بلينكن في أفريقيا ليكشف النقاب عن استراتيجية أمريكية جديدة

 رشا رمزى

 

وفقًا لإعلان الإدارة الأمريكية الصادر منذ أيام؛ سيتجه وزير الخارجية أنتوني بلينكن بمصاحبة وفد رفيع المستوى في جولة إلى ثلاث دول في أفريقيا في 7 أغسطس بدءًا من جنوب أفريقيا، وذلك وسط تصاعد التوترات الأمريكية مع الصين وروسيا في جميع أنحاء العالم، ليس على الجبهة الأوروبية فحسب، بل في شرق آسيا أيضًا.

وسيكشف بلينكن خلال هذه الجولة النقاب عن استراتيجية أمريكية جديدة طال انتظارها لأفريقيا جنوب الصحراء، والتي عمل عليها المستشار الخاص لمجلس الأمن القومي جود ديفيرمونت منذ العام الماضي. وتشمل جولة بلينكن بالإضافة إلى جنوب أفريقيا كلًا من جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا؛ وذلك للمساعدة في تهدئة التوترات المتصاعدة بين الجارتين في شرق الكونغو.

إهمال ترامب يتحمله بايدن

جاء الحياد الأفريقي بشأن حرب أوكرانيا على الرغم من ضغوط واشنطن لإدانة الغزو الروسي؛ كرد فعل على التباعد الأمريكي عن الساحة الأفريقية، والذي ورثته إدارة بايدن من سابقه. فبعد ثماني سنوات، استمرت الولايات المتحدة في خسارة قوتها أمام منافسيها في أفريقيا؛ بسبب سياسة الرئيس دونالد ترامب الذي رأى أن أفريقيا عبارة عن مجموعة من “الدول الصغيرة” والتي تحمل من المشاكل الكثير.

نتج عن هذه السياسة تفوق الصين التي أصبحت أكبر شريك تجاري للقارة منذ عام 2009. وفي الوقت نفسه، استمرت التجارة الثنائية في السلع مع الولايات المتحدة في الانخفاض من 72.6 مليار دولار عام 2014 إلى 62.3 مليار دولار 2021.[1]

وبالمثل، تحرز موسكو تقدمًا؛ إذ يعمل مرتزقة مجموعة فاجنر الآن فيما يصل إلى 18 دولة أفريقية، وفقًا لمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS) في واشنطن. فضلًا عن أن الدبلوماسية الروسية تتعامل مع أفريقيا وفقًا لسياسات تنموية تحتاجها الدول الأفريقية وخصوصًا في ملف الطاقة ومساعدة الدول الأفريقية في الحصول على طاقة من المفاعلات النووية، مثل مصر والجزائر وإثيوبيا.

لذا قام وزير الخارجية سيرجي لافروف بجولة في مصر وجمهورية الكونغو وأوغندا وإثيوبيا في شهر يوليو الماضي؛ بهدفين هما: إلقاء اللوم على العقوبات الغربية في أزمة الغذاء في القارة وليس العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، ومتابعة المفاعلات النووية الروسية.[2]

من هنا كان رد الفعل الأمريكي هو تكثيف دبلوماسية الزيارات لكبار المسؤولين الأمريكيين للقارة الأفريقية التي بدأت بمسؤولة المساعدات الأمريكية سامانثا باور التي زارت مؤخرًا كينيا حليفة الولايات المتحدة التاريخية، بالإضافة إلى الصومال غير المستقر، حيث سلطت الضوء على تفاقم سوء التغذية بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا.

ليأتي بعدها بلينكن يوم 7 أغسطس بوفد يضم كلا من مساعد وزير الخارجية لشؤون أفريقيا مولي في، وإينو تي إيبونغ مدير وكالة التجارة والتنمية الأمريكية، والدكتور جون نكينغاسونغ الرئيس السابق لمركز السيطرة على الأمراض الأفريقي الذي يتولى المنسق العالمي لمكافحة الإيدز في الولايات المتحدة لتعزيز خطة الرئيس للطوارئ للإغاثة من الإيدز (بيبفار).[3]

وستتوجه السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس جرينفيلد، في أغسطس أيضًا إلى غانا وأوغندا؛ كل ذلك سيكون بمثابة الخلفية الرئيسة لقمة القادة الأفارقة في منتصف ديسمبر القادم التي سيستضيفها بايدن في واشنطن العاصمة، مما يعكس مدى الاهتمام الذي توليه الإدارة الأمريكية للدول الأفريقية في خطتها المستقبلية.[4]

