النظرية البنيوية الاجتماعية

 مقدمة تمهيدية :

تعد النظرية البنيوية من اهم واقدم النظريات الاجتماعية المعروفة . والبنيوية لا يدرسها علماء الاجتماع فحسب بل يدرسها أيضاً علماء اللغة وعلماء النفس وعلماء البايولوجي (الأحياء بل وحتى علماء الفلسفة).

وكل مجموعة من هؤلاء الاختصاصيين يعنون بها شيئا معينا يتأتى من اختصاصهم وفي الوقت نفسه يخدم الاختصاص ويطوره في ضروب معينة، فالبنيوية عند استخدامها في علم اللغة تعني اصول تراكيب الكلمات والمصطلحات والجمل والفقرات، اذ ان لكل كلمة أو مصطلح تركيبة البنيوي، أي الاجراءات الاساسية التي يتكون منها. كما أن الكل جملة في اللغة تركيبها الذي يتكون من مجموعة الكلمات أو المصطلحات. اذا تتحلل الجملة تحليلا بنيويا الى كلمات والكلمة الواحدة تتحلل الى حروف هي بمثابة العناصر الأساسية التي تتكون منها الكلمة .

وتستخدم النظرية البنيوية في علم البايولوجي الذي يدرس مجموعة فصائل الحيوانات والنباتات. ذلك أن الحيوان له تركيب أو بناء يتكون من مجموعة الأجهزة العضوية، والجهاز العضوي الواحد في الحيوان كالجهاز العضلي او العظمي او العصبي يتكون من مجموعة الخلايا .( اما استخدام البنيوية في دراسة المجتمع فهو استخدام لا يختلف كثيرا عن الاستخدام اللغوي أو البايولوجي. ذلك أن للمجتمع بناء يتكون من مجموعة المؤسسات أو الأنظمة الاجتماعية الفرعية والنظام الفرعي الواحد يتحلل إلى الأدوار البنيوية ، والدور الواحد يتحلل الى الواجبات والحقوق الاجتماعية ) .

  • أن هذا المقال يتكون من مقدمة وخمسة مباحث رئيسية هي :
  • أ – متى تأسست النظرية البنيوية ومن هم أهم روادها ؟
  • ب – ما هي أهم المؤلفات المنشورة حولها ؟
  • ج – المبادىء الاساسية التي تنطوي عليها النظرية البنيوية .
  • د – الاضافات التي قدمها كل من كونت ، وكولدن ويزر وليفي ستراوس ، ومارسيل ماوس لتطور النظرية البنيوية .
  • ه – تطبيق النظرية البنيوية على الابحاث الاجتماعية . والآن علينا دراسة هذه المباحث بشيء من التفصيل والتحليل . .

المبحث الأول : متى تأسست النظرية البنيوية ومن هم اهم روادها.

تأسست النظرية البنيوية في نهاية القرن التاسع عشر واستمرت بالنمو والتطور حتى منتصف القرن العشرين . (وقد كان تأسيسها يستند إلى ظهور مفكرين اجتماعيين معروفين أمثال اوجست كونت وكولدن ويزر وكلود ليفي ستراوس ومارسيل ماووس ، ويرجع ايضا الى نشر مؤلفات مهمة ” كالسكون الاجتماعي ” وعلم الاجتماع الوضعي ” نكونت ، والطوطمية ” لكولدن ويزر ، والبني الأولية للقرابة ” الليفي ستراوس ، واخيرا كتاب ” الهدية ” لمارسيل ماووس . علماً بأن رواد النظرية البنيوية جميعهم يركزون على موضوع البني أو الأنساق الاجتماعية التي يتكون منها البناء الاجتماعي كالبناء الديني والبناء الأسري والبناء السياسي والبناء العسكري ، والبناء التربوي . . . الخ .

