انخراط متصاعد: دوافع وتداعيات تدخل الحوثيين في حرب غزة

أثار اختطاف الحوثيين لسفن إسرائيلية في البحر الأحمر وهجماتهم بالطائرات بدون طيار والصواريخ على إسرائيل -مبررين موقفهم بالحصار المفروض على قطاع غزة بمنع دخول الغذاء والدواء- العديد من التساؤلات حول عمليات جهود السلام في اليمن، ومدى إمكانية فتح جبهات حرب جديدة بالمنطقة لا سيما مع استمرار حرب غزة.

يمكن تفسير تحركات الحوثيين الأخيرة بعدد من العوامل وذلك على النحو التالي:

  1. كسب التأييد داخليًا وخارجيًا

وجدت الجماعة الحوثية في حرب غزة فرصة لكسب تأييد شعبي داخلي وخارجي، إضافة إلى فرض نفسها لاعبًا إقليميًا، حيث جاء هذا التدخل بمثابة طوق النجاة للحوثيين وسط تدهور الأوضاع الاقتصادية في مناطق سيطرتهم خصوصًا مع الإضراب الشامل للمعلمين، ومطالب الناس بالخدمات، بجانب عدم قدرتهم على تشكيل حكومة جديدة بعد إقالة حكومة بن حبتور المتهمة بالفشل والفساد منذ أكثر من شهر.

في هذا السياق، نجحت جماعة الحوثي لاستغلال أحداث غزة لجمع الأموال من المواطنين باسم دعم القوات الصاروخية، وتوظيف أحداث غزة للتحشيد صوب جبهات القتال بعد إفلاسها في حشد المقاتلين خلال الأشهر الماضية وتحديدًا منذ بدء الهدنة الأممية في مطلع أبريل 2022.

على الجانب الآخر، سعت جماعة الحوثي للخروج من عزلتها التي تعاني منها إقليميًا ودوليًا، فقد تأسست الجماعة على أيديولوجية تشجع المقاومة ضد قوى الاستكبار –أمريكا وإسرائيل– وتبنت في خطابها الحثّ على تحرير الأقصى ومقاومة القوى الإمبريالية، ولطالما بررت الجماعة تمردها وانقلابها في اليمن على أنه جزء من مشروع المقاومة. ولذلك عندما بدأ العدوان على غزة، كانت تلك لحظة مناسبة بالنسبة إليهم لحشد قاعدتهم من خلال إعادة تأكيد التزامهم بهذه الأهداف الأيديولوجية.

ضف على ذلك، رغبتهم في تقديم أنفسهم لأول مرة كلاعب خارج منطقتهم الجغرافية المباشرة، ورغبتهم في أن يُنظر إليهم، ليس فقط كمتلقين للدعم من أعضاء محور المقاومة الآخرين، بل كداعم نشط لمساعيهم الإقليمية، إضافة لمحاولتهم التأكيد للجمهور المحلي والدولي على حد سواء أن قوتهم العسكرية آخذة في النمو.

  • خدمة الأجندة الإيرانية

بما أن الحوثيين جزء من تحالف إقليمي واسع مع إيران، يمكن النظر إلى الهجمات الأخيرة على أنها تلبية لرغبات إيران التي تقود ما يعرف بـ “محور المقاومة، كما أنها خطوة طبيعية ومتوقعة؛ لأن إيران لا تريد أن تورط نفسها مباشرة في الدخول في عمليات حقيقية لدعم غزة، وبدلًا من ذلك فهي تحرك أذرعها في المنطقة لإسقاط الحجة بأنها تشارك في دعم غزة. وبالتالي، يتوقع أن تدفع بالجماعة الحوثية للقيام بعمليات أخرى، سواء خطف سفن أو إطلاق صواريخ أو مسيرات أو تفجير ألغام بحرية.

باختصار، وزعت إيران الأدوار بين مليشياتها للضغط على إسرائيل والولايات المتحدة حتى لا تتعرض لهجمات مدمرة قد تقضي على برنامجها النووي، كما أنها بتحريكها المتزامن لمليشياتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن، تعمل على توظيف العدوان الصهيوني على قطاع غزة لتعزيز موقعها كفاعل إقليمي لتهديد دول الجوار، لكنها حريصة على أن يكون التصعيد ضد الاحتلال الإسرائيلي منضبطًا لتجنب خوض حرب شاملة ستنهكها كثيرًا وتفكك ما يسمى محور المقاومة.

أسفرت الهجمات الحوثية الأخيرة عن مجموعة من التداعيات المتوقعة خلال الفترة المقبلة، على النحو التالي:

  1. حسابات أمريكية

استبعدت العديد من التحليلات أن تخوض واشنطن مواجهة عسكرية حاسمة مع الحوثيين، بسبب مخاوف إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأوسع نطاقًا بشأن تقويض الهدنة الهشة في اليمن وإثارة صراع أوسع نطاقًا في المنطقة، فالبيت الأبيض يريد الحفاظ على الهدنة، وهو حذر من اتخاذ إجراء من شأنه فتح جبهة جديدة للحرب.

