اللاعبون القُدامى يعودون إلى المسرح: آفاق الوضع السياسي في باكستان بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة

  • مع أن شهباز شريف نجح في تشكيل حكومة اتحادية ائتلافية مع “حزب الشعب الباكستاني” وأحزاب صغيرة أخرى، لكن هذه الحكومة ستكون هشة وتعتمد على دعم الجيش، في حين أن الحكومات في الأقاليم تتسم بالقوة، وبخاصة حكومة إقليم خيبر بختونخوا التي تخضع لسيطرة حركة عمران خان.
  • في ضوء العلاقة الودية والمصلحية بين شهباز شريف وكبار قادة الجيش، سيواصل شهباز اتّباع املاءات الجيش، وسيوافق على تمديد خدمة رئيس أركان الجيش، ما سيمكّنه من الاحتفاظ بمنصبه رئيساً للوزراء لمدة 5 سنوات. 
  • بقاء حكومة حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف سيعتمد إلى حد كبير على عاملين: العلاقة بين حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية والجيش، والعلاقة بين حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية الباكستانية.

 

في 8 فبراير 2024، جرت الانتخابات التشريعية العامة، الاتحادية والإقليمية، في باكستان، حيث دُعي نحو 128 مليون ناخب إلى الإدلاء بأصواتهم في هذه الانتخابات لاختيار نواب البرلمان الاتحادي (266 مقعداً محل تنافس من إجمالي 336 مقعداً)، وأعضاء البرلمانات الإقليمية (593 مقعداً). وجاء تنظيم هذه الانتخابات في سياق تخلله سجن زعيم “حركة إنصاف الباكستانية”، عمران خان، بعد إطاحته من منصب رئيس الوزراء، والتضييق على حزبه إلى حد إجبار مرشحيه على المشاركة في الانتخابات بصفتهم مستقلين.

 

نتائج الانتخابات العامة وحسابات تشكيل الحكومة

تخلل عقد الانتخابات العامة الأخيرة في باكستان مزاعم بحدوث عمليات تزوير في أكثر من 92 دائرة انتخابية في أرجاء البلاد. فقد زعمت “حركة الإنصاف الباكستانية” بأنها فازت في أغلبية مقاعد هذه الدوائر، كما زعمت أحزاب سياسية صغيرة أخرى، مثل جمعية علماء المسلمين-فضل الرحمن”، و”التحالف الديمقراطي الكبير”، والأحزاب القومية البلوشية، فوزها في بعض تلك المقاعد.

 

وبحسب النتائج النهائية، فقد حصد مرشحو “حركة الإنصاف الباكستانية” العدد الأكبر من المقاعد (92 مقعداً)، في حين حصد حزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف” 80 مقعداً في البرلمان الباكستاني. وفاز “حزب الشعب الباكستاني” بزعامة بيلاول بوتو بـ 54 مقعداً، معظمها في إقليم السند.

 

يحتاج تشكيل الحكومة الاتحادية إلى 133 مقعداً، غير أنه لا يُمكن لأي حزب الحصول على مثل هذا العدد من المقاعد. وحاول “حزب الشعب الباكستاني” بادئ الأمر تشكيل تحالف مع “حركة الإنصاف الباكستانية”، لكن رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان رفض تشكيل ائتلاف حكومي مع أي حزب سياسي كبير، مثل حزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف”، و”حزب الشعب الباكستاني”؛ لذا، تمكّن حزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف”، و”حزب الشعب الباكستاني” إلى جانب أحزاب صغيرة مثل “الحركة القومية المتحدة-باكستان” (17 مقعداً)، و”حزب الاستقرار الباكستاني” (مقعدان)، وحزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية-قائد أعظم” (3 مقاعد)، و”الرابطة الإسلامية الباكستانية-ضياء الحق”، من ضمان 201 مقعد في البرلمان الباكستاني بعد توزيع المقاعد المُخصّصة للنساء والأقليات، ما يُشَكِّل أغلبية مُريحة للحكومة في مواجهة المُعارضة.