وان هذه البني مختلفة في اشكالها ومضامينها ولكنها متكاملة ومتضامنة بعضها مع بعض اذ ان كل بناء الاجتماعي يسند ويعضد البناء أو البني الاجتماعية الأخرى ، وهذا ما يؤدي إلى ظهور ما يسمى بالتكامل الاجتماعي ) . ومن الجدير بالذكر أن هؤلاء المنظرين الاجتماعيين لا يعالجون أجزاء البناء وعلاقتها بالبني الأخرى فحسب بل يدرسون ايضاً تحليل البناء أو النسق الواحد الى عناصره الأولية ويتناولون بالبحث والدراسة الترابط بين الجراء او اركان النسق مع اشتقاق قوانين تتعلق بطبيعة تغير الإنساق من شكل اللى شكل آخر والتركيز على الأسباب الموضوعية والذاتية الداعية للتحول او التغيير الذي يعتري الانساق أو الأجزاء التي يتكون منها المجتمع ” .

ان الاضافات التي قدمها اوجست كونت ( ۱۷۹۸ – ۱۸۰۸ ) للنظرية البنيوية كانت في منتصف القرن التاسع عشر، في حين الاضافات التي قدمها كولدن ويزر ( ۱۹۹۰ – ۱۸۸۰ ) للنظرية البنيوية كانت في عقدي الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين . أما الفترة الزمنية التي قدم فيها مارسيل ماووس ( ۱۹۵۰ – ۱۸۷۲ ) اضافاته النظرية الاجتماعية فقد كانت خلال الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين . واخيرا قدم كلود ليفي ستراوس ( ۱۹۰۸ – ۱۹۸۹ ) اضافات للنظرية البنيوية خلال حقبة الستينات والسبعينات من القرن العشرين .

 المبحث الثاني : أهم الأعمال العلمية المنشورة حول النظرية البنبوية .

هناك اربعة اعمال علمية تتناول بالدراسة والتحليل كل ما يتعلق بالنظرية البنيوية، ولعل من أهم هذه الأعمال كتاب  “ الفلسفة الوضعية  لأوجست كونت الذي يقع في مجلدين .

والكتاب يتناول كل ما يتعلق بعلم الاجتماع الوضعي والوضعية ) . فعلم الاجتماع الوضعي هو الموضوع الذي يتخصص بدراسة الظواهر الكلية لعقل الإنسان والأفعال الإنسانية الناتجة عن هذا العقل . ويضيف كونت أن علم الاجتماع الوضعي لا يدرس العقل في حد ذاته ولكنه يهتم بالنتائج المتراكمة و المتجمعة عن استعمال العقل وممارسته ” .
فعلم الاجتماع الوضعي يدرس اذا ظواهر المجتمع دراسة كلية وضعية، أي دراسة أجزاء المجتمع دراسة علمية موضوعية تعتمد على العقل والمنطق والخبر والتجارب السابقة وتعتمد على الملاحظة والمقارنة والتبع التاريخي للأحداث حسب تسلسل وقوعها.

ويعتقد كونت بان مصطلح الوضعية يجب أن يستعمل في السياسة والاجتماع والفلسفة. علماً بأن أهمية استخدام الاصطلاح أو المصطلح تكمن في رغبته الملحة في تحويل العلوم التي يدرسها من علوم ادبية وفلسفية الى علوم واقعية علمية وموضوعية تهتم بدراسة الظواهر والحقائق الاجتماعية والحضارية دراسة مشتقة من طبيعة المحيط الذي تشتق منه هذه الظواهر والحقائق، دراسة تبتعد عن اسلوب التكهن والحزر الفلسفي والميتافيزيقي .

