المشهد الليبى وفرص تجاوز الأزمة

وفاء صندي

 

لايزال المشهد السياسى الليبى يشهد الكثير من التعقيدات بسبب وجود حكومتين متنافستين، مادام رئيس حكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، عبد الحميد الدبيبة، لا يريد التخلى عن السلطة فى طرابلس، بينما لم يتمكن رئيس الحكومة المكلفة من مجلس النواب، فتحى باشاغا، من الدخول إلى العاصمة الليبية. أما الدول الغربية فهى تساند على استحياء حكومة الدبيبة باعتبارها نتاج ملتقى الحوار الوطنى الذى توافق عليه الليبيون فى السابق وحظيت حينها بدعم المجتمع الدولي. لكن مع اقتراب نهاية شهر يونيو، فمن المتوقع أن تزداد الأمور تعقيدا لمجموعة من الأسباب:

أولا: بعد اقل من أربعة اسابيع لن تكون لجميع الهيئات التنفيذية التى خرجت من منتدى حوار جنيف للأمم المتحدة شرعية. قرب انقضاء مدة خريطة الطريق التى كان قد أقرها ملتقى الحوار الوطنى الليبى والذى أسفر عن تشكيل المجلس الرئاسى الليبى واختيار الدبيبة رئيسا للحكومة كمرحلة انتقالية، يعنى نظريا عدم تمتع حكومته بالشرعية بنهاية يونيو، لاسيما فى ظل عدم وضوح مستقبل عقد الانتخابات الرئاسية والتشريعية. ذات الأمر بالنسبة للمجلس الرئاسى الليبى الذى لن يكون شرعيا من الناحية الفنية. هذا الوضع ينذر بخلق المزيد من عدم الاستقرار وتفاقم الصدام بين حكومتى الدبيبة وباشاغا.

ثانيا: يعتبر وصول رئيس الحكومة المكلف من البرلمان، فتحى باشاغا، الى طرابلس وتعزيز وضعيته فى العاصمة وممارسة مهام عمله من داخلها وإجبار الدبيبة وحكومته على الخروج من السلطة دون إراقة الدماء، هو السبيل الوحيد أمامه لفرض الأمر الواقع وانتزاع الاعتراف الدولى بحكومته. لكن، ورغم المساعى المتواصلة لتحقيق ذلك فإن باشاغا لم ينجح فى مهمة الدخول لطرابلس. فى اخر محاولة قام بها أجبرته الاشتباكات بين الميليشيات على الخروج من العاصمة سريعا.

هذا الوضع يعزز من احتمالات التصعيد بين الطرفين فى مرحلة ما بعد انقضاء شرعية حكومة الدبيبة فى نهاية شهر يونيو الحالي. من ناحية هناك ميل للدول الغربية لإبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه كونه يخدم مصالحها، فضلا عن اهتمامها حاليا بأزمة أوكرانيا على حساب الملفات الإقليمية، وأخذا فى الاعتبار أن الدبيبة هو من يسيطر بالفعل على مجريات الأمور لاسيما الموارد المالية وموازنة الدولة بالتنسيق مع محافظ البنك المركزي. من ناحية اخرى، سيسعى باشاغا لمواصلة مساعيه للدخول إلى طرابلس، خاصة ان حكومته موجودة بالفعل فى إقليمى الشرق والجنوب.

من جهتها، تعمل مستشارة سكرتير عام الأمم المتحدة، ستيفانى ويليامز، بدعم من الدول الغربية على طرح أفكار ومسارات موازية تتجاوز كلتا الحكومتين الليبيتين، ومنها على سبيل المثال إعادة هيكلة ملتقى الحوار الوطنى الليبى لتشكيل حكومة جديدة مصغرة للإشراف على الانتخابات. بهذا الخصوص، ترى العديد من الأطراف الليبية عدم رجاحة هذا الطرح باعتباره سيزيد الأمور تعقيدا بإنتاج حكومة ثالثة جديدة ستكون أيضا منقوصة الشرعية طالما لم تحظ بثقة البرلمان الليبى بمجلسيه (مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة).

فيما يتعلق باتفاق وقف إطلاق النار فيبقى صامدا باستثناء بعض الصدامات المسلحة والاشتباكات المتفرقة بين الميليشيات. ويبدو ان الحل العسكرى أصبح مرفوضا من قبل جميع الأطراف بما فى ذلك المجتمع الدولى الذى بات يرفض أى اتجاه إلى السلاح فى ليبيا سواء من دول الجوار أو الأطراف المتدخلة البعيدة. لكن هذا لا يمنع من وجود حالة من الاحتقان يزيد من حدتها التمييز الذى تتبعه حكومة الدبيبة فى توزيع الرواتب. كما ظهرت، فى وقت سابق، دعوات لوقف إنتاج النفط، إلا أنه تم التراجع عنها، خاصة أن ضمان استمرار تدفق النفط الليبى هو أولوية لدى الدول الغربية التى لن تسمح بتكرار سيناريو الاستيلاء على حقول النفط وعرقلة الإنتاج، كما حدث منذ سنوات.

وسط هذا التعقيدات هناك بارقة أمل تبدو وحيدة، حاليا، وهى المسار الدستورى الذى ترعاه مصر بين الأطراف الليبية، ويجمع بين ممثلى مجلسى النواب والأعلى للدولة حول إيجاد قاعدة دستورية وتعديل المادة 12. هذا يعنى إمكانية التوصل لتفاهمات تسمح بعقد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية فى أقرب فرصة، خاصة أن المفاوضات تتم بقيادة وملكية ليبية بعيدا عن أى إملاءات خارجية. وقد حققت الاجتماعات التى عقدت على مدى جولتين، واخرها فى منتصف مايو الماضي، تقدما ملموسا بهذا الخصوص، ومن المتوقع أن تعقد الجولة الثالثة فى شهر يونيو الحالى.

نقلا عن جريدة الاهرام بتاريخ 2 يونيو 2022

 

.

رابط المصدر:

https://ecss.com.eg/19576/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M