 

وتوافقت هذه الأحزاب أيضاً على مُعادلة لتقاسم السلطة فيما بينها، حيث يضمن حزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية- جناح نواز شريف” منصب رئيس الوزراء (اختير شهباز شريف لهذا المنصب للمرة الثانية بعد توليه نفس المنصب من أبريل 2022 إلى أغسطس 2023)، والمناصب التنفيذية والوزارات في الأقاليم. كما قدّم حزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف” دعماً انتخابياً لـ “حزب الشعب الباكستاني” للحصول على المناصب الدستورية مثل رئاسة الجمهورية (مُنِح المنصب إلى زعيم الحزب آصف علي زرداري، للمرة الثانية، بعد أن شغله من عام 2008 حتى 2013.)، ورئاسة مجلس الشيوخ.

 

وستشهد هذه المرحلة التعامل مع الكثير من القضايا المُهمّة مثل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي في مارس 2024، والإعلان عن الميزانية الاتحادية في مايو 2024 والتي لن تحظى بتأييد شعبي على الأرجح، وخصخصة مشاريع مملوكة للدولة خلال النصف الثاني من عام 2024. وقد ينضم “حزب الشعب الباكستاني” إلى الحكومة الاتحادية في المرحلة الثانية أي خلال النصف الثاني من عام 2025.

 

وشَكَّلَ “حزب الشعب الباكستاني” الحكومة في إقليم السند، وحكومة ائتلافية في إقليم بلوشستان. ويمتلك حزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف” حكومة قويّة للغاية في إقليم البنجاب. كما ضَمن حزب “حركة الانصاف الباكستانية” أغلبية الثلثين في برلمان إقليم خيبر بختونخوا، وشَكَّلَ حكومة قويّة للغاية هناك.

 

وطالبت الأحزاب السياسية الصغيرة مثل “الحركة القومية المُتّحدة”، و”حزب الاستقرار الباكستاني”، وحزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية-قائد أعظم” بحقائب في الحكومة الاتحادية، ومن المُرجّح أن تحصل على وزارة أو وزارتين فيها. وتحظى الحكومة الاتحادية من خلال مُعادلة تقاسم السلطة هذه ما يكفي من القوّة لتحمّل الضغوط السياسية والاقتصادية لبعض الوقت، لكنَّ استمرارها في الحكم لمدة 5 سنوات سيعتمد إلى حدٍ كبير على الدعم الضمني من جانب الجيش.

 

الأعضاء المنتخبون الجدد يؤدون القسم في المجلس التشريعي الإقليمي لجمعية خيبر بختونخوا الباكستانية، في بيشاور (AFP)

 

نفوذ الجيش

نما النفوذ السياسي للجيش الباكستاني على مدى عقود عدّة، غير أن موجة النفوذ السياسية الأخيرة للجيش تعود إلى عام 2011 عندما طُرحت “حركة الإنصاف الباكستانية” بديلاً عن حزبين سياسيين رئيسين هما حزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف”، و”حزب الشعب الباكستاني”. وحرص الجيش على إبراز عمران خان باعتباره “المُنقذ” الوحيد للبلاد.

 

غير أن افتقار خان للخبرة السياسية والحكم الرشيد، وخلافاته مع رئيس أركان الجيش السابق الجنرال قمر جاويد باجوا؛ كلها عوامل لم تُمكِّن خان من إكمال فترة ولايته. وبسبب الخلافات بين كبار قادة الجيش وعمران خان، فإن الجيش على الأرجح سيضمن بقاء خان في السجن، أو تحييده عن السياسة حتى منتصف 2025.

 

وهناك نقيضان في باكستان عندما يتعلّق الأمر بنفوذ الجيش؛ ففي الوقت الذي ما زال فيه الجيش يحظى بسيطرة قوية على مفاصل السلطة، بما في ذلك مفوضية الانتخابات والمشرفين على الانتخابات والإدارات في المقاطعات والشرطة والسياسيين والاعلام، غير أن التصوّر الشعبي حول دور الجيش تَغير كثيراً. لكنْ لا يمكن للتصور الشعبي وحده تغيير تدخّل الجيش في السياسة ما لم تبدأ حملة تحريض مُنظّمة بهذا الخصوص في إقليمي البنجاب وخيبر بختونخوا، وهو أمر غير مُرجّح الحدوث؛ لذا، يُمكن القول بأن الجيش الباكستاني سيواصل التدخّل في الشؤون السياسية في البلاد دون معارضة تُذْكَر من جانب أي شريحة في المجتمع.

