائرات بدون طيار؟

في الأشهر الأخيرة، حدّت التهديدات الأمنية ووباء “كوفيد-19” من قدرة “وحدة المراقبة المدنية” التابعة لـ “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” على تنفيذ مهام التحقق الميدانية. ومنذ عدة سنوات ترتكز مراقبة الوضع في سيناء وبشكل متزايد على الأصول الجوية لـ “القوة”: وبشكل خاص، 8 مروحيات عسكرية أمريكية من طراز “يو إتش-60 بلاك هوك” وطائرة حربية أمريكية من طراز “بيتش كرافت سي-12 هورون” وطائرة شحن من طراز “كاسا سي-295إم” من إيرباص تابعة للسلاح الجوي التشيكي. وفي حين أن هذه المراقبة الجوية المؤقتة تخفف جزئياً من المخاطر الأمنية، إلا أنها لا تنقل صورة واضحة نسبياً عما يجري. وعلى الرغم من أن المهام الجوية تواجه تهديدات أقل من الدوريات البرية، إلا أنها لا تزال تنطوي على مخاطر، حيث أشار الجهاديون في سيناء بشكل ينذر بالسوء إلى “طائرات الصليبيين” في منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

كما أن زيادة النشاط الجوي تزيد من مخاطر السلامة، نظراً لأن حوادث الطيران – مهما كانت نادرة – تؤدي عادةً إلى وفيات متعددة. ففي منتصف تشرين الثاني/نوفمبر، على سبيل المثال، تحطمت طائرة هليكوبتر تابعة لـ “القوة متعددة الجنسيات والمراقبون” في جزيرة تيران خلال مهمة لوجستية، مما أسفر عن مقتل سبعة من جنود حفظ السلام بشكل مأساوي: خمسة منهم أمريكيون وفرنسي وتشيكي واحد. وأسفر حادث سابق في أيار/مايو 2007 عن مقتل ثمانية جنود فرنسيين وكندي.

وفي ظل إدارة بايدن القادمة، سيواصل البنتاغون بلا شك إعادة تحديد معالم الوضع العسكري الأمريكي في الشرق الأوسط، مما يسمح له بتحويل ثقله نحو التحديات الناشئة من الصين. ويمكن ضمان بعض المرونة الدفاعية المرجوة من خلال الطلب من الشركاء الإقليميين تحمل بعض الأعباء – وهو خيار أصبح أكثر وضوحاً في أواخر العام الماضي بعد أن فتحت “اتفاقيات إبراهيم” المجال أمام مبيعات أسلحة كبيرة. وكما غرد السفير الإماراتي في واشنطن يوسف العتيبة، “إن حزمة طائرات «أف-35»… تُمكّن الإمارات من تحمّل المزيد من العبء الإقليمي للأمن الجماعي، مع تحرير الأصول الأمريكية لمواجهة تحديات عالمية أخرى”. ويمكن قول الشيء نفسه عن شراء أبو ظبي لطائرات مسلحة من طراز “إم كيو – 9 بي” بقيمة 2.9 مليار دولار. إن وضع مركبات جوية جديدة بدون طيار في أيدي الدول الشريكة ليس مجرد طريقة جيدة لتعزيز قدرات هذه البلدان وتعزيز الصناعات الدفاعية الأمريكية – بل بإمكانه أن يقلل أيضاً من حصة الصين في السوق فيما يتعلق بمبيعات الطائرات بدون طيار في المنطقة.

ويستدعي الوضع الناشئ إدخال طائرات بدون طيار خلال مهمات المراقبة الجوية التي تقوم بها “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون“. وقد تتمثل الفائدة الأكبر في تقليل التعرض للمخاطر بالنسبة لأطقم الطائرات والمراقبين، ومعظمهم مواطنين أمريكيينوستعمل الطائرات بدون طيار أيضاً على تحسين جودة الرصد بشكل ملحوظ من خلال تحسين قدرة المراقبة وتوفير وقت طيران أطول مقارنة بالطائرات الحالية ذات الأجنحة الدوارة والثابتة. وخلال السنوات الثلاث الماضية، استحوذت مهمات المراقبة الجوية معدلاً تراوح بين 35 و 40 في المائة من ساعات تحليق مروحية “يو إتش-60” في السنة، وبين 10 و 12 في المائة من ساعات تحليق طائرة “سي-12″، ونحو 25 في المائة من ساعات تحليق طائرة “سي-295” التابعة جميعها لـ”القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون“.

