القمة الأمريكية الأفريقية: تحديات دولية وحلول أفريقية

محمد صبرى

 

لطالما كانت أفريقيا محط اهتمام واشنطن؛ تدرك الولايات المتحدة أن أفريقيا تعني المستقبل، لكنه ليس فقط مستقبل الشعوب الأمريكية، بل إنه مستقبل العالم. وعلى ما يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت تبدي اهتمامًا أكبر بالقضايا الأكثر إلحاحًا بالقارة، والتي تتمثل في: التنمية الاقتصادية، وحفظ الأمن وتعزيز عملية السلام، وإرساء قواعد الديمقراطية وحقوق الإنسان ودور المجتمع المدني، والسياسات الأفريقية تجاه أزمة المناخ، والتعليم، وغيرها من القضايا الأخرى.

ذلك الاهتمام الأفريقي جاء متسقًا مع التحول في الملف الاقتصادي الذي تشهده القارة، خاصة بعد إبرام اتفاقية التجارة الحرة الأفريقية التي أضحت المنطقة الأكبر عالميًا من حيث المساحة، والتي تطرح فرص استثمار وفيرة أصبحت محط اهتمام للشركات الأمريكية التي ترغب في لعب دور حاسم بها.

ما يميز أفريقيا عن غيرها من قارات العالم هي توقعات النمو المتسارعة؛ إذ إنه من المتوقع أن تكون 10 من دول القارة صاحبة الاقتصادات الأسرع نموًا في العالم خلال العقد القادم، وهو الأمر الذي يطرح تغيرًا جوهريًا من الناحية الديموجرافية؛ حيث ستتسع الطبقة المتوسطة بالقارة من 245 مليونًا إلى 380 مليون نسمة.

ذلك الارتفاع في مستوى الدخل سيزيد الطلب علي السلع والخدمات خاصة البنية التحتية والتي تتمثل في الإسكان الصحة والنقل والطاقة، وهو ما تعده الشركات الأمريكية فرصة للتوسع في استثماراتها بالقارة والفوز بالعديد من المشاريع. من جانب آخر، فإن تلك المحاولة الأمريكية هدفها احتواء التمدد الصيني السريع بالقارة والحضور الكبير على مستوى مشروعات البنية التحتية والتجارة.

تباطؤ التجارة

على الرغم من أن تجارة الولايات المتحدة الأمريكية مع قارة أفريقيا لا تمثل إلا 1% من حركة التجارة الأمريكية، فإن الولايات المتحدة لا تزال حريصة على عدم ترك ذلك المضمار خاليًا للصين؛ إذ تجاوزت صادرات الولايات المتحدة الأمريكية من السلع لأفريقيا 26.7 مليون دولار في عام 2021، لا يبدو الرقم كبيرًا في حال مقارنته بحجم التجارة لعام 2014 والذي بلغ 38.1 مليار دولار، يمثل ذلك الحجم أقل من 50% من إجمالي حجم التجارة بين الجانبين (تستورد الولايات المتحدة الأمريكية من أفريقيا بقيمة أكبر من صادراتها لها) حيث تبلغ إجمالي قيم التجارة 64.3 مليار دولار، وهو يمثل نصف قيمة التجارة التي تمت في عام 2008 والتي بلغت 141.9 مليار دولار.

يأتي ذلك التقلص في الدور الأمريكي بالقارة في وقت تشهد فيه حركة التجارة تطورًا بين أفريقيا ودول أخرى مثل الهند وتركيا والإمارات العربية المتحدة والصين، حيث أصبحت الصين الشريك التجاري الأول للقارة منذ عام 2009، حيث بلغت قيم تجارة الصين مع القارة 254 مليار دولار في عام 2021، وبما يمثل أربعة أضعاف تجارة الولايات المتحدة الأمريكية مع القارة الأفريقية. وكانت جائحة كورونا دفعة قوية لحركة التجارة مع الصين، حيث وفرت الصين معظم المستلزمات الطبية التي تطلبتها مواجهة الجائحة، يوضح الشكل التالي حجم التجارة بين الولايات المتحدة الأمريكية وقارة أفريقيا.

كان جزء كبير من الانهيار في التجارة الثنائية بين أمريكا ودول القارة مدفوعًا بانهيار مبيعات النفط والغاز في أفريقيا التي كانت أبرز صادرات القارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث حوّل حفر الصخر الزيتي الولايات المتحدة إلى دولة مصدرة للطاقة على مدى العقد الماضي. ومع ذلك، تحتفظ الولايات المتحدة بميزة تنافسية في المجالات الرئيسة، بما في ذلك: الوقود المكرر، والآلات، ومعدات النقل، والتكنولوجيا، والمواد الغذائية، في العام الماضي.

فرص استثمارية

تنظر الولايات المتحدة الأمريكية إلى أفريقيا الغنية بالمعادن والطاقة كفرصة استثمارية كبيرة في المستقبل؛ فالنمو السكاني المتزايد وانخفاض مستوى أعمار سكانها يمثل سوقًا استهلاكية كبيرة للسلع والخدمات الأمريكية، أما في حال إضافة الآثار الاقتصادية السلبية التي خلفتها الحرب الروسية الأوكرانية على قارة أوروبا، وتفكير العديد من الشركات التي كانت تتخذ من أوروبا مقرًا لها في مقار بديلة في مناطق جغرافية تبعد عن بؤرة الصراع، فإن أفريقيا مرشحة وبقوة أن تكون مصنعًا للعالم، وهو ما تعيه الولايات المتحدة الأمريكية جيدًا.