 

آفاق الوضع السياسي الباكستاني بعد الانتخابات

1. تشكيل حكومات قوية في الأقاليم وحكومة اتحادية ضعيفة

تَتَمَثَّل إحدى النتائج المُهمّة للانتخابات الأخيرة في باكستان بتشكيل حكومات إقليمية قويّة وحكومة اتحادية ضعيفة. ويحظى حزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف” بأغلبية مريحة في إقليم البنجاب بما يزيد عن 190 مقعداً، في حين يحظى “حزب الشعب الباكستاني”، و”حركة الإنصاف الباكستانية” بأغلبية الثلثين تقريباً في إقليمي السند وخيبر بختونخوا؛ لذلك، ستحظى هذه الأقاليم بحكومات مستقرة لمدة خمس سنوات.

 

وتتوزّع المقاعد في إقليم بلوشستان إلى حد كبير بين ثلاثة أحزاب، هي: “حزب الشعب الباكستاني” (11 مقعداً)، وحزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية-نواز شريف” (10 مقاعد)، و”جمعية علماء المسلمين-فضل الرحمن” (9 مقاعد). وشَكَّلَ “حزب الشعب الباكستاني”، وحزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف” ائتلافاً في إقليم بلوشستان. وستُصبح الحكومة الاتحادية وحكومة إقليم بلوشستان أول ضحايا أي خلاف بين “حزب الشعب الباكستاني”، وحزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف” في المُستقبل. لكنَّ قيادة الجيش ستحاول ضمان وجود حكومة اتحادية وحكومة في إقليم بلوشستان تتمتعان بالانسجام والاستقرار من أجل إرساء الاستقرار في البلاد.

 

2. تحريض مُشترك للشارع

في الوقت الذي اكتملت فيه عملية تشكيل الحكومات في مُعظم أجزاء باكستان تقريباً، تلوح تحدّيات كبرى في الأفق السياسي للبلاد. وقررت “حركة الإنصاف الباكستانية” اتباع الاستراتيجية ذاتها التي انتهجتها عام 2014 لإثارة الرأي العام ضد الحكومة. وأعلنت الحركة منذ 8 فبراير 2024 مرتين عن الخروج في احتجاجات في أرجاء باكستان، وبخاصةٍ خلال إجازة نهاية الأسبوع. كما قرّرت الحركة تشكيل ائتلاف يضم الأحزاب السياسية التي تشعر بالاستياء، وتعتقد بأن الجيش سرق الانتخابات منها. وتشترك الأحزاب السياسية الصغيرة مثل “حركة لَبْيّك باكستان” في البنجاب، و”التحالف الديمقراطي الكبير” في السند وخيبر بختونخوا، والأحزاب القومية البلوشية في الرأي إزاء انتخابات 2024.

 

ويُشَكِّلُ إقليم البنجاب أرض المعركة بالنسبة لـ “حركة الإنصاف الباكستانية” لإثارة الشارع. وشكّلت الحركة لجنة تسعى إلى إقامة تحالف مع هذه الأحزاب السياسية الصغيرة من أجل القيام بمُهمّة مُشتركة لإثارة الرأي العام. ويُمكن لهذا التحالف تشكيل وضع محفوف بالمخاطر للحكومة الجديدة في باكستان التي ستبدأ في 11 مارس الجاري مُفاوضات مع صندوق النقد الدولي للحصول على حُزمة مُساعدات على مدى 3 سنوات.