ومن شأن استبدال هذه العمليات التي ينفذها أفراد بمنصات آلية أن يقلّص التكاليف التشغيلية أيضاً. وتبلغ تكلفة ساعة الطيران النموذجية ما يقرب من 2000 – 3000 دولار للطائرات المأهولة مقارنة بحوالي 1000 دولار للطائرات بدون طيار. علاوة على ذلك، فإن استبدال مروحيات “يو إتش- 60” بطائرات بدون طيار في مهام المراقبة قد يسمح لـ”القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” بالاستغناء عن مروحيتين من المروحيات الثماني التابعة لها (إلى جانب أطقمها الجوية الأمريكية)، في وقت تواصل فيه المروحيات الست المتبقية مهمات الإجلاء الطبي الضرورية ونقل الجنود والشحن والقيادة والاتصال. ولتمكين مهام الطائرات بدون طيار، يمكن لـ “القوة المتعددة الجنسيات  والمراقبون إما الحصول على محطة أرضية وثلاث إلى أربع طائرات بدون طيار أو استئجار خدمات الطائرات بدون طيار من مقاولين خاصين.

الدور الخليجي

يمكن لدول الخليج، وخاصة الإمارات العربية المتحدة، تعزيز بنية السلام بين مصر وإسرائيل من خلال دعم “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” عبر وسائل تدريجية متعددة. وفي الطرف الأدنى من الطيف، يمكن للإمارات الانضمام إلى لائحة الدول المانحة لـ”القوة”، والتي تشمل فنلندا وألمانيا واليابان وهولندا والنرويج وكوريا الجنوبية والسويد وسويسرا والولايات المتحدة. وتضيف مساهمات المانحين حالياً ما يقرب من 4 ملايين دولار إلى ميزانية التشغيل السنوية لـ “القوة البالغة 75 مليون دولار، والتي يتم تقسيم تكلفتها بالتساوي بين مصر وإسرائيل والولايات المتحدة (للحصول على تفاصيل الميزانية الكاملة، راجع موقع “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون”). ويمكن لدولة الإمارات أيضاً التبرع لمشاريع محددة خاصة بـ “القوة، على غرار إضافة طائرة بدون طيار أو تحسين ظروف القوات. وبالإضافة إلى التمويل، قد يفكر الإماراتيون في إرسال ضباط إلى مناصب أركان “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون”، بما في ذلك الأفراد المرتبطون بالطائرات بدون طيار.

وعلى نطاق أوسع، قد تعتبر دول الخليج أن “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” هي فرصة جيدة لكسب نقاط بنظر واشنطن، وتعزيز شراكاتها الدفاعية مع مصر وإسرائيل، والمساهمة في الاستقرار الإقليمي. ولكن قد يشير المراقبون الذين يدركون الوضع جيداً، وهم محقون بذلك، إلى الحساسيات الإقليمية المحتملة التي قد تترتب على السماح لدول الخليج بالمشاركة في مهمة حفظ السلام في سيناء أو إدخال تقنيات جديدة إلى ذلك المسرح. وكانت القاهرة مترددة تقليدياً في النظر في أي من هذه التغييرات، ويرجع ذلك جزئياً إلى المخاوف من التجسس عليها (مما يعكس المخاوف الإسرائيلية بشأن الحشد العسكري المصري). ومع ذلك، يبدو الآن أن مصر تواكب العصر. فمنذ عام 2015، سمحت لـ”القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” باستخدام كاميرات التحكم عن بعد ومنظومة “سي-رام” المضادة للصواريخ لتعزيز حماية القوات الأمريكية، وهذه الحاجة نفسها يجب أن تكون المحرّك الرئيسي للسماح لـ “القوة” بنشر الطائرات بدون طيار. وقد يساهم الحفاظ على الاتصال لتبادل المعلومات بين الأطراف المصرية ووضع تدابير أمنية ومراقبة أخرى في تبديد مخاوف القاهرة بشكل أكبر بشأن مشاركة دول الخليج والطائرات بدون طيار.