فبالرغم من أن الولايات المتحدة زودت التحالف العربي بالذخائر والوقود طوال سنوات حرب اليمن، لكن الجيش الأمريكي لم يتورط إطلاقًا في الحرب ضد الحوثيين، بل على العكس، فإدارة الرئيس بايدن رفعتهم من قائمة المنظمات الإرهابية فور توليها السلطة، وبدت حريصة على تضخيم دورهم في اليمن.

ينبع كل ذلك من محاولة أمريكا النأي بنفسها عن التحالف العربي باليمن خاصة في ظل الانتقادات الموجهة للحرب هناك، ناهيك عن رغبة الإدارة في طمأنة الناخبين الأمريكيين بأن الولايات المتحدة بقيادة بايدن لا تزال على وعودها بشأن خفض التصعيد في بؤر التصعيد المنتشرة في العالم، ومنها اليمن، وهذا ما وعد به ناخبيه خلال الحملة الانتخابية.

لهذا السبب، جاء الرد الأمريكي على هجمات الحوثيين محدودًا بشكل متعمد، حيث اكتفت بفرض عقوبات على 13 فردًا وكيانًا مسئولين عن توفير عشرات الملايين من الدولارات من العملات الأجنبية الناتجة عن بيع السلع الإيرانية وشحنه للحوثيين، كما أنها رفضت التأكيد بشكل قاطع ما إذا كانت الهجمات تستهدف السفن الأمريكية بشكل مباشر، وهو ما يشير إلى أن الإدارة الأمريكية تعمدت ترك الباب مفتوحًا للمناورات السياسية.

ضف على ذلك، تعقيدات الأحداث العالمية، مثل الصراع في أوكرانيا، وملف الصين، وملف الديون الأمريكية، فكلها أمور تعيق أي تحرك أمريكي فعّال ضد الحوثيين، وبالتالي سيبقى الوضع كما هو عليه، قصف بمسيرة وتهديد ورد.

على النقيض مما سبق، رفض البعض تفسير الموقف الأمريكي بأنه تردد من اتخاذ خطوة عسكرية حازمة تجاه الحوثيين، لكنه يعود إلى التناغم مع الاتفاق الذي عُقد تحت الطاولة ما بين الولايات المتحدة وإيران بأن يجعلوا الصراع الذي يخص الأحداث التي تقع في غزة محددًا، وضمن شروط واشتباكات لن تتجاوز الخطوط الحمراء. والشاهد على ذلك هو أن الاشتباكات والهجمات، التي تقوم بها أذرع إيران، على القوات الأمريكية لا تتجاوز، ولا تسقط جرحى أو قتلى، وهذا يدل على أنهم لا يريدون تصعيد الموقف العسكري، للدرجة التي تجعل الولايات المتحدة تقوم برد قوي وعنيف ضد هذه المليشيات المنتشرة في هذه الدول.

  • جهود السلام في اليمن

ركزت أغلب التحليلات على التداعيات المباشرة والمستقبلية للهجمات على مسار المحادثات السعودية-الحوثية، ومدى الالتزام الدولي بحل الأزمة اليمنية، وهو ما يمكن استعراضه على النحو التالي:

  1. تدعيم الموقف التفاوضي للحوثيين

جادل البعض بأن الحوثيين نجحوا في تحسين حظوظهم السياسية المتدهورة، وتقديم نفسهم كوجه مختلف للعالم العربي عن المملكة العربية السعودية، التي كانت تتطلع إلى تطبيع العلاقات مع إسرائيل، ومن ثم فلم يروا أن هنالك حاجة للتوصل إلى تسوية مع خصومهم. لا سيما وأن استمرار الحرب في غزة يصرف الانتباه عن النزاع في اليمن ويحد من جهود السعودية لإيجاد حل دبلوماسي مع الحوثيين، الذين قد يستغلون الأحداث لممارسة المزيد من الضغوط على الرياض بغية حصد تنازلات جديدة، وتحسين موقفهم التفاوضي.

وذلك بالتزامن مع رغبة السعودية في إغلاق ملف اليمن، في محاولة منها لإعادة تقديم نفسها كدولة مستقرة أمنيًا واقتصاديًا في تمهيد لتقديم رؤيتها 2030 والتسويق لنفسها بصورة مغايرة تمامًا عما حدث أثناء حرب اليمن، وتأثر سمعتها الدولية سلبًا، وهو ما أكدته وكالة رويترز حينما أشارت بأن السعودية طلبت من الولايات المتحدة ضبط النفس في الرد على الهجمات الراهنة للحوثيين.