ويتناول كتاب الفلسفة الوضعية موضوع السكون او الستاتيك الاجتماعي والذي يقصد به كونت دراسة المجتمعات الإنسانية، دراسة تغور في تفصيلاتها وجزئياتها وعناصرها ونظمها في حالة استقرارها بقصد الوقوف على القوانين التي تحكم تماسكها وتعمل على تضامنها. وحلد كونت في الكتاب عناصر المجتمع من خلال تحليله السكوني او الاستاتيكي إلى ثلاثة عناصر هي الفرد والعائلة والدولة .
 ذلك أن الفرد في ذاته لا يعتبر عنصرا اجتماعياً الا اذا تفاعل مع الآخرين وتضامن معهم بشكل جماعات ومنظمات متماسكة .
كما أن الجماعة او المنظمة الاجتماعية لا تظهر ولا تكون فاعلة وقوية الا بوجود الأفراد وانتماءهم إلى الجماعة . لذا ينتهي كونت من هذا التحليل إلى أن الفردية الخالصة لا تمثل شيئا في الحياة الاجتماعية الا بعد امتزاج وتفاعل العقول بعضها مع بعض. علماً بأن تفاعل العقول لا يتحقق في الوسط الفردي وانما يتحقق في الوسط الجمعي. ولعل الأسرة هي الوسط الذي تتحقق فيه كل هذه الأمور وكذلك الجماعات الاجتماعية الأخرى.

وهناك كتاب آخر يتعلق بالنظرية البنيوية ذلك هو كتاب “ الطوطمية ” او عبادة الأوثان للعالم: كولين ويزر.

والكتاب يعتمد على الافتراضات العقلانية التي طرحها كولدن ريزر في تفسير الطوطمية او الوثنية فالوثنية بالنسبة له هي مرحلة بنيوية في التطور الشمولي للحضارة . علما بان الحضارة كما يصفها العالم هي نتاج الأفراد الذين يجدون أنفسهم في حالات وظروف مختلفة . يعتقد كولن ويزر بان الطوطمية كما تشير الأدلة والبيانات التاريخية والأثرية هي شيء قديم ومنتشر في جميع أجزاء العالم .

  انها أي الطوطمية تتكون من صفات ومزايا معقدة بعضها اجتماعي وبعضها ديني وبعضها الاخر طقوسي .

وشيء معقد كهذا لا يمكن أن يظهر بصورة فجائية او صدفية. فعندما توجد الطوطمية في مئات القبائل فينبغي أن تكون هناك صلة بين طبيعة هذه القبائل لاسيما بين سماتها الحضارية المادية وغير المادية والطوطمية. أن الطوطمية تظهر وسط الظروف الاجتماعية البنيوية للقبيلة ثم لا تلبث أن تخرج منها وتصل الى القبائل الأخرى المجاورة أو النائية. وهنا تتشابه القبائل في الظروف الموضوعية والذاتية التي تقود إلى ظهور الوثنية او الطوطمية فيها بصورة منفردة طالما أن التكون البايولوجي للبشر من الناحية الجسمية والعقلية هو تكوين واحد، وأن هناك شبه بين فرد وآخر، فضلا عن وجود نقاط الشبه الكبيرة بين بيئة وأخرى من مكوناتها المادية وغير المادية .

وهنا يمكن القول بأن الطوطمية ليست هي مرحلة في التطور الشمولي الحضارة وانما هي صنف من الاستجابات الحضارية المتشابهة التي تقوم بها عقول متناغمة لظروف بيئية واحدة ).
والكتاب الآخير الذي يهتم بدراسة النظرية البنيوية هو كتاب:
” البني الأولية القرابة لمؤلفه كلاود ليفي ستر اوس”
فالكتاب يتناول اولا البنيوية كما بينها ستراوس اذ يدرس الأسس الحقيقية التي تستند عليها ، وهذه الأسس تكمن في النظريات النفسية لأواخر القرن التاسع عشر .