ويمكن الربط بشكل مباشر بين تلك القمة وبين السعي الأمريكي إلى تعزيز النمو الاقتصادي الشامل والمستدام في أفريقيا برعاية أمريكية؛ إذ يمكن استنتاج أن من بين الأهداف الأمريكية وقف الزحف الصيني بالقارة، وإيجاد مصادر بديلة للمعادن الروسية المهمة، خاصة بعد المقاطعة التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية وتحالف الغرب ضد روسيا، وتعطل سلاسل التوريد العالمية بفعل العقوبات الاقتصادية، خاصة مع توافر القدرة الأفريقية على إحلال تلك الموارد الروسية العملاقة.

أما عن حجم الاستثمارات الأمريكية بالقارة، وحيث أن الولايات المتحدة الأمريكية بطبيعة الحال صاحبة الاقتصاد الأكبر عالميًا، فهي تحتل نصيبًا كبيرًا من تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى القارة الأفريقية. لكن حتى ذلك الملف لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية فيه كسابق عهدها؛ فبعد ذروة التدفق الاستثماري الأمريكي للقارة في عام 2014 والذي وصل إلى 69.03 مليار دولار أمريكي، اتخذت تلك الاستثمارات مسارًا هابطًا خلال الفترة من 2014 وحتى عام 2020 لتصل إلى 44.56 مليار دولار، قبل أن يشهد العام 2021 تحسنًا طفيفًا عند مستوى 44.81 مليار دولار.

بصفة عامة تتلقى أفريقيا تدفقات استثمار أجنبي مباشر أقل من أي منطقة جغرافية أخرى بالعالم، وهو ما يجعلها متعطشة بشدة لأي استثمارات تتم بها؛ فعلى سبيل المثال شهد العام 2019 عقد عدد 107 صفقات في مجال الطاقة مع أفريقيا، و75 صفقة في النشاط التجاري والزراعي، وحوالي 54 صفقة في مجال الرعاية الصحية، و43 صفقة في صناعة تكنولوجيا المعلومات والاتصالات؛ بقيم إجمالية تقدر بنحو 50 مليار دولار أمريكي.

آفاق التعاون

تسعى إدارة بايدن في مخطط ميزانيتها للسنة المالية 2023 التي صدرت في مارس إلى الحصول على 249 مليون دولار لبرامج تغير المناخ -بزيادة قدرها 174 مليون دولار عن السنة المالية 2021- سيذهب حوالي 100 مليون دولار لمبادرة الطاقة لأفريقيا التابعة للوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، استمرارًا لمبادرة اتجاه الفريق الجديد لإعادة تصنيف برنامج بناء القدرات بين القطاعين العام والخاص.

تطلب الميزانية الجديدة أيضًا 20 مليون دولار لبرنامج “إفريقيا الرقمية” في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية. ويهدف هذا الجهد إلى “تعزيز نمو نظام بيئي رقمي أفريقي شامل وقادر على الصمود بقيادة المجتمعات الأفريقية ومبني على إنترنت مفتوح وقابل للتشغيل المتبادل وموثوق وآمن”. ويدور جزء كبير من تلك المنافسة حول الوصول إلى ما يسمى بالمعادن الحرجة في أفريقيا، والتي تعد مكونات أساسية للهواتف المحمولة وبطاريات السيارات الكهربائية. في الواقع، كانت السلعة المنفردة الأكثر قيمة في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة وأفريقيا العام الماضي هي صادرات جنوب أفريقيا بقيمة 3.5 مليار دولار من البلاتين، والذي يستخدم في تصنيع محطات توليد الطاقة الخالية من الكربون.

خلاصة القول، أخذًا في الحسبان سمات الاقتصاد الأفريقي سريع النمو، والتحولات الجغرافية الواسعة الناتجة عن ذلك النمو؛ فإن تلك السمات تطرح حقيقة أن قارة افريقيا ستمثل سوقًا هائلة للسلع الاستهلاكية، والتي ترغب الشركات الأمريكية أن يكون لها نصيب منها. ومن المتوقع أن يصل الإنفاق الاستهلاكي في أفريقيا إلى نحو 6.6 تريليونات دولار أمريكي بحلول عام 2030، وهو رقم يزيد عن اجمالي إنفاق عام 2014 البالغ 4.0 تريليونات دولار بحوالي 50 %.

تلك الحقائق جعلت من أفريقيا محط أنظار العديد من الدول المصدرة التي ترغب في الاستحواذ على نصيب أكبر من حصتها الحالية. لكن ليس ذلك فقط هو الهدف؛ إذ إنه من المرجح أن تتحول أفريقيا الغنية بالموارد الطبيعية التي تمثل مدخلات إنتاج، بالإضافة إلى انخفاض متوسط الأجور بها؛ إلى مصنع للعالم، يلبي احتياجاته ويعالج مشاكل سلاسل التوريد الحالية بالقطاع الصناعي؛ فأفريقيا لديها كل ما يحتاجه إنشاء القاعدة الصناعية (الموارد الطبيعية، والطاقة، والأيدي العاملة الشابة، والمساحات الجغرافية الشاسعة) لكنها تفتقر إلى رأس المال والتكنولوجيا، بينما تمتلك الولايات المتحدة الأمريكية رأس المال والتكنولوجيا، ومن ثم يمكن أن يسهم ذلك التكامل في تغيير وجه الصناعة العالمية بجعلها أكثر مرونة في مواجهة الأزمات الحالية.

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/74506/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M