ومن الناحية الاستراتيجية، سبق لمصر أن أثبتت مقاربتها الإقليمية إزاء الأمن التعاوني من خلال منح الطائرات الإماراتية نفاذاً إلى القواعد الجوية لضرب خصوميهما المشتركين في ليبيا. والأهم من ذلك، أفادت بعض التقارير، أن حملة القاهرة القائمة منذ مدة طويلة لمكافحة الإرهاب ضد متمردي تنظيم «الدولة الإسلامية» في سيناء تمتعت بدعم من سلاح الجو الإسرائيلي (بما في ذلك الطائرات بدون طيار)، وربما الطائرات الإماراتية بدون طيار أيضاً.

وعلى الصعيد الدبلوماسي، كانت الأطراف على استعداد ظاهرياً للتعاون الأمني ​​الإقليمي في سيناء قبل سنوات من “اتفاقيات إبراهيم”. ففي عام 2017، وافقت مصر على نقل جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية رغم المعارضة الشعبية، في حين وافقت الرياض على قيود المعاهدة في هذه الأراضي من سيناء، مما جعل المملكة تخضع للمراقبة المستمرة هناك من قبل “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون. بالإضافة إلى ذلك، تمتعت مصر بنحو 15 مليار دولار من المساعدات الاقتصادية من الإمارات منذ وصول السيسي إلى السلطة. وإذا أراد أي شخص دليل إضافي على هذه المصالح الإقليمية المتقاربة والرواد الجدد للترويج لها، فعليه فقط أن ينظر إلى زيارة الزعيم الإماراتي الشيخ محمد بن زايد لمصر في منتصف كانون الأول/ديسمبر، أو قرار أبو ظبي الأخير بالانضمام ​​بصفة مراقب إلى “منتدى غاز البحر الأبيض المتوسط” الذي مقره القاهرة.

الخاتمة

لا تزال معاهدة السلام المصرية-الإسرائيلية ذروة الإنجازات الأمريكية في الشرق الأوسط، وقد لعبت “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” دوراً حيوياً في دعمها منذ عام 1982، من خلال بناء الثقة والتحقق من ظروفها الميدانية. فبعد مرور أربعة عقود، يعتمد استمرار نشاط “القوة” على مدى قدرتها على الاستمرار في التكيف مع البيئة المتغيرة. وفي وقت تركز فيه الولايات المتحدة على المنافسة بين القوى العظمى، وتستعد فيه إدارة بايدن لبدء ولايتها، وتفتح فيه “اتفاقيات أبراهيم” آفاقاً جديدة أمام الأمن الإقليمي، فقد حان الوقت لتنشيط بنية السلام المصرية-الإسرائيلية من خلال شركاء جدد وتقنيات جديدة، وربما الإثنين سوية.

 

أساف أوريون هو “زميل ريؤفين الدولي” في معهد واشنطن والرئيس السابق لـ “القسم الاستراتيجي” في “مديرية التخطيط” في “هيئة الأركان العامة لجيش الدفاع الإسرائيلي”. وهذا المقال مخصص لقوات حفظ السلام في “القوة المتعددة الجنسيات والمراقبون” الذين ضحوا بحياتهم في المهمة ولعائلاهم ولرفاقهم الذين يقومون بالحراسة حالياً في سيناء.

 

رابط المصدر:

https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/altayrat-bdwn-tyar-watfaqyat-abrahym-afaq-jdydt-lhfz-alslam-fy-syna

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M