 ذلك أن الأتراك والتجربة تعتمد كما تقول هذه النظريات النفسية على التجارب الأولية والأحاسيس التي تظهر في العديد من العمليات والظواهر الاجتماعية . ( علما بان هذه التجارب الأولية تتكون من مجموعة الصفات الفيزيولوجية للأشياء وطبيعة تصورات وادرك الناس لها بضمنها مقاصدهم وعلاقاتهم الاجتماعية في البني والمؤسسات التي ينتمون اليها ويتفاعلون معها.
ويتناول ليفي ستراوس في كتابه موضوع بُني وتراكيب العقل كما تتجسد في الأدلة النفسية . فالفكر الذي يحمله الشخص البالغ كما يقول ستراوس يتمحور حول البني الثابتة للخبرات والمعلومات والتجارب التي حصل عليها منذ بداية طفولته الأولى ) .
 وفهم واستيعاب مثل هذه المعلومات الأولية من قبل عالم الاجتماع انما تمكنه من النفاذ او الدخول إلى طبيعة المؤسسات الأجتماعية طالما أن العنصر العام للبناء العقلي والمخطط المؤسسي للبناء في الموارد الأولية التي يعتمد عليها الناس في مشاريعهم وتوجهاتهم الاجتماعية. ذلك أن الخواص التفاعلية النظم القرابة انما هي المادة الأولية لخلق او توليد النظم المتفاضلة أو المختلفة التي يتكون منها البناء الاجتماعي الذي هو اساس المجتمع على حد قول ليفي ستراوس.

اما الكتاب الأخير الذي يتناول دراسة البناء والنظرية البنيوية فهو كتاب الهدية للعالم مارسيل ماووس والذي يقول فيه بان تبادل الهدايا بأشكالها المختلفة يكون تقريبا في جميع المجتمعات البشرية. وبالرغم من كون الهدايا من الناحية النظرية اختيارية وتلقائية وغير قصدية فانها تتسم بصفات الإلزام والواجب والقصد.

( فهي تبني منظومة التزامات تتعلق بالعطاء والاستلام ورد الدين والواجب، وهي جزء لا يتجزأ من المساعدة المشتركة المتبادلة والتفاهم والعلاقات الإيجابية المتبادلة. وقد عمم ليفي ستراوس احكام الهدية والتزاماتها وجعلها حجر الأساس النظريته حول القرابة .

 فاحكام الزنا بالمحارم مثلا تدين الاتصال الجنسي بين الأب وابنته وبين الاخ واخته . ومثل هذا التحريم او الادانة يمنح الأب أو الابن حق الاتصال الجنسي بالاباعد من النساء. وهنا ينطوي تحريم الزنا بالمحارم على تبادل النساء وتكوين العلاقات المتبادلة بين العوائل، أي قيام العائلة باعطاء امراة العائلة أخرى واستلام امراة منها.
يعتقد ليفي ستراوس بأن جميع المؤسسات القرابية هي وسائل التحقيق التكامل بين العوائل من خلال ظهور ثلاث بني قرابية هي البناء القرابي المشترك والبناء القرابي الأبوي و البناء القرابي الامومي . ومثل هذه البنى الترابية التي تحدد انحدار النسب تشكل او تكون حلقة او دائرة من التبادل بين هذه الجماعات. عندما يكون السكن او الزواج في خط واحد كخط الذكور او الاناث فان التبادل سرعان ما يظهر بين هذا الخط لأسرة معينة وخط آخر لأسرة أو عائلة اخرى. وهكذا نلاحظ بان تبادل النساء يكون بين العوائل نتيجة لاختلاف انحدار النسب.

  •  أن المبادىء الأساسية للنظرية البنيوية عند ليفي ستراوس كما يحددها في اعماله العلمية والتطبيقية هي ما يلي :
  • تحليل العلاقات التي تأخذ مكانها بين الظواهر الاجتماعية
  • اختزال الظواهر والعلاقات الى بنى اولية بسيط
  • مفهوم الظواهر الاجتماعية كنظم تتجسد في الأفكار
  • الاعتراف بأن هذه الافكار المتجسدة هي اشياء غير واعية ولا شعورية

المصدر : النظريات الاجتماعية المتقدمة، دراسة تحليلية فى النظريات الاجتماعية المعاصرة

– احسان نحمد الحسن.

 

رابط المصدر:

https://www.b-sociology.com/2020/01/blog-post_21.html

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M