  • تجدد الصراع

أكدت بعض التحليلات بأن هجمات الحوثيين على السفن في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، تهدد بنقل حرب غزة إلى اليمن، وتهدد مباحثات السلام الحوثية. فمع بقاء الحل الدائم للحرب في اليمن غائبًا، ومع احتمال مواجهة المملكة لموقف قد تضطر فيه إلى إحباط الهجمات ضد إسرائيل فوق أجوائها، هناك احتمال لتجدد الصراع في اليمن، ففي الآونة الأخيرة، أفيد أن الحوثيين قتلوا أربعة جنود سعوديين بعد أيام قليلة من إسقاط السعودية صاروخًا أطلقه الحوثيون كان متجهًا إلى إسرائيل.

  • تعزيز جهود السلام

نوه البعض بأن حرب غزة يمكن أن تؤدي إلى إطلاق جهود على مستوى المنطقة تركز على المفاوضات، وهذا يشمل التواصل بين الرياض وطهران، والذي سيكون مفيدًا وضروريًا للتوصل إلى السلام في اليمن. كذلك، قد يكون هناك تأخير في المفاوضات الإسرائيلية-السعودية بشأن إقامة العلاقات رسميًا، والجدير بالذكر أنه لم يصدر أي إعلان رسمي عن إلغاء التطبيع أو إيقافه رسميًا. وهذا يمكن أن يوفر مساحة لعملية السلام في اليمن، لأنه يقلل من الصدع المحتمل في العلاقات السعودية مع إيران، الدولة الراعية الرئيسية للحوثيين. ومن ثم توفير فرصة للمملكة للاتفاق على حل مع الحوثيين.

فى اتجاه مضاد لهذا الطرح، أشارت بعض التحليلات بأن الهجمات الأخيرة لن يكون لديها تأثير كبير على مساعي وجهود السلام في اليمن؛ لأن هذه الجهود متعثرة أساسًا سواء بوقوع هذه العملية أو من دونها.

  • تهديد أمن البحر الأحمر

صحيح أن القرار الحوثي الأخير يعتبر بمثابة إعلان فرض حصار تجاري بحري مباشر على إسرائيل من خلال البحر الأحمر، وهو ما سيساهم في الصعوبات التي يواجهها الاقتصاد الإسرائيلي، لكنه يشكل تهديدًا مباشرًا للتجارة الدولية، من خلال التأثير على أسعار النفط، وتوقع زيادتها حال استمرار هذه الهجمات، عن طريق عرقلة عبور الناقلات النفطية إلى مختلف دول العالم، بجانب ارتفاع تكلفة التأمين على الشحن واللوجستيات، وهو ما سينعكس مباشرة على زيادة أسعار السلع وبالتالي رفع معدلات التضخم عالميًا.

فبالرغم من أن اليمن ليس موقعًا استراتيجيًا لمهاجمة إسرائيل، إلا أنه مثالي لمهاجمة السفن في البحر الأحمر، إذ تمتلك جماعة الحوثي مخزونًا من الصواريخ المضادة للسفن، مما يجعلهم قادرين على تهديد أي سفينة تعبر في مضيق باب المندب الذي يعد أحد أكثر الممرات البحرية ازدحامًا في العالم، فهو يمر به نحو 10% من التجارة العالمية.

الأمر الذي ساهم في تصاعد المخاوف بشأن عسكرة البحر الأحمر دوليًا، لا سيما مع إعلان الولايات المتحدة تشكيل قوة عسكرية مع 38 دولة (قوة المهام المشتركة “153”) والتي يتركز عملها على البحر الأحمر وخليج عدن لمرافقة السفن التجارية وتأمين الملاحة البحرية، كذلك، توجهت إسرائيل بشكل رسمي إلى عدة دول بينها بريطانيا واليابان بهدف تشكيل قوة عمليات مخصصة للعمل في البحر الأحمر.

أخيرًا، كشفت مصادر عن تلقي الحكومة اليمنية دعوة من الولايات المتحدة الأمريكية، للمشاركة في تحالف عسكري لمواجهة هجمات الحوثيين، مضيفة بأن المشاركة اليمنية ستكون بدعم من السعودية والإمارات، وعبر غرفة عمليات مشتركة مرتبطة بقوة العمليات متعددة الجنسيات التي سيتم تشكيلها لحماية الملاحة في البحر الأحمر.

 ختامًا، قد يستمر الحوثيون بشكل متقطع في إطلاق الصواريخ والطائرات بدون طيار واستهداف السفن المرتبطة بإسرائيل، لممارسة الضغط على إسرائيل لوقف الحرب، لكن من غير المرجح أن ينعكس ذلك على العدوان الإسرائيلي في غزة أو يغير مسار الحرب، بل سيسفر عن أضرار مادية بسيطة، لأنه يهدف في المقام الأول إلى تعزيز شعبية الحوثيين محليًا وإقليميًا.

المصدر : https://ecss.com.eg/42359/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M