أهداف الزيارة

وفقًا لبيان الخارجية الأمريكية؛ تم الإعلان عن بعض الأهداف والموضوعات التي سيناقشها بلينكن، والتي عبر عنها تشكيل الوفد المصاحب له؛ فبلينكن سيتصدى لـ: وباء كوفيد -19، وتغير المناخ، والحرب في أوكرانيا، وتهدئة التوترات المتصاعدة بين الجارتين في شرق الكونغو. وأثناء وجوده في رواندا، سيثير بلينكن مسألة “الاحتجاز غير المشروع” للمقيم الدائم في الولايات المتحدة بول روسساباجينا، وهو صاحب الفضل في إنقاذ مئات الأرواح خلال الإبادة الجماعية عام 1994.

لكن هناك بعض الأهداف غير المعلنة، أهمها إلقاء اللوم على المنافس الروسي في الأزمات العالمية وخاصة أزمتي الوقود والغذاء والتي تأثرت بهما كل الدول الأفريقية؛ وبالتالي استقطاب كتلة كبيرة (55 دولة) للجانب الأمريكي. هذا بالإضافة إلى أن أداء إدارة بايدن في مأزق عالمي؛ إذ تواجه منافسة شرسة على الجبهة الأوكرانية، علاوة على الرفض والتهديدات الصينية المعلنة بخصوص زيارة بيلوسي لتايوان التي وصلت لاستعراض القوة من الجانبين الصيني والأمريكي.

وكذلك لا يخرج الجانب الاقتصادي من المسألة؛ فالدول الأفريقية تمثل سوقًا رائعة يمكن الاستفادة منها بطرق متنوعة. فعلى الرغم من اضطرابات السوق على مدى العقدين الماضيين؛ فإن المدن الأفريقية مثل دار السلام وجوهانسبرغ وداكار نمت بمعدلات هائلة، والمزيد من النمو يتطلب المزيد من رأس المال والاستثمار؛ لذا تعد مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأمريكية الجديدة بداية جيدة لهذا التعاون، بميزانية قدرها 58.5 مليار دولار سنويًا.

تحتاج أفريقيا إلى الاستثمار في حدود 80 مليار دولار سنويًا في البنية التحتية في المستقبل المنظور. وهو ما تعمل دول أخرى على توفيره بما في ذلك الصين وتركيا واليابان وألمانيا وكوريا الجنوبية وأستراليا. ومن المتوقع أن يصل الإنفاق الاستهلاكي والتجاري في أفريقيا إلى 6.6 تريليون دولار أمريكي بحلول عام 2030، ارتفاعًا من 4 تريليونات دولار أمريكي عن عام 2015.[5]

هذا بجانب أن أفريقيا أكثر من مجرد سوق استهلاكية أمريكية محتملة؛ فالدول الأفريقية لديها القدرة على أن تكون مركزًا صناعيًا لتلبية احتياجات المستهلكين الأمريكيين أيضًا؛ إذ تمتلك الدول الأفريقية ثروة من الشباب منخفضي الأجور بسبب ارتفاع معدلات البطالة؛ مما يترجم إلى قوة عاملة متاحة وراغبة؛ وبالتالي فيمكن أن تصبح مركزًا صناعيًا لدول العالم. على سبيل المثال، أنشأت موريشيوس، وهي واحدة من أوائل المشاركين في هذا المجال، منطقة تصنيع وفرت منتجات لصناعة الأزياء في أوروبا وأمريكا. كذلك تنزانيا وجنوب أفريقيا أصبحتا المكان المفضل لتصنيع سيارات مرسيدس ذات المقود في الجهة اليمنى.

وبرغم هذه الإمكانيات؛ لكن الشركات الأمريكية لم تقترب من خدش السطح فيما يتعلق بالفرص الاقتصادية؛ خلال إدارة كلينتون، أقرت الولايات المتحدة قانون النمو والفرص في أفريقيا (AGOA)، والذي يوفر الأفضلية التجارية للسلع والبضائع من أفريقيا. بينما قامت كل إدارة رئاسية أمريكية منذ ذلك الحين بتمديد قانون أجوا، لم يحدث الكثير لتقديم حوافز أخرى (أو دفع) للشركات الأمريكية للاستفادة من هذه الميزة. نتيجة لذلك، حلت الصين محل الولايات المتحدة بوصفها الشريك التجاري الأول لأفريقيا.