 

ونظّم “التحالف الديمقراطي الكبير”، و”جمعية علماء المسلمين-فضل الرحمن” احتجاجات مُشتركة في إقليم السند بمشاركة أعداد ضخمة من العمّال. كما خرج كل من “حزب بلوشستان الوطني-منغال”، و”حزب عوامي بلوشستان”، و”حزب الهزارة الديمقراطي”، و”الحزب الوطني”، و”الحزب الوطني القومي البشتوني” إلى الشارع احتجاجاً على مزاعم بتزوير الانتخابات في أجزاء مُختلفة من بلوشستان. وضَمِن الجيش استبعاد الأحزاب القومية التي لها ارتباطات مزعومة بالمُسلّحين البلوش من البرلمانات الاتحادية والمحليّة. وخرجت هذه الأحزاب القومية في 16 فبراير باحتجاجات في أنحاء إقليم بلوشستان، وأعلنت عن إضراب كان ناجحاً بشكل كبير هناك. وعموماً، تحظى هذه الأحزاب السياسية بقوّة مُنظّمة في الأقاليم التي ينتمي إليها كل حزب في أرجاء البلاد، بحيث يُمكن لكل من هذه الأحزاب استخدام عدة أساليب، مثل الإضراب العام وإغلاق الطرق الرئيسة والخروج بمسيرات طويلة باتجاه العاصمة إسلام أباد. كما ستعمل مثل هذه الأساليب على زعزعة ثقة المستثمرين وإثارة تحدّيات اقتصادية للحكومة.

 

يُشَكِّلُ إقليم البنجاب أرض المعركة بالنسبة لـ “حركة الإنصاف الباكستانية” لإثارة الشارع ضد الجيش والحكومة الجديدة (AFP)

 

3. النزاع بين الحكومة المركزية وحكومة إقليم خيبر بختونخوا

يَتَمَثَّلُ التحدي الدستوري والإداري والسياسي الرئيس بعد تشكيل الحكومة الاتحادية بعلاقة هذه الحكومة مع حكومة “حركة الإنصاف الباكستانية” في إقليم خيبر بختونخوا. ونظراً لامتلاك الحركة أغلبية الثلثين في برلمان الإقليم، فإن بإمكانها تعيين رئيس الوزراء المُتشدّد علي أمين جاندابور المعروف بسلوكه العدائي. ويُمَثِّلُ تعيين جاندابور رسالةً واضحة إلى الحكومة الاتحادية والجيش بأن حكومة إقليم خيبر بختونخوا لن تتعاون مع المركز حول مُختلف القضايا المُهمّة. وستوفر حكومة إقليم خيبر بختونخوا الرعاية لاحتجاجات الرأي العام ضد الحكومة الاتحادية بزعامة “حركة الإنصاف الباكستانية”، والأحزاب السياسية المُتحالفة معها.

 

وقد أصبحت الحكومات في الأقاليم قويّة للغاية في أعقاب التعديل الدستوري الثامن عشر. وعلى سبيل المثال، كانت الحكومة الاتحادية الجديدة والجيش يُخطّطان لتقليص حصة الأقاليم من الأموال التي خصصتّها اللجنة الوطنية المالية واستخدام هذه الحصة لتسديد الديون. وسيتعيّن على الحكومة المركزية إقناع الحكومات في الأقاليم أولاً للقيام بذلك. ولن تقوم حكومات الأقاليم في كل من البنجاب والسند وبلوشستان بأي رَدّ فعل على هذا القرار، لكنْ من المُرجح ألّا تدعم حكومة إقليم خيبر بختونخوا هذا القرار الذي قد يُشَكِّل قضيّة دستورية/قانونية للحكومة الاتحادية.

 

ويعتمد الجيش عادةً وبقوة على حكومة إقليم خيبر بختونخوا في مُختلف العمليات الأمنية ومُكافحة الإرهاب في الإقليم. كما أن دعم الإدارة المحلية والشرطة (التي تخضع لحكومة الإقليم) مُهم بالنسبة للجيش في مواجهة التنظيمات الإرهابية. ويُمكن لغياب الدعم من جانب حكومة إقليم خيبر بختونخوا أن يقود إلى العديد من المشاكل التكتيكية للجيش في الإقليم.

 

وتمتلك الحكومة الاتحادية طُرقاً مُختلفة لمواجهة السلوك غير المتعاون من جانب حكومة إقليم خيبر بختونخوا، حيث يَتَمَثَّلُ أنجع هذه الطرق بإطاحة حكومة هذا الإقليم وفرض سلطة حاكم الإقليم بدلاً منها، الأمر الذي سيؤدّي إلى إنهاء حكم “حركة الإنصاف الباكستانية” في الإقليم. لكنَّ الحكومة الاتحادية لن تتّخذ هذا القرار إلا بعد استنفاد جميع وسائل التفاوض الأخرى من خلال لجنة التنسيق بين الأقاليم واللجان البرلمانية.

 

4. استدامة الحكومة الاتحادية

يتمثّل السؤال الرئيس فيما إذا كانت الحكومة الاتحادية ستتمكن من إكمال فترة ولايتها التي تمتد لخمس سنوات. وثمة أسباب عدة تدفع إلى الاعتقاد بأن الجيش يريد لهذه الحكومة أن تكمل فترة ولايتها، من أهمها:

 

  1. تتسم علاقة العمل بين قائد الجيش الفريق أول عاصم منيرورئيس الوزراء شهباز شريف بالود الكبير. ومن المُرجّح أن تؤدي هذه العلاقة الودية إلى تمديد فترة ولاية قائد الجيش من نوفمبر 2025 إلى نوفمبر 2028؛ وبالتالي، ستتمكّن القيادتان المدنية والعسكرية المتشابهتان في التفكير من العمل معاً حتى عام 2028.
  2. تعتقد القيادة العسكرية العليا في الجيش أن شهباز شريف، بوصفه إدارياً جيداً، قادرٌ على إنعاش الاقتصاد الباكستاني. فالجيش مُقتنع بأن شهباز شريف قد اكتسب الثقة للعمل بشكل وثيق مع المُجتمع الدولي، وبخاصة القيادة الصينية ومُجتمع الأعمال الصيني. وفي الواقع، بعد تعيينه رئيساً للوزراء، تلقّى شهباز شريف أول رسالة تهنئة من الرئيس الصيني، شي جينبنغ، ورئيس مجلس الدولة الصيني، لي تشيانغ، كلٌ على حدة.
  3. على عكس شقيقه نواز شريف، فإن شهباز شريف على استعداد لاستيعاب السياسات الخارجية والاقتصادية للجيش، كما أنه لا يُبدي أي امتعاض من التدخّل اليومي للجيش في الشؤون السياسية والاقتصادية. وعلى سبيل المثال، بينما كان نواز شريف يريد تعيين إسحاق دار في ذلك المنصب، فإن الجيش أراد تعيين محمد أورانجزيب وزيراً للمالية، وهو ما حصل. ومن ثم، يمكن القول إنه إذا استمر شهباز شريف في اتباع خيارات الجيش، ووافق أيضاً على تمديد فترة رئاسة الوزراء، فسيكون بإمكانه الاحتفاظ برئاسة الوزراء لمدة أربع أو خمس سنوات.

 

الاستنتاجات

أدت معادلة تقاسم السلطة في باكستان بين “حزب الشعب الباكستاني”، وحزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف” إلى إضعاف الحكومة الاتحادية، حيث سيظل اعتمادها على دعم الجيش طوال فترة توليها للسلطة. لذلك سيواصل الجيش الاستفادة من ضعف الحكومة الاتحادية، فعلى سبيل المثال، ضمن الجيش خلال المرحلة الأولى للإعلان عن تشكيل الحكومة الاتحادية تولي الموالين له بعض الوزارات الاتحادية المهمة، حيث سيتولى رئيس وزراء إقليم البنجاب السابق محسن نقفي منصب وزير الداخلية، ومحمد أورانجزيب (الذي يعمل في مجال المصارف) منصب وزير المالية. وهاتان الشخصيتان تفتقران لأي خلفية سياسية، إلى جانب عدم انتمائهما لـ حزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف”، وسيعملان على تنفيذ استراتيجية الجيش الأمنية والاقتصادية.

 

وستسعى الحكومة الاتحادية خلال الأشهر 12-14 الأولى لاستخدام “مجلس تسهيل الاستثمار الخاص”، ودعم الجيش الباكستاني، لتنفيذ عملية الاستقرار الاقتصادي. وستشهد هذه الفترة العديد من الإصلاحات الهيكلية مثل خصخصة المشاريع المملوكة للدولة، والإصلاحات الضريبية، وإعادة هيكلة برامج هيئة التمويل الوطنية. وتُعَدُّ خصخصة المشاريع المملوكة للدولة والإصلاحات الضريبية مهمة سهلة بالنسبة للحكومة الاتحادية بسبب دعم الأحزاب السياسية والجيش لها. لكنَّ إعادة هيكلة برامج هيئة التمويل الوطنية ستشكل تحدياً كبيراً للحكومة الاتحادية. فقد لا تسمح حكومة “حركة الإنصاف الباكستانية” في إقليم خيبر بختونخوا، وإلى حد ما حكومة “حزب الشعب الباكستاني” في إقليم السند، بخفض كبير في حصتيهما الاقتصادية.

 

وينْصَبُّ اهتمام واستراتيجية حزب “الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف” الرئيسين على استقرار الاقتصاد الباكستاني، وتحسين الوضع المعيشي للشعب. كما يرغب الحزب من خلال العمل بفاعلية على المستوى الوطني، ومع إقليم البنجاب، في استعادة شعبيته. لكنْ خلال عملية إرساء الاستقرار الاقتصادي في باكستان ستجد الحكومة نفسها مضطرة لفرض الضرائب ورفع أسعار الكهرباء والغاز، الأمر الذي قد يؤدي إلى تراجع شعبية هذه الحكومة في أوساط الشعب.

 

ومن المُرجّح جداً أن تُكمل الجمعية الوطنية الباكستانية ولايتها، ولكن الغموض سيدور حول بقاء حكومة حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف. وتعتمد الحكومة على حصول حزب الشعب الباكستاني على 74 مقعداً من بينها 54 مقعداً عاماً، في حين خُصِّصَ 20 مقعداً للنساء والأقليات. وفي عام 2017، وقع حادث مُماثل في بلوشستان، حيث أطاح حزب الشعب الباكستاني بدعم من الجيش بحكومة بلوشستان التابعة لحزب الرابطة الإسلامية الباكستانية – جناح نواز شريف؛ وبالتالي، فإن بقاء حكومة حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف سيعتمد إلى حد كبير على عاملين: العلاقة بين حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية والجيش، والعلاقة بين حزب الشعب الباكستاني وحزب الرابطة الإسلامية الباكستانية.

 

ختاماً، ستظل الحكومة الاتحادية هشّة، وتعتمد على الأحزاب السياسية الأخرى، بالإضافة إلى الدعم الضمني من الجيش. ومن المتوقع أن تتمكّن حكومة حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف من الصمود لمدة تتراوح بين عامين إلى ثلاثة أعوام، على الرغم من التحدّيات السياسية وغير السياسية المختلفة التي تواجهها. ويُمكن أن يكون التغيير الداخلي مُمكناً بعد 2-3 سنوات مع قيام حزب الشعب الباكستاني بدور قيادي في الحكومة.

 

وللتخفيف من حدة الاحتجاجات الشعبية، وبخاصةً احتجاجات حركة الانصاف الباكستانية في الشوارع، سيواصل الجيش وحكومة حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف استخدام تكتيكات مناهِضة. ويُعدّ تعيين رئيس الوزراء السابق، مُشين نقفي، وزيراً للداخلية الاتحادية إشارة واضحة من الجيش بأنه لن يسمح لحركة الانصاف الباكستانية بالاحتجاج على تزوير الانتخابات؛ فمُشين نقفي معروف في البنجاب بأنه مسؤول لا يرحم، وسبق أن اعتقل بدعم ضمني من الجيش أكثر من 6000 عامل من حركة الانصاف الباكستانية، وأكثر من 300 من قادة الحركة في إقليم البنجاب قبل الانتخابات العامة 2024. ومن ثم، سيُحاول الجيش وحكومة حزب الرابطة الإسلامية الباكستانية-جناح نواز شريف قمع حملة التحريض التي تقوم بها حركة الانصاف الباكستانية في الشارع لضمان ألّا تُزعزع الاحتجاجات الاستقرار الاقتصادي في البلاد خلال العامين المُقبلين.

 

المصدر : https://epc.ae/ar/details/scenario/afaq-alwade-alsiyasi-fi-bakistan-baed-alaintikhabat-altashrieia-alakhira

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M