المرجع الأعلى في إيران

بهاء النجار

ربما غير متعارف مصطلح (المرجع الأعلى) إلا في العراق ، وبالتالي فقد يكون غريباً إذا رُبِط بإيران ، وإذا عرّفنا (المرجع الأعلى) بأنه المرجع الذي يرجع إليه أغلب المقلدين فإننا سنعرف ينطبق هذا التعريف على أي المراجع في إيران ، وقد أخبرني أحد الإخوة المقيمين في إيران أن أغلب الإيرانيين يرجعون في التقليد الى الشيخ العارف محمد تقي بهجت قدس سره الشريف ، طبعاً ذلك قبل وفاته ، وقد توزع مقلدوه بعد وفاته الى مجموعة من المراجع الأحياء بحسب قناعة كل شخص بانطباق صفات المرجعية على أي من المراجع .
ولكن ما لفت انتباهي أن الشيخ بهجت قدس سره ليس هو ولي أمر المسلمين في إيران ، وإنما الولي الفقيه هو السيد الخامنئي ، رغم أن الشيخ بهجت أكبر سناً وأقدم حوزوياً ومع هذا كانت القيادة بيد السيد الخامنئي ، بل إن السيد الخامنئي لم يطرح رسالة عملية بل وحتى اجتهاده كانت هناك آراء مختلفة فيه ، وبالتالي قد يثير ذلك تساؤلاً أليس (المرجع الأعلى) باعتباره أكثر المقلدين اتباعاً يجب أن يقود الدولة ويلي أمر المسلمين ؟! يبدو الأمر غير كذلك ، لأن المرجعية شيء وولاية الفقيه شيء آخر ، فلو فرضنا أن (المرجع الأعلى) هو من يقود البلاد وهو لا يمتلك الخبرة السياسية التي وفقها يقرر القرارات الإستراتيجية التي تخدم الأمة فكيف ستكون النتيجة ؟! أو أن (المرجع الأعلى) تولى قيادة الأمة ولا يمتلك الشجاعة في اتخاذ مواقف حاسمة ومصيرية لا تضر بمستقبل الأمة ويتعامل مع المتغيرات بمرونة من دون تجاوز حدود الشريعة فما حال الأمة عند ذلك ؟!
نسنتنج أن المرجعية ممكن أن تكون بيد مرجع وولاية الفقيه بيد آخر – طبعاً بشرط أن يكون مجتهداً – وإن كان في ذلك آراء مختلفة بين الفقهاء ، فإذا كان معيار التفاضل في المرجعية هو الأعلمية في حقول الدين مثل الفقه والأصول والتفسير وغيرها فإن معيار التفاضل في ولاية أمر الأمة هو الحنكة والخبرة السياسية والقدرة على تحمل ضغوط وأعباء هموم الأمة ومعرفة طموحاتهم وأهدافهم ، فإن كان المرجع الأعلم هو نفسه الأقدر على ولاية أمر الأمة وقيادتها فهو خير الخير ، أما إن لم يكن كذلك فتكون الولاية بيد الأقدر عليها ، وبحسب ما يروى فإن السيد الخميني لم يكن الأعلم من بين المراجع .
إن المرجع قد تكون له نظريات ورؤى سياسية رصينة ولكنه قد لا يقدر على تطبيقها عملياً وقد يفشل في ذلك لو وُلّي الأمر ، أما الولي فله القدرة على ذلك فإذا دعم (المرجع الأعلى) الولي الفقيه بنظرياته ومواقفه وأيده بما يمتلك من سلطة روحية وتأييد شعبي تمكن الفقيه الولي أن يقوم بمهامه على أحسن وجه وسيكون النجاح للأمة قبل أن تكون للفقيه ، بل إن الولي الفقيه لا يستطيع أن يعارض (المرجع الأعلى) لأن الأخير بيده الجماهير ويستطيع أن يرفع التأييد عن الأول فتسقط شرعيته ، ولا نتوقع من (المرجع الأعلى) أن لا يفكر بغير مصلحة الأمة ولا نتوقع من الولي الفقيه ذلك أيضاً ، لذا فأي اعتراض من (المرجع الأعلى) على نهج الفقيه الولي سيكون بالتأكيد ضمن مصلحة الأمة .
وكان الشيخ بهجت قدس سره – بحسب ما نقل لي أحد الإخوة المهتمين بحياة العارفين – أيام انتصار الثورة الإسلامية يزوّد السيد الخميني قدس سره بأذكار وأدعية خاصة سهّلت مهمته في تحقيق الانتصار ، وللسيد الخميني قدس سره مقولة بحق الشيخ بهجت قدس سره يقول فيها : إن الثورة الإسلامية انتصرت بدعاء الشيخ بهجت ، من هؤلاء العمالقة الأفذاذ نتعلم كيف تكون القيادة وكيف يسند أحدهما الآخر وكيف يعرف كل شخص مسؤوليته وحدودها ، وكل يحترم الآخر ويدعمه ويسنده كي تنتصر كلمة الحق وتبقى هي العليا .

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M