آمال أفريقية في هذه الزيارة

الموقف الأفريقي من قضية أوكرانيا وما تبعها من الاعتراض على التفرقة العنصرية في التعامل مع ضحايا الحرب وخصوصا الأفارقة؛ كل ذلك يعكس وعيًا أفريقيًا بمدى أهمية الكتلة الأفريقية دوليًا، ورفض أي معاملة لا تتسم بالندية. وبالتالي يمكن للدول الأفريقية ألا تقبل معاملة أقل من المعاملة بندية، والذي يمكن أن يظهر في تغيير التعامل الأمريكي في القارة من صيغة المانح إلى صيغة الشريك، عبر تدابير وإجراءات ملموسة للتعاون الدولي متبادل المنفعة، وهو يمكن أن يحدث وفقًا للتالي:

1 – يمكن لمجموعات مثل مجلس الشركات في أفريقيا تقديم رؤى قيّمة حول كيفية التعاون التجاري وفقًا لمبدأ Win/Win. إلى جانب حث وزارة التجارة والممثل التجاري للولايات المتحدة على جعل أفريقيا أولوية أعلى.

2 – العمل على تحفيز الولايات المتحدة للمساعدة على التوسع في توطين الصناعات الدوائية في الدول الأفريقية خصوصًا جنوب الصحراء بمستلزماتها، وليس توفير اللقاح فقط.

3 – تحفيز رأس المال الأمريكي للدخول في مجال التعدين والطاقة؛ وهو ما سبقتها فيه كل من روسيا بالطاقة النووية والصين بالطاقة الشمسية، فضلًا عن المعادن مثل الجرافيت الذي يمثل معدنًا ضروريًا لإمدادات الطاقة العالمية سواء لتكنولوجيا البطاريات أو تكنولوجيا الطاقة الشمسية، باتت الصين أكبر مصدر له، فيما توجد أكبر احتياطيات عالية الجودة له في البلدان الأفريقية، وخاصة تنزانيا.

على أن يبدأ هذا بالتمويل و / أو الشراكة مع الشركات الأمريكية التي تريد، ويجب أن تكون موجودة في القارة. أو بتحفيز أمريكا للوفاء بتعهدها الذي قامت به عن طريق شركة Power Africa باستثمار وإنتاج 20000 ميجا وات من الكهرباء في أفريقيا بحلول عام 2020؛ لكن وفقًا للإحصاءات بلغت الطاقة الفعلية 4194 ميجا وات فقط في نهاية عام 2020، أي أقل من ربع ما وعدت به الشركة.

4 – تنشيط المساعدات الأمريكية لمكافحة الإرهاب الذي تعاني منه أغلب دول وسط أفريقيا من الشرق للغرب.

5 – تقديم بعض النوايا الحسنة مثل دعم بنك القارة الأفريقية للوفاء باحتياجات القارة التنموية وخصوصًا في البنية الاساسية؛ وهو ما يدعم دينامية الديمقراطية الأمريكية، إذا لم ترغب الولايات المتحدة في التنازل عن المزيد من الأراضي لصالح الصين.

6 – تقديم ما يفيد حسن إدارة الأموال الممنوحة والشراكات من إجراءات تحد من الفساد الإداري والمالي.

وبدون الضغط من موقف قوة لن تخرج الاستراتيجية الجديدة عن سابقاتها في الإدارات الأمريكية السابقة؛ والتي تمثلت في وعود ليس إلا.


[1] Blinken to counter Russian charm offensive in Africa, France24 (Paris: 07/2022)

[2] Jared Thompson: Tracking the Arrival of Russia’s Wagner Group in Mali, The Center for Strategic and International Studies (CSIS) (Washington, DC : February 2, 2022)

[3] Julian Pecquet: US to relaunch Leaders Summit to compete with China & Russia in Africa, The Africa report (Buckinghamshire, Jeune Afrique Media Group,1 August 2022)

[4] Top US Diplomat Travels to Asia, Africa as Global Powers Fight for Influence, VOA News July 29, 2022

[5] Charles R. Stith: U.S.-Africa Relations: An Opportunity Lost or Found, The Foreign Policy Research Institute (Philadelphia: Nov. 2021)

 

.

رابط المصدر:

https://marsad.ecss.com.eg/72041/

حول الكاتب

مقالات ذات صله

الرد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

W P L O C K